السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بين التغيرات المناخية وأزمة الطاقة أوروبا تلجأ لخطة «الظلام»

بعد ما واجهته الدول الأوروبية من أزمات متوالية نتيجة التغيرات المناخية من حرائق غابات وجفاف أنهار وتدمير المحاصيل الزراعية، ومع قرب فصل الشتاء الذى قد يصاحبه العديد من التغيرات الأخرى الأكثر خطورة، منها انخفاض درجات الحرارة بصورة قوية، والعواصف الثلجية، الأمر الذى استدعى دولا أوروبية لحتمية فرض قيود على استهلاك الطاقة.. والتأقلم على انقطاع الكهرباء بصورة يومية رغم جميع المحاولات لتقليص فرص السقوط فى ظلام الشتاء الأوروبى.



 

وكان تأثر القرار الروسى بوقف إمدادات الغاز إلى القارة العجوز، مما ينبئ بشتاء مميت خلال فصل الخريف والشتاء، مع عدم وجود سبل طاقة أخرى تستخدم فى التدفئة أو عمل المصانع، حتى مع قرار الدول الأوروبية للجوء إلى الطاقة النووية كحل بديل عن الغاز، إلا أن هذا الأمر حافل بالمخاطر خاصة بعد موجة جفاف الأنهار الرئيسية فى أوروبا والتى تعمل على تبريد المفعلات.. فكانت الخطط البديلة الأوروبية فى الوقت الراهن هى وضع خطط لترشيد الاستهلاك فى الأماكن السياحية والحكومية حتى فى البيوت، حيث أوضحت حكومات الغرب بضرورة قطع الكهرباء بصورة يومية فى الأماكن السكنية رغم ما يمكن أن ينتج عنه هذا القرار من أزمات أخرى تتجرعها الشعوب مع انخفاض درجات الحرارة بصورة غير عادية، وفق ما أكده خبراء.

خارج الصندوق

من رحم الأزمات تولد الحلول، وهذا ما فعلته تحديداً أزمة الطاقة العالمية، أحد أبرز التداعيات السلبية التى خلفتها الحرب الروسية - الأوكرانية، إذ اندفع عدد لا يستهان به من دول العالم للتفكير خارج الصندوق والبحث عن وسائل وسبل غير تقليدية، إما لترشيد استهلاك الطاقة أو البحث عن مصادر جديدة متجددة أو حتى ابتكار حلول غير مسبوقة.

ورغم اختلاف السبل ولكن الهدف واحد، إذ إن الكل أجمع على ضرورة ترشيد الطاقة خصوصاً الدول الأوروبية التى تخشى البرودة قبل أسابيع من حلول فصل الشتاء، وفيما تسعى دول أخرى للاستفادة من ارتفاع أسعار الغاز والطاقة إلى مستويات جنونية، أثقلت كلفة الطاقة موازنات دول أخرى، فى حين يسعى بعضهم للحفاظ على البيئة والوصول إلى الحياد الكربونى قبل عام 2050.

وفى غضون ذلك، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعى فى بريطانيا وأوروبا إلى مستويات قياسية جديدة، ففى أغسطس الماضى، وصل سعر الغاز بسوق الجملة فى بريطانيا تسليم الشهر المقبل، إلى أكثر من سبعة دولارات للوحدة الحرارية (ثيرم)، وهو أعلى سعر على الإطلاق للغاز الطبيعى فى بريطانيا، كما وصلت أسعار الغاز فى بورصة تداول العقود فى أمستردام بهولندا التى تعد المعيار القياسى للأسعار فى أوروبا فى اليوم نفسه، إلى ما يقارب 320 يورو (320 دولاراً) للميجاواط \ ساعة، وعليه تكون أسعار الغاز الطبيعى فى أوروبا تضاعفت عشر مرات فى غضون عام.

ضحايا الأزمة

مع تفاقم أزمة الغاز الروسى، وعدم وجود بدائل طاقة أخرى، مع عدم جاهزية الدول الأوربية للاعتماد بشكل قوى على سبل الطاقة النظيفة، قررت حكومات أوروبا التعامل مع الأزمة واتخذت مجموعة من القرارات، منها تقليل الإضاءة داخل الشوارع، وبدأت بالفعل كل دولة إطفاء الأنوار التى كانت تضىء سماءها. 

وكان من أشهر الأماكن التى تم إطفاء أنوارها بالكامل، برج إيڤل بباريس، حيث إنه من المقرر أن يظلم برج إيفل قبل أكثر من ساعة واحدة عن المعتاد بسبب أزمة الطاقة.

وبحسب ما ذكرته صحيفة «ديلى ميل» البريطانية، يضىء البرج، الذى يجذب أكثر من 7 ملايين سائح كل عام، حاليًا حتى الساعة الواحدة صباحًا بمساعدة 20 ألف مصباح وامض.

ومن المتوقع أن يعلن مجلس مدينة باريس أن النصب التذكارى الأشهر فى العالم سيبدأ قريبًا فى الإظلام الساعة 11:45 مساءً بواقع توفير ساعة يوميا، وذلك للحفاظ على الطاقة وإرسال رسالة إلى المواطنين الفرنسيين حول أهمية تقليل استخدامهم للطاقة فى الأشهر المقبلة.

وفى العاصمة الألمانية برلين تم إطفاء إنارة المعالم والمبانى التاريخية، فى إطار السعى لتوفير الطاقة وترشيد استهلاكها، كما ستتمتع الأسر بضمان قانونى فى حالة الطوارئ المتعلقة بالغاز وستكون لها الأولوية جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الاجتماعية مثل المستشفيات.

فيما قطعت السلطات فى مدينة هانوفر الألمانية الماء الساخن عن المبانى والمؤسسات العامة، مخفضة درجات الحرارة القصوى للتدفئة كجزء من حملتها لترشيد صرف الطاقة، وتضمنت الإجراءات التقشفية إغلاق النوافير العامة والأضواء الخارجية لمبنى البلدية ومتاحف المدينة والمبانى العامة الأخرى فيها.

وفى إسبانيا، ووافقت حكومة مدريد، على فرض إجراءات عاجلة تحدد درجات الحرارة التى ينبغى اعتمادها فى أنظمة تكييف الهواء وتسخينه داخل المتاجر والمواقع الثقافية ووسائل النقل، وتتجلى هذه الإجراءات فى إلزام المبانى المكيفة التى تستقبل الزبائن إغلاق أبوابها لتجنب هدر الحرارة، والتأكد من حالة منشآتها الحرارية، إذ ينبغى إطفاء أضواء واجهات المتاجر وتلك الخاصة بالمراكز الرسمية عندما لا تكون هذه المبانى قيد الاستخدام.

من جانبها، أعلنت المفوضية الأوروبية، الأسبوع الماضي،عن مسودة مشروع جديد يؤدى إلى فرض التزام على دول الاتحاد الأوروبى بترشيد استهلاك الكهرباء خلال ساعات الذروة.

وتنص هذه المسودة على أنه يستلزم الهدف الإلزامى اختيار 3 أو 4 ساعات فى اليوم من الأسبوع لتقليل الاستهلاك، ويترك للدول تقدير اختيار الأوقات خلال اليوم.

وكانت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، كشفت عن تدابير دول الاتحاد الأوروبى لمواجهة أزمة الطاقة والتى تشمل تقليص الطلب والتخزين المشترك وتنويع المصادر، بالإضافة إلى استثمارات ضخمة فى مجال الطاقة المتجددة.

بدائل مدمرة

ومع ارتفاع أسعار الغاز عالميًا بصورة غير مسبوقة، ما يقرب الـ %28، مما أدى إلى زيادة الضغوط على حكومات الدول الأوروبية بصورة خاصة والتوجه لحلول بديلة عن الغاز الروسى، مدمرة للبيئة بصورة قوية، ومنها الاعتماد على المحروقات لتمثل بديلا للغاز الطبيعى، لذلك لجأت العديد من دول أوروبا للاعتماد مرة أخرى على الطاقة النووية لتوليد الكهرباء بغض النظر عن اعتراضات الأحزاب الخضراء، والتى تنظر إليها كأحد المخاطر الشديدة المؤثرة على حياة الشعوب الأوروبية. ويشكّل وقف الإمدادات مشكلة فى الوقت الراهن، لأن مولّدات الكهرباء التى تعمل بالطاقة النووية ستواجه صعوبة فى تعويض النقص، نتيجة توقف عدة مفاعلات لإجراء أعمال صيانة.

ولسد احتياجات الطاقة الأوروبية على المدى القصير اتخذت الدول حلولا مؤقتة (ربما) لكنها مدمرة للبيئة مما يصعب أزمة التغيرات المناخية، يتقدم هذه الحلول إعادة تشغيل محطات الطاقة التى تعتمد على الفحم وإعادة إحياء بعض المحطات التى أغلقت فى السابق والتى تعمل على الفحم أيضاً، إضافة إلى تمديد العمل فى محطات الطاقة النووية فى كل من ألمانيا وفرنسا، حيث تمتلك باريس 56 مفاعلاً 32 منها خارج الخدمة بسبب الصيانة أو القدم، وتعمل حاليا على إحياء نصف هذه المفاعلات استعدادا لفصل الشتاء المقبل.

كما بدأ الحديث فى أوروبا عن تخفيف القيود على استخراج الغاز غير التقليدى (الغاز الصخري)، وخصوصاً أن القارة الأوروبية لديها احتياطيات كبيرة من هذه الثروة تقدر بـ 13.5 تريليون قدم مكعب يكفيها للاستخدام لغاية 20 عاماً، وبالفعل فقد بدأت بريطانيا برفع القيود عن هذا النوع من الغاز.

لكن وفق قوانين الاتحاد الأوروبى تمنع حتى الآن استخدام الحفريات الأفقية والتكسير الهيدروليكى وهى التكنولوجيا التى تستخدم فى استخراج الغاز الصخرى، وبالتالى فإن الأمر يحتاج إلى تغيير القوانين، فضلاً عن أن عمليات الاستثمار تحتاج إلى وقت طويل، لذلك لا يمكن أن يكون هذا الحل آنياً بل متوسط المدى.