الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المشهد لا يزال غير مستقر هل ينجح عبداللطيف رشيد فى إنقاذ العراق؟

بعد عام من الاحتدام السياسى بين قادة الأحزاب العراقية، وانزلاق الأوضاع لمزيد من العنف فى بعض الأوقات بين متظاهرين سواء فى الساحة الخضراء، أو أمام البرلمان، هذا بجانب صراع الأحزاب السياسية وسيادة حالة من الاستقطاب على المشهد العراقى، انتخب البرلمان العراقى يوم 13 أكتوبر 2022 عبداللطيف رشيد رئيسًا للبلاد، بعد جولتين من التصويت تنافس فيها مع الرئيس الحالى برهم صالح، فى أعقاب إعلان الحزب الديمقراطى الكردستانى فى بيان، سحب مرشحه للرئاسة ريبر أحمد، فى مؤشر عكس دعم الحزب لـ«رشيد».



وفور الإعلان عن فوزه برئاسة الجمهورية، أعلن الرئيس الجديد عن تكليف محمد شياع السودانى برئاسة الوزراء، وهى خطوات طرحت العديد من التساؤلات حول مستقبل المشهد السياسى العراقى فى ضوء التطورات الراهنة، خاصة أنه ينظر الى سيد قصر السلام الرئاسى فى العراق، على أنه مرشح توافقى بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، بينما يرجح أن يواجه مصاعب كبيرة فى ظل مشهد سياسى متقلب وتهيمن عليه الانقسامات.

 الرئيس التوافقى

وفق محللين، فإن أى رئيس للعراق ما بعد صدام حسين لا يمكن أن ينجح فى مهامه ما لم يكن محل توافق بين الحزبين الكرديين: الاتحاد الوطنى الكردستانى والديمقراطى الكردستانى.

ويبقى معرفة ما إذا كان الرئيس الجديد سيحافظ على نهج سلفه برهم صالح، النشط كرئيس للجمهورية، وهو منصب شرفى إلى حدّ كبير، فى وقت لا تزال فيه الساحة السياسية منقسمة بين معسكرين شيعيين، أحدهما موالٍ لإيران والآخر يقوده الزعيم الشيعى صاحب النفوذ مقتدى الصدر.

إلا أن المهندس عبداللطيف رشيد( 78 عامًا)، صاحب خبرة واسعة فى بغداد، فهو مهندس الهيدروليكى المنادى بالقضايا البيئية، عليه أن يواجه مشهدًا سياسيًا صعبًا فى بلد شديد الانقسام.

ويملك رشيد، الكردى الحائز على شهادته من بريطانيا، خبرة سياسية طويلة فى الحكومة الاتحادية فى بغداد، حيث كان عضوًا فى الحكومة العراقية الأولى التى شكلت بعد الإطاحة بصدام حسين فى العام 2003 إثر الغزو الأمريكى.

ويخلف لطيف رشيد، كما يسميه العراقيون، فى رئاسة الجمهورية برهم صالح. وكلا الرجلين من الخلفية السياسية نفسها، حزب الاتحاد الوطنى الكردستانى، واحد من أبرز الأحزاب الكردية والذى رافق رشيد مراحل تأسيسه وكان ممثلاً له فى لندن فى تسعينيات القرن الماضى.

وكان الرئيس العراقى الجديد، مقربًا من الرئيس الراحل جلال طالبانى مؤسس حزب الاتحاد الوطنى الكردستانى وعمل مستشارًا رئاسيًا بعيدًا عن الأضواء منذ العام 2010.

ويحظى الرجل الذى ظهر ترشيحه إلى الواجهة مجددا فى اللحظة الأخيرة، بقبول المعسكر الموالى لإيران، من دون أن يكون محط حماسة للحزبين الكرديين التقليديين اللذين قدّم كل منهما مرشحه.

مشهد جديد

على الرغم من «هامشية» دور الرئيس فى المشهد السياسى العراقى، فإن اختيار رئيس جديد للبلاد عبر عن بدء تجاوز أزمة الفراغ السياسى الذى يشهده العراق منذ أشهر، فضلًا عن تعبير هذه الخطوة عن بدء تشكل مشهد جديد، وهو المشهد الذى بدأت معالمه تتشكل بالإعلان فى 27 سبتمبر الماضى عن تشكيل تحالف «إدارة الدولة» الذى ضم الحزب الديمقراطى الكردستانى، برئاسة مسعود بارزانى، وتحالف السيادة، برئاسة خميس الخنجر، بالإضافة إلى قوى الإطار التنسيقى المدعوم من إيران، وحزب الاتحاد الوطنى الكردستانى بزعامة آل طالبانى.

وقد عبر تشكيل هذا التحالف عن بدء بعض القوى المتحالفة مع «الصدر» وبالتحديد تحالف السيادة السنى، والحزب الديمقراطى الكردستانى، فى الابتعاد عن التيار الصدرى، وفى المقابل الاقتراب بشكل نسبى من قوى الإطار التنسيقى المناوئة لـ «الصدر». وقد حصر هذا الائتلاف أهدافه السياسية فى تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، مع السعى إلى تمهيد الوضع السياسى فى البلاد لإجراء انتخابات برلمانية جديدة.

وبالتزامن مع هذا التغير، أعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسى عن استقالته من منصبه فى 26 سبتمبر الماضى، لكن أعضاء البرلمان العراقى رفضوا بالأغلبية فى 27 سبتمبر هذه الاستقالة، فى مؤشر عكس حرص الإطار التنسيقى وحلفائه على استمرار جلسات البرلمان وإنجاز الاستحقاقات العالقة خصوصًا اختيار الرئيس الجديد للبلاد، ومن ثم تشكيل الحكومة، استغلالًا لغياب التيار الصدرى، وسعيًا إلى تجاوز فكرة استرضاء التيار الصدرى، خصوصًا مع توجه بعض الأطراف المتحالفة مع الصدر لرفض فكرة التصعيد فى البلاد.

 أزمات «السودانى»

عقب اختياره رئيسًا جديدًا للبلاد، كلّف عبداللطيف رشيد النائب والوزير السابق محمد شياع السودانى القيادى السابق بحزب الدعوة وائتلاف دولة القانون واستقال عام 2019 ويتزعم حاليًا «تيار الفراتين» الذى أسسه عام 2021 وله عدد من النواب فى البرلمان؛ برئاسة الحكومة المقبلة.

وفور الإعلان عن اختياره رئيس وزراء جديد للعراق، تعهد «السودانى» بتقديم تشكيلة حكومية قوية وقادرة على بناء البلد، وأضاف: «أعد العراقيين أن أكون عند حسن ظنهم بتقديم التشكيلة الوزارية بأقرب وقت، وأن تكون حكومة قوية وقادرة على بناء البلد وخدمة المواطنين وحفظ الأمن والاستقرار وبناء علاقات دولية متوازنة».

 طريق الأزمات

وعلى الرغم من النظر إلى «السودانى» على أنه واحد من الشخصيات المعتدلة داخل الإسلام السياسى الشيعى، حيث يرفع شعارات الإصلاح السياسى، ويتجنب أى خطابات طائفية، إلا أنه يواجه العديد من التحديات التى ستصاحب ملف تشكيل الحكومة الجديدة، من أهمها، موقف التيار «الصدرى» من الحكومة، حيث أصدر التيار بيانًا على لسان القيادى الصدرى صالح محمد العراقى، شدد فيه على رفضه للحكومة الجديدة ومقاطعته لها، محذرًا منتسبى التيار من الاشتراك فى الحكومة، وملوحًا بعقوبة الطرد من التيار، ووصف التيار الصدرى الحكومة التى لا تزال قيد التشكل بحكومة «تبعية ميليشاوية»، وشدد على أنها لم ولن تلبّى طموح الشعب العراقى ولا تتوافق مع مبدأ (المجرب لا يجرب).

وقد مثل هذا البيان مؤشرًا على استمرار رهان التيار الصدرى على خيار التصعيد الجماهيرى والاحتجاجى، بعد التحرر من شروط ومقتضيات العمل السياسى ومحاذيره؛ سعيًا إلى الدفع باتجاه إجراء انتخابات نيابية مبكرة عبر توظيف ورقة الاستقرار السياسى، بما يُعطى «الصدر» فرصة لتشكيل حكومة أغلبية وطنية جديدة، وهو المسعى الذى ترفضه قوى الإطار التنسيقى التى ترغب فى تشكيل حكومة «توافقية» تضم كل أطراف القوى السياسية على أساس من المحاصصة الطائفية.

أما الأزمة الثانية التى ستواجه «السودانى» فهى الخلافات المحتملة للحقائب الوزارية فى ضوء التنافس بين القوى السياسية الشيعية وبعضها البعض من جانب، وبين قوى الإطار التنسيقى وتحالف السيادة السنى والقوى الكردية من جانب آخر، من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية.

هذا بالإضافة إلى الإشكاليات الأخرى المتعلقة بمدى قدرة السودانى وحكومته على مواجهة الفساد والقضاء على ظاهرة الفقر والسلاح المنفلت؛ وأيضًا مواجه التيار الصدرى حال لجوئه الى خيار التصعيد فى الفترات المقبلة، مما قد يزيد حالة التأزم السياسى فى البلاد، خصوصًا مع ما سيترتب على هذا الخيار من تعطيل لبعض الاستحقاقات المهمة، وعلى رأسها عرقلة صدور الموازنة الاقتصادية.