الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخطوة التالية فى «أوكرانيا» «روسيا» تنادى بالتعبئة الوطنية الجزئية

«الاحتفالات بالنجاحات العسكرية الأخيرة لأوكرانيا سابقة لأوانها، ومبالغ فيها إلى حد كبير. فى الواقع، قد يتبين أن الهتاف فى غير محله تمامًا، وغير مناسب. يتعين على قادة «حلف شمال الأطلسى» (ناتو)، ووسائل الإعلام الغربية أن يدركوا أنهم ربما يحتفلون بمقدمة حرب دموية مطولة، أو حتى كارثة نووية وشيكة».. كانت هذه توقعات كبير باحثى معهد «كاتو» الأمريكى، «تيد جالين كاربنتر»، قبيل القرار الروسى بالتعبئة الوطنية الجزئية. 



ففى الوقت الذى انشغلت فيه وسائل الإعلام الغربية بإبراز نجاحات «أوكرانيا»، تحت دوافع مختلفة، إما لتأيد «كييف»، أو تبرير انهمار المساعدات الغربية -غير المسبوقة- لأوكرانيا، انصب تركيز المحللين السياسيين -فى المقابل- على رد الفعل الروسى، وما يحمله المستقبل القريب من تحركات.

وعليه، فلم يكن توقيع الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» مرسومًا بشأن التعبئة العسكرية الجزئية أمرًا  مفاجئًا بالنسبة للمحللين السياسيين؛ إذ كان ضمن السيناريوهات الأكثر توقعًا، رغم أن قرار «بوتين» كان معدلًا قليلًا عن توقعات المحللين، التى رجحت بتعبئة وطنية كاملة، وليست جزئية. 

كما توقع المحللون -أيضًا- تزايد حدة التهديد النووى، وهو -بالفعل- ما حذر منه الرئيس الروسى، بأنه إذ واصلت القوى الغربية ابتزازها النووى، فإن «موسكو» سترد بقوة بكل ترسانتها الضخمة.

من جانبه، أعلن وزير الدفاع الروسى «سيرجى شوي جو» يوم الأربعاء الماضى، أن «روسيا» ستقوم باستدعاء 300 ألف جندى احتياط للقتال فى العملية العسكرية الروسية ضد «أوكرانيا»؛ قائلًا، إن: « «روسيا» تمتلك موارد تعبئة ضخمة، ما يقرب من 25 مليون شخص، والذين سيخضعون للتعبئة يشكلون 1 % فقط».

وأوضح «شويجو» أن الهدف من التعبئة الجزئية، هو إحكام السيطرة على الأراضى التى تم –سابقًا- السيطرة عليها خلال العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»؛ فيما أكد «بوتين» أن الهدف من قراره، هو حماية سكان «دونباس».

 التعبئة العامة الجزئية

علق أستاذ التاريخ بالجامعة الكاثوليكية الأمريكية «مايكل كيميج»، والباحثة «ليانا فيكس»، أن زيادة القوة البشرية الروسية بشكل كبير، قد تبدو خيارًا منطقيًا لبلد يبلغ عدد سكانه ثلاثة أضعاف عدد سكان «أوكرانيا».

وأوضحا أن أمر التعبئة، وإطلاق التجنيد، واستدعاء مئات الآلاف من الجنود الجدد، من شأنه أن يثير تحديات جديدة صارخة لكل من «روسيا»، والغرب، حتى لو كانت التعبئة التى يأمر بها (الكرملين) جزئية فقط، فإنها ترقى إلى مستوى الاعتراف الكامل بأن البلاد فى حالة حرب؛ كما أنه سيجعل تلك الحرب وجودية بالنسبة لروسيا.

فحتى الآن، لم يتم تصوير الأزمة الروسية الأوكرانية على أنها حرب بالنسبة لمعظم الدول والسكان الروس، إذ تم وصفها بأنها عملية عسكرية. لكن، مع التعبئة، ستستثمر «روسيا» جهودها –علنًا- فى حرب كبرى. بمعنى آخر، سيتحول الخيار إلى ضرورة، والعملية العسكرية إلى حرب يحتاج كل الروس لخوضها والانتصار فيها. 

كما أكدا أن اتخاذ قرار بالتعبئة الفورية، ستكون له تداعيات كبيرة على اللاعبين الدوليين والمشاركين فى هذه الأزمة، إذ ستكون صدمة نفسية بالنسبة لأوكرانيا والغرب، لأنها ستشير إلى عزم جديد من قبل القيادة الروسية لدرء الهزيمة بأى ثمن.

ولكن، نوه الباحثون إلى أن الخطر العسكرى فى هذه المرحلة يكمن فى التوقيت، فبالإضافة إلى تلقى التدريب المناسب، سيحتاج المجندون الروس الجدد إلى الاندماج فى الوحدات القتالية، الأمر الذى قد يستغرق عدة أشهر. ومع مرور كل شهر، ستتدفق الأسلحة والمساعدات إلى «أوكرانيا»، وسيعزز الجيش الأوكرانى قوته.

السيناريوهات المحتملة لروسيا

علق كبير باحثى معهد «كاتو» الأمريكى، «كاربنتر» أن «روسيا» لا تزال لديها العديد من الخيارات العسكرية، تسفر عن عدد من السيناريوهات، ومنها:

الخيار الأول، هو أن تشن «موسكو» هجومًا مضادًا، يركز على ميناء «أوديسا» على «البحر الأسود»، فهذه المدينة هى آخر منفذ لأوكرانيا على البحر الأسود، وأن السيطرة عليها سيجعل الدولة الأوكرانية -فعليًا- دولة غير ساحلية، وهو من شأنه أن يمنح «روسيا» قبضة خانقة على شريان الحياة الاقتصادى الرئيسى لأوكرانيا، حيث تتدفق غالبية صادرات وواردات «كييف» عبر «أوديسا». لذلك، فإن خسارة تلك المدينة ستكون بمثابة ضربة اقتصادية ونفسية هائلة للجانب الأوكرانى. 

وبالنظر إلى أن «روسيا» أعادت نشر أعداد كبيرة من القوات، وكميات من الأسلحة من شرق «أوكرانيا» إلى الجنوب، فهناك احتمال كبير أن «أوديسا»، هى -الآن- الهدف الرئيسى لموسكو،  فيما ستتعرض القوات الأوكرانية الممتدة -بالفعل- فى الجنوب لضغوط شديدة، من أجل صد هجوم روسى منسق، وفقًا لـ«كاربنتر».

أما الخيار الثانى، فهو أن يفكر الروس فى إمكانية بدء عملية (كماشة) كبيرة، وإرسال القوات شمالًا من معاقل موجودة فى جنوب «أوكرانيا»، وشن هجوم جديد من «روسيا» إلى شمال شرق «أوكرانيا»، وسيكون الهدف من هذا التحرك، هو قطع القوات الأوكرانية المنتصرة -حاليًا- بالقرب من «خاركيف». وإن نجحت هذه الاستراتيجية، قد يكون بمثابة ضربة قاضية للمقاومة العسكرية الأوكرانية. ومع ذلك، فإن الخدمات اللوجستية لتنفيذ مثل هذه المناورة على مساحة كبيرة ستكون شاقة للجانب الروسى.

وبالنسبة للخيار الثالث، فهو أن تقرر «روسيا» حل الأمور بسرعة وحسم باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية. وقال «كاربنتر» إن: «مثل هذه الضربة ستقضى على أجزاء كبيرة من جيش «كييف». ولكن، سيكون اختراق العتبة النووية خطوة خطيرة للغاية، وهو ما يدركه (الكرملين)». 

وأضاف إنه إذا توصل (الكرملين) إلى أن البديل الوحيد، هو  قبول تسوية مذلة يفرضها الغرب أو (الناتو)، من شأنها أن تخاطر بأمن «موسكو» القومى، فعندها سيكون من الخطأ -حينها- الاعتقاد أن «روسيا» لن تخاطر، لأن الدول التى تواجه تهديدًا للمصالح الحيوية ستفعل أى شيء تقريبًا لصد مثل هذا التهديد. 

وفى حالة «روسيا»، لا يمكن استبعاد اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية لهزيمة وكيل (الناتو) فى الأزمة الحالية. واعتبر «كاربنتر» أن «الولايات المتحدة»، وحلفاءها الأوروبيين لطالما كانوا غافلين بشكل خطير عن تحذيرات (الكرملين) المتصاعدة من أن «موسكو» لن تسمح أبدًا لأوكرانيا بأن تصبح بيدقًا سياسيًا وعسكريًا لحلف شمال الأطلسى؛ قائلًا، إن: «هذا الإخفاق المتغطرس فى احترام المنطقة الأمنية الأساسية لروسيا، هو الدافع الرئيسى للعملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا».

على كل، ما يبدو ظاهرًا، أن الأزمة الروسية الأوكرانية ستستمر فى المستقبل القريب، لأنه من غير المعقول أن توافق «موسكو» على المطالب الأوكرانية بالعودة لنقطة ما قبل العملية العسكرية، كما أنه يبدو من الصعب أن تتراجع «كييف» عن القبول بالقليل. 

لذلك، فإن ما يتبقى، هو كيف تؤثر القرارات المتخذة على مسار الأزمة فى المستقبل القريب؟. وعليه، فإن «أوكرانيا»، و«روسيا» تواجهان شتاءً ليس فقط مكتظًا بالسخط، بل سيكون –أيضًا- متوقفًا على القرار الحاسم.