الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ): إرضاع الأم أطفالها.. بأجر! "35"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

أثارت تصريحات المحامية والحقوقية «نهاد أبوالقمصان»؛ جدلًا حول عدم إلزام الأمهات بإرضاع أبنائهن إلا بأجر، وردت على سؤال لأحد المتابعين قائلة: «ده مش كلامى، ده كلام ربنا فى سورتَى البقرة والطلاق».

استندت «أبوالقمصان»، وهى عضو فى المجلس القومى لحقوق الإنسان، إلى ما جاء فى قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)، البقرة 233، وقوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، الطلاق 6، واستنكر بعض شيوخ الأزهر تصريحات «أبوالقمصان»، باعتبارها استخدمت الآيتين فى غير موضعهما. 

وأن حصول الأم على أجر نظير إرضاع مولودها هو أمر لا صلة له بالشريعة؛ لأنها ملزمة بإرضاع أطفالها باعتبارها مسئولة عن رعيتها فى تربيتهم وإرضاعهم دون أجر لأنه جزء من واجباتها الزوجية، وأن التحريض على عدم الرضاعة إلا بأجر؛ هو أمر غير منطقى وغير إنسانى.

ومسألة إرضاع الأم لوليدها بأجر اختلف حولها الفقهاء؛ فقد اعتبر فريق منهم أن الرضاعة ليست واجبة على المرأة، بينما اعتبر الفريق الآخر أن إرضاع المرأة لوليدها يدخل ضمن واجبات المرأة، ومنها تربية الأولاد والسهر على تنشئتهم التنشئة الصحيحة، لذا فإن تربية الوليد كما هى واجب على الرجل من حيث الإنفاق من مأكل ومَلبس وسكن؛ فهى واجب على المرأة بالعناية والرعاية.

 المولود والرضاعة

بعد الحَمل تكون فترة الرضاعة عامين، وبعدها ينفصل الطفل عن أمه: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ)، لقمان 14، وتأتى كلمة «عام» فى القرآن لتحديد المدة، سواء اقترنت المدة بعدد أو لم تقترن بعدد.

وجاءت تشريعات الإسلام ووضعت كل ما يلزم ليتمتع الرضيع بحقوقه، والأسرة المستقرة لا يجد الرضيع فيها مشاكل، وعادة تأتى المشاكل للرضيع حين تكون أمُّه منفصلة عن أبيه، الذى تلزمه تشريعات القرآن بنفقة الرضيع والإشراف بالصرف على رضاعته، سواء كان يرضع من أمّه أو من مرضعة مستأجرة، وعلى الأب أن ينفق على المرضعة خلال مدة الرضاعة.

وأن تتدخل الجهات المختصة فى تحديد مقدار النفقة لتكون بالمعروف، دون مشقة على الأب ودون إضرار بالأم، وإن كان الأب متوفًّى فعلى من يرثه أن يحل محله فى المسئولية، وحين يريد الأبوان فطام الرضيع فلا بُد أن يكون ذلك القرار عن تشاوُر وعن تراضٍ بينهما، فلا يصح لأحدهما أن ينفرد بالقرار، أو أن يجبر الآخر عليه، وإذا اتفقا على استئجار مرضعة فلا بُد من أن تأخذ حقوقها بالمعروف.

قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، البقرة 233.

وفى الآية (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ)، للتأكيد على أن مدة الرضاعة حولان كاملان وليس حولاً وبعض الحول الثانى، فالولادة تحدث فى كل وقت من السَّنة، ولذلك حددت الآية مدة الرضاعة بسَنتين منذ وقت الولادة وإلى مدة تنتهى فى نفس ذلك الوقت بعد سنتين، بمعنى حتى يحول الحول على المولود مرتين، والحول هو انقضاء سَنة فى نفس التاريخ الذى بدأ منه.

وفى حقوق الزوجة فى النفقة وموضوع الرضاعة وكرامتها وعدم التضييق عليها: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى. لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)، الطلاق 6-7.

وفى قوله تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا)، الأحقاف 15، فى الآية أقل مدة الحمل وهى ستة أشهر، وباقى المدة وهى عامان لرضاعة المولود، ولم تذكر الآية أقصى مدة حمل لأنه أمر معروف.

 الأم بالرضاعة

وفى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ)، الحج 1-2، يصف الله تعالى يوم قيام الساعة بالعظيم حتى إن المرضعة تكون فى ذهول عن رضيعها.

لم يقل تعالى «تذهل كل أم عمّا أرضعت»، فالتعبير بالمرضعة يشمل من تقوم برضاعة الطفل سواء كانت الأم أو غير الأم، والرضاعة تستمر إلى حولين كاملين، والأم الوالدة التى ترضع طفلها، هى أمّه بالولادة وأمّه بالرضاعة، لكن الأم التى أنجبت وعجزت عن إرضاع طفلها فاحتاج إلى مرضعة؛ هنا يكون للطفل أم والدة، وأم مرضعة.

والأم بالرضاعة لم تنجبه ولم تقم إلا برضاعته، لكن اللبن الذى يرضعه منها يدخل فى استكمال جسده وفى تكوين مخه، ولذلك أصبحت مثل أمه التى أنجبته، بالإضافة إلى أن الرضاعة ليست مجرد تغذية؛ بل هى علاقة حب وحنان بين الرضيع ومرضعته، ولا يمكن أن يحدث ذلك فى حالة رضعة واحدة أو بضع رضعات؛ وإنما بفترة رضاعة كاملة ينشأ الطفل وقد اعتبر المرضعة أمًّا له. 

والأم المرضعة هى التى جعلها تعالى من المحرّمات فى الزواج، مثل الأم التى أنجبت، وحرّم الزواج من ابنتها؛ لأنها أخت فى الرضاعة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ)، النساء 23، ولم يقل تعالى «النساء اللاتى أرضعنكم»؛ ليؤكد على أن المرضعة أصبحت مثل الأم ويحرم الزواج منها، وأصبحت بناتها أخوات لذلك الرضيع يحرم عليه الزواج منهن.

 واجب على الوالدة

إن عملية الرضاعة للمولود هى عمل غريزى، فالرضاعة حق الأولاد على الوالدات: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ..)، البقرة 233، دليل على وجوب فعل الرضاعة، وليس للوالدة أن تتمنّع عن الرضاعة أو تطلب أجرًا على ذلك.

أمّا أخذ الأجر على الرضاعة فهو خاص فى حالة طلاق الوالدة: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، الطلاق 6، أعطى المطلقة حق أن تأخذ أجرًا على تعبها؛ أمّا فى حالة استقرار الأسرة فالرضاعة حق للطفل وواجب على الوالدة دون أى مقابل.

فى بعض الأبحاث جاء أنه من الضرر على المولود أن يرضع غير حليب الأم؛ لأن أجهزة جسمه لن تعمل بانتظام إلا بعد أن يهضم حليب أمّه، وأى حليب آخر ستبقى أربعة أخماس الأحماض الأمينية منه فى الدم، مما يصيب المولود عندما يكبر بأمراض قلبية. 

وأن حليب الأم تتبدّل نسبه أثناء الرضعة الواحدة، فيبدأ أول الرضعة بأربعين من المئة دسمًا وستين من المئة ماء، وينتهى بأربعين فى المئة ماء وستين بالمئة دسمًا، وهو حليب معقم، يُهضَم فى ساعة ونصف الساعة، وفيه مواد مضادة للجراثيم، بارد صيفًا، دافئ شتاءً، ولا يبقى منه أثر فى الأوعية الدموية، ولا توجد فى الآيات طرُق أخرى للإرضاع؛ فإمّا أن ترضعه أمّه؛ أو أن ترضعه مُرضِع.

ويفرض للولد الرضيع رزقًا يتناسب مع دخل والده: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ)، ويتحمل الأب نفقة ابنه: (رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، بالمعروف أى حسب دخله، فكل إنسان له دخل، وله مستوى فى الإنفاق.

وفى قوله تعالى: (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)، البقرة 233، والأم المطلقة إذا جاءها خاطب؛ لا ينبغى للأب الذى طلقها أن يلزمها بإرضاع ابنه؛ لأنه إن فعل ذلك قد يبطل زواجها: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ)، فالأم موجودة والأب طلقها؛ فإما أن ترضع الأم ابنها؛ أو أن يأتى له بمرضع.

وفى قوله تعالى: (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ)، فإذا مات الأب؛ فعلى الوارث أن يؤمّن نفقة إرضاع ولد وريثه، (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا)، أرادا أن يفطما هذا الولد: (عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا).

قال تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)، البقرة 233، إن أردتم لسبب مثل طلاق الزوجة، وجاء من يخطبها، ولم يجد مرضعًا، ومضى على الرضاعة أقل من سنتين، فاتخذ الأب والأم المطلقة قرارًا بإنهاء الإرضاع: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ)، يعطيها مالًا يكفيها أن تأكل حتى تستطيع أن ترضع الطفل، ويعطيها مالًا مقابل وقتها ومجهودها: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).