الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مدرسة الكاريكاتير .. صلاح چاهين.. «الكاريكاتيريست»..

ارتبط اسم الفنان الشامل متعدد المواهب والقدرات صلاح جاهين (1930-1986) بالشعر والرباعيات على الرغم من أن جاهين نفسه كان يعتبر أن الكاريكاتير هو أقرب الفنون إلى نفسه ووظيفته الأساسية، وبشكل شخصى لم أكن أُفضل لقب الشاعر صلاح جاهين وكنت أرى - وما زلت - أنه رسام كاريكاتير فى المقام الأول ثم يأتى الشاعر والسيناريست والممثل.



 

أحدث جاهين نقلة كبيرة فى تاريخ الكاريكاتير منذ ظهوره، وأسس مدرسة الكاريكاتير المصرى والعربى الحديث مع نجوم مدرسة روزاليوسف الكاريكاتيرية؛ المدرسة التى قدمت أشهر وأهم رسامى الكاريكاتير فى مصر فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى مثل حجازى وبهجت وإيهاب وجورج ورجائى وناجى والليثى واللباد. بدأت شهرة صلاح جاهين كرسام كاريكاتير محترف فى منتصف الخمسينيات على صفحات مجلة روزاليوسف، حيث بدأ مسيرته الفنية، ثم على صفحات مجلة «صباح الخير» التى شارك فى تأسيسها عام 1956، حيث صدر العدد الأول، وترك جاهين مجلة صباح الخير سنة 1962 لينتقل إلى جريدة الأهرام التى يرأس تحريرها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، حيث كان يقوم برسم مربع الكاريكاتير بشكل يومى، ثم عاد ليتولى رئاسة تحرير صباح الخير لمدة عام واحد فقط سنة 1966 ليعود بعدها إلى جريدة الأهرام ليرسم الكاريكاتير اليومى.

كانت ثورة 23 يوليو 1952 مصدر الإلهام لصلاح جاهين، وكان الأكثر إيمانًا بها وبالحلم الناصرى وكان شاعر الثورة ولسان حالها حيث عبر عنها من خلال كلمات أغانيه الوطنية التى غناها كبار المطربين والمطربات، وعلى رأسهم أم كلثوم وعبدالحليم حافظ؛ «ثوار»، «إحنا الشعب»، «بالأحضان»، «بستان الاشتراكية»، «صورة»، «يا أهلا بالمعارك»، وغيرها حتى حدوث النكسة 5 يونيو 1967 التى كانت سببًا فى إصابته بالاحباط والاكتئاب مثل كثير من المثقفين وفضّل وقتها الابتعاد عن كتابة الأغانى الوطنية.

كانت رسوم صلاح جاهين الكاريكاتيرية مؤثرة للغاية وذكية وجريئة تمتاز بروح مصرية خالصة وشخصياته الكاريكاتيرية لها حضور لافت وخفة دم مدهشة، وكان كاريكاتير جاهين هو الأكثر متابعة حيث كان القراء ينتظرون رسومه يوميًا فى الأهرام، وكانت رسومه تلاقى قبولًا شعبيًا غير مسبوق.

اهتم جاهين فى رسومه الكاريكاتيرية بالتفاصيل وإثراء اللوحة الكاريكاتيرية كأنه كادر سينمائى يضيف له لمساته الفنية ويرسم فيه الخلفية والديكور والإكسسوارات والملابس، إلى جانب اهتمامه بتعبيرات الوجه ولغة الجسد، وهنا كانت تكمن قوة صلاح جاهين فى رسم الكاريكاتير الذى ما زال يعبر عن هموم المصريين وأحوالهم رغم مرور كل هذه السنوات وكأن الكاريكاتير مرسوم حديثًا، كما كان متأثرًا بالموروث الشعبى وظهر ذلك واضحًا فى صياغة تعليقاته ومفردات الحوار فى رسوم الكاريكاتير، أيضًا فى الرباعيات التى تعد قمة الإبداع الشعرى لجاهين حيث تحمل كثيرًا من الفلسفه والعمق والتأمل فى الحياة.

ابتكر جاهين العديد من الأبواب الكاريكاتيرية الثابتة مثل «قيس وليلى» و«نادى العراة» و«قهوة النشاط» و«دواوين الحكومة» و«الفهامة» وشخصية «درش» وغيرها من شخصيات الكاريكاتير التى ناقشت مواضيع اجتماعية لم تكن مطروحة للنقاش وتعامل معها بكل جرأة دون ابتذال.

أبدع جاهين فى مجالات مختلفة من الفنون وأثرى الحياة الفنية بالعديد من الأعمال فى الكاريكاتير والرسم الصحفى والشعر والسينما والتليفزيون وكتب أوبريت «الليلة الكبيرة» أشهر أوبريت للعرائس فى مصر، والفوازير والعديد من سيناريوهات الأفلام، وسجل برسومه وأشعاره حقبة مهمة فى تاريخ مصر الحديث من خلال تجربة بالغة التفرد.. صلاح جاهين حالة فنية وأدبية فريدة وعلامة مهمة لا تُنسى فى تاريخ مصر المعاصر.