الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دراسة نشرها البنك الدولى تسلط الضوء على المخاطر هل ينزلق العالم نحو «ركود عظيم» فى 2023؟

دراسة جديدة نشرها البنك الدولى سلطت الضوء على الحاجة إلى سياسات لكبح جماح التضخم دون التسبُّب فى تفاقم مخاطر الركود.وكشفت الدراسة أن العالم قد يتجه نحو ركود اقتصادى فى 2023 وسلسلة من الأزمات المالية فى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية ستُسبِّب لها ضررًا دائمًا، وذلك مع قيام البنوك المركزية فى أنحاء العالم بزيادات متزامنة لأسعار الفائدة لمكافحة التضخم.



وأشارت الدراسة الجديدة إلى أن البنوك المركزية فى أنحاء العالم قد أقدمت على رفع أسعار الفائدة هذا العام بدرجة من التزامن لم تُشهَد خلال العقود الخمسة الماضية، وهو اتجاه من المرجح أن يستمر فى العام القادم. ولكن المسار المتوقع حاليًا لزيادة أسعار الفائدة والإجراءات الأخرى على صعيد السياسات قد لا تكفى للنزول بمعدلات التضخم العالمية إلى المستويات التى كانت سائدة قبل تفشِّى جائحة كورونا. ويتوقع المستثمرون قيام البنوك المركزية فى العالم برفع أسعار الفائدة الأساسية إلى نحو

 4 % خلال عام 2023، وهى زيادة تربو على نقطتين مئويتين عن متوسط أسعار الفائدة فى عام 2021.

 تباين الآراء

تباينت آراء خبرء الاقتصاد بشأن التوقُّعات، إذ يتوقَع 49 % أن الركود محتمل حدوثه فى العامين المقبلين، ويتوقع 33 % احتمال حدوث نمو صفرى أو سلبى لبعض الوقت، كما تتوقع النسبة المتبقية أن يحقق الاحتياطى الفيدرالى هبوطًا سلسًا للاقتصاد بحيث يتواصل النمو وينخفض التضخم.

وقالت كبيرة خبراء الاقتصاد الأمريكى كاثى بوستانسيك لدى «أكسفورد إيكونوميكس»:  «ارتفاع التضخم لفترة أطول، وتشديد بنك الاحتياطى الفيدرالى للسياسة النقدية بشكل أكثر جرأة، والآثار غير المباشرة السلبية الناجمة عن الظروف العالمية الضعيفة؛ سوف تتضافر لدفع الاقتصاد الأمريكى إلى ركود معتدل فى النصف الأول من عام 2023، من وجهة نظرنا».

على جانب آخر، حذر المركزى الألمانى فى تقرير له من أن النمو الاقتصادى فى ألمانيا سيتأثر فى الربع الثالث وما بعده بالتطورات غير المواتية فى سوق الغاز.. لذلك ارتفعت بشكل كبير ترجيحات خبراء الاقتصاد بأن يتراجع الناتج المحلى الإجمالى بحلول الربع الأخير من عام 2022 والربع الأول من عام 2023.

وفى سياق متصل، حثت مديرة صندوق النقد الدولى كريستالينا جورجيفا، مسئولى البنوك المركزية فى العالم على أن يواصلوا محاربة التضخم المرتفع، مشيرةً إلى أن الكثير من المحللين والخبراء أخطأوا حينما توقعوا العام الماضى بأن التضخم سينحسر، مضيفة أن «التضخم أكبر مما كنا نظن، الأمر الذى يعنى أن مسئولى البنوك المركزية بحاجة لأن يستمروا فى محاربته».

وقالت إنه فى حالة أظهرت سياسات المالية العامة والسياسة النقدية أداءً جيدًا، فإن العام المقبل قد يكون أقل وطأة من الآن، لكنها ألمحت فى الوقت نفسه، إلى أنه إذا كانت السياسات المالية العامة غير محددة الأهداف بدرجة كافية فإنها قد تصبح «عدو السياسة النقدية» وأنها «تغذى التضخم».

 سلاسل الإمداد

ووجدت الدراسة أنه ما لم ينحسر تعطُّل سلاسل الإمدادات، وضغوط أسواق العمل، فإن تلك الزيادات لأسعار الفائدة قد تُفضى إلى ارتفاع معدل التضخم الأساسى على مستوى العالم (ماعدا الطاقة) فى 2023 إلى نحو 5 %، أى ما يعادل تقريبًا ضعفى المتوسط فى السنوات الخمس قبل الجائحة. ووفقًا للنموذج الذى اعتمدت عليه الدراسة، فإنه لخفض التضخم العالمى إلى المستويات المستهدفة، قد يتعيَّن على البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة نقطتين مئويتين إضافيتين. وإذا صاحبت هذه الإجراءات زيادة الضغوط فى الأسواق المالية، فإن معدل نمو إجمالى الناتج المحلى العالمى سيتراجع إلى 0.5 % فى 2023، وهو انكماش قدره

0.4 % من حيث متوسط نصيب الفرد من النمو يوافق التعريف الفنى لركود عالمى.

وتعقيبًا على الدراسة، قال رئيس مجموعة البنك الدولى ديفيد مالباس: «يشهد النمو الاقتصادى العالمى تراجعًا حادًا، ومن المرجح زيادة تباطؤ النشاط الاقتصادى مع انزلاق مزيد من البلدان فى غمرة الركود. وما يثير قلقى البالغ هو احتمال أن تستمر هذه الاتجاهات، وما لها من تداعيات طويلة الأمد ذات آثار مُدمِّرة للشعوب فى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ولتحقيق معدلات تضخم منخفضة، واستقرار العملات، وتسريع وتيرة النمو ينبغى لواضعى السياسات تحويل تركيزهم من تخفيض الاستهلاك إلى تعزيز الإنتاج. ويجب أن تسعى السياسات إلى توليد استثمارات إضافية، وتحسين الإنتاجية وتخصيص رأس المال، وهى عوامل ضرورية لتحقيق النمو والحد من الفقر».

 نوبات الكساد

وسلطت الدراسة الجديدة الضوء على الظروف الصعبة غير العادية التى تكافح فيها البنوك المركزية التضخم اليوم. وتبعث عدة مؤشرات تاريخية لنوبات الكساد العالمية بالفعل إشارات تحذيرية. فالاقتصاد العالمى يمر الآن بـأشد تباطؤ له عقب التعافى من كساد منذ عام 1970. وقد سجَّلت معدلات ثقة المستهلكين على مستوى العالم بالفعل تراجعًا أشد بكثير مما شهدته فى الفترة السابقة على نوبات الكساد العالمى السابقة. وتشهد أكبر ثلاثة اقتصادات فى العالم - وهى الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو- تباطؤًا حادًا للنمو. وفى ظل هذه الظروف، فإن مجرد وقوع صدمة خفيفة للاقتصاد العالمى خلال العام القادم قد تهوى به فى غمرة الركود.

وتعتمد الدراسة على الدروس المستفادة من نوبات الكساد العالمى السابقة لتحليل تطور النشاط الاقتصادى فى الآونة الأخيرة، وتعرض السيناريوهات المحتملة للسنوات 2022-2024. فتباطؤ مثل ذلك الذى يشهده العالم حاليًا يتطلب فى العادة انتهاج سياسات لمناهضة التقلبات الدورية من أجل مساندة النشاط الاقتصادى. لكن خطر التضخم ومحدودية الحيز المتاح للإنفاق فى إطار المالية العامة يحفزان واضعى السياسات فى كثيرٍ من البلدان على سحب الدعم الذى تتيحه السياسات على الرغم من التباطؤ الحاد للاقتصاد العالمى.

وقال آيهان كوسى، القائم بأعمال نائب رئيس البنك الدولى لشئون النمو المنصف والتمويل والمؤسسات: «من المرجح أن يكون تشديد السياسات النقدية والمالية العامة فى الآونة الأخيرة مفيدا فى الحد من التضخم. ولكن لأنها على درجة عالية من التزامن فى مختلف البلدان، فإنها قد تفاقِم بعضها بعضًا فى تقييد الأوضاع المالية وزيادة تباطؤ النمو العالمى. ويجب أن يكون واضعو السياسات فى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية على أهبة الاستعداد لإدارة التداعيات المحتملة للتشديد المتزامن للسياسات على مستوى العالم».

 احتواء التضخم

وخلصت الدراسة إلى أنه ينبغى للبنوك المركزية أن تواصل جهودها لاحتواء التضخم، وهو ما يمكن القيام به دون التسبُّب فى ركود اقتصادى عالمى. ولكن ذلك سيتطلب إجراءات مُنسَّقة من طائفة متنوعة من جانب واضعى السياسات.

وأشارت إلى أنه ينبغى على البنوك المركزية أن تعلن بوضوح عن قرارات السياسات مع الحفاظ على استقلاليتها. فقد يساعد هذا على تثبيت توقعات التضخم والحد من درجة التشديد المطلوب للسياسات النقدية. وفى الاقتصادات المتقدمة، يجب أن تضع البنوك المركزية فى اعتبارها التداعيات غير المباشرة العابرة للحدود لتشديد السياسات النقدية. وفى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، يجب أن تعمل هذه البنوك على تقوية القواعد التنظيمية الاحترازية الكلية، وتكوين احتياطات من النقد الأجنبى.

بجانب ذلك، يجب أن ينضم واضعو السياسات الاقتصادية الآخرين إلى جهود مكافحة التضخم، لاسيما من خلال اتخاذ خطوات لتعزيز سلاسل الإمدادات العالمية، وذلك من خلال تخفيف القيود على سوق العمل. يجب أن تساعد تدابير السياسات على زيادة المشاركة فى القوى العاملة وتقليص ضغوط الأسعار. ويمكن أن تسهم سياسات سوق العمل فى تسهيل إعادة توزيع العمال المسرحين.

 الإمدادات العالمية

يمكن أن يقطع التنسيق العالمى شوطًا كبيرًا فى زيادة الإمدادات من المواد الغذائية ومنتجات الطاقة. وفيما يتعلق بسلع الطاقة، يجب على واضعى السياسات تسريع التحول إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون واتخاذ تدابير للحد من استهلاك الطاقة.

ويجب على واضعى السياسات العمل لتخفيف الاختناقات فى سلاسل الإمدادات العالمية. وينبغى لهم مساندة نظام اقتصادى دولى قائم على القواعد، يتجنب خطر السياسات الحمائية والتفتت الذى قد يؤدى إلى مزيد من التعطيل لشبكات التجارة.