الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ): زواج المطلقة.. باطل من دون عدة! "40"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



من العلاقات التى تجمع بين الشباب والفتيات فى الغرب، علاقة «بُوى فِرنْد»، و«جِرل فِرنْد»، التى يراها البعض نموذجًا للحُرية؛ بينما هى ممارسات جنسية غير شرعية، والغرب يسمح بتلك العلاقات، ويمنع تعدد الزوجات.

والعلاقة الجنسية مع «بُوى فِرنْد» و«جِرل فِرنْد» هى زِنَى، والزّنَى نوعان؛ الأول المستمر بغير تمييز بين الأشخاص، بمقابل أو من دون مقابل، والثانى الزّنَى المستمر بين عشيقين، والنوعان حرام.

وإذا أراد رجل أن يتزوج بامرأة لها علاقات جنسية عابرة أو لها «بُوى فِرنْد»، تتحدد مدة لتوبتها وهى مدة العدّة، أى ثلاث حيضات ليتم التأكد من خلو رحمها من أى حَمْل، فإذا تبين أنها حامل تمتد مُدة العدّة حتى تتم الولادة، ونسبة الولد إلى أبيه، وبعد ذلك يمكن الزواج بها زواجًا شرعيًا إسلاميًا بصداق وشهود.

والزواج يكون باطلًا إذا تم بعد طلاق من دون عدّة، والزواج يكون صحيحًا من دون عدة فى حالة أن تكون العروسُ بكرًا، إن عَقد عليها العريسُ ثم طلقها قبل الدخول بها فليست عليها عدّة، وإذا دخل بها ثم طلقها فلا بُد أن تعتد منه، وحين تنقضى فترة العِدَّة ويتم التأكد من خلوها من الحَمْل تتزوج: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)، البقرة 228، عدتها ثلاث حيضات متواليات.

وبالزواج يتم حفظ الأنساب والحقوق، ومن هنا نفهم تحريم الزواج بالزانية التى لا تتوب عن الزنَى، ولا بالزانى الذى لا يتوب عن الزنَى، ومع عدم التوبة يحرم نكاح المؤمن من الزانية ويحرم نكاح المؤمنة من الزانى: (ٱلزَّانِى لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَ‌لِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ)، النور 3. 

والزّنَى نوعان؛ زنَى بأجر أو بتعبير القرآن: (مُسَـٰفِحَـٰتٍ)، وزنَى بعلاقة مستمرة بين اثنين أو بتعبير القرآن: (مُتَّخِذَ‌ٰتِ أَخْدَانٍ)، فالارتباط الجنسى بين رجل وامرأة من دون عقد زواج يُعتبر زنَى ضمْن (مُتَّخِذَ‌ٰتِ أَخْدَانٍ)، مثل علاقة «بُوى فِرنْد» و«جِرل فِرنْد». 

وعلى المرأة التى لها علاقة جنسية مستمرة برجل، وتريد الزواج منه أو من غيره؛ أن تتوب وأن تمر بفترة العدّة مثل المطلقة التى تم الدخول بها. 

والزواج الباطل منه الزواج بامرأة كانت لها علاقات زنَى ولم تمر بفترة العدّة، والتى تعتبر فترة للتوبة حتى تتخلص من وصف الزانية، هنا يتم التفريق بينهما، وبعد إتمام العِدَّة يتزوجان، قد يكون الزواج الباطل معترفًا به من المجتمع؛ ولكن عاقبته سيئة يوم الحساب.

 الطلاق الأول:

إذا أراد الزوجُ الطلاقَ فعليه استدعاء الشهود، فكما تزوّج بشاهدين فعليه أن يطلق بشاهدين، وهنا يقرر القرآنُ أن تظل الزوجة فى بيت الزوجية خلال فترة العدّة، ويحرص القرآن على نَسب البيت لها حتى مع وقوع الطلاق، ولا تخرج من بيتها إلا فى حالة ضبطها متلبسة بالزنَى: (..لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ..)؛ الطلاق 1.

وفى فترة العِدَّة تعتبر زوجته ويجوز له أن يعاشرها، واذا عاشرها فقد انتهى الطلاق وعادت بينهما الحياة، وعليهما إبلاغ الشاهدين بأن الموضوع انتهى.

وفترة عدة المطلقة فى بيت زوجها هى مرورها بثلاث حيضات لتتأكد من وجود حَمْل، وعليها أن لا تخفى حَمْلها: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاحًا..)؛ البقرة 228، وجاء الوصف (وَبُعُولَتُهُنَّ)، وليس أزواجهن، والفرق بين الزوج والبعل أن كلمة زوج فى القرآن تقال للرجل وللمرأة: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)؛ البقرة 35؛ أمّا كلمة بعل فتعنى صاحب الأمر ويوصف بها الرجل الزوج فقط: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ)، النور 31.

وإن لم تكن المطلقة تحيض أو بلغت سن اليأس ففترة عدتها ثلاثة أشهُر؛ أمّا إذا ظهَر أنها حامل فإن عدتها تستمر إلى أن تضع حَملها: (وَالَّلائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّلائِى لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)، الطلاق 4.

فى نهاية فترة العِدَّة وهى فى بيتها مع زوجها ومن دون أن يعاشرها أو يتصالحا، يأتى الشاهدان ويقومان بتخيير الزوج بين أن يحتفظ بالزوجة بالمعروف، وتعود الحياة الزوجية بينهما ويحسب عليه أنه قام بتطليق زوجته مَرّة؛ وبين أن ينفصل عنها وتخرج من بيته الذى لم يعد بيتها، وتصبح حُرة يمكن أن تتزوج فقد انتهت عِدّتها.

ويُحذر تعالى من أن يتمسك الزوج بزوجته ليوقع بها الأذى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا..)، البقرة 231، (..يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ..)، البقرة 231، والتحذير والتنبيه على التقوَى والخوف من الله تعالى بهدف حفظ حقوق المرأة. 

كما يُحذر تعالى من عضل الزوجة بمعنى منعها من الزواج بعد طلاقها أو إجبارها على الزواج بمن لا تريده: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ..)، البقرة 232. 

وحكمة وجود الزوجة فى بيتها مع زوجها أثناء فترة العِدَّة تُعتبر فرصة للمراجعة، وبَعدها يكون الانفصال التام، أو إعادة الحياة بينهما بالصلح أو بالمُعاشرة الزوجية بينهما أثناء العِدَّة، فإذا حدث الصلح أو المعاشرة انتهى موضوع الطلاق.

 الطلاق الثانى: 

فإذا عادا إلى النزاع وطلقها للمرّة الثانية؛ فسوف تتكرر نفس إجراءات الطلاق الأول من استدعاء الشاهدين وإعلان الطلاق أمامهما، وتظل فى بيتها فترة العِدَّة، فاذا تصالحا قبل انتهاء العِدَّة أصبح الطلاق الثانى ملغيًا، ويبلغا الشاهدين بانتهاء الطلاق قبل تمام العِدَّة وقبل احتساب طلقة عليهما، أمّا اذا استمرا من دون صلح ومن دون مراجعة وانتهت فترة العِدَّة وحضر الشاهدان فيتم تخيير الزوج بين إمساكها بالمعروف أو فراقها بالمعروف، فاذا اختارا الاستمرار فى حياتهما الزوجية تحسب عليه طلقة ثانية: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، البقرة 229.

الطلاق الثالث:

فإذا عادا إلى النزاع وطلقها للمرّة الثالثة؛ يتم استدعاءُ الشاهدين، ولكن بعد أن تتم العِدَّة لا يكون للزوج حق الاختيار فى الاستمرار مع زوجته لأنها صارت مُحرمة عليه، ولا يتزوجها إلا بعد أن تتزوج زوجًا غيره ثم يطلقها الزوج الجديد بنفس إجراءات الطلاق السابقة، بَعدها يمكن للزوج السابق أن يتقدم لها ويتزوجها بعَقد جديد: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا..)، البقرة 230، ولا يوجد فى القرآن ما تم تسميته بالمُحَلل.

تشريع الطلاق يمكن أن يؤدى إلى إعادة الحياة الزوجية، ويمكن أن يؤدى إلى الانفصال النهائى، وإجراءات الطلاق تشمل حساب فترة العِدَّة وهى تعيش فى بيتها مع زوجها، وبعد تمام العِدَّة يكون التخيير: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)، الطلاق 2، ولعل الله تعالى يُحْدِثُ أمرًا فتعود الحياة بينهما. 

 بَعد الطلاق: 

يحرص القرآنُ على أن يكون بقاءُ الزوجة بمعروف وإطلاق سراحها بمعروف، مثلما يحرص على أن تكون معاشرتها بالمعروف، وسداد نفقة طلاقها بالمعروف، وحقوق الرضاعة لطفلها تكون بالمعروف، وكلها حقوق للمرأة يؤكد عليها القرآنُ ومنها حقها فى الصَّداق: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)؛ النساء 4، وفى المؤخر: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)، البقرة 241. 

وحقوق المطلقة المالية فى النفقة تكون بنفس المستوى المالى الذى يعيش فيه زوجها، ويمنع تعالى التضييق فى النفقة على المطلقة: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ..)، الطلاق 6.

ويؤكد تعالى على أن تكون النفقة حسب قدرة الرجل المالية: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)، الطلاق 7.

والمطلقة إذا وَلدت فمن حقها النفقة لنفسها وللرضيع: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلِكَ)، البقرة 233، وأن يتم تقدير ذلك بالمتعارف عليه بالعدل ومناسب للحالة المادية للرجل بحيث لا يحدث ضرر بالأب أو بالأم، فإذا مات الوالدان أو أحدهما كان على الوارث القيام بتنفيذ المطلوب، وفى كل الأحوال فالله تعالى يراقب الجميع وعليهم أن يتقوه وأن يخشوه.

إن آيات التشريع فى القرآن تدعو إلى التقوَى وأن يتعامل المؤمن مع الله تعالى بأن يخشاه وحده، لذلك على الطرف الأقوَى وهو الرجل أن يتذكر الله تعالى فيتقيه ويخشاه، ويعطى المرأةَ حقها باعتبارها الطرفَ الضعيفَ الذى يتعرض للظلم.