الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الكنيسة والحرب اجتماعات وقرارات الكنيسة المصرية فور إعلان الحرب

إن يوم السادس من أكتوبر من العام 1973، هو تاريخ محفور فى قلوب جميع المصريين، فهو يوم العزة والكرامة، يوم استرجاع الحقوق والأراضى المسلوبة، واليوم الذى رفع فيه كل المصريين رؤوسهم عاليًا بفخر واعتزاز.



فى هذا اليوم كتب المصريون جميعًا ملحمة بدمائهم سطَّرها التاريخ بحروف من نور، لم يكن هناك فرق بين مسلم ومسيحى، بين محمد وجرجس فكلهم مصريون سالت دماؤهم وروت أرض الكنانة وأعادت ما سُلِب منها.

 

وفى هذا اليوم الذى شهد تكاتف كل أبناء هذا الوطن للعبور من هذه المحنة، كان للكنيسة المصرية دور كبير فى مساندة الجنود على الجبهة من جهة، وفى مساندة الجيش المصرى من جهة أخرى.

فعندما جاءت ساعة الصفر وبدأت حرب أكتوبر 1973، أمر البابا شنودة كل الكنائس بالصلاة من أجل مصر، وقام بزيارة المصابين بالحرب عدة مرات كان أولها فى يوم 22 أكتوبر 1973، ثم يوم 24 مارس 1974، كما شكَّل لجنة للإعلام الخارجى لمخاطبة الرأى العام العالمى لدعم موقف مصر أمام العالم.

وفور الإعلان عن الحرب عقد البابا شنودة اجتماعًا مع كهنة القاهرة بالقاعة المرقسية بالأنبا رويس بالعباسية، ناقش فيه الواجب الذى يجب على الكهنة القيام به فى هذا الوقت من عمر الوطن.

واتخذ البابا والكهنة عددًا من القرارات التى جعلت الكنيسة فى قلب المعركة مع الوطن، وهى الاهتمام بالدفاع المدنى، وتدريب الشباب عليه، وأقيم مركز للدفاع المدنى فى كنيسة مارجرجس بالجيوشى بشبرا، كما تم الاتفاق على زيارة المستشفيات العسكرية، وتقديم الهدايا والمعونات للجنود والجرحى، والاطمئنان على صحتهم.

كما  سارعت الكنائس فى فتح أبوابها للمصابين حيث خصصت الأدوار السفلية،  لتكون مخابئ وقت الغارات، مع تدبير الإسعافات الأولية، وقامت بتوعية الشعب بما يجب عليه خلال أيام القتال، سواء بالعظات أو النشرات.

ومن ضمن القرارات أيضًا الاشتراك فى كل الاجتماعات التى تنظمها الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكى لرجال الدين الإسلامى والمسيحى،سواء على مستوى الحى أو القاهرة، وجمع التبرعات من كل كنيسة، لدعم المجهود الحربى، وإذاعة تعليمات الدفاع المدنى وتوجيهاته، ونشرها على الشعب وطبع النشرات الدينية التى تؤيد موقف مصر دينيًا تجاه إسرائيل. 

وكما كان للكنيسة دور مجتمعى يوم الحرب، كان لها دور قبل اندلاعها، فمع قرب إعلان الحرب سارعت الكنائس فى اتخاذ خطوات سريعة، كان أولها جمع التبرعات فى أثناء القداسات والاجتماعات وتجمّعت الأموال فى الكاتدرائية، وكلّف البابا شنودة الأنبا صموئيل، أسقف الخدمات العامة بتوصيلها للدكتور عبدالعزيز كامل، وزير الأوقاف، تحت عنوان «من الكنائس والجمعيات القبطية إلى الجنود البواسل»، وإلى جانب الأموال كانت هناك هدايا عينية للجنود.

كما تطوعت راهبات قلب يسوع المصريات فى المستشفيات العامة والعسكرية ومستشفى الهلال الأحمر، للقيام بأعمال التمريض وتخفيف آلام الجرحى، وقدّم الأقباط الكاثوليك والإنجيليون والمارونيون تبرعات مادية، وعقدت كل الإيبارشيات اجتماعات وطنية، لتحميس الشعب وتقوية الجبهة الداخلية.

حين وقعت حرب أكتوبر عقد البابا شنودة اجتماعًا مع الكهنة والأساقفة فى جميع الإيبارشيات القبطية داخل نطاق مصر للمساهمة فى المجهود الحربى مع تقديم تقرير يومى من كل كنيسة وإيبارشية عن ما قدمته من إعانات ومساعدات وتبرعات.

وأصدر البابا شنودة قرارًا بتشكيل لجنة كنسية لجمع التبرعات ولجنة أخرى للإعلام الخارجى وذلك لمخاطبة كنائس أوروبا والعالم.

 وتمثلت مساهمات الكنيسة فى حرب أكتوبر من خلال تقديم التبرعات المالية والعينية حيث قدمت الكنائس والجمعيات القبطية مبلغًا من المال وأوفد البابا شنودة الأنبا صموئيل لتسليمها للدكتور عبدالعزيز كامل وزير الأوقاف فى ذلك الوقت، كما قامت الكنيسة بتقديم 100 ألف بطانية لوزارة الشئون الاجتماعية و30 ألف جهاز نقل دم لوزارة الصحة.

وكان للبابا شنودة دور آخر فى حث الجنود على المثابرة والصمود حيث كتب عدة مقالات ومنشورات تم توزيعها على الجنود فى الجبهة وكان أهمها «سيناء مقبرة الإسرائيليين» حيث كتب يقول:

«إننا ندافع عن أراضينا.. ودفاعًا عن الحق.. لا شك أن قلوبنا جميعا وأفكارنا وكل مشاعرنا مركزة فى الحرب التى تجوزها بلادنا دفاعًا عن أراضينا.. واستردادنا لحقوقنا المسلوبة ولعل أول ما نقوله فى موضوع الحرب هو أن بلادنا حاليًا قد عاشت محبة للسلام طوال تاريخها.. ولم تدخل الحرب إلا مضطرة، فقد بذلنا كل جهودنا من أجل حل مشكلتنا حلًا سلميًا وصبرنا أكثر من 6 سنوات نفاوض ونناقش ونعرض الحلول بلا جدوى.. وخلال هذه السنوات كلها كانت إسرائيل معتزة بذاتها شاعرة أنها فى مركز القوة رافضة كل حل سلمى، بل كانت لها آمال فى التوسع تزداد يومًا بعد يوم، ولعلها كانت تظن أن محبتنا للسلام لون من الضعف والخوف، لذلك اضطرت بلادنا أخيرًا إلى أن تدافع عن حقها بالقوة وأن تعمل على استرجاع أراضيها وصيانة كرامتها».

واستكمل قائلًا «إن الحرب للرب والله قادر أن يغلب بالكثير والقليل»، ومصر صاحبة التاريخ المجيد الطويل العريق، البلد الذى قال عنه «مبارك شعبى مصر» كم من غزاة حاربوك وبقيت كما أنت مرفوعا الرأس؟ لم يقو الباطل الذى فيهم على الحق الذى فيك، إننا متفائلون ونشكر الله أن الضيقات باستمرار تزيدنا قوة، تجعل صفوفنا أكثر وحدة وأصلب عودًا وأشد إصرارا وعنادًا على الجهاد من أجل الحق، وفى هذه الأيام ترى الكنيسة والجامع يعملان بكل قوتهما من أجل الوطن المفدى والشيخ والقس كلاهما يعملان فى توعيته وفى حثه على التفانى فى خدمة الوطن، إن الحرب جعلت الكل جنودًا ولقد هز قلبى التأييد الروحى والمادى أيضًا الذى يقوم به أبناؤنا فى كنائس أمريكا وكندا وأوروبا واستراليا وما يجمعونه من تبرعات من أجل مصر.

أما المنشور الثانى فجاء تحت عنوان «سيناء وإسرائيل» وقال فيه:

فى شبه جزيرة سيناء الآن تدور حرب طاحنة بين مصر وإسرائيل، وكان الأحرى بإسرائيل قبل أن تدخل حربًا من أجل سيناء أن ترجع إلى التوراة، وترى فيما كتب موسى النبى العظيم لتعلم ماذا يقول الوحى الإلهى عن علاقة سيناء بإسرائيل، إن سيناء لم تكن يومًا موطنًا لإسرائيل، بل كانت على العكس أرض متاهة ومكان تأديب، فعندما خرج بنى إسرائيل من مصر يقول الكتاب المقدس: إن الله شاء أن يتيهوا فى برية سيناء وقضوا 40 سنة حتى مات كل أفراد المتمردين والعصاة. ولم يبق من بنى إسرائيل سوى اثنين! فأرض سيناء هى التى شهدت العجل الذهبى الذى صنعه بنو إسرائيل وسجدوا له وقدموا له الذبائح، وهكذا نجسوا الصحراء النقية بعبادة الأوثان، وأرض سيناء شهدت تذمر بنى إسرائيل على الرب من أجل الطعام والشراب وبكوا وقال من يطعمنا لحمًا، بل تمردوا على موسى وهارون وأرادوا أن يرجموهما فى سيناء، إن بنى إسرائيل فى كل تاريخهم لم يدعوا أبدا ملكيتهم شبه جزيرة سيناء، بل كانت أرض غربة حتى أخرجهم الله منها قائلا: «كفاكم قعودا فى هذا الجبل»، لقد انقطعت صلة سيناء بإسرائيل منذ 3400 سنة، لأن موسى النبى عاش 1400 سنة قبل الميلاد واستمرت سيناء جزءًا لا يتجزأ من مصر وأرضًا من صميم أرضها ومن حقنا أن ترجع إلينا سيناء التى سطت عليها إسرائيل بغير حق، وبغير سند من شرع أو من التاريخ.

 ولم يكتف البابا شنودة بكتابة المقالات أو المنشورات بل قام بزيارة الجنود على الجبهة عدة مرات وفى كلمته لهم فى فبراير 1973 قال «إن بلادكم عظيمة ومحبوبة والدفاع عنها شرف واجب، إننا نصلى باستمرار من أجل أن يحفظكم الله ونرجو أن تنتهى الحرب بسلام دون أن نفقد أى واحد منكم ولا حتى شعرة من رأسه، وإذا كانت أرواحكم رخيصة من أجل وطنكم فهى غالية عندنا».

وأضاف البابا شنودة خلال كلمته «أشكر قيادتكم على الحلة العسكرية التى أهدتها إلىّ ولقد ارتديت هذه الحلة مدة تطوعى فى الجيش.. إننى أفارقكم إلى حين وصوركم مطبوعة فى قلبى».