الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مدرسة الكاريكاتير.. البهجورى أيقونة الفن والكاريكاتير

عندما كنت طالبًا فى السنة النهائية من الكلية- منذ 20 عاما- قمت بعمل مشروع التخرج منفردًا بالكاريكاتير والكتابة، وكان مشروع التخرج عبارة عن مجلة كاريكاتيرية ساخرة، ولم يتبقّ سوى عمل حوار مطول مع فنان كاريكاتير وكنت قد أجلته حتى اللحظات الأخيرة، وبعد عدة مكالمات مع عدد من أهم فنانى الكاريكاتير فى مصر «فى ذلك الحين» فشلت فى الحصول على أقرب موعد لعمل الحوار.



فمنهم المشغول ووقته لا يسمح ومنهم من حدد لى مواعيد بعيدة، وفى النهاية كلمت الفنان العالمى ورسام الكاريكاتير الأشهر جورج البهجورى، بعد ما عرفت أنه موجود بالقاهرة وحكيت له ما مررت به، وكانت المفاجأة أنه قال لى بالحرف فى المكالمة: «أنا موجود دلوقتى فى المرسم.. تعالى»!! ذهبت له بمرسمه فى شارع معروف بوسط البلد وهو قريب من ميدان طلعت حرب الشهير وقمت بعمل الحوار ورسمنى ورسمته وصارت صداقة.. و نجح مشروع التخرج بامتياز.

 

البهجورى مثله مثل أغلب جيله ودود إلى أبعد حد، بسيط، دائم التشجيع ومتواضع بشكل لافت رغم تاريخه الفنى الحافل الذى ننظر له بإعجاب وتقدير.. البهجورى أسهل فنان ممكن مقابلته وأصعب فنان تأخذ منه نصيحة فنية وأدركت فيما بعد أنه لا يفضل النصائح كثيرًا ويفضل أكثر أن يعيش كل فنان تجربته الخاصة بأخطائها ونجاحاتها، فالتجربة لا تورث.

عمل بهجورى بالصحافة وهو طالب بكلية الفنون الجميلة،حيث بدأ حياته الفنية رسامًا للكاريكاتير فى مجلتى روزاليوسف وصباح الخير (1953-1975) وكان يرسم غلاف روزاليوسف أسبوعيًا بالكاريكاتير السياسى، فعندما انتقل الفنان عبدالسميع للعمل بدار أخبار اليوم،كلفه رئيس التحرير إحسان عبدالقدوس برسم غلاف روزاليوسف بدلا منه، وهو أول من قام برسم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على الغلاف بمبالغة كبيرة، حيث رسمه بأنف طويل وبارز وعين واسعة وهو الحل الكاريكاتيرى الذى تأثر به أغلب فنانى الكاريكاتير فى روزاليوسف بعد ذلك، كما أعطاه الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس صفحتين تحت عنوان «أخبارهم على وجوههم» ليقوم برسم الشخصية الموجودة فى الخبر بأسلوبه الخاص وبخطوطه التى تتميز بالإيجاز والتلخيص الشديد، واستمر هذا الباب حتى بعد سفره إلى فرنسا بفنانين آخرين.

نشأ البهجورى فى عهد ثورة يوليو، أيام المد القومى والحقبة الناصرية التى تبنت هذا الاتجاه، وتعلم فى روزاليوسف، المدرسة الأهم فى الصحافة والكاريكاتير فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى وتتلمذ على يد أستاذه بيكار فى كلية الفنون الجميلة والفنان أبو العينين رائد الإخراج الصحفى الذى شارك فى تحرير روزاليوسف وصباح الخير، وكان البهجورى أول من تمرد على الشكل الكلاسيكى للكاريكاتير وأسس مدرسة حديثة فى الشكل والتكنيك تعتمد على قوة الخط والإيجاز والتلخيص فى الملامح، وتميل إلى التبسيط الفنى ولقد تأثر بهذه المدرسة العديد من فنانى الكاريكاتير فى مصر والوطن العربى بعد ذلك.

سافر البهجورى إلى باريس فى السبعينيات وأقام فيها رغبة منه فى المزيد من المعرفة تاركًا خلفه ما حققه من شهرة ونجاح فى عالم الصحافة والكاريكاتير ليبدأ من الصفر بباريس ويدرس الفن هناك، حتى أصبح يعيش نصف حياته فى باريس والنصف الآخر فى القاهرة، فكانت باريس بمثابة الولادة من جديد بالنسبة له حيث جعلت منه فنانًا تشكيليًا مهمًا ومنحته مزيدًا من الحرية والخبرة.  

ينتمى جورج لأسلوب خاص به وحده لا يشبه أحدًا قبله سواء فى تجربته فى الكاريكاتير صاحب الدور الأكبر فى شهرته أو فى الفن التشكيلى، وتأثر الفنان الكبير بالفن الفرعونى والقبطى واستفاد من مدارس بيكاسو ومختلف أنواع التجريب الفنى الذى يمارسه طول الوقت.

جورج البهجورى يعنى رسم بلا توقف، يرسم البورتريهات فى ثوانى بأسلوب الخط الواحد دون أن يرفع يده من على الورقة بمنتهى البراعة والإيجاز ولا يرفض طلبًا لأى شخص يريد أن يرسمه، ودائما مختلط بالناس لا ينعزل عنهم ويرسم طول الوقت فى جلساته أو تنقلاته سواء بورتريهات كاريكاتير بالخط الواحد أو رسوم الإسكتش السريعه المختزلة.

جورج البهجوري- أطال الله عمره- مسيرة فنية رائعة وتجربة لها أثر كبير وممتد واسم كبير سوف يظل محفورا فى تاريخ الفن والصحافة.