الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ): تعدد الزوجات.. والتصدق بالزوج! "39"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



فى تصريحات للداعية الشيخ إسلام رضوان مع برنامج على إحدى الفضائيات المصرية، طالب المرأة بأن «تتصدق بجزء من زوجها» لامرأة أخرى، هذه المطالبة أثارت جدلًا خاصة بين النساء المسلمات فى مصر.

 

قال رضوان إن المرأة يمكن لها أن: «تتصدق بجزء من زوجها لحماية أسرة ثانية بالزواج»، ويسأل: «لماذا عندما تتزوج السيدة تستأثر بزوجها وتعتبره ملكية خاصة لها ولا يحق لأخرى أن تشاركها فيه؟».

وأضاف: «لماذا لا تتقبل الزوجة أن يتزوج زوجها من أرملة ويكون مسئولًا عن أولادها الأيتام خاصة إذا كانت لا تملك مصدرًا للرزق أو دخلًا أو سكنًا؟»، مشيرًا إلى أنه «توجد سيدات يعرضن على أزواجهن أن يتزوجوا من أخريات».

واعتذر الداعية عما قاله وفهمه الآخرون بصورة خاطئة، وقال إنه لم يقصد ما قيل حرفيًا، مشيرًا إلى أنه تعلم ضرورة وأهمية الاعتذار عند الخطأ.

 الأحوال الشخصية

وقد تم إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد للعرض على مجلس النواب، وينص فى المادة 14 على ضرورة استدعاء قاضى محكمة الأسرة للزوجة الأولى لمعرفة رأيها فى الموافقة على الزواج الثانى لزوجها وإبداء رأيها بالرفض أو القبول، وإبلاغ الزوجة الجديدة بالزواج القديم.

ونصت المادة 16 على أن الزوجة المراد التزوج عليها يبحث معها القاضى عن موافقتها على التعدد من عدمه فإذا رفضت الموافقة، وأصر الزوج على طلبه، فإن طلبت الزوجة التطليق حكم لها بحقوقها المالية المترتبة على التطليق، وإذا لم تطلب الزوجة التطليق وعلقت موافقتها على الزواج بأخرى واستمرارها فى الحياة الزوجية على إلزام الزوج بأداء واجباته الزوجية والمالية، فإذا وافق أقر له التعدد، مع إعطاء الزوجة الحق فى طلب التطليق إن أخل بهذه الالتزامات.

 تعدد الزوجات:

وموضوع تعدد الزوجات جاء مرة واحدة فى القرآن الكريم: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) النساء 3، والآيات الأولى من سورة النساء تتحدث عن اليتامى الذين قد يظلمهم الناس، والسياق العام الذى ورد فيه موضوع تعدد الزوجات مرتبط باليتامى.

 رعاية اليتامى

بدأت سورة النساء بدعوة الناس إلى تقوى ربهم وإلى صلة الأرحام، ثم الحديث عن اليتامى الذين فقدوا آباءهم ويأمر تعالى برعايتهم وتنمية أموالهم ودفعها إليهم بعد أن يبلغوا رشدهم، وفى حالة الخوف من عدم رعايتهم والحفاظ على أموالهم فيمكن الزواج من الأرامل أمهات الأيتام، والخطاب موجه للرجال المتزوجين من واحدة وعندهم أولاد، لأن الآية بدأت بـ(مَثْنَى)، ولو كانت الآية تتكلم عن التعدد بشكل عام ومطلق بلا شروط لكانت الصياغة «أولى وثانية وثالثة ورابعة»، بدلًا من (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، ولكن الآية لم تذكر الزوجة الأولى لأنها ليس لها شروط محددة، وذكرت للتعدد شرطين، الأول أن تكون كل من الزوجات الثانية والثالثة والرابعة أرملة ذات أولاد، والثانى أن يتحقق العدل إلى اليتامى.

والكلمة فى القرآن نفهم معناها من سياق الآيات، وفى الآية يوجد فرق بين معنى (تُقْسِطُواْ) و(تَعْدِلُواْ)، فكلمة قسط تدل على معنيين متضادين الأول العدل من الأصل أقسط: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) المائدة 42، والثانى الظلم من الأصل قسط: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) الجن 15، وكلمة عدل تدل على معنيين متضادين الأول الاستواء، والثانى الاعوجاج.

والفرق بين القسط والعدل، أن القسط يكون من طرف واحد، والعدل يكون بين طرفين، فالقسط بمعنى العدل فى الآية يكون من طرف واحد وهو الرجل الذى يعتنى باليتامى، أما العدل بمعنى الاستواء فيكون بين طرفين هما الزوج وزوجته: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ) النساء 3، ولذلك فالقسط بمعنى العدل فى الآية موجه لليتامى.

والقول بأن المقصود فى الآية هو الزواج من النساء اليتامى فهو غير صحيح، لأن اليتامى إذا بلغوا رشدهم فقد خرجوا من حالة اليتم، قال تعالى: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ..) النساء 6، وبما أن اليتامى قد بلغوا سن الزواج فإن النساء منهم لم يعودوا من اليتامى، أما قوله تعالى: (وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَاءِ) النساء 127، اليتم يعنى الحاجة إلى شىء، ومصطلح (يَتَامَى النِّسَاءِ) يدل على حالة من الضعف خاصة بالنساء المحتاجات المنفردات اللاتى ليس لهن زوج.

وفى قوله تعالى: (مَا طَابَ لَكُم)، إشارة للنساء الأرامل ذوات الأولاد واللائى أصبحن مضطرات إلى القبول بأى خاطب يتقدم إليهن، وكأن المعنى المقصود «ما طاب من خاطر النساء ومشاعرهن نحوكم»، وهنا يشير تعالى إلى طيب النفس عند الأرامل مراعاة لهن، ولم تأت الصيغة قهرية مثل «فانكحوا ما شئتم من النساء»، فى ظل الظروف الاضطرارية.

 (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)

وعن التعدد (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، لو بدأت الآية باثنتين فمعناها أن يتزوج أكثر من رجل مشتركين فى اثنتين، ولذلك بدأت بمثنى لتعنى اثنتين اثنتين، أى كل رجل يتزوج من اثنتين، ومثلها ثلاث تعنى ثلاثة ثلاثة، ورباع تعنى أربعة أربعة.

ونجد مثل ذلك فى قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ..) فاطر 1، يعنى قسم له اثنتين اثنتين من الأجنحة، وقسم له ثلاثة ثلاثة، وقسم له أربعة أربعة، بمعنى منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة. 

وفى التعدد: (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، الواو للعطف تدل على أن لك أن تختار بين الحالات الثلاثة، ولو قال «أو» فيقتضى التخيير يعنى أن تختار حالة واحدة منها فقط إما اثنين أو ثلاث أو أربع.

 التعدد استثناء

وقد رأى البعض أن للتعدد أسباب، منها زيادة القدرة الجنسية عند بعض الرجال، أو عقم المرأة، أو مرضها، مع أنه تعالى قال: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) النساء 20، وهو الحل بمفارقة الزوجة والزواج بزوجة أخرى، والآية هنا لا تقدم التعدد كحل من الحلول.

ومحور الآية هو العناية بالأيتام وكفالتهم من خلال الزواج بأمهاتهم، وتحقيق العدل بين أولاد الرجل من الزوجة الأولى وبين الأيتام أولاد الزوجة التالية، لأن العدل بين النساء هو أمر لا يتعلق به تشريع لأنه غير ممكن فى واقع الحال: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ..) النساء 129، وبالتالى لا يكون ذلك محل تكليف لأنه فوق استطاعة الإنسان، بخلاف العدل بين اليتامى فهو محل تكليف لإمكانية حدوثه فى الواقع، ولكن طلب تعالى من الرجال إظهار شىء من الميل نحو الزوجة الأخرى: (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ..) النساء 129، بحيث تشعر أنها مازالت مرغوبًا فيها.

الآية تحدثت عن تعدد الزوجات وهو تقليد كان موجودًا قبل القرآن، ولما نزل القرآن وضع شروطًا للتعدد من خلال تشكيل منظومة اجتماعية إنسانية جديدة تكون مثالًا نموذجيًا للفكر المتضمن فى آيات القرآن الكريم والذى يعمل على التغيير التدريجى للمجتمع، وتقديم حلول للمشاكل التى تواجه الأزواج بحيث يمكن العيش فى إطار علاقة زوجية أساسها الاحترام المتبادل.

تشريع للحماية

والآية نزلت بعد غزوة أحد والتى فقد فيها المسلمون الكثير من الرجال بالقتل أثناء الحرب، مما جعل اليتامى والأرامل عرضة للظلم والاستغلال، وعندما سمح القرآن بالتعدد فقد كان ذلك بهدف حمايتهم، فالهدف من الآية هو ضمان العدالة، وليس الهدف أن يكون تعدد الزوجات مباحًا على الإطلاق لأن ذلك سيؤدى إلى الظلم، وهو ما حذر منه تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) النساء129.

فتعدد الزوجات يؤدى إلى ظلم كل زوجة منهن مهما كانت درجة عدالة الزوج، وهنا نجد أحد أمثلة التربية الإلهية التى تجعل الوصول إلى الأهداف يحدث بصورة تدريجية وفى توافق مع الواقع حتى لا يحدث خلل فى المجتمع. 

إن تعدد الزوجات فى هذا السياق يشكل خروجًا عن القاعدة العامة فى الزواج من زوجة واحدة، حتى إن النبى عليه الصلاة والسلام غضب واستنكر عندما سمع أن عليًا زوج ابنته فاطمة يريد الزواج عليها بامرأة ثانية.

ومع أن الأحكام القرآنية تضبط تعدد الزوجات بشروط محددة، فإننا نجد حدوث التعدد بدون ضوابط، حتى صار الزواج بأكثر من واحدة عند بعض الرجال المسلمين وكأنه امتياز خاص منحه الله لهم.

إن تعدد الزوجات يأتى حلًا لمشكلة اجتماعية إنسانية قد تقع وقد لا تقع، بدليل قوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ)، فقد كانت التعددية منتشرة لدى المجتمعات المختلفة بدون حدود أو شروط، ثم جاء القرآن الكريم ليحدد العدد بأربع ويضع شروطًا ليجعل منها حلًا يلجأ إليه أفراد المجتمع تبعًا للظروف.