الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (..وَاضْرِبُوهُنَّ): الزوجة.. بين الأذى والتهذيب! "41"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.  



خلال لقاء د.أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر ببرنامج مذاع على إحدى القنوات الفضائية، قال: «ليس من حق الزوج صفع أو ركل زوجته فى الإسلام، وهذا منهى عنه».

 

وأضاف: «الطلاق أمْرٌ غير مرغوب فى الشريعة الإسلامية، والأصل فيه المنع ويجب ألاّ يحدث إلا لضرورة قصوَى تستحيل معها الحياة الزوجية».

وأوضح: «إذا خرجت الزوجة عن طوع زوجها فيعاقبها بالضرب بالقلم الرصاص ويقوم بوخزها وليس صفعها أو ركلها، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستخدم فى هذه الحالة السّوَاك، مسترشدًا بقول الحق عز وجل فى كتابه الكريم: «وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ».

 ضرب الزوجة:

ومسألة ضرب الزوجة من المسائل المثيرة للجدل عن العلاقة بين الرجل والمرأة فى الإسلام، والتى تم الاختلاف حولها فى الفهم والتطبيق، فالبعض أيَّدَ الأمْرَ وخففَ فى طريقة تنفيذ العقاب، والبعض الآخر اعترض من وجهة نظر أن الأذى الجسدى يسبب آثارًا نفسية سلبية على الأسرة.

ويرى البعضُ أنه لا وجود لأى مَظهر من مَظاهر العنف ضد المرأة فى القرآن، وأنه يجب إعادة قراءة وفهم الآية الوحيدة التى تعطى للزوج الحق فى ضرب زوجته: (..فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا..)، النساء 34.

 نشوز الزوجة:

تبدأ الآية بالتفصيل فى مسئولية الرجال بالإنفاق والحكمة فى إدارة الأمور: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ..) النساء 34، ثم تتحدث عن حالة النشوز بالنسبة للزوجة، وتعطى الآية التوجيهات بطريقة تعامُل الرجال مع هذه المشكلة الزوجية على ثلاث مراحل؛ أولًا محاولة التصالح بالكلام والموعظة، وثانيًا مرحلة الهجر فى المضاجع؛ حيث يمتنع الزوج عن الدخول فى أى علاقة جسدية مع زوجته، وثالثًا تأتى حالة الضرب.

والنشوز قد يعنى الترفع أو التكبر أو التمرد، بمعنى أن الزوجة كثيرة التفاخر بحسبها ونسب أسرتها ولذلك فهى تترفع على زوجها، كما أن النشوز هنا جاء فى مقابل الحفظ بالغيب، ويعنى التفريط بالغيب والذى قد يعنى أنها فضلت رجلًا آخر على زوجها، وخوف الزوج لا يعنى مجرد وسوسة النفس؛ بل يعنى رجحان احتمال خيانتها.

 نشوز الزوج:

والنشوز يحدث من المرأة ويحدث من الرجل: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، النساء 128، وهنا خوف المرأة من أن يتكبر زوجها عليها أو يعرض عنها، وتخاف المرأة أيضًا من خيانة زوجها لها.

وفى الروايات أن سبب نزول الآية 34 من سورة النساء، هو مجىء امرأة إلى النبى عليه الصلاة والسلام تشكى سوء معاملة زوجها، فكان رده عليه الصلاة والسلام أنه أعطى لها حق القصاص بأن تعاقب زوجها بمثل ما عوقبت به.

وذلك فى رواية حبيبة زوجة سعد بن الربيع، التى جاءت للرسول تشكو زوجها الذى لطمَها: «فقال أبوها: يا رسول الله، أفرشته كريمتى فلطمَها، فقال عليه الصلاة والسلام: لتقتص من زوجها، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال عليه الصلاة والسلام: ارجعوا هذا جبريل أتانى فأنزل الله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)، فقال عليه الصلاة والسلام: أردنا أمرًا وأراد الله غيره، ونقض الحكم الأول». 

لقد أوحى تعالى إلى النبى عليه الصلاة والسلام بالآية التى تبدو أنها تعارض القرار الذى اتخذه عليه الصلاة والسلام ليمنع من خلاله أى معاملة سيئة للنساء، غير أن الوحى قام بتطبيق طريقته القائمة على التدرج فى التغيير، فالقرآن احترم النظام الاجتماعى السائد فى رؤيته للمرأة، ولم يسمح بسوء معاملة النساء.

ويأتى هذا الموقف انتقاليًا ليهيئ الظروف للتغيُّر التدريجى، فى حين كان حُكم النبى عليه الصلاة والسلام يقدم حلًا جذريًا كان من الممكن أن يتسبب فى ردود فعل غير معلوم نتائجها، ولذلك فإن حكمة الله يبقى لها نفس الهدف، وإن جاءت مختلفة فى التطبيق عن الحل الذى قدّمه النبى عليه الصلاة والسلام.

 الأمر الثلاثى:

وفى سورة النساء مجموعة من الأوامر الثلاثية خاصة بتعامل النبى مع المنافقين: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا)، النساء 63.

نجد الأمْرَ الثلاثى المشابه موجّهًا للنبى عليه الصلاة والسلام بالنسبة للمنافقين الذين يحضرون مجلسه، وهنا الأمر يخص عملًا واحدًا يقوم به فيتحقق الأمران الآخران، فإذا أعرض الرسول بوجهه عن وجه منافق فسوف تتأثر نفس المنافق فيتعظ لأنه سيصاب بالخجل والإهانة أمام الآخرين، ويفهم بأنه عليه الصلاة والسلام يعرفه فلا مجال للتخفى.

إن رؤية القرآن الكريم للمؤسَّسة الزوجية رؤية تدعو للاحترام المتبادل بين الزوجين، والتى تخيّر الأزواج بين العيش فى سَكينة وسعادة، أو الافتراق بالإحسان والمعروف: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، البقرة 229.  

لقد رفض النبىُّ عليه الصلاة والسلام العنفَ ضد النساء، والكثير من الأحاديث تدين كل أشكال العنف التى يقوم بها الرجال، ولذلك حرص النبى عليه الصلاة والسلام على توجيه المسلمين فى معاملة زوجاتهم، مثل الحديث الذى رواه الترمذى وابن ماجه: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى».

 معانٍ للضرب:

كلمة «ضرب» تكررت أكثر من عشرين مرة فى القرآن بمعانٍ مختلفة: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا)، النحل 75، بمعنى أعطى المَثل، (يَضْرِبُونَ فِى الأرْضِ)، المزمل 20، بمعنى يسعون للعمل والرزق، (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)، النور 31، بمعنى الدَّقّ على الأرض بكعب الحذاء مثلًا للفت الأنظار. 

والضرب بمعنى الإيذاء جاء فى القرآن مرتبطًا بطريقة تنفيذه، قال تعالى: (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا)، بمعنى ضربت أو لطمت بيديها على كل الوجه، وقوله تعالى: (فَوَكَزَهُ مُوسَى)، بمعنى ضربه أو لكمَه باليد. 

وعن النبى عليه الصلاة والسلام: «أيضرِب أحدكم امرأته كما يضرِب العبد، ثم يجامعها فى آخر اليوم»، وأنه عليه الصلاة والسلام قال: «لا تضربوا إماء الله»، ولا يمكن أن ينهى النبى عمّا أمر الله به.

 تفسير الضرب:

إن الاتجاه الحالى هو تفسير معنى الضرب بالابتعاد والترك، وهو ما يتفق مع تصرُّف النبى عليه الصلاة والسلام فى رواية الهَجْر، والتى بيّنت أن أزواج النبى اجتمعن واتفقن على أن يشتكين له من قلة النفقة وشظف العيش، فأتوه مجتمعات فلمّا رأى النبى عليه الصلاة والسلام هذا الاجتماع وهذه الشكوى بهذه الطريقة غضب وحلف بالله أن لا يدخل عليهن شهرًا كاملًا.

وفى الآية 34 من سورة النساء يأتى الضرب فى إطار التدرج من خلال المراحل الثلاث حتى يصل الأمْرُ لحل النزاع بين الزوجين، بعد محاولة التصالح، ثم بهجر فراش الزوجية، ثم العقاب الجسدى وإن كان رمزيًا، وقد تتألم الزوجة إن جرحت كرامتها بهجر زوجها لها أكثر من تألمها من ضربها وإن كان ضربًا خفيفًا.

وتحدّث البعضُ عن احتمال ضرب الزوجات بشكل رمزى، وبرفق بواسطة عود صغير ولين مثل السّواك، وقد يكون الضرب فعليًا لزوجة تهين زوجها أو تنتقص من رجولته، وغيرها من الحالات الخاصة، والتى لا تعتبر تصريحًا بالعنف ضد النساء بشكل عام.

تحديد طريقة الضرب:

والقرآن الكريم يتحدث عن عقوبة الزّنى ويحدد له مائة جلدة: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)، النور 2، فيستعمل كلمة الجَلد للضرب وليس كلمة الضرب فقط، فيحدد أن الضرب يكون بالجَلد وليس بالعصا التى قد تؤدى إلى الكسر.

ثم إنه تعالى يأمر بأن يكون الجَلد أمام عدد من المؤمنين: (..وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، النور 2؛ حيث يتم إعلان الحُكم وأدلته دفعًا لشبهة الظلم، فكيف يسمح للزوج بضرب زوجته ودون أن يحدد نوع أداة الضرب ولا عدد الضربات؟.

وفى عقوبة مشابهة يأمر تعالى بضرب الذين يشهدون على امرأة بالزّنى دون أن يكملوا أربعة شهود فيتحقق كذبهم: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً..)، النور 4.

قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، فصلت 34، فكيف يأمرنا تعالى بأن نعامل عدوّنا معاملة حسنة، ويبيح لنا ضرب الزوجات؟، أوَلَمْ يكن أولى أن يبيح لنا ضرب عدّونا؟، وجود هذه التساؤلات والتناقضات؛ معناه وجود فهم خاطئ للآية، يحتاج لإعادة فهمها.

يرى البعضُ من الرجال أن الله تعالى سمح لهم بضرب زوجاتهم، ولذلك يجب فهم معنى (وَاضْرِبُوهُنَّ) بما يتناسب مع نظام القواعد الإنسانية لمكارم الأخلاق، بحيث يتم فهم المعنى المراد من مصطلح الضرب ويكون متوافقًا مع المقاصد التشريعية للزواج، مما يجعلنا نعيد فهم الآيات ونتدبرها من داخل القرآن الكريم