الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ): المرأة المصرية.. فى الحرب! "36"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



منـذ عهد الدولة الفرعونية، والمرأة فى مصر لها دور مؤثر فى الأسرة والمجتمع، فى السلام والحرب، من أمثلة ذلك مشاركة المرأة المصرية فى حرب أكتوبر 1973، وبأدوار مختلفة خلال الحرب.

 

ومن الأدوار التى قامت بها المرأة فى حرب أكتوبر، دورها التطوعى فى المستشفيات، وفى حملات جمع التبرعات، كما كانت الأم للابن البطل، والزوجة للشهيد.

فقد تحملت المرأة كثيرًا أثناء الحرب، فهى التى دفعت بالابن والزوج على خطوط الجبهة، وهى التى هجرت من بلدها بسبب الحرب، وهى التى غرست الصبر والتحمل فى نفوس أولادها لخلق جيل جديد قادر على العطاء ومواجهة التحديات.

وقد وصل عدد المتطوعات فى الهلال الأحمر إلى 5 آلاف متطوعة، كما شاركت فى جمع التبرعات، وتكوين اللجان النسوية للتبرع للجيش المصرى، من بينها لجنة نسوية تضم آلاف السيدات فى جمع التبرعات، شاركن برواتبهن فى التبرع للجيش فيما عرف بدعم المجهود الحربى.

ودور المرأة الأكبر تمثل فى التطوع وحملات التبرع بالمال والدم، والعمل فى المستشفيات لرعاية جرحى الحرب من المصابين، لمساعدة الجيش فى عملية التسليح وإعادة البناء استعدادًا للحرب.

كما قامت المرأة بدور إعلامى من خلال دعم القضية المصرية دوليًا، مثل تشكيل لجنة تختص بترجمة ما يتعلق بالقضية المصرية وإبراز عدالتها على المستوى الدولى، وإرسال هذه الترجمات إلى الاتحادات والمنظمات النسائية العالمية.

كما تكونت مجموعة لترجمة كل ما يكتب عن القضية المصرية وإرساله لمختلف الاتحادات والمنظمات النسائية فى العالم لإعلام المرأة فى العالم بحقيقة ما يدور فى الشرق الأوسط.

وبعض النساء شاركن فى المقاومة الشعبية بالسويس، من خلال العمل على نقل الذخيرة وعلاج الجرحى، كما شاركت المرأة فى حرب أكتوبر من خلال مقار التنظيم النسائى والجمعيات النسائية الأهلية فى خدمة أسر الشهداء والجرحى، وفى تنشيط الحملات الإعلامية للتطوع فى التمريض والتبرع بالدم.

وأثناء الحرب عملت المرأة بالمستشفيات من خلال الهلال الأحمر، كما قامت السيدات من زوجات المسئولين والوزراء والضباط، بجمع التبرعات وشراء جميع احتياجات الأسرة، وتوزيعها على الأسر التى فقدت العائل بالاستشهاد فى الحرب أو الإصابة.

وأيضًا معامل الدم خلال هذه الفترة فى الإسكندرية والقاهرة وأسيوط والمنصورة امتلأت بأكياس الدم من المتبرعين ولم يعد هناك إمكانية لقبول متبرعين جدد.

بدويات سيناء

النساء البدويات فى سيناء كانت منهن المناضلات، وكانت البدويات يساهمن بشكل خفى فى توصيل السلاح للجنود المصريين.

ومن شجاعة النساء البدويات عندما اشتركن فى معسكر تدريبى قبل حرب أكتوبر، ليتعلمن فيه طريقة إشعال فتيل القنبلة، وكيفية زرع الألغام، كما تدربن على إطلاق الرصاص تحسبًا للحرب المتوقع حدوثها.

وكانت المرأة البدوية من أهم وسائل الاتصال بين قيادات الجيش فى القاهرة وبين الجنود فى سيناء، وتم استخدام بدويات سيناء فى توصيل الرسائل والمعلومات لجنود الجيش خلال فترة الحرب، حفاظًا على سرية المعلومات.

وكانت بدويات سيناء يتركن أطفالهن، ويذهبن للجبهة لتوزيع الخبز على جنود الجيش، ويرعين الجرحى، وقفت المرأة إلى جانب الرجال تبنى معهم حائط الصواريخ، ولم تتراجع أو تخف، كانت قوية تفهم دورها ودور أولادها وزوجها من أجل مصر.

ومن هنا كانت مشاركًا أساسيًا فى بناء حائط البطولات، ليس البناء المادى فقط وإنما البطولة بكل معانيها، فهو الحائط الذى بنى بدماء آلاف من رجال وسيدات مصر عمالًا وفلاحين.

 مصر فى القرآن

ومصر تم ذكرها فى القرآن الكريم، كما تم ذكر أماكن أخرى، إلا أنه لم يبق من تلك الأماكن سوى مكة ومصر، وتكررت كلمة مصر خمس مرات، فى قصتى النبيين يوسف وموسى عليهما السلام: (اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) البقرة 61، (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتا) يونس 87.

وفى قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَاهُ) سورة يوسف 21، (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) يوسف 99، (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ) الزخرف 51، وكلمة مصر فى سورة البقرة جاءت منونة «مصرًا»، أى ليست ممنوعة من الصرف، وهى لا تدل على مصر الوطن وإنما تعنى أى مدينة متحضرة، وفى باقى الآيات جاءت كلمة مصر بدون تنوين، لأنها ممنوعة من الصرف وتدل على مصر الوطن الأعجمى.

والنبى يوسف عليه السلام قال لإخوته: (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) يوسف 100، لأن شرق مصر فى ذلك الوقت كان بدويًا، وفى المعاجم عن معانى كلمة مصر «مصروا المكان تمصيرًا.. جعلوه مصرًا فتمصر»، وأن الخليفة عمر بن الخطاب مصر الأمصار، أى أنشأ المدن وأنه بعث الولاة على الأمصار أى الولايات، وقد أطلقوا فى التاريخ على مدينتى الكوفة والبصرة لقب «المصران» أى مثنى كلمة مصر.

وقد بدأ التمدن فى العالم ببناء المدن فى مصر، لذلك تم استخدام كلمة مصر فى اللغة العربية للدلالة على قيام الدولة أو المدينة المتحضرة التى تحيط بها البوادى، وذلك إقرارًا بقدم العمران المصرى والحضارة المصرية، فالعرب استعاروا كلمة مصر لتدل على المدينة والحضارة، ثم جاء القرآن الكريم يسجل هذا المعنى.

 النبى يوسف

فى القرآن إشارات عن الحياة فى مصر القديمة، منها الزراعة التى تتأثر بكمية المياه المتاحة من الفيضان، وحين رأى الملك رؤيا جاءه توضيح النبى يوسف: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِى سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) يوسف 47-49.

وتولى النبى يوسف مسئولية الزراعة والتموين فى مصر: (قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ. وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ) يوسف 55-56.

فقد أقام مخازن ضخمة تستوعب محصول مصر من الحبوب خلال سبع سنوات، يتم فيها تخزين السنابل لكى تحفظ الحبوب داخلها من احتمالات التسوس والفساد، ويستلزم ذلك إشرافًا كاملًا على جمع المحاصيل ونقلها إلى صوامع التخزين.

ويستلزم أيضًا عمالة وإدارة فى التجميع والتخزين والبيع، وتقدير الاحتياجات الفعلية والاحتياطى والإنتاج المستهدف والاستهلاك اليومى، وتسجيل ذلك فى حسابات وخطط خلال أربعة عشر عامًا، وبذلك يتم عبور سنوات الجفاف بالاقتصاد من سنوات الرخاء السبع الأولى.

وعن التجارة فى قصة النبى يوسف، فالبيع والشراء كان بالدراهم أو بتبادل البضاعة ببضاعة أخرى، وكلمة بضاعة لم تأت فى القرآن إلا فى سورة يوسف: (وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِى هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا) يوسف 65.

والنبى يوسف حين عثرت عليه القافلة فى الجب باعوه بدراهم معدودة: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) يوسف 20، وحين جاء إخوة يوسف كانوا يحضرون معهم بضائع يبادلونها بالحبوب.

كما أن الحبوب كانت تكال بالكيل: (لَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِى الْمُتَصَدِّقِينَ) يوسف 88.

وقد تكرر مجيء إخوة النبى يوسف طلبًا للغذاء، مما يدل على أن المجاعة لم تؤثر على مصر وقتها فقط، وإنما أثرت على البلاد المجاورة والتى كان لها تبادل تجارى مع مصر.

وعلى الحدود الشرقية لمصر أقيمت استراحات لراحة التجار والمشترين، والنبى يوسف قال لإخوته: (ائْتُونِى بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّى أُوفِى الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ) يوسف 59، بمعنى أنه استمالهم بالكيل الوافى وأنزلهم فى منزل مريح.

ويعبر القرآن عن مصر بلفظ الأرض، وفى القرآن يتم إضافة وصف الأرض على الوطن الذى بلغ قومه درجة كافية من القوة تجعلهم يتصورون أنهم تحكموا فى الأرض، وليس فيها غيرهم: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فصلت 15.

والقرآن الكريم وصف مصر بأنها الأرض عندما عاشت الدولة فيها قوية فى عصور مضت، خاصة فى عصر الرعامسة الذى شهد قصة النبى موسى عليه السلام: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ) القصص 4، وفى قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِى الْأَرْض) الأعراف 127، ووصف مصر بالمباركة: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا) الأعراف 137.

أراد الله لمصر أن تكون أرضًا مباركة، وأن تستمر الحياة فيها وتكون المرأة مؤثرة فى الحياة، فمسيرة المرأة جزء من مسيرة المجتمع، وللمرأة دور مهم فى التطور الاجتماعى والاقتصادى والسياسى، مما يعكس وجود المرأة الفاعل إيجابيًا فى الحياة.