الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد صعود اليمين المتطرف: على أوروبا عدم إلقاء اللوم على الآخرين والاعتماد على نفسها

فى مقالة كتبها الدكتور رمزى بارود صحفى أمريكى على موقع «كاونتر پانش» وساهمت فيه الصحفية الإيطالية رومانا روبيو قالا: لا تنظر النخبة السياسية أو الإعلام السائد فى الاتحاد الأوروبى إلى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى چوزيپ بوريل، باعتباره أيديولوجيًا يمينيًا أو محبًا للحروب، بل ينظر إليه بمنظور مختلف، ولكن من وجهة نظر غير الأوروبيين لا يمكن لأحد أن يخطئ فى توصيفه، نظرًا لسبب وحيد تجسد فى تعليقات بوريل التى قال فيها «أوروبا حديقة»، وإن «بقية العالم غابة»، والذى لقى التنديد من أطراف عديدة من السياسيين حول العالم، واعتُبِر «عنصريًا»، خصوصًا فى الجزء الجنوبى من العالم. ويجب النظر إلى تعليقات بوريل باعتبارها تعبيرًا عن الفوقية ليس من قبل بوريل شخصيًا وإنما الطبقات الحاكمة جميعها فى أوروبا بصورة شاملة. والمثير للجدل بصورة خاصة فى كلمات زعيم الدبلوماسية الأوروبية هى هذه التصورات غير الحقيقية لأوروبا وعلاقتها مع بقية العالم، فهو يقول: لقد أنشأنا حديقة وكل شىء فيها حقق النجاح ولكن الغابة يمكن أن تغزو هذه الحديقة.



وبدون الدخول فيما يمكن اعتباره عقدة الفوقية المتأصلة فى هذا الرجل؛ يدافع بوريل عما يعرف بـ«نظرية الاستبدال العظيم»، وهى نظرية عنصرية يدافع عنها الغرب، خصوصًا أوروبا، والمفكرون اليمينيون، الذين يرون اللاجئين والمهاجرين، وغير الأوروبيين، عبارة عن طفيليات تهدف إلى تدمير التركيبة السكانية والدينية والاجتماعية المتناسقة، على نحو مثالى للقارة الأوروبية. إذا رجعنا إلى البعد التاريخى يشعر المرء بأنه مجبر على تذكير قيادة الاتحاد الأوروبى بالدور المركزى الذى قام به الاستعمار الأوروبى من خلال الاستغلال الاقتصادى والتدخل السياسى والتدخلات العسكرية المباشرة التى لعبت دورًا رئيسًا فى تحويل معظم دول العالم إلى «الغابة» المفترضة وفقًا لبوريل.

وبصرف النظر عن «الغابة» المتخيلة فإن ماضى أوروبا وواقعها الحاضر ينفيان بقوة وجهة نظر بوريل التى تركز على العرق. والأمر المحزن أن أوروبا هى مهد العديد من أبشع صفحات التاريخ التى عرفها العالم من الاستعمار إلى العبودية، وحركات التطرف القومى، والعنصرية، والعدمية التى تحدد معظم القرون الثلاثة الماضية. وعلى الرغم من المحاولات اليائسة الرامية إلى إعادة كتابة التاريخ، أو تجاهله لصالح رواية أفضل تركز على الروائع العظيمة والفتوحات التكنولوجية والانتصارات الحضارية، تستمر الطبيعة الحقيقية لأوروبا مشتعلة تحت الرماد، ويمكن أن تظهر على السطح، كلما اتخذت العوامل الجيوسياسية أو الاقتصادية الاجتماعية منحى خاطئًا وتعتبر أزمة اللاجئين السوريين، وجائحة كورونا، وأخيرًا الحرب فى أوكرانيا أمثلة صارخة على الدور الأوروبى الخاطئ الذى يضرب به المثل.

وكلمات بوريل التى هدفت إلى طمأنة أوروبا بتفوقها الأخلاقى ليست سوى جهد متهور يقصد به إخفاء واحدة من أكثر الأزمات الدراماتيكية التى تعانيها أوروبا منذ قرن. ولا يمكن المبالغة فى تأثير هذه الأزمة على جميع جوانب الحياة الأوروبية. ووصف السياسى البلجيكى هانس برويننكس فى افتتاحية كتبها فى موقع «يوربيان انفايرونمت آچنسى»، أن حالة الأزمات المتعددة الجارية تميز القارة الأوروبية فى الوقت الحالى ويبدو أننا نعيش من خلال أزمة بعد الأخرى فقد كانت جائحة كورونا، ثم تلتها موجات الحر الشديد، ومن ثم الجفاف نتيجة تغير المناخ، ومن ثم التضخم، فالحرب، وأخيرًا أزمة الطاقة. وبدلًا من تحمل المسئولية لمواجهة هذه الكارثة الوشيكة اختارت النخبة الحاكمة فى أوروبا أمرًا مختلفًا رغم أنه يمكن توقعه، ألا وهو إلقاء اللوم على الآخرين، خصوصًا السكان من غير الأصول الأوروبية والمقصود هنا الغابة أى باقى العالم. وبالطبع السكان العاديون الذين يعيشون فى أنحاء أوروبا والذين يعيشون هذا الواقع الرهيب لن يشعروا بالاطمئنان نتيجة ادعاء بوريل بأن «كل شىء يعمل بشكل طبيعى».

ويبدو أن خطر تجدد ظهور الحركات اليمينية المتطرفة فى أوروبا أصبح اليوم احتمالًا واقعيًا وحقيقيًا. ولكن هذا الخطر أصبح أقل حدة بعد الانتكاسة التى منى بها حزب «البديل لألمانيا» المتطرف والنصر الذى حققه الحزب الاجتماعى الديمقراطى فى انتخابات العام الماضى. ولكن ألمانيا ليست استثناء بالنظر إلى عودة اتحاد اليمين المتشدد الأوروبى عمليًا فى شتى أنحاء القارة.

ففى فرنسا حققت السياسية اليمينية المتطرفة مارين لوبان 41 % من أصوات الناخبين فى أبريل الماضى. وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون تمكن من إيقاف تقدم حزب لوبان المعروف باسم «التجمع الوطنى»، لكن ائتلافه الحاكم فقد الأغلبية المطلقة فى البرلمان الفرنسى، وأصبحت قيادته ضعيفة إلى حد كبير. وتتعرض الدولة حاليًا لهزات نتيجة تظاهرات وإضرابات كبيرة احتجاجًا على ارتفاع الأسعار والتضخم الكبير.

وتمثل السويد أيضًا مثالًا آخر على تقدم اليمين المتطرف حيث تمكن ائتلاف يمينى من الفوز بالانتخابات البرلمانية التى جرت فى سبتمبر الماضى والحكومة التى جرت فى 8 أكتوبر الماضى إذ تم انتخاب رئيس حكومة جديد، يوف كريسترسون، الذى أصبحت حكومته ممكنة نتيجة دعم حزب الديمقراطيين السويديين، وهو حزب له جذور نازية وأجندة قاسية ضد المهاجرين. ولعب حزب السويديين الديمقراطيين دورًا حاسمًا فى انتصار الائتلاف، وهو الآن فى وضع مناسب يسمح له بلعب دور صانع الملوك فى القرارات الحاسمة.

وفى إيطاليا أيضًا يبدو المشهد مرعبًا، حيث جاءت جيورجيا ميلونى زعيمة حزب أخوة إيطاليا، وهو حزب متجذر فى تقاليد ما بعد الفاشية للحركة الاجتماعية الإيطالية التى تشكلت فى أعقاب الحرب العالمية الثانية من قبل السياسيين الفاشيين، بعد أن تم حظر حزبهم بموجب الدستور التقدمى الذى تم تشكيله عام 1948. إن تغير الأرضية السياسية فى كل من ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والسويد، ليس له علاقة تذكر بالغابة فى حين أن كل أسباب ذلك لها علاقة بالحديقة الوهمية. التطرف الأوروبى يعتبر نتيجة ثانوية للتجارب التاريخية، والأيديولوجيات والصراع الطبقى الأوروبى حصرًا. ولهذا فإن إلقاء اللوم على الآسيويين والعرب والأفارقة، واعتبارهم سببًا لأزمات أوروبا المتعددة ليس خداعًا للذات فقط، بل يعيق أى عملية صحية للتغيير.

إن أوروبا لا تستطيع حل أزماتها عن طريق إلقاء اللوم على الآخرين، كما أن «الحديقة» الأوروبية، إذا كانت موجودة أصلًا، يتم تدميرها فعلًا من قبل النخب الحاكمة فى أوروبا، وكذلك النخب الغنية وغير النزيهة على الإطلاق.

رمزى بارود صحفى ومحرر فلسطين كرونيكل وهو مؤلف لخمسة كتب آخر كتاب له هو هذه السلاسل ستتحطم: قصص فلسطينية عن النضال والتحدى فى السجون الإسرائيلية» وهو زميل باحث أول غير مقيم فى مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA)، جامعة أسطنبول الزعيم (IZU).