الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من قرية أبوالريش إلى قمة مناخ شرم الشيخ الصعيدية فاتن صلاح: تكريم السيدة انتصار السيسى بمثابة دفعة قوية لاستكمال مشروعى

من صعيد مصر، استطاعت فاتن صلاح «35 عامًا» ابنة قرية أبوالريش بمحافظة أسوان أن تُثبت أن ليس هناك مستحيل وأن ليس هناك توقيت للعمل والتعليم وتحقيق النجاح.. «صلاح» الحاصلة على الدبلوم الفنى الصناعى واجهت تحديات عائلية محافِظة برفض والدها خروجها للعمل، جعلها تجلس فى المنزل لأكثر من عشر سنوات، ولكن لم تنسَ حلمها فى تحقيق ذاتها فى حياتها المهنية؛ لتتغلب على التحديات وتنخرط فى سوق العمل وتُصبح من إحدى رائدات الأعمال فى مجال الصناعات صديقة للبيئة وتؤسِّس مشروعها الخاص «ألياف» للصناعات الخضراء.



بدأت «فاتن» مشروعها فى 2019 فى أسوان؛ لكونه مشروعًا مفيدًا لها وللبيئة المَحلية. ونجحت الفكرة وقدرت «فاتن» إنها تدرب 20 فتاة على تصنيع مستلزمات المنزل من إعادة تدوير ألياف شجر الموز، وتطمح بأن تدرب سيدات أكثر ويكون عندها 100موظفة، وتفتح مركز تدريب للحِرَف اليدوية والتراثية فى المستقبل.

فى مارس 2021 حصلت «فاتن» على درع المرأة المصرية أيقونة النجاح وحصلت على تكريم من سيدة مصر الأولى السيدة انتصار السيسى فى احتفالية يوم المرأة العالمى.

يستهدف مشروع «ألياف» تنمية وإحياء الصناعات والحِرَف اليدوية ولتصبح قيمة مضافة للاقتصاد القومى فى توفير فرص عمل وزيادة الدخل وتنمية المواهب الإبداعية عند المواطنين والحِرَفيين الذين يعملون فى المجال وإبراز التراث والثقافة وأن نرى فى كل بيت حِرفَة أو صناعة يدوية.

نجحت فاتن صلاح أن تذهب بمشروعها «ألياف»- والذى حصد المركز الخامس فى ترتيب خريطة الحِرَف الإبداعية فى مصر- لقمة مناخ شرم الشيخ «COP27». 

فى مقابلة مع «روزاليوسف» تتحدث «فاتن» عن مشروعها «ألياف» وتمكين المرأة فى الجنوب، والتحديات التى تواجه رائدات الأعمال فى الصعيد. 

 تُشاركين الآن فى قمة المناخ «COP27» بمشروعك ألياف للصناعة الخضراء.. حدّثينا عنه وكيف بدأت علاقتك بعالم الاقتصاد الأخضر؟

- علاقتى بعالم الاقتصاد الأخضر بدأت عام 2016 من خلال عملى فى إحدى شركات تدوير المخلفات الزراعية بمحافظة أسوان المتخصصة تحديدًا فى إعادة تدوير مخلفات النخيل، وكنت مسئولة عن قسم البحث والتطوير، واكتسبت خبرة كبيرة خلال مدة عملى لثلاث سنوات بالشركة لمعرفة خصائص وطبيعة كل المخلفات الزراعية، والطريقة المناسبة لخامة عن الأخرى وكيفية الاستفادة منها. ثم انطلقت فى تنفيذ مشروعى الخاص عام 2019 «ألياف» للصناعات الخضراء المتخصص فى إعادة تدوير كل المخلفات الزراعية وبدأنا بالخوص ثم شجر الدوم، ولكن نركز على أشجار الموز الذى يقوم عليه مشروعنا.

 لماذا مخلفات أشجار الموز تحديدًا؟

- تشتهر محافظات أسوان، قنا، الأقصر وسوهاج بزراعة أشجار الموز التى تبلغ مساحتها 38 فدانًا، بنحو 4 ملايين شجرة موز ولكن ينتج عن كل شجرة موز 10 كيلو سنويًا مخلفات زراعية!، وهو ما يشكل أزمة على البَشر والبيئة فى آن واحد. الفلاح لا يعرف كيفية التخلص من هذه المخلفات ومن ثم يلجأ لطرُق غير آمنة وضارة للبيئة والإنسان مثل: حرق مخلفات الشجر الذى يضاعف من غاز ثانى أكسيد الكربون بالهواء أو يقوم بتشوينها، ومن ثم تتحلل وينتج عنها غاز الميثان، إمّا أن يُلقى بها فى المصارف أو نهر النيل الذى تلوثه وتسد المَصارف.

ولكل هذه الأسباب السابقة وبَعد البحث والدراسة، قررت تنفيذ مشروع «ألياف» بإعادة تدوير مخلفات أشجار الموز، ونجحت عام 2018 فى تدريب أول مجموعة من النساء بمحافظة سوهاج من خلال جمعية « بدر الطوائف» بمركز «ساقلتة»، وانطلقت المجموعة بعد التدريب بتأسيس أول شركة لإعادة تدوير مخلفات أشجار الموز.

كيف يُساهم مشروعك «ألياف» فى تمكين المرأة بالجنوب، وما التحديات التى تواجه المرأة الصعيدية؟

- نحاول تدريب النساء من خلال «ألياف»، ولكن يعرقلنا محدودية الدعم؛ لأنه لا يزال مشروع startup، لا نستطيع تنظيم تدريبات لأعداد كبيرة من النساء على إعادة تدوير المخلفات الزراعية، ولكن يعمل معى فى مشروع «ألياف» حتى الآن من 8: 15 سيدة. وهدفى من المشروع تحقيق التمكين الاقتصادى للنساء بالصعيد؛ خصوصًا اللاتى لم يحظين بفرص تعليم متقدمة والتحقن بالجامعات كأحد التحديات التى تواجه المرأة فى الجنوب، لدينا نساء كثيرات حصلن على تعليم متوسط والآن لديهن أطفال وعائلة ولكن فرص عمل غير متاحة لهن؛ نظرًا لمتطلبات العمل الحالية من مهارات اللغة والكمبيوتر وغيرهما، واستهدف  «ألياف» هؤلاء النسوة، لا أطلب شهادات أو مؤهلات عليا؛ ولكن يحصلن على العمل بمجرد حضورهن تدريبًا لمدة تتراوح من 10 إلى 20 يومًا، وينطلقن فيما بعد فى الإنتاج للأدوات المنزلية سواء من العمل بالورشة أو المنزل حتى لا يتركن أطفالهن وعائلاتهن فى مواعيد تسليم محددة من قبل.

وماذا عن وعى النساء العاملات والمتدربات بالمنتجات المصنوعة من إعادة التدوير وعلاقاتها بالحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة؟

- النساء فى الجنوب نابغات فى مسألة تدوير المخلفات الزراعية، فهو موروث ثقافى وجزء من هويتنا فى الصعيد، لا يوجد منزل أو عائلة لا تقوم بصناعة منتج من خوص النخيل مثلاً، نحظى بنحو 2 مليون شجرة نخيل بمحافظة أسوان، لذا الخبرة العملية متوافرة لدى النساء بقوة، ولكن ينقصها التطوير والمعاصرة وهو ما نسعى له فى مشروع «ألياف»، تقديم منتجات متطورة مصنوعة من إعادة تدوير المخلفات الزراعية كأشجار الموز، فلا نقتصر على الأشكال والمنتجات التقليدية الموروثة من عشرات السنين؛ ولكن نقدم من هذه المخلفات وحدات إضاءة، قطع مختلفة للديكور، أدوات منزلية، أوانى للزرع والسجاد. كما ابتكرنا مؤخرًا بعض التجارب على مخلفات سنابل القمح، ونجحنا فى صناعة شنط حريمى منها يمكن استخدامها فى التنزه وعلى شواطئ البحر وقمنا بعرضها فى معرض «تراثنا 2022».

والجانب الثانى من مشروعنا «ألياف» يستهدف نشر الوعى للمتدربات اللاتى بدورهن ينقلن ما تعلمنه للأجيال الجديدة من أولادهن وأفراد عائلتهن، مثل أهمية اللجوء للمنتجات الطبيعية بديلاً للبلاستيك، الضار على الإنسان والبيئة. 

 ما أهمية مشاركتك كرائدة أعمال بمشروعك «ألياف» من جنوب مصر بقمة المناخ «COP27»؟

- نحن فخورون جدًا بوصول «ألياف» لمؤتمر قمة الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بمدينة شرم الشيخ، واختيارها لتكون ضمن أهم منتجات يدوية تُمثل جمهورية مصر العربية من خلال المنتجات الصديقة للبيئة. ونحن مُمتنون للدعوة الكريمة التى وجهتها لنا وزارة التضامن الاجتماعى والدكتورة نيفين القباج لحضور قمة المناخ.

ونشارك خلال منطقة Green Zone بالقمة فى العديد من ورش العمل والندوات مع منظمات داعمة للمرأة وريادة الأعمال والمشروعات الخضراء الصديقة للبيئة، ونكتسب كألياف منذ وصولنا وحضورنا للنقاشات واللقاءات التفاعلية خبرات واسعة سواء من خلال عرض تجربتنا كشركة ناشئة فى مجال إعادة تدوير المخلفات الزراعية ومعرفة إمكانية نشر وتبادل أفكار المشروعات الخضراء بين مناطق ودول مختلفة من العالم تتشابه فى ظروفها المناخية، وهدفنا واحد هو حماية كوكب الأرض من الأضرار البيئية.

 حصلت على المركز الأول ضمْن 14 مشروعًا من الشركات الناشئة startup بمحافظة أسوان فى مجال صناعة المنتجات صديقة البيئة.. حدّثينا عن تجربتك كرائدة أعمال من الجنوب؟

- فى الحقيقة مشروع «ألياف» لم يكن ليظهر للنور إلا من خلال انضمامى لعدة تدريبات فى مجال ريادة الأعمال، وكان أبرزها والذى رسَم لى بداية الطريق هو حضور تدريب تابع لمركز تنمية المهارات التابع للمجلس القومى للمرأة عام 2018 الداعم لـstart up النسائية، واستهدف التدريب آنذاك الفتيات اللاتى يرغبن فى تطوير مهاراتهن وخبراتهن من أجل تدشين مشاريعهن الخاصة، وكان التدريب مفيدًا للغاية جعلنى أنطلق بعده بتأسيس مشروعى الخاص «ألياف» للصناعات الخضراء.

أمّا حصولى على المركز الأول فكان ضمْن تدريب «حاضنة مسار أسوان لريادة الأعمال» فى صعيد مصر وأهمية الاستثمار وتمكين المرأة فى محافظات الجنوب، نظمته مؤسسة Enroot للتنمية فى أغسطس 2021 تحت رعاية كل من وزارة التعاون الدولى وجامعة أسوان، وجامعة جنوب الوادى وجامعة أسوان، وتقدم للتدريب أكثر من 40 رائدة أعمال بمشاريعهن الخاصة، وبعد اجتياز عدة مراحل من التدريب والاختبارات حصلت على المركز الأول على 14 شركة ناشئة فى مجال المشروعات الخضراء، بينما تخرّج من التدريب بأكمله 34 صاحبة شركات ناشئة من محافظات الأقصر وأسوان، وقنا، وبنى سويف.

 وكيف استفدت من التدريب كرائدة أعمال وصاحبة شركة ناشئة كألياف للصناعات الخضراء؟

- حصلت على تدريبات فنية مهمة جدًا فى مجال إدارة المشاريع الناشئة، تكونت لدىّ خبرة من التدريب تخدم مشروعى الخاص «ألياف» فى مجال تطوير تصميم المنتج، وكيفية ابتكار تصميمات جديدة من دون الاستعانة بمصمم خاص، من أجل تخفيض ميزانية المشروع وعدم إثقاله بأعباء مادية إضافية، وكذلك تدربنا على التصوير والتسويق الإلكترونى لمنتجنا، ومحاضرات عن إدارة الأعمال، وغيرها من الورش التى تخص الجوانب المالية والإدارية والقانونية لمشروع ناشىء startup.

 ما التحديات التى واجهتك كإحدى رائدات الأعمال تعيش فى جنوب الصعيد؟

- محدودية الفرص للتدريب فى محافظة أسوان، كلها تتمركز فى العاصمة، وهذه أكبر العراقيل والتحديات، لا يسمح الكثير من العائلات بسفر بناتها خارج محافظتهم للقاهرة لتلقى التدريبات وتطوير مهاراتهن، كرائدة أعمال كانت تواجهنى أزمة أن كل حاضنات الأعمال بالقاهرة، وكان يشكل عبئًا ماديًا كبيرًا تحمل نفقات الانتقالات والإقامة والإعاشة، ومن ثم يجعلنى ذلك غير مواكبة لهذا المجال الذى يتطور كل ساعة وبسرعة فائقة، فالتدريب الذى أحضره فى أسوان فى مجال startup يكون انتهى فى القاهرة منذ عام!.

بالإضافة إلى التحديات المالية ونقص المنح والتموين على الشركات الناشئة، فمشروع «ألياف» لديه طموحات كبيرة فى مجال التمكين الاقتصادى الأخضر للنساء فى الصعيد؛ ولكن لضعف التمويل لا نستطيع تدريب أعداد كبيرة من النساء.

ما هى المَعارض التى شاركت فيها بمنتجات «ألياف»، وماذا عن وعى المستهلكين بالمنتجات المُعاد تدويرها ومدى الإقبال عليها؟

- فى البداية، كنت ببيع فى المناطق القريبة حولى،الآن نعرض فى الفنادق البيئية، ولكن بعد نجاح معرض المنتجات النوبية الذى نظمناه فى «ألياف» بالتعاون مع المكتب الإعلامى لرئاسة الجمهورية ووزارة التضامن الاجتماعى على هامش زيارة الرئيس السيسى لأهل أسوان بعد السيول فى ديسمبر2021، كتكريم لنا خصصت الوزيرة العزيزة الدكتورة نيفين القباج بالمجان مكانًا للجناح نوبى فى معرض «ديارنا 2022» وكنت مسئولة الجناح، ثم شاركنا فى معرض «تراثنا» للمنتجات الحِرَفية والتراثية أكتوبر 2022.

أمّا عن الإقبال الجماهيرى لشراء منتجات معاد تدويرها من المخلفات الزراعية، لو سألتنى عام 2018، كانت الإجابة ستكون إقبالًا ضعيفًا ومحدودًا للغاية، ولكن بعد جائحة «كوفيد - 19»، أصبح هناك انتشار للوعى الصحى لدى المواطنين، ورغبة فى استخدام مواد غير ضارة بالصحة والبيئة، ومن ثم زاد الإقبال والشراء لهذه المنتجات.

ماذا عن دعم عائلتك اليوم بعد رفضها ومنعها لعملك فى الماضى من التحقق المهنى؛ بل تكريمك من قرينة الرئيس؟ 

- فخورون جدًا بكل خطواتى التى حققتها الآن، تكريمى من السيدة انتصار السيسى كان مُلهمًا ودفعة قوية لاستكمال مشوارى، ومواجهة أى تحديات تواجهنى، وكأن التكريم كان يخبرنى بأنى سلكت الطريق الصحيح رغم العراقيل، وشعورى الغاضب بتأخرى عن تحقيق ذاتى بَعد حصولى على الدبلوم الفنى الصناعى منذ عام 2005 وعودتى للحياة العملية عام 2016، بأن لدى الكثير لأحققه وأنجزه فى حياتى.. التكريم كان يؤكد ثقتى فى حلمى وأنى أستحق النجاح.

نشأت فى أسرة محافظة جدًا لأب يرفض عمل بناته، ومن ثم قرر بعد حصولى على شهادة التعليم المتوسط البقاء فى المنزل وعدم الخروج للعمل، كان يخشى علىّ من كل شىء ولا يثق فى قدرتى على تحمل المسئولية كما كان يرفض الاختلاط وغيرها من تقاليد القرية الصعيدية المحافظة، ولا أظن أنه كان سيوافق اليوم لو كان موجودًا بيننا أو يصدق أن ابنته سافرت لشرم الشيخ بمفردها لحضور قمة المناخ وتقابل الوزراء والمسئولين، أمّى كانت تشبه أبى أيضًا فى خوفها ورفضها لخروج البنات للعمل، ولكن اليوم تقول لى: «مش مصدقة إنك حققت كل ده، وياريت كنا شجعناكى من زمان»، وكذلك أخى الذى كان يشجعنى دائمًا على العمل والنجاح.

وأقول لأى فتاة تعتقد أنها تأخرت فى تحقيق حلمها أو ذاتها فى العمل؛ إن الفرصة لم تذهب بعد، وعليها الاجتهاد والمثابرة وستصل للنجاح، بعد غيابى عن التعليم لمدة 17 عامًا، التحقتُ هذا العام بالجامعة المفتوحة كلية تجارة لإدارة الأعمال، من أجل تزويد خبرتى العملية والفنية بخبرة أكاديمية علمية تساعدنى على إدارة شركتى ومشروع «ألياف» بطريقة صحيحة ومدروسة.

أخيرًا.. ما خططك وأحلامك المستقبلية لمشروع «ألياف»؟

- حلمى مَدينة كبيرة للحِرَفيين فيها كل الحِرَف فى مصر والناس تتعلم فيها وتكون مزارًا كبيرًا فى أسوان، وتمكين أكبر عدد من نساء الصعيد اقتصاديًا، وخططى لـ«ألياف» أن تصبح أكبر شركة فى مشروع إعادة تدوير المخلفات الزراعية وتسويق إنتاجها يصل للخليج والمنطقة العربية، ثم أوروبا وكل أنحاء العالم، وبالفعل بدأت أولى الخطوات بدولة الكويت ثم المحطة الثانية ستكون «دبى» ليكون لـ«ألياف» هناك مركز دائم لتوزيع منتجاتها.