الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الرئيس السيسى أطلق مبادرة لإنهاء الحرب هل تغلب روسيا وأوكرانيا مصلحة البشرية على الخلاف السياسى؟

«عانينا من أزمة كورونا، والآن نعانى من تبعات الحرب الروسية.. أرجوكم أن توقفوا هذه الحرب التى أثّرت كثيرًا فى اقتصادنا». بهذه الكلمات دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى قادة العالم للاتحاد والوقوف جنبًا إلى جنب لوقف نزيف الدماء المستمر بسبب الحرب.



ووجه الرئيس السيسى خلال كلمته فى الجلسة الافتتاحية للشق الرئاسى من أعمال الدورة الـ27 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27) الذى ينعقد فى دورته الحالية بمدينة شرم الشيخ، نداء إلى جميع قادة العالم بضرورة التحرك سويا لوقف الحرب الروسية - الأوكرانية، وإنهاء هذه الأزمة التى تلقى بظلالها على جميع دول العالم.. وقال: «إننى أوجه نداء معكم وبكم من أجل أن تتوقف هذه الحرب، نحن كدول اقتصادها ليس قويًا عانت كثيرًا من تبعات أزمة (كورونا) لمدة سنتين وتحملنا تبعاتها.. والآن نعانى من هذه الحرب».

وأوضح الرئيس السيسى خلال خطابه أن الملايين يتابعون اليوم القمة وفى أذهانهم الكثير من الأسئلة الصعبة، ولكنها ضرورية «أسئلة يتعين علينا أن نسألها لأنفسنا قبل أن توجه إلينا هل نحن اليوم أقرب إلى تحقيق أهدافنا؟، هل استطعنا خلال عام منصرم أن نتحمل مسئوليتنا كقادة للعالم فى التعامل مع أخطر قضايا القرن وأشدها تأثيرًا، والأهم هل ما نطمح إلى تحقيقه من أهداف يقع فى نطاق الممكن؟ بلا شك أنه ليس مستحيلا، ولكن إذا توافرت الإرادة والنية الصادقة لتعزيز العمل المشترك المناخى».

 الأزمة.. والحرب

وقد فرضت الحرب الروسية- الأوكرانية أزمة طاقة كبيرة خاصة فى دول الغرب أو حلفاء كييف، خاصة بعد فرض عقوبات على موسكو وصادراتها من الغاز، الأمر الذى ألقى بظلاله بصورة مباشرة أو غير مباشرة على مسألة التغير المناخى، وما ارتبط به كذلك من تصاعد أزمات الطاقة فى بعض دول العالم، وعرقلة التحول الدولى وخططته فى التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، حيث تكشف التقديرات أنه منذ بداية الحرب الروسية- الأوكرانية، أصبح من المتوقع تزايد استخدام الوقود الأحفورى بنحو 14 % فى ظل نقص إمدادات الطاقة، لا سيما من روسيا التى تعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعى فى العالم وتساهم بنحو %40 من احتياجات الدول الأوروبية، كما أنها ثانى أكبر مصدر لمشتقات البترول وثالث مصدر عالمى للفحم.

وقد دفعت تطورات الحرب الأوكرانية الكثير من الدول إلى تعزيز تأمين وارداتها من الوقود الأحفورى فى المدى المنظور، وهو ما ظهر بشكل واضح فى الحالة الأوروبية مع إعلان موسكو فى سبتمبر الماضى تعليق شحنات الغاز الطبيعى عبر خط الأنابيب عبر خط أنابيب «نورد ستريم 1» إلى أجل غير مسمى.

ورغم تدافع الحكومات والشركات لتأمين إمدادات النفط والغاز والفحم على المدى القصير، فإنه وفق محللين فإن الحرب الروسية الأوكرانية يمكن أن تسرع انتقال الطاقة النظيفة على المديين المتوسط والطويل، وإنه إذا استمر النفط فوق مستوى 150 دولاراً للبرميل على المدى الطويل، فقد يكون هذا بمنزلة مؤشر خطر على الاقتصاد العالمى، كذلك فإن هناك مخاطر منهجية حقيقية من أن هذه الحرب يمكن أن تُعجل بتحول أخضر «غير منظم»، مما يضر باقتصاديات العالم.

ومن المؤكد أن الصراع الروسى- الغربى، كشف عن إرث سوء التخطيط من جانب دول الاتحاد الأوروبى لتنويع الإمدادات الغاز، وهناك أيضاً خطر يتمثل فى أن الانتقال السريع إلى الطاقة المتجددة قد لا يمكن التنبؤ به ويزعزع استقرار الأسواق بشكل أكبر.

 الخطر الرخيص

وعلى النقيض من إمكانية التحول إلى الطاقة النظيفة للتعويض عن فقدان إمدادات النفط والغاز، فضلاً عن ارتفاع الأسعار، تتجه العديد من البلدان أيضاً إلى مصدر طاقة رخيص لكنه شديد التلوث، وهو الفحم، فرغم اتجاه العديد من الدول الأوروبية لوقف محطات الفحم على مر السنوات الماضية، وتباطأ انخفاض الاستهلاك الفحم من نحو %29 بين عامى 2017 و2019، إلى %3 فقط بين عامى 2019 و2021. إلا أن الدول، خاصة الصناعية منها، اتجهت مرة أخرى للفحم لسد فجوة الاحتياج للغاز، وهذا قد يؤدى إلى إبطاء إزالة الكربون فى أوروبا على المدى القصير، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبى يريد على المدى الطويل مضاعفة تطوير الطاقة المتجددة للاقتراب من الاكتفاء الذاتى.

جدير بالذكر أن استهلاك الفحم فى أوروبا كان ينخفض فى السنوات الأخيرة، وفى أكتوبر 2021، خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى 2021، دعت العديد من الدول إلى فرض حظر كامل على الفحم.

 الغابات.. والأمن الغذائى

التأثير الآخر الأقل شهرة لأزمة الحرب الأوكرانية هو التهديد بمزيد من إزالة الغابات فى منطقة الأمازون؛ حيث قام الرئيس البرازيلى، اليمينى المتطرف، جايير بولسونارو، الذى ينكر المخاوف البيئية، بتوظيف الحرب الأوكرانية كحجة لمزيد من استخراج البوتاسيوم من منطقة الأمازون، وتقليل الاعتماد على واردات روسيا فى هذا الإطار؛ ولذا دعمت تصريحات الرئيس البرازيلى تسريع إزالة الغابات، سواء بشكل قانونى أو غير قانونى. وقد أدى هذا النمط إلى تحذير العديد من الخبراء من «نقطة تحول» قادمة، حيث ستتحول أجزاء كبيرة من الغابات المطيرة إلى سافانا جافة، ما يؤدى إلى تغيير أنماط الطقس وإطلاق مليارات الأطنان من ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى.

من جهة أخرى، فقد أصبح الأمن الغذائى مشكلة جديدة تهدد العالم، حيث تعتبر روسيا وأوكرانيا لاعبين أساسيين فى الزراعة العالمية، وقد أطلق على أوكرانيا تحديدًا «سلة غذاء العالم»، كما تعد روسيا أكبر مورد للأسمدة ومكوناتها الخام، مثل النيتروجين، وتمثل هاتان الدولتان معاً 28 % من صادرات القمح عالمياً.

ووفق دراسة أعدتها د. مروة صبحى منتصر لمركز «إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية MIR» أوضحت أن الأنماط الزراعية العالمية ستتأثر بصورة قوية مع إستمرار الحرب وفى حين أن الآثار القريبة المدى للاضطرابات الزراعية المرتبطة بالأسمدة والقمح، وارتفاع سعرها سعرها بصورة واضحة، سيظهر تأثيره بشكل أكثر حدة فى الأماكن التى تعتمد على حبوب البحر الأسود (مثل: ليبيا وباكستان ودول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى)، وأشارت التقديرات إلى أنه ستكون هناك آثار مضاعفة عالمية مدمرة؛ إذ ستؤدى زيادة تكاليف الوقود ومحدودية الأسمدة إلى قلة توافر الحبوب ورفع الأسعار فى جميع أنحاء العالم، ما يؤثر بشكل غير متناسب على الذين لديهم أقل قوة شرائية.

 التدمير البيئى

فى اليوم الأول من الحرب الروسية فى أوكرانيا، تم الإبلاغ عن إشعاع «جاما» فى منطقة تشيرنوبيل بما يقرب من 28 ضعف الحد السنوى، فى وقت تدير فيه أوكرانيا خمسة عشر مفاعلاً نووياً فى أربعة أماكن مختلفة. ومن الممكن – حتى لو تعرض أحد المفاعلات للتلف – أن نرى كارثة تشيرنوبيل الثانية، حيث يمكن للحطام والإشعاع المنطلق فى أى هجوم أن ينتشر آلاف الكيلومترات، ويمكن أن يؤدى إلى العديد من المشاكل الصحية للمواطنين؛ ليس فقط فى أوكرانيا، ولكن أيضاً فى أقرب البلدان. ومن جانب آخر، فإن هناك العديد من مناجم الفحم التى عفى عليها الزمن فى منطقة دونباس، وهى تشكل خطراً كبيراً فى أوكرانيا لأنه عندما يتم إغلاق منجم لا يمكن التخلى عنه للأبد؛ إذ لا تزال هناك مهام يجب القيام بها مثل المياه التى يجب ضخها باستمرار لمنع تلوث الخزانات بالمعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص والزرنيخ، وفى ضوء استمرار العمليات العسكرية فى أوكرانيا، فإن تنفيذ هذه المهام أمر بالغ الصعوبة.