الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حرب أكتوبر وصدمة الصفحات الأولى للصحف العالمية

فاجأت حربُ أكتوبر الجميعَ بتوقيتها وحيثياتها وتطوراتها، ومن عناوين الصحف الإسرائيلية والعالمية حينها بدت «الصدمة» واضحة على صفحاتها الأولى، فما حققته القوات المصرية والسورية كان غير متوقع، وكانت المفاجأة عندما عبرت القوات المصرية قناة السويس وبدأت فى تحطيم خط بارليف.



وهزت أنباءُ عبور مصر للضفة الشرقية لقناة السويس التى احتلتها إسرائيل عقب نكسة 1967 لـ7 سنوات كاملة، العالمَ كله، واهتمت كل وسائل الإعلام العالمية بنبأ العبور، ورأوا أنه هدم أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهَر، ولم تكتفِ الصحافة العالمية بنشر أخبار لحظة العبور فقط؛ بل تابعت على مدار شهرى أكتوبر وسبتمبر أخبار الحرب، واستعانت بخبراء لتحليل الضربة الجوية المصرية.

 صمت وسكون

«أصوات إنذار غارات الطائرات المصرية تقطع صمت يوم الغفران».. كان عنوان صحيفة جيروزاليم بوست صبيحة ما يسمى «عيد الغفران» أو بالعبرية «يوم كيبور»، فى هذا اليوم كان من المفترض أن تحتجب الصحف الإسرائيلية عن الصدور والإذاعات تبتعد عن التعاطى فى الشئون السياسية والعسكرية، الصحيفة افتتحت خبرَها آنذاك بأنّ «صافرات الإنذار قد دوت فى أنحاء إسرائيل كلها لتقطع الصمت والسكون الذى يغلف يوم الغفران، فى تمام الثانية ظهرًا، وقطعت الإذاعة الإسرائيلية برامجها التقليدية عن هذا اليوم؛ لتعلن أن القوات المصرية والسورية بدأتا هجومًا كبيرًا على القوات الإسرائيلية فى قناة السويس والجولان»، كما تحدّثت الصحيفة عن حالة الهروب الجماعية للمستوطنين نحو الملاجئ؛ خصوصًا السيّاح الأجانب حينها.

وبدا الذهول من الضربة واضحًا فى العناوين الفرعية للصحيفة تحت عناوين «ماذا حدث؟ أين يكمن الخطأ؟» وهو موضوع تناولته رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير فى مذكراتها وقت الحرب عام 1975ونشرته فى الصحيفة ذاتها تحت اسم «كابوس يوم الغفران».

الصحف الأمريكية تناولت الحدثَ وبقوة خلال الأيام التى تلت الحرب المفاجئة، ففى الوقت الذى أعلنت فيه مصر وسوريا سيطرتهما على سيناء والجولان، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» على صدر صفحتها الأولى إن القوات الإسرائيلية ترد بضربات قوية على الهجمات المصرية والسورية، وقالت فى عنوانها «العرب يدّعون استعادة سيناء والجولان».

أمّا هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) التى كانت مَصدرًا مُهمًا للأخبار عالميًا؛ فقد بدأت أولى عناوين نشرتها الإخبارية بالقول «الدول العربية تهاجم إسرائيل»، وذكرت فى سياق نشرتها أنه اندلع قتال عنيف بين القوات العربية والإسرائيلية على طول جبهتين.

وقد كسرت وحطمت القوات المسلحة المصرية خط الدفاع الإسرائيلى «بارليف» على الضفة الشرقية لقناة السويس. لاحقًا ومع بدء وصول الدعم الأمريكى لإسرائيل لإنقاذها من الصدمة، اختلف التعاطى الإعلامى مع هذا الحدث ونشرت «جيروزاليم بوست» فى 16 أكتوبر خبرًا بعنوان «الولايات المتحدة الأمريكية تطلق جسرًا جويًا لنقل المساعدات إلى إسرائيل».

أمّا مجلة «تايم» الأمريكية؛ فقد عنونت فى 15 أكتوبر «الحرب.. فى الشرق الأوسط» مع صورة على غلاف لظلِّ جنديين أحدهما مصرى وآخر إسرائيلى. وفى يوم 22 أكتوبر وبعد تدخُّل الولايات المتحدة فى الحرب، وطلب موافقة الأطراف كلها على مبادرة وقف إطلاق النار، كتبت «نيويورك تايمز» فى عنوانها الرئيسى «الولايات المتحدة تطلب وقفًا فوريًا لإطلاق النار.. وإسرائيل ترد نوافق إذا وافق العرب».

وفى اليوم التالى نشرت الصحيفة أن «مصر قد وافقت على وقف إطلاق النار، وسوريا أعلنت أنها تدرس التفاصيل لكنها تواصل القتال» فى الوقت ذاته.

 رصد لحظة بلحظة

أمّا الصحافة البريطانية؛ فقد رصدت العبور لحظة بلحظة، واهتمت الصحافة البريطانية بمتابعة أخبار حرب أكتوبر لحظة بلحظة، وقدمت أكبر الجرائد هناك تحليلًا للحرب، فقالت صحيفة «التليجراف» البريطانية: لقد غيرت حرب أكتوبر 1973 مجرى التاريخ لمصر ولمنطقة الشرق الأوسط بأسْرها عندما اقتحم الجيش المصرى قناة السويس واجتاح خط بارليف.. مضيفة إن نظرية الحدود التى بنتها إسرائيل منذ سنوات بغرض التوسع انهارت تمامًا، وتحطمت الأسطورة الإسرائيلية.. وفى 31 أكتوبر 1973، نشرت صحيفة التايمز موضوعًا عن تفاصيل خطة مصر لعبور قناة السويس متجهة للضفة الشرقية قالت فيه «كانت الفردان شرق قناة السويس من أول المواقع التى استولت عليها القوات المصرية وعندها حقق المصريون أعظم انتصاراتهم واستعادوا أراضيهم منذ اليوم الأول، وانهار أمامهم خط بارليف وذهب إلى غير رجعة».

أمّا صحيفة «ذى تايمز» البريطانية فقالت فى عددها الصادر بتاريخ 7 أكتوبر عام 1973: «كانت الصورة التى قدمها الإعلام العالمى عن المقاتل العربى عقب حرب 67 هى صورة مليئة بالسلبيات، وتعطى انطباعًا باستحالة المواجهة العسكرية، ولكن جاءت حرب أكتوبر 1973 لتثبت وجود المقاتل العربى وقدراته».

أمّا صحيفة «ديلى صن» البريطانية فنشرت بعد الحرب بأسبوع تقريرًا يرصد الحالة النفسية السيئة المسيطرة على إسرائيل بعد الخسارة البالغة التى مُنيت بها على يد القوات المصرية، وقالت «لقد اتضح أن القوات الإسرائيلية ليست مكونة كما كانوا يحسبون من رجال لا يُقهَرون، وإن الثقة الإسرائيلية بعد عام 1967 قد بلغت حد الغطرسة الكريهة التى لا تميل إلى الحلول الوسط، وأن هذه الغطرسة قد تبخرت فى حرب أكتوبر، وأن ذلك يتضح من التصريحات التى أدلى بها المسئولون الإسرائيليون بمن فيهم موشى ديان نفسه.

وقالت صحيفة «ديلى تلجراف» البريطانية، إن نظرية الحدود الآمنة التى تبنتها إسرائيل منذ إنشائها حتى الآن بغرض التوسع قد انهارت تمامًا، وأنه لا بُد للعقلية العسكرية الإسرائيلية أن تتغير فى ضوء حرب أكتوبر، إن أسطورة نفسية قد تحطمت هذه المرة ويجب على إسرائيل من الآن أن تتخلى عن فكرة أن أمنها يتحقق بمجرد احتلال الأراضى.

 جرح كبرياء إسرائيل

أمّا «الديلى ميل» البريطانية فقالت إن هذه الحرب محت شعور الهوان عند العرب وجرحت كبرياء إسرائيل.. وأكدت صحيفة «الأوبرزفر» البريطانية أن مصر قد لحقت بإسرائيل وسبقتها تكنولوچيًا فى ميدان الصواريخ والإلكترونيات.

ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» عقب ساعات من عبور مصر لقناة السويس «إن المصريين والسوريين يبدون كفاءة عالية وتنظيمًا وشجاعة، وأن النصر الذى حققه العرب سيكون له آثاره النفسية على الطرفين»، مضيفة إن احتفاظ المصريين بالضفة الشرقية للقناة يُعَد نصرًا ضخمًا لا مثيل له، تحطمت معه أوهام الإسرائيليين بأن العرب لا يصلحون للحرب.

الصحف الأوروبية وصفت قوة الجيش المصرى وتحطيمه لأسطورة خط بارليف واهتمت الكثير من الدول الأوروبية بتغطية ونقل أخبار الحرب، فنشرت مجلة «دير شبيجل» الألمانية عقب أسابيع من حرب أكتوبر عن إسحق رابين أن لدى بلاده خططًا عسكرية لمواجهة جميع الاحتمالات بما فى ذلك احتلال القطب الشمالى، ولكن يبدو أن احتمال الهجوم المصرى الكاسح ظهيرة السادس من أكتوبر لم يكن واردًا فى احتمالات الإسرائيليين ولهذا دفعوا ثمنًا غاليًا.

ونشرت صحيفة «لومانتيه» الفرنسية يوم 17 أكتوبر، تقريرًا عن الحرب وقال إن حرب أكتوبر قد أطاحت بنظرية الحدود الآمنة كما يفهمها حكام تل أبيب؛ فقد أثبتت أن أمن إسرائيل لا يمكن أن يكفل بالدبابات والصواريخ؛ وإنما بتسوية سلمية عادلة توافق عليها الدول العربية.أمّا صحيفة «تسايتونج» الألمانية الديمقراطية فقالت إن الكفاح الذى يخوضه العرب ضد إسرائيل كفاح عادل، وإن العرب يقاتلون دفاعًا عن حقوقهم، وإذا حارب المرءُ دفاعًا عن أرضه ضد معتدٍ فإنه يخوض حربًا تحريرية، أمّا الحرب من أجل الاستمرار فى احتلال أرض الغير فإنها عدوان سافر.