الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

محاولات لحل الأزمة «الاستمطار الصناعى» هل ينقذ الكرة الأرضية من الجفاف؟

من بين العديد من المشاهد التى باتت ترتبط بأزمة تغير المناخ حول الكرة الأرضية، ولمواجهة التغيرات الكارثية التى تجتاح كوكب الأرض، بات يتردد تعبير «الاستمطار الصناعى» كحل بديل لتداعى أزمات الجفاف وحرائق الغابات التى باتت تهدد العالم شرقًا وغربًا.



 

وعلى الرغم من توجه بعض الدول لاستخدام الأمطار الصناعية كتجربة ربما يكون فى باطنها حل جذرى للتغيرات المناخية، فإن علماء أوضحوا أن هذه الأمطار ربما يكون لها تداعيات خطيرة أخرى على التوازن البيئى وقد ينتج عنها الكثير من التغيرات المناخية التى تهدد حياة البشر بصورة أكبر وأخطر.

صناعة الأمطار

يمكن تعريف «الاستمطار الصناعى» بأنه عملية استثارة وحفز السحب والغيوم لإسقاط محتواها من المياه الكامنة أو الثلج المتجمد فوق مناطق جغرافية محددة، عن طريق استخدام وسائل صناعية ومواد كيميائية تعمل على تسريع عملية هطول الأمطار أو زيادة إدرار هذه السحب من المياه مقارنة بما يمكن أن تدره بشكل طبيعى.

وتهدف هذه العملية فى الأساس إلى تعديل ظروف الطقس السائد، وتحسين الأحوال الجوية أو نسبة الموارد المائية فوق المناطق والأراضى الزراعية المعرضة للجفاف، أو المناطق الأخرى الحضرية التى تعانى من شدة القيظ وقسوة درجة الحرارة.

غير أن حقن السحب وتطبيق تقنيات الاستمطار يمكن أن يجرى أيضًا لغرض معاكس، كمنع سقوط الأمطار الغزيرة فوق بعض المناطق الزراعية مثلاً، بغرض الحيلولة دون تلف المحاصيل المزروعة فيها، أو منع تشكُّل البرد أو الضباب فوق بعض المطارات المزدحمة من أجل تسهيل عملية إقلاع وهبوط الطائرات القادمة والمغادرة. كما يمكن أن تجرى عملية الاستمطار بهدف تحقيق بعض الأهداف الاستراتيجية بعيدة أو قصيرة المدى، مثل زيادة كثافة الغطاء النباتى الصالح للرعى، وإعادة ملء السدود وزيادة مخزون المياه الجوفية لاستخدامها مستقبلاً.

وتقنيًا، يمكن أن تتم عملية الاستمطار بأكثر من طريقة، لكن الطريقة الأكثر شيوعًا تتمثل فى حقن السحب الركامية بمادة يوديد الفضة وبعض المركبات الأخرى أو الأملاح الشائعة بما يعمل على زيادة كثافة هذه السحب، وتحويل قطرات الماء الموجودة داخلها إلى بلورات ثلجية ثقيلة، تنهمر بدورها بفعل هذا التثاقل نحو الأرض، حيث يتسبب ارتفاع درجة الحرارة قرب السطح فى إعادتها ثانية للحالة السائلة وتساقطها فى هيئة مطر.

وفضلاً عن يوديد الفضة، يعدّ ثانى أكسيد الكربون المُجمَّد أو ما يعرف باسم «الثلج الجاف» والأملاح الرطبة، خاصة كلوريدات الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم، من أكثر المواد الكيميائية شيوعًا واستخدامًا فى عملية استمطار السحب.

ويتطلب نجاح عملية الاستمطار وتحقيق الأهداف المرجوة منها توافر أكثر من ظرف وعامل ملائم، مثل أن تكون السحب الركامية وانتشارها على مساحات معينة ووجود تيارات الهواء الصاعد والمحمل بالرطوبة أو بخار الماء، بالإضافة إلى إتمام عملية الحقن فى الوقت المناسب، وحقن كمية مناسبة من المواد الكيميائية المحفزة تكفى لسقوط المطر.

مخاطر وأزمات

على الرغم من فوائد عملية الاستمطار وإسهامها فى التخفيف من حدة الجفاف فى بعض المناطق، فإن تطبيقها قد يؤدى إلى ظهور أزمات أخرى قد يكون منها يتبع الشرعية والأخلاقية، خاصة فى حالة إمكانية سيطرة دول على تقنية منع أو زيادة حجم الأمطار فى مناطق معينة.

من جهة أخرى، يعتبر ارتفاع التكلفة المادية الناتجة عن تطبيق هذه التقنية مع عدم جدواها الاقتصادية، قياسًا بعدم تطور تقنيات الاستمطار بالقدر الكافى، وانخفاض نسب نجاحها إلى 10% أو ما دون ذلك فى بعض الأحيان.

ووفق علماء، فإن هذه التقنية على الرغم من أن لها الكثير من الفوائد، فإنها تحتاج إلى تكلفة مالية عالية، مما يجعل الكثير من الدول الفقيرة اقتصاديًا غير قادرة على إتمام مثل هذه العملية، حيث إن عملية الاستمطار الصناعى من أجل تلقيح السحب تتطلب توفير ما يقرب من 6 مليارات ريال سعودى، كما تحتاج إلى تكوين يقارب من أربع عشرة سحابة، وتعد تكلفة السحابة الواحدة ما يقرب من خمسة آلاف دولار.

أما من أكبر الأزمات التى تواجه هذه العملية الصناعية، فهى احتمالية تأثير المواد الكيميائية المستخدمة فى عملية بذر أو تلقيح السحب سلبًا على صحة الإنسان والحيوان والبيئة عمومًا، حيث تتزايد المخاوف من احتمال اختلاط آثار مادة يوديد الفضة السامة - على وجه الخصوص - بمياه الأمطار وتسربها من ثم للمحاصيل الزراعية أو مياه الشرب السطحية.

اتجاهات دولية

خلال الأشهر الماضية، ومع ارتفاع درجات الحرارة وأزمة جفاف الأنهار وحرائق الغابات، أعلنت الصين أن إدارة سلطات شمال شرقى الصين قررت، أغسطس الماضى، اللجوء إلى استخدام الأمطار الاصطناعية للتخفيف من حدة موجة الجفاف التى تعد الأسوأ منذ أكثر من 60 عامًا، عبر تلقيح الغيوم بمواد كيميائية للتأثير على تكون المطر، فى محاولة للتخفيف من الوضع الذى يثير مخاوف من وقوع مشكلات غذائية كبيرة وتضخم بسبب قلة المحاصيل.

وبواسطة الاستمطار الصناعى، تمكنت الصين من إحداث أمطار خلال الأيام السابقة والتى وصلت إلى 360 مليون متر مكعب من المياه غطت المناطق الأكثر تضررًا من الجفاف، وخاصة فى محيط مدينة تشاويانج.

وفى السياق نفسه، أعلنت الإمارات العربية، أغسطس الماضى، عن جهودها لتلقيح السحب وزيادة هطول الأمطار، والتى ما زالت أقل من 100 مليمتر (3.9 بوصة) فى المتوسط ​​سنويًا، بحسب وكالة رويترز.

وقال عبد الله الحمادى، رئيس قسم الاستمطار فى المركز الوطنى للأرصاد فى الإمارات العربية المتحدة: إن الاستمطار يتطلب وجود السحب الممطرة، مشيرًا إلى أن الحال ليس كذلك دائمًا.

وقد أدت تأثيرات تغير المناخ، فضلاً عن تزايد عدد السكان وتنويع الاقتصاد فى السياحة ومجالات أخرى، إلى زيادة الطلب على المياه فى الإمارات، التى تعتمد على محطات تحلية المياه باهظة الثمن التى تستخدم مياه البحر.

يشار إلى أن العديد من المناطق المتضررة تعد من المراكز الرئيسية لإنتاج الحبوب مثل القمح والشعير والذرة، مما يثير مخاوف من نقص هذه المواد الغذائية الأساسية وارتفاع الأسعار فى الأشهر المقبلة، مما يؤدى للتضخم.

ولم تكن التجربة الصينية أو الإماراتية، هى التجارب الوحيدة فى هذه المجال، فهناك أكثر من 40 دولة على مستوى العالم تطبق عملية الاستمطار وبذر السحب من أجل تعديل الطقس أو تحسين مواردها المائية، ومن أبرز هذه الدول الصين وروسيا وتايلاند.

وعلى مستوى العالم العربى تعد السعودية والإمارات وعُمان والمغرب من أكثر دول المنطقة تطبيقًا لتقنيات الاستمطار والتجارب الخاصة بها، وأطلقت الإمارات برنامجًا بحثيًا دوليًا لأبحاث علوم الأمطار، يهدف فى الأساس إلى الإسهام فى تقدم علم الاستمطار والتقنيات الخاصة به وتطبيقاتها داخل الإمارات وخارجها، ويهدف أيضًا إلى زيادة معدلات الأمطار فى الإمارات والمناطق الجافة وشبه الجافة الأخرى.

لكن الملاحظ أنه وعلى الرغم من ضلوع بعض الدول العربية فى تطبيق تقنيات الاستمطار الصناعى منذ فترة طويلة، فإن جُل التجارب والعمليات المتعلقة بتطبيق هذا النهج فى أغلب هذه الدول تعتمد فى المقام الأول على الاستعانة بشكل أساسى بالخبرات الأجنبية.

كما اتجهت الأردن أيضًا للانضمام للدول التى تطبق تقنية الاستمطار الصناعى، وفى مارس 2016 أعلنت دائرة الأرصاد الجوية الأردنية، عن إجراء أول عملية استمطار صناعى فى البلاد، وذلك فى منطقة سد الملك طلال (شمالى عمان)، بغرض مواجهة أزمة شح المياه المتفاقمة.