الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بين الانسحاب.. والهجوم المضاد تغيُّر مسار المعركة «الروسية- الأوكرانية»

بدأت دفة الحرب «الروسية- الأوكرانية» تتغير لصالح أوكرانيا، وتتمثل نقطة التغيير الاستراتيجية فى تحول أوكرانيا من موقع الدفاع إلى الهجوم المضاد، ودفع روسيا إلى التراجع فى مسار عكسى بعد أن كانت تتقدم ببطء خلال الأشهر الستة الماضية منذ اندلاع الحرب فى 24 فبراير 2022، حيث تمكنت القوات الأوكرانية من استقطاع مساحات هائلة من مواقع السيطرة الروسية تقترب من 6 آلاف كلم فى مدى زمنى قصير على مدار الأسبوعين الأخيرين، وفق أحدث تقديرات معهد دراسات الحرب الأمريكى (ISW).



 

«الحرب الجالسة»

«بعد انتهاء القصف الجوى والمدفعى وبدء الحرب البرية حقًا، أعتقد أن كييف تسقط فى 96 ساعة فقط»، هذا ما خلص إليه 3 من كبار ضباط المخابرات الأمريكية فى 24 فبراير 2022. أما قائد الأركان الأمريكى الجنرال مارك ميلى فقدم تقديرًا أقصر لسقوط العاصمة الأوكرانية: 72 ساعة فقط. وبعد 6 أشهر من هذه الحرب، لم تسقط العاصمة ولم تصد القوات المسلحة الأوكرانية الهجوم الروسى على مدينة ومقاطعة كييف فحسب؛ بل حررت أيضًا مقاطعات جيتومير، وتشيرنيهيف، وسومى بأكملها، بالإضافة إلى أجزاء مهمة من مقاطعة خاركيف.

ويمكن النظر الى مراحل المعركة الدائرة على الأراضى الأوكرانية، أنها منذ شهر أبريل قلت تكتيكات المناورة العميقة والتسلل السريع وطوابير المدرعات الطويلة على الطرق الرئيسية، وبدت الحرب خلال هذه المرحلة -فى بعض الأحيان- أقرب إلى ما يُعرف «بالحرب الجالسة» بدلا من «الحرب الخاطفة». ومع ذلك، استمرت مبارزات المدفعية، والمناورات القصيرة، والتهديدات المبطنة بالتحول لتكتيكات غير تقليدية خاصة فى محيط محطة الطاقة النووية زابوريجيا، واستمرت كذلك ضربات المسيّرات العميقة، والحرب غير النظامية خاصة فى مدينة ميليتوبول، ومقاطعة خيرسون فى شبه جزيرة القرم.

وكانت النتيجة الرئيسية لهذه المعارك هى تأكيد قوة الجيش الروسى، خاصة بعد سقوط مقاطعة لوهانسك؛ وهى المقاطعة الوحيدة التى سقطت بالكامل منذ ضم شبه جزيرة القرم فى مارس 2014. وحيث إنه لم تسقط أية مقاطعة أخرى صار التوطيد السياسى الروسى إشكالية كبيرة. فببساطة، لا يمكن للقوات الروسية إجراء «استفتاءات» لضم مقاطعات أوكرانية بينما هى لا تسيطر عليها عسكريًا.

 تكتيك جديد

وخلال هذه الأشهر كانت أوكرانيا تتبع منهج الدفاع عن منهج الهجوم، وبدأت مطالبات شعوب غربية بوقف الإمدادات لأوكرانيا، خاصة بعد قرارات روسيا بوقف إمدادت الغاز الى الدول الأوروبية وسيطرة شعور القلق على الشعوب، حتى أن العديد من حكومات القارة العجوز واجهت توترات أدت الى استقالات بعضها والتوجه الى انتخابات مبكرة، فضلًا عن صعود التيارات الموالية لروسيا فى دول أوروبا لتأكيد أن أوكرانيا «قد سقطت» ولكن شعوب أوروبا ستواجهها أزمات فى الطاقة والغاز فضلًا عن أزمات اقتصادية قد تستمر لسنوات طويلة.

وفى منتصف يوليو الماضى، جاءت الضربة الأوكرانية الأولى وهى الخطوة الجديدة التى توضح تغييرا فى الاستراتيجية الدفاعية للجيش الأوكرانى، حيث بدأ هجوم أوكرانى على أسطول القوات الروسية فى جزيرة القرم بالبحر الأسود، وتعرض مقر الأسطول فى شبه جزيرة القرم، التى ضمتها روسيا فى عام 2014، لهجوم من القوات الأوكرانية.

ومع بداية شهر أغسطس استطاعت كييف، تدمير ما لا يقل عن ثمانى طائرات مقاتلة، فى القصف على قاعدة ساكى الجوية، فى أعقاب الهجمات، شوهد العشرات من المصطافين الروس وهم يفرون من شبه الجزيرة التى لم تشهد أية عمليات عسكرية من قبل. وأظهرت الصور التى حصلت عليها «بى بى سى»، طوابير للسيارات على الطرق المؤدية إلى خارج شبه جزيرة القرم بعد ثلاثة أيام من الهجوم.

ووفق تصريحات مسؤولون لـ BBC لم يتم الكشف عنهم أو ذكر أسمائهم، أوضحوا إن أسطول البحر الأسود الروسى قد تقلص وأصبح أكثر قليلًا من مجرد أسطول لحراسة السواحل، كما ذكرت وسائل إعلام رسمية روسية، أنه تم استبدال قائد الأسطول الأدميرال إيجور أوسيبوف، على خلفية الهجمات. وقالت وكالة الإعلام الروسية إن قائد الأسطول الجديد الأدميرال فيكتور سوكولوف، تم تقديمه للقادة العسكريين فى ميناء سيفاستوبول.

وفى 20 أغسطس، أعادت القوات الأوكرانية الكرة ثانية، حيث هاجمت مقرًا للأسطول الروسى فى شبه جزيرة القرم من خلال طائرة مسيّرة، وأعلن ميخائيل رازفوجايف، حاكم سيفاستوبول فى شبه الجزيرة أن مقر أسطول البحر الأسود الروسى تعرض لهجوم دون وقوع خسائر.

ونقلت وسائل إعلام غربية، أن الأمن الروسى فى شبه الجزيرة ألقى القبض على عدد من الأشخاص، بتهمة العمل لصالح كييف.

وهنا ظهر الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى وقال كلمته الشهيرة: «الحرب بدأت فى القرم وستنتهى فى القرم».

خطر التلاعب النووي

بالتزامن مع خطوات أوكرانيا فى القرم، تعرض محيط محطة الطاقة النووية الأكبر فى أوروبا، زابوريجيا، لعمليات قصف متوالية، وتتبادل روسيا وأوكرانيا الاتهامات باستهداف المنشأة، التى تقع بالقرب من بلدة إنيرهودار التى تسيطر عليها القوات الموالية لموسكو حاليًا. وحذر مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل جروسى، من أن زابوريجيا «محطة طاقة نووية نشطة، وفى كثير من النواحى يمكن أن تحدث أشياء قد تكون أكثر خطورة مما حدث مع تشيرنوبل. وفى الوقت نفسه لناحية التصميم ومن وجهة نظر السلامة، فإنها منشأة أكثر قوة».

ومع زيادة الضغط الإعلامى الأوكرانى للخطر الذى تتعرض له المحطة النووية، كانت بداية العملية العسكرية الهجومية فى جنوب وشرق أوكرانيا لاستعادة منطقة خاركيف.. لتبدأ مرحلة جديدة من الحرب «الروسية- الأوكرانية».

 معركة الاسترداد

فى الثامن من سبتمبر الجارى، الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى يؤكد استعادة السيطرة على أكثر من ألف كيلومتر مربع من الأراضى من روسيا منذ بداية الشهر، وذلك عقب هجوم مضاد بدأته القوات المسلحة الأوكرانية أول الشهر الجارى، وعلى مدار أيام توالى خلالها إعلان الجانب الأوكرانى استعادة أكثر من 30 بلدة فى المنطقة  الاستراتيجية، ونحو 6000 كم من سيطرة القوات الروسية. فى المقابل، نفت روسيا فى بداية الأمر الأنباء الأوكرانية، ومع توالى ظهور فيديوهات لجنود أوكرانيين برفع أعلام بلادهم فى عدة بلدات فى خاركيف، قالت روسيا إن القوات قد تراجعت لاعادة الانتشار مرة أخرى، وإعادة تجميع قواتها فى مناطق بالاكليا وإيزيوم وإرسالها فى اتجاه دونيتسك. كما أصدرت الدفاع الروسية بيانًا توضح خلاله: أن «قوات الاتحاد الروسى تم تقليصها وإعادة انتشارها فى إقليم دونيتسك على مدى ثلاثة أيام»، وتم فتح النيران الكثيفة على أوكرانيا لمنع تكبد خسائر.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن موسكو لا ترفض التفاوض مع أوكرانيا، فى إشارة لاختلاف التصريحات القديمة من قبل مسئولين موسك حول التأكيد على فرض الشروط الروسية على الغرب لانهاء الحرب الدائرة.

وفى 13 سبتمبر، أعلن الجيش الأوكرانى استعادة سيطرته على مدينة إزيوم الاستراتيجية الواقعة بمقاطعة خاركيف.

وترجع أهمية مدينة إزيوم، أنها تقع على الحدود بين منطقتى خاركوف ودونيتسك، وتعتبر ممرًا لإمدادات الجيش الأوكرانى القادمة عبر خاركيف إلى لوهانسك وتمهد الطرق لالتقاء القوات الروسية فى مقاطعة خاركيف مع القوات المدعومة روسيًا فى إقليم دونباس، كما تعد نقطة انطلاق مهمة للروس لشن هجمات بإقليم دونباس، وهى بوابة دونباس بشرق أوكرانيا ومن هناك إلى البحر الأسود.

وتعتبر إزيوم قاعدة لوجستية مهمة لإمداد الجيش الروسى، حيث تربطها شبكة سكك حديدية مع مدينة بلغورود الروسية عبر مدينة كوبيانسك المجاورة، والسكك الحديدية تعتبر ممر موسكو اللوجستى الرئيسى الرابط بين روسيا وشرق أوكرانيا.

ووفق تقارير أوكرانية، فإنه بجانب السيطرة على إزيوم، استعادت القوات الأوكرانية السيطرة على كوبيانسك، ما يهدد بتعطيل خط الإمدادات الروسى بشكل كامل وترك آلاف الجنود الروس على خط المواجهة دون إمدادات.