الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جرائم قتل الأزواج!

ولأننى أفقد التركيز تمامًا بانتهاء ساعات العمل الرسمية.. بفعل الجوع وإرهاق العمل.. فأعانى البربشة واللخبطة وانعدام الرؤية.. فأسير كما المنوَّم مغناطيسيًا.. أو الذى يتحرك بالريموت كنترول.. أسعى نحو الفراش أو الهدف المباشر فى بيتى الآمن والمستقر.. لأنال قسطًا من الراحة وأستعيد نشاطى المفقود.. فقد تصورت أننى دخلت الشقة الغلط..



 

شقة الجيران..  النظيفة والمرتبة.. وأشعة الشمس تدخلها بلطف وهدوء.. من خلال ستائر رقيقة تنسدل بنعومة على شبابيك الشقة.. وقد رصدت مائدة الطعام بطريقة شيك.. توحى بالرومانسية والاستقرار العاطفى.. وقد وضعت عليها الأطباق والمعالق والأكواب.. فشر ريستوران خمسة نجوم.. وقد انسابت الموسيقى ناعمة من أركان الشقة.. فارتبكت تمامًا.. وتراجعت معتذرًا.. وأنوى الذهاب إلى شقتى التى أعرفها.. والتى تختلف تمامًا عن الشقة الغلط.. إلا أن هناك من نادتنى من داخل الشقة.. واحدة ست.. شياكة ونعومة.. تشبه زوجتى فى شبابها الغابر.. تصورت أنها شقيقتها الصغرى المهاجرة إلى أمريكا.. وقد جاءتنا فى زيارة عابرة.. ودخلت لأكتشف أنها شقة الزوجية.. وأن التى تقف فى مواجهتى ونادتنى بصوت العصفور.. هى أم العيال بشحمها ولحمها.. بعد أن قامت ببعض التعديلات وعمليات الغش التجارى.. التى يطلقون عليها اسم «النيولوك» من باب الدلع والتدليل.. والفضل للمساحيق والكريمات وأدوات التجميل والزينة.. التى انتشرت كثيرًا وبأسعار فى متناول المدام.. التى صارت آخر موضة.. وعلى سنجة عشرة!

وسبحان مغير الأحوال! بدلًا من الشعر المنكوش.. والوجه المكفهر.. واللسان ينقط شكاوى.. غسلت زوجتى شعرها بعد طول غياب.. وصففته وزينته كما مذيعات التليفزيون.. ثم وضعت على وجهها بعض المساحيق والكريمات.. لتخفى عيوبًا بارزة.. وتداوى آثار السنين.. وقد ارتدت فستانًا جميلًا كما يسرا شخصيًا.. بدلًا من هدوم البيت المعتادة.. برائحة الخل والتوم والبصل!

والشقة ذاتها.. وقد أعيد ترتيبها.. وأضيفت إليها لمسات بسيطة مؤثرة.. توحى بالهدوء والذوق السليم.. لزوم الأعصاب الفلتانة.. وقد تم تلميع الأثاث.. وغسيل البلاط.. وتنظيف الستائر.. وأُصُص الزهور ونباتات الزينة تظلل أرجاء المكان.. فتوحى بالرومانسية المفقودة.. وتعيدنى إلى الأيام الخوالى.. حين كان الحب والود يرفرفان على عش الزوجية.. الذى تحول بقدرة قادر إلى ساحة من ساحات الحروب والوغى.. انعكست آثارها المدمرة على أرجاء المكان.

المفاجأة المذهلة.. أن السيدة زوجتى تتحدث بصوت هامس.. وتتعامل بود حقيقى.. ومن فضلك ولو سمحت تسبق طلباتها.. التى كانت أوامر فى عش الزوجية الذى أعرفه وتعودت عليه.. وأقضى فيه عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة!

بصراحة.. ودون لف أو دوران.. فقد لعبت الفئران فى صدرى.. واشتعل الكمبيوتر فى عقلى.. وأنا أرى التغيير الشامل فى نظام الشقة.. وفى سلوك سكانها.. بما يوحى ويؤكد أن المدام تخطط لأمر ما.. فقلت لها أنه لا يصح ولا يجوز أن تتعامل معى بهذا الأسلوب الملتوى.. وحذرتها صراحة أن الجريمة لا تفيد.. وأنها لو كانت تنوى دغدغة حواسى وأعصابى.. ببعض الديكورات المصطنعة.. وشد انتباهى عن الأصل والجوهر.. فإننى منتبه تمامًا.. وفى كامل قواى العقلية!

قلت لها إن جرائم قتل الأزواج تتم بهذه الطريقة بالضبط.. والزوجة الناصحة لا تتململ ولا تظهر الشكوى.. ولا تغضب فتذهب إلى بيت العائلة.. كما كان يحدث فى مواجهة المشاكل فى الماضى القريب.. الزوجة الآن لا تشكو أبدًا.. على العكس تمامًا.. هى تسعى إلى إعداد مسرح الجريمة بشكل يوحى بغياب المشاكل.. حتى يشهد الشهود.. ويحقق البوليس.. وتتأكد المحكمة من براءة الزوجة.. التى تنتظر حتى تأتى الفرصة السانحة.. لتنقض على بعلها بساطور على رقبته.. أو مطرقة على رأسه.. ثم تتولى تقطيعه بالعدل والقسطاس.. لتوزعه على أكياس البلاستيك.. تمهيدًا للتخلص منه!

قلت لها أن الشرطة صاحية.. وفى خدمة الأزواج.. وأنه لا وجود للجريمة الكاملة.. وسوف يقبضون عليها.. وحضرة المحاور التليفزيونى المشهور سوف يستضيفها فى برنامجه الأسبوعى «الجريمة لا تفيد».. وساعتها لن تستطيع بالمساحيق والنيولوك خداع ملايين المشاهدين.. وسوف يحكمون عليها بالإدانة.. قبل أن تحاكمها المحكمة!

وعلى الفور.. قمت بإعلان الأحكام العرفية داخل عش الزوجية.. ففتحت النوافذ من جديد.. وأعدت بعثرة عفش الشقة.. لأعيد الأحوال إلى سابق عهدها.. لأن المناخ الهادئ يثير أعصابى.. ويذكرنى بالمؤامرة.. وبالجريمة الكاملة التى تسعى إليها أم العيال.. وحبيبة القلب فى سالف الزمان!.