الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أوروبا تلجأ لاستخدام الطاقة النووية للهروب من سيطرة روسيا على الغاز النووى.. طريق الغرب لحل أزمة الطاقة

مع تطور الأوضاع بين الغرب وروسيا بسبب وقف إمداد الغاز إلى أوروبا «لأجل غير مسمى»، عاد الحديث مجددًا حول اللجوء للمحطات النووية لتوليد الطاقة فى ظل الأزمة التى يواجهها العالم منذ بداية الحرب الروسية فى أوكرانيا..ويحظى هذا الموضوع باهتمام فى العديد من الدول وصولًا إلى اليابان وحتى دول أوروبا والولايات المتحدة، ولو أن الطموحات تختلف فى ما بينها.



وبعد مرور 11 عامًا على كارثة فوكوشيما (2011)، التى دفعت لوقف الاعتماد على النووى، عادت هذه الطاقة إلى الواجهة ولم يعد رجال الصناعة والسياسيون المؤيدون لاستخدام «الذرة» يخفون تفاؤلهم، إلا أن هذا الاختيار يقع أيضًا ضم حزم التحكم الروسى الذى يسيطر على %36 من سوق الوقود النووى، كذلك كلفة التشغيل وأزمات تبريد المفاعلات التى تحتاج لمستوى كبير من المياه.. ومع أزمة جفاف الأنهار فى أوروبا لن يؤدى ذلك إلا إلى تفاقم المشكلة.. لكن لا يوجد سبيل آخر يطرقه الغرب للخروج من أزمة الطاقة المتفاقمة خاصة مع دخول فصل الشتاء وتهديد الاقتصاد الغربى بحالة ركود وكساد ربما تكون غير مسبوقة فى تاريخه.

الخروج من المأزق

فى 2 سبتمبر الجارى، أعلنت «غازبروم»، عملاق إنتاج الطاقة الروسى، إيقاف إمدادات الغاز عبر خط أنابيب «نورد ستريم 1» إلى أجل غير مسمى، وذلك عقب موافقة وزراء مجموعة السبع، لتبنى خطة تهدف لوضع حد أقصى لأسعار النفط الروسى، فى خطة تبشر بتصاعد وتيرة أزمة الطاقة بين روسيا وأوروبا.

وفى 3 سبتمبر، أعلنت وزيرة الطاقة الفرنسية، أنييس بانييه روناتشر، أن عملاق الكهرباء الفرنسى «إى دى إف» تعهد باستئناف العمل فى جميع مفاعلاته النووية بحلول الشتاء لمساعدة الدولة خلال أزمة الطاقة واسعة النطاق والتى تفاقمت جراء الحرب فى أوكرانيا.

وأوضحت وزيرة الطاقة الفرنسية، أن الحكومة تتخذ خطوات لـ«تجنب الإجراءات التقييدية» بشأن استخدام الطاقة فى ذروة موسم البرد الشتوى، مضيفة: أن «هناك جدولًا زمنيًا ينص على أنه ابتداء من أكتوبر، سيتم تشغيل محطة (نووية) جديدة مرة أخرى كل أسبوع».

وفى الوقت الراهن، تم إغلاق 32 مفاعلًا نوويًا من مفاعلات فرنسا البالغ عددها 65، وجميعها تديرها شركة «إى دى إف»، من أجل أعمال الصيانة الدورية وفى بعض الحالات لإصلاح مشكلات التآكل.

وتعتمد فرنسا على الطاقة النووية فى توليد 67 % من كهربائها -أكثر من أى بلد آخر- وعلى الغاز لتوليد 7 % من الكهرباء.

أما فى ألمانيا، التى كان من المفترض أن تغلق آخر ثلاث محطات متبقية بحلول نهاية 2022، فقد تغير الأمر حين أعلن وزير المناخ روبرت هابيك، وهو من دعاة حماية البيئة، أنه قد يكون «من المناسب» تأجيل الإغلاق فى ظل الحرب فى أوكرانيا.

يذكر أن حكومة برلين قد أعلنت فى يونيو الماضى، دخولها مستوى الثانى من إنذار خطر نقص الغاز، حيث ذكرت وزارة الاقتصاد الألمانية: أن «أمن الإمداد مضمون حاليًا، ولكن الوضع مضطرب»، وقد صرح وزير الاقتصاد الألمانى روبرت هابيك أن: «الأسعار مرتفعة للغاية بالفعل حاليًا، ويتعين علينا الاستعداد حاليًا لزيادات أخرى»، لافتًا إلى أن ذلك سيؤثر على الإنتاج الصناعى وسيكون عبئًا ثقيلًا بالنسبة لكثير من المستهلكين، واتهم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بشن «هجوم اقتصادي».

ويقول الخبراء إن الأمر ليس سوى مسألة وقت قبل توقف ألمانيا تمامًا عن الاعتماد على الطاقة الروسية، إما بقرار سياسى أو بناء على إرادة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.

كما حذر وزير المالية الألمانى، كريستيان ليندنر، من أن برلين على حافة «أزمة اقتصادية خطيرة للغاية»، مؤكدًا أن الحكومة أضحت بحاجة إلى استكشاف كافة السبل لسد الفجوات فى إمدادات الطاقة.

ومن أجل الحيلولة دون حدوث أزمة طاقة فى البلاد، دعا حزب الديمقراطى الحر، المكون الأصغر داخل الائتلاف الحاكم والذى يرأسه ليندنر، إلى تأجيل خطط التخلص التدريجى من الطاقة النووية فى ألمانيا.

وفى السويد اتجه الجدل حول إنشاء المزيد من المحطات وإعادة العمل بالمغلقة (12 محطة) مرتبطًا بحالة أوروبية فرضت نفسها بعد سنوات من الاعتماد على نسبة لا بأس فيها من صادرات روسيا من الغاز، منذ بداية الأزمة الروسية- الأوكرانية.

وكانت السويد قد انتهجت فى السنوات العشر الأخيرة سياسة التخلص التدريجى من مفاعلاتها النووية، وخصوصًا محطة بيرسبيك جنوبى البلد، المقابلة للعاصمة الدنماركية كوبنهاجن، لكن خلال السنوات القليلة الماضية أبطأت التخلص النهائى منها، وتوقف تقديم طلبات لبناء محطات جديدة منذ 2010، أما اليوم، وعلى ضوء الارتفاع الجنونى لأسعار الكهرباء على المستهلكين، وقبل بدء الانتخابات البرلمانية الشهر الجارى، تندفع خطط الأحزاب السياسية لوضع الطاقة النووية على طاولة الناخبين، باعتبارها «طاقة نظيفة ومتجددة وأرخص ثمنًا».

وفى بلجيكا، أعلنت الحكومة، مارس الماضى، اعتزامها تأجيل مُخططاتها السابقة لإيقاف العمل فى محطات الطاقة النووية فى البلاد بحلول عام 2025، لمدة 10 سنوات أخرى، خوفًا من الارتفاع الهائل فى أسعار الطاقة جراء الغزو الروسى لأوكرانيا.

خطة جديد

الطاقة النووية أصبحت اليوم حديث الحكومات العالمية، فليست أوروبا وحدها هى التى تدرس اللجوء إلى هذه الطاقة لحل أزمتها، ففى اليابان أعلنت الحكومة إعادة تشغيل بعض المفاعلات النووية وتمديد مهلة صلاحيتها، ما يعكس تبدّلًا جذريًا فى موقف بلد كان يستمد أقل من %4 من كهربائه العام الماضى من النووى بالمقارنة مع %30 قبل 2011 حين كان يشغل 54 مفاعلًا.

كما أعلنت طوكيو فى 24 أغسطس الماضى، إطلاق ورشة بناء محطات جديدة لتشغيل «مفاعلات من الجيل الجديد مجهزة بآليات سلامة جديدة»، حرصًا على ضمان الحياد الكربونى، فى محاولة للحد من الارتفاع الحاد فى أسعار الكهرباء والغاز منذ بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا.

كما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، أبريل الماضى، عن تخصيص 6 مليارات دولار لإنقاذ محطات الطاقة النووية المعرضة لخطر الإغلاق، مشيرة إلى «الحاجة إلى مواصلة الطاقة النووية كمصدر للطاقة خالٍ من الكربون».

وفى ظل التوقعات بالاعتماد بشكل متزايد على الكهرباء فى المواصلات والصناعة والبناء وغيرها، أعلنت دول عدة السعى لتطوير منشآتها النووية، وفى طليعتها الصين التى تملك حاليًا أكبر عدد من المفاعلات، وكذلك بولندا وتشيكيا والهند التى تعتزم الحد من اعتمادها على الفحم.

كذلك بريطانيا وحتى هولندا قد أفصحتا عن طموحاتهما بهذا الصدد، وفى الولايات المتحدة تشجع خطة الرئيس جو بايدن العمل على الاستثمار فى قطاع الطاقة النووية بعد أزمة الغاز الروسى.

القبضة الروسية

وعلى الرغم من اتجاهات الدول الغربية لحل أزمة الغاز الروسية ومشكلات الطاقة المتفاقمة لديها إلا أن القلق يزداد من اتجاه آخر للوقود النووى، وذلك بسبب الحصة الكبيرة لروسيا فى هذ السوق والتى تصل إلى %36، وبينما يحاول الغرب الابتعاد عن الطاقة الروسية بجناحيها النفط والغاز، فإن سوق الوقود النووى هو الآخر يضيف مجالاً آخر للقلق الغربى.

ووفق تقرير نشره موقع «نيكى آسيا» يوليو الماضى، أوضح أن تحويل اليورانيوم المستخرج من المناجم، إلى وقود يُستخدم فى المفاعلات النووية، يستغرق فترة طويلة، تتراوح ما بين 3- 5 سنوات.

ونقل التقرير عن شركة «روس آتوم» الروسية للطاقة النووية، المملوكة للدولة الروسية، أنها تسيطر على %36 من سوق تخصيب اليورانيوم العالمى، تليها مجموعة (Urenco)، ومقرها فى بريطانيا بنسبة %30، ثم شركة أورانو الفرنسية بنسبة %14، وتحظى الشركات الصينية بنسبة %12.

من جهة أخرى، صرحت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أن الولايات المتحدة حصلت على %16 من منتجات اليورانيوم من روسيا فى عام 2020، لتكون روسيا ثالث أكبر مورد لأمريكا بعد كل من كندا وكازاخستان، حيث حصلت أمريكا من كل منهما على %22، من منتجات اليورانيوم، وبينما حظرت واشنطن استيراد منتجات الوقود الأحفورى من روسيا، إلّا أنها لم تفرض عقوبات، ولم تحظر استيراد اليورانيوم الروسى.

كما تسعى الولايات المتحدة إلى إيجاد مصادر أُخرى لليورانيوم، بدلاً من استيراده من روسيا، حيث حصلت الشركة الأمريكية (‏Centrus Energy) على موافقة من هيئة التنظيم النووى لإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 20% بداية من العام الجارى، إلا أن هذه الخطوة لن تجعل أمريكا لا تحتاج إلى اليورانيوم الروسى بشكل عاجل.

ووفق تقارير أمريكية أوضحت أن الرئيس الأمريكى جو بايدن قد اتفق مع رئيس الوزراء اليابانى فوميو كيشيدا، خلال زيارته إلى طوكيو، مايو الماضى، على العمل بين البلدين لإنشاء سلاسل إمداد نووية أكثر مرونة، بما فى ذلك وقود اليورانيوم، للمفاعلات الحالية والجديدة.

ويقوم التعاون الأمريكى – اليابانى، على أن تقوم مرافق الطاقة اليابانية ببيع بعض مخزونها من اليورانيوم إلى الولايات المتحدة، حيث إن اليابان لديها كميات كبيرة من الوقود النووى غير المستخدم، نظرًا لتباطؤ اليابان فى مجال تشغيل المفاعلات النووية فى أعقاب كارثة مفاعل فوكوشيما النووى عام 2011.

وكان تخصيب اليورانيوم فى الولايات المتحدة قد تراجع منذ وقوع حادث فى منشأة «ثرى مايل آيلاند» عام 1979، ومنذ ذلك الوقت بدأت تعتمد الولايات المتحدة على شراء اليورانيوم المخصب من الخارج، رغم أنها غنية باليورانيوم الطبيعى، لكنها رأت أن استيراده من دول الاتحاد السوفيتى السابق يعتبر أقل تكلفة.

تعدد المشكلات

وفيما يؤمن النووى المستخدم فى 32 بلدًا، %10 من توليد الكهرباء فى العالم، قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى سبتمبر 2021 ولأول مرة منذ كارثة فوكوشيما، برفع توقعاتها إلى مضاعفة القدرة الإنتاجية بحلول 2050 فى أفضل الحالات.

غير أن خبراء الهيئة الدولية يقرون بأن «نشر النووى فى المستقبل قد يواجه قيود الأفضليات الاجتماعية»، إذ إن هذا الموضوع يثير انقسامًا فى الرأى العام بسبب مخاطر حصول حوادث كارثية ومشكلة النفايات النووية التى لم تلق حلًا بعد.

ولا تزال بعض الدول مثل نيوزيلندا تعارض استخدام الطاقة النووية، وظهر هذا الاختلاف فى الموقف فى بروكسل خلال النقاش حول إدراج النووى فى قائمة الأنشطة «الخضراء».

ومن المشكلات المطروحة أيضًا مسألة القدرة على بناء مفاعلات جديدة تكون تكلفتها ومهلة إنجازها تحت السيطرة.

وقال نيكولاس بيرجمانس، الخبير فى معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية، فى حوار لصحيفة «إندبندنت» البريطانية، إن فترة بناء المفاعلات النووية قد تستغرق سنوات موضحًا: أن «تمديد عمل المحطات يمكن أن يساعد فى حل جزئى لأزمة الطاقة» وأضاف: «أوروبا فى وضع صعب جدًا على صعيد الطاقة مع تراكم عدة أزمات، بين مشكلة إمدادات الغاز الروسى والجفاف، الذى حد من سعة السدود وضعف طاقة المحطات النووية الفرنسية، بالتالى كل الوسائل لها أهميتها».

من جهة أخرى، تواجه الدول الأوروبية أزمة أخرى فى استخدام اليورانيوم، فبعد أزمة جفاف الأنهار التى تعمل على تبريد المفاعلات النووية، فان أوروبا قد تواجه أزمة أخرى لعمل المفاعلات المتوقفة والمشغلة حتى الوقت الراهن، لكن الأمل لديها فى انخفاض درجات الحرارة خلال فصل الشتاء والتى قد تعمل على رفع منسوب المياه بعد حالة الجفاف المدقع التى واجهت أنهار أوروبا الرئيسية بصورة مخيفة.

كما أبرز علماء أوروبيون أن استخدام الطاقة النووية كبديل عن الوقود الأحفورى يعد قضية مثيرة للجدل، خاصة وأن التخلص من النفايات النووية يفوق أى منافع خاصة بتوليد الكهرباء من الطاقة النووية.