السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من انتفاضة 68.. إلى اعتصام «التحرير» طلبة الجامعات الشرارة الأولى لحرب أكتوبر

لعب طلاب الجامعات دورًا كبيرًا فى التمهيد لحرب 6 أكتوبر، بتنظيم العديد من التظاهرات للمطالبة بالحرب ورد الكرامة بعد نكسة يونيو 1967، حيث اتسمت الحركة الطلابية فى الجامعات بقوة الدوافع الوطنية لإنهاء الاحتلال الصهيونى للأراضى المصرية وحمل السلاح والأرواح لتحرير أراضى الوطن.



كان هدف الطلاب إبان نكسة يونيو هو النضال لتحرير الأرض المحتلة، والنضال من أجل الطبقات الفقيرة، وتحمل الطبقات الغنية جزءًا مما يتحمله المعدمون، وتحقيق الديمقراطية.

 

وعلى الرغم من أن مبادئ ثورة 23 يوليو جاءت لتقضى على الاحتلال الذى كان حلم الخلاص منه لا يزال كامنا فى أذهان الطلاب خلال انتفاضاتهم أثناء ثورة 1919 وأعوام 1936و1946، وربما يظن البعض أن السبب الرئيسى لتحرك الطلاب قد انتهى بانتهاء الاحتلال وأن زمن الانتفاضات الطلابية قد ولى بلا عودة. ولكن هذا لم يحدث واقعيا وانتفض الطلاب ضد نظام عبدالناصر بعد النكسة القوية، مطالبة بمحاكمات عادلة لقادة سلاح الطيران، بعد تسببهم فى خسائر 67، كما واجه نظام الرئيس الراحل أنور السادات انتفاضة أخرى للطلبة، عام 1972، منددين بجمود الوضع بعد إعلان السادات أن 1971 عام الحسم، ليستخدم الطلبة سلاح الهتافات والاعتصام للضغط على الإدارة المصرية للتحرك لإنهاء الاحتلال.. فشباب مصر يرفع دائمًا راية الحرب فى مواجهة أى احتلال.

 1968.. انتفاضة المحاكمات

فى يوم الثلاثاء 20 فبراير 1968 أصدرت المحكمة العسكرية العليا أحكامها، فحكمت بالسجن 15 سنة على الفريق أول طيار متقاعد صدقى محمود، وحكمت بالسجن 10 سنوات على اللواء طيار متقاعد إسماعيل لبيب. وحكمت ببراءة كل من: الفريق أول طيار متقاعد جمال عفيفى، واللواء طيار متقاعد عبدالحميد الدغيدى.

لم يرض الشعب عن هذه الأحكام التى اعتبرها العمال والطلبة «هزيلة»، ولا تتناسب مع حجم التقصير الذى ارتكبه هؤلاء القادة، وبمجرد أن قرأ عمال المصانع بحلوان هذه الأحكام المنشورة يوم الأربعاء 21 فبراير حتى أعلنوا ثورتهم ضدها.

وكانت قضية ضباط سلاح الطيران المتهمين بالإهمال عقب نكسة يوليو بمثابة الشرارة التى أشعلت الغضب المدفون داخل العمال والطلاب. وأظهرت الاحتجاجات مطالب عاجلة ترمى فى اتجاه إصلاح الأخطاء التى تم ارتكابها وأدت إلى النكسة، وقد تحرك عمال حلوان فى يوم 21 فبراير 1968، حيث خرجوا من مصانعهم فى مظاهرات منددة بالأحكام ورأى العمال أنها أحكام مخففة لا تعبر عما اقترفه هؤلاء بحق الوطن من أخطاء ناتجة عن استهتار قادة سلاح الطيران.

انتقلت وتيرة الاحتجاج سريعا إلى طلبة الجامعات، فخرجت المظاهرات المنددة بهذه الأحكام يوم السبت 24 فبراير، ونشرت «الأهرام» فى صفحتها الأولى فى اليوم التالى خبرا بعنوان «مظاهرات تعترض على أحكام الطيران يقوم بها شباب الجامعات أمس». 

وقد بدأت المظاهرات فى جامعة القاهرة بعدة اجتماعات فى كليات الهندسة والحقوق، وجرت مناقشات حول خروج الطلبة للتعبير عن رأيهم فى داخل أسوار الجامعة.

وعندما خرجت المظاهرة من جامعة القاهرة حوالى 1000 طالب عند الظهر وكانت التعليمات مشددة إلى قوات البوليس ألا تقترب منها على الإطلاق، وأن تتركها فى مسيرتها، واتجهت المظاهرة عبر كوبرى الجامعة إلى كوبرى متحف المنيل، مارة بكلية الطب، متوجهة إلى شارع قصر العينى، متوجهة إلى مجلس الأمة (مجلس الشعب).

وكانت الأمور فى جامعة عين شمس تتخذ اتجاها آخر، فإن الطلبة الجامعيين بعد أن استمعوا لحديث من الدكتور حلمى مراد مدير الجامعة آثروا أن يبقوا داخل أسوار جامعتهم، وأبدوا رأيهم فى الأحكام، وكانت جماعات منظمة الشباب تردد نشيد سيد درويش «بلادى بلادى.. لك حبى وفؤادى».

وفى جامعة الإسكندرية خرج طلبة الجامعة قاصدين مقر الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكى العربى فى الإسكندرية، وهناك عقدوا مؤتمرا طلابيا.

 إعادة المحاكمات

وأمام هذه الانتفاضة الطلابية ضد الأحكام الصادرة ضد قادة سلاح الطيران أعلنت وزارة الداخلية فى نفس اليوم (24 فبراير) بيانا بمنع التظاهر من صباح اليوم التالى.

بيان وزارة الداخلية لم يمنع الطلاب من مواصلة احتجاجهم على الأحكام السابقة ضد قادة سلاح الطيران، ففى يوم الأحد 25 فبراير صعد طلبة الجامعات والمعاهد العليا من احتجاجهم لليوم الثانى على التوالى، ففى جامعة القاهرة خرج طلبة كلية الهندسة والطب عند الظهر متوجهين إلى حرم الجامعة إلى مكتب مديرها، ثم خارجين من بابها إلى طريق نهضة مصر إلى كوبرى الجامعة فتصدى لهم البوليس.

وأمام تصاعد حدة الاحتجاجات والمواجهات بين الشرطة والطلبة والعمال المحتجين لم تجد القيادة السياسية سوى إعلان «إعادة محاكمة قادة الطيران» مساء يوم الأحد 25 فبراير تحقيقا لمطالب المتظاهرين.

 اعتصام «الحرب»

لم تقف مظاهرات الطلبة عند حد إعادة المحاكمات لقادة الطيران فقط، بل جاءت الانتفاضة الثانية عام 1972، حيث كان الرئيس الراحل أنور السادت قد أعلن سابقًا أن 1971 هو عام الحسم لاسترداد الأراضى المصرية المحتلة، ولكن جاء خطابه عام 1972أن الوضع الآن أصبح ضبابيًا، وبسبب الأوضاع العالمية فإنه يجب مراجعة الأمر مرة أخرى.

شكل خطاب السادات صدمة للشعب، وأشعل حالة من الغضب لدى الطلبة، وسرعان ما جاء الرد عليه فى مؤتمر للطلبة فى 15 يناير 1972، حيث آلاف المنشورات وصحف الحائط التى تنتقد الخطاب، وترفض استمرار حالة اللا سلم واللا حرب، وتطالب بخوض حرب تحرير شعبية شاملة لاستعادة الأراضى المحتلة بالقوة. 

وتشكلت الحركة الطلابية وتصاعدت حدة الحركة الاحتجاجية، ونُظمت المسيرات، وقامت الاتحادات الطلابية لكليات الآداب والاقتصاد والهندسة بالمسيرات والاجتماعات الجماهيرية، ووصلت إلى بيت الرئيس نفسه، ولمقر الاتحاد الاشتراكى.

زاد الأمر من حالة الغضب بين الطلبة، وحملوا الرئيس مسئولية الأزمة، وفى 17 يناير نظَّم الطلاب مؤتمرًا بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، اقترحوا تشكيل «اللجنة الوطنية العليا للطلاب فى جامعة القاهرة» من ممثلين من مختلف الكليات، وأعطوا الحكومة مهلة يومين للرد على تلك المطالب. وبما أن الرئيس هو الشخص الوحيد الذى يستطيع الرد على تساؤلات الطلبة، فقد دعوا الرئيس إلى مؤتمر أكبر داخل الجامعة يوم 20 يناير.

خلال هذه التطورات اتخذ السادات عدة إجراءات للتهدئة وامتصاص الغضب، فأجرى عددًا من التغييرات بالحكومة، وشرع فى إعداد الاقتصاد لمعركة التحرير، وفتح باب التطوع للجيش أمام الطلاب، إلا أن ذلك لم يُغير من موقف الحركة شيئًا، التى رأت أنها إجراءات عديمة الجدوى.

وبالفعل عقد الطلبة مؤتمرا فى 20 يناير، ووافق الطلبة على اقتراح وزير الداخلية بحضور وفد منهم إلى مجلس الشعب لتقديم مطالبهم، وبعد أن تم الاتفاق على نشر بيان الطلاب فى الصحف بعد إدخال بعض التعديلات عليه فى مقابل إنهاء الاعتصام، تراجع النظام، وتم إبلاغهم أن الرئيس سيعقد اجتماعًا مع كل القوى الشعبية ومنهم الطلاب لمناقشة الوضع فى غضون يومين تقريبًا. وهو ما لم يحدث.

أثارت تلك الواقعة الغضب مرة أخرى، فانطلقت المظاهرات والاعتصامات بجامعتى القاهرة وعين شمس، وانطلق الطلبة إلى الشوارع ودخل نحو 20 ألف طالب إلى ميدان التحرير، وانضم إليهم الكثير من المواطنين، حيث أعلنوا الاعتصام حتى يتم الإفراج عن زملائهم المحتجزين والاستجابة لمطالبهم.