الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مساعدات عسكرية تقدر بمليارات الدولارات هل يدفع البنتاجون الثمن نتيجة دعم «أوكرانيا»؟

منذ اللحظات الأولى لبدء العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» فى فبراير الماضى، حتى اللحظات الحالية، هرع الغرب، وعلى رأسه «الولايات المتحدة»، بإطلاق وابل من المساعدات المنهمرة، وتحديدًا المساعدات العسكرية، عبر إرسال أحدث الأسلحة، والصواريخ، والمعدات التكنولوچية المتطورة، والتى تجاوزت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.



ورُغم تصدر «الولايات المتحدة» قائمة الدول التى دعمت «أوكرانيا» عسكريًا؛ فإن الجهود المكثفة للإدارة الأمريكية فى مساعدة «كييف» ضد «موسكو»، ألقت الضوء على مشكلتين خطيرتين للأمن القومى الأمريكى، وهما: مخزون وزارة الدفاع الأمريكى غير الكافى من الذخيرة، والصعوبات التى تواجه القاعدة الصناعية الدفاعية للاستجابة لزيادة إنتاج المواد الحرجة بسرعة.

المثير للدهشة، هو أن تلك الأزمات لم تكن مفاجأة لكبار صانعى القرار الدفاعى فى «الولايات المتحدة»؛ حيث تم الاعتراف- منذ فترة طويلة- داخل الحكومة الأمريكية وخارجها، بأن مخزون (البنتاجون) من الذخيرة؛ وبخاصة الأسلحة الدقيقة، غير كافٍ لدعم صراع متطور يستمر لأكثر من بضعة أشهر، كما أن القاعدة الصناعية للذخائر، وسلاسل التوريد الداعمة، ليست فى وضع يمكنها من إعادة ملء المخزونات المستنفدة بسرعة، أو حتى زيادة إنتاج أنظمة الأسلحة الحيوية.

لهذا؛ لا يعتبر نُخب الأمن القومى الأمريكى أن ما يحدث يقع فى إطار مصطلح (البجعة السوداء)، الذى يشير إلى «أحداث غير محتملة، وعادة ما تكون غير متوقعة، وذات تأثيرات كبيرة»، والتى تعتبرها دوائر الدفاع الأمريكية تمثل تحديات للأمن القومى، لكن ما يحدث الآن يقع تحت مصطلح قدّمه كبير باحثى جامعة الدفاع الوطنى فى واشنطن «فرانك هوفمان»، وهو (Pink Flamingo)، أو (نحام وردى، أو طائر الفلامينجو الوردى)، والذى عرفه بأنه: «حدث يمكن التنبؤ به، ويتم تجاهله، بسبب تحيزات قائد كبير، أو مجموعة من القادة المحاصرين من قبل قوى مؤسّسية قوية»، مضيفًا إن هذا يشير إلى «حدوث موقف مفاجئ، بسبب عدم رغبة صانعى القرار فى مواجهته»!

لهذا، توقع عدد من المحللين السياسيين، وعلى رأسهم نائب الرئيس فى معهد «ليكسينجتون» لأبحاث السياسة العامة «دان چورى»، أنه نتيجة للأزمة «الروسية- الأوكرانية»، يواجه الجيش الأمريكى وضع (طائر الفلامينجو الوردى).

وأوضح «چورى» أنه عندما بدأت «روسيا» عمليتها العسكرية فى «أوكرانيا»، هرعت «الولايات المتحدة» فى نقل كميات كبيرة من الذخائر إلى الأراضى الأوكرانية، بما فى ذلك: 1400 من أنظمة ستينجر المحمولة المضادة للطائرات، و8500 من أنظمة الرمح المضادة للدبابات، و38 ألف نظام آخر مضاد للدروع، إلى جانب 1500 صاروخ (TOW) مضاد للدبابات، وقطع مدفعية من عيار 155 ملم و105 ملم، بالإضافة إلى عشرات الصواريخ بعيدة المدى لكل من أنظمة المدفعية الصاروخية (MLRS)، و(HIMARS)، ناهيك عن مليون قذيفة (هاوتزر)، و9 آلاف طلقة 155 ملم من أنظمة الألغام المضادة للدروع عن بُعد (RAAM)، وعدة آلاف من قذائف المدفعية عيار 155 ملم الموجهة بدقة.

ونتيجة لذلك، اعترف «چورى» أن «واشنطن» تواجه أزمة ذخيرة، إذ وصل سَحب مخزونات الذخيرة الأمريكية إلى نقطة حرجة؛ خصوصًا مع ارتفاع الطلب على هذه القنابل، والقذائف، والصواريخ بشكل كبير.

بصورة أخرى، يمكن القول إن الأزمة «الروسية- الأوكرانية» سلطت الضوء على عدم كفاية المخزونات الحالية من الذخائر الأمريكية، بما فى ذلك: القنابل وقذائف المدفعية، فضلاً عن مجموعة من الأسلحة الموجهة بدقة، وهو ما أكده «چورى» إذ قال، إنه: «بحلول أواخر صيف عام 2022، كان (البنتاجون) قد استنفد مخزونه من عدد من الذخائر المهمة، ويمكن أن يعد فقط بتقديم المزيد منها إلى «أوكرانيا» فى غضون أشهر، أو حتى سنوات».

أمّا الصورة الأخرى لـ(طائر الفلامينجو الوردى)، فهى القدرة المحدودة للقاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية على زيادة إنتاج الذخائر، والأسلحة الحرجة، ولكن هذه الأزمة ليست بسبب ليلة وضحاها، أو حتى بسبب الأزمة «الروسية- الأوكرانية» فحسب؛ إنما تعود لنهاية الحرب الباردة بين «الولايات المتحدة»، و«روسيا»، إذ زعمت وزارة الدفاع الأمريكية أن القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية قلصت إنتاجها الزائد، مؤكدة أنه ليست هناك قدرة فعلية فى زيادة متاحة سواء لدعم «أوكرانيا»، أو ملء مخزونات الذخيرة الأمريكية المستنفدة بسرعة.

أوضح «چورى» فى هذه النقطة أن جميع مسئولى (البنتاجون) كانوا يعرفون- منذ عقود- أن مخزونات الذخائر والصواريخ الأمريكية غير كافية، مستشهدًا بتقارير القوات الجوية الأمريكية، التى نشرت فى عام 2019، والتى أفادت بأن العديد من القنابل الموجهة للهجوم المباشر المشترك (JDAM) استخدمت فى «أفغانستان»، و«العراق» لدرجة أنها كانت على وشك النفاد.. وحتى قبل بدء العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، حذرت خدمة الأبحاث فى الكونجرس من أن وزارة الدفاع الأمريكية كانت تشترى ذخائر عالية الدقة بعيدة المدى- من النوع الذى ستكون فى أمس الحاجة إليه فى معركة متطورة مع «روسيا»، أو «الصين»- بأعداد صغيرة لدرجة أن الجيش الأمريكى سوف ينفذ منها بسرعة.

ومن المفارقات، أنه فى نفس الشهر الذى بدأت فيه العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، نشر (البنتاجون) نفسه نتائج دراسته لحالة المنافسة داخل القاعدة الصناعية الدفاعية. وتطرق التقرير إلى أوضاع قطاع الصواريخ والذخائر، وأشار إلى أنه منذ نهاية الحرب الباردة تقلص عدد الشركات فى هذا القطاع من 30 إلى 7 فقط، علاوة على ذلك، لاحظ التقرير أن ضغوط ميزانية الدفاع، أدت إلى نقص مزمن فى تمويل برامج الصواريخ والذخائر.

من جانبه، أعرب  كبير الباحثين بجامعة الدفاع الوطنى الأمريكية «ديف دى روش» عن قلقه قائلاً: «إن لم يكن لدينا إنتاج جديد، والذى يستغرق شهورًا لزيادة الإنتاج، فلن تكون لدينا القدرة على إمداد الأوكرانيين».

فى النهاية؛ يبدو أن المخاوف الأمريكية من إنهاك قدرات وزارة الدفاع الأمريكية تتجاوز فكرة استمرار دعم الولايات المتحدة للدول الصديقة بالسلاح والمعدات العسكرية، فى ظل بطء، أو قلة الإنتاج الناجم عن مجموعة من الأزمات، مثل: حدود التمويل، واضطراب سلاسل التوريد، إلى جانب توقف إنتاج عالمى لبعض أساسيات صناعة بعض الأسلحة نتيجة لعمليات الإغلاق الوبائى، وغير ذلك، وهو ما علق عليه كبير باحثى برنامج الأمن الدولى فى مركز الدراسات الاستراتيچية والدولية الأمريكى «مارك إف. كانسيان»، أن «أوكرانيا» ستظل بحاجة إلى تدفق مستمر للأسلحة والذخائر، من أجل الحفاظ على قواتها فى المواجهات أمام «روسيا». 

ورجّح «كانسيان» أن هذا قد يؤدى لاستمرار اختلال التوازن الدفاعى الأمريكى، الذى يعد بمثابة اعتراف بأن الجيش الأمريكى لم يكن منظمًا لمحاربة، أو دعم صراع ممتد.

وأوضح «كانسيان» أن ذلك يثير فى حد ذاته بعض الجدل فى مؤسّسة الأمن القومى الأمريكى حول أولويات الميزانية، فى الوقت الذى يستمر تدفق الأسلحة والذخائر لأوكرانيا، جنبًا إلى جنب مع استمرار العملية العسكرية الروسية.