الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد 21 عامًا على ذكرى الحادى عشر من سبتمبر.. هل تغيّرت الولايات المتحدة؟

تحل الذكرى الحادية والعشرون لهجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001، وسرعان ما يطلق المحللون العنانَ لتوقعاتهم الدراماتيكية بشأن ما قد يطرأ على الولايات المتحدة من تغيير نتيجة تلك الهجمات، وتبين صحة توقعات بعضهم، وجانبَ آخرين الصواب.



ويرى محللون أن هجمات 11 سبتمبر غيّرت الولايات المتحدة من الداخل تغييرًا جذريًا، فمنهم من يرى أن الهجمات كانت سببًا فى تقييد الحريات والحقوق، وفريق آخر يرى النقيض من ذلك.

 تقييد الحريات

ستيفن كوك، الكاتب بمجلة فورين بوليسى، والباحث فى دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية؛ يرى أن أمورًا كثيرة تغيرت فى السياستين الخارجية والداخلية الأمريكية جراء هجمات 11 سبتمبر.

وحسب رأيه؛ فإن الخطاب السياسى الأمريكى عانى هو الآخر من «أكبر الأضرار الجانبية»، وبعد فترة وجيزة من سقوط برجى التجارة العالمية فى نيويورك، وإطفاء الحرائق التى شبت فى مقر وزارة الدفاع ( البنتاجون) انهالت على الأمريكيين مقالات وتعليقات تتناول بالتحليل منطقة الشرق الأوسط.

وأضاف «كوك»: إن بعض تلك الأعمال كانت مفيدة، لكنّ كثيرًا من النقاد والمعلقين والكتّاب الذين نصّبوا أنفسَهم محللين لقضايا الإرهاب ألحقوا ضررًا بليغًا بالولايات المتحدة.

ونتيجة لذلك، استُهدف المسلمون والعرب- وأناس آخرون اشتُبه فى انتمائهم لأحد الطرفين- فى المطارات والأماكن العامة، ولربما مثل تلك الحوادث كانت ستقع بعد الهجمات حتى لو كانت تحليلات المعلقين والنقاد مستندة إلى مصادر واسعة الاطلاع.

ولعل أشهَر أمثلة التجسُّس على الأمريكيين كانت ممثلة فى القرار الذى أصدرته المحكمة الفيدرالية الأمريكية عام 2013 بناءً على الدعوى التى رفعها الناشط المحافظ لارى كلايمان، الذى يستخدم هاتفًا نقالاً من شركة «فيريزون»، وقرر التصدى لممارسات وكالة الأمن القومى الأمريكى وإيقافها عن جمع المعلومات الوصفية الخاصة بالمستخدمين.

وكانت الوكالة الأمنية الأمريكية فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما قد أصدرت أوامرها لشركة فيريزون- وهى واحدة من أكبر شركات الاتصالات فى الولايات المتحدة- بتقديم البيانات الوصفية الخاصة بعملائها، التى تتضمن أرقام الهواتف، وأرقام كروت الاتصالات وكذلك الأرقام المسلسلة الخاصة بهواتف المستخدمين، وملايين المكالمات التى أجريت من خلال الشركة فى مكان واحد على الأقل بالولايات المتحدة.

كما تنتهج السُّلطات الأمريكية أسلوبًا مرعبًا فى عمليات التجسُّس على مواطنيها، ويتم ذلك عن طريق تخزين سجل مكالمات كل الأشخاص وتحليل المكالمات الخاصة بهم مع الزمن، لتحليل الكلمات التى وردت بها، والتى بعد ذلك قد تقودهم؛ لإيقاف أى عمل يضر بأمنهم.

ووفقًا لتقرير الـ«CIA»؛ فقد بلغت 534 مليون تسجيل لمكالمات هاتفية ورسائل نصية لأمريكيين خلال الأعوام الماضية، كما أن الأمن القومى الأمريكى يوكل المكالمات الدولية اهتمامًا أكبر بكثير من الذى يعطيه للمكالمات المحلية فى عملية التتبع.

وقد مثلت هذه الزيادة الكبيرة 151 مليونًا خلال السنة الكاملة الثانية لنظام مراقبة جديد تم إنشاؤه فى وكالة المخابرات بعد أن أقر المشرّعون الأمريكيون قانونًا فى عام 2015 لتغيير نظام قديم لجمع مثل هذه السجلات.

كانت مفاجأة عندما أعلنت وزارة الأمن الداخلى الأمريكية أنها اكتشفت أجهزة مراقبة إلكترونية فى واشنطن، وتلك الأجهزة المعروفة باسم (IMSI)، تشبه الأبراج الخلوية، وتعمل على اعتراض الإشارات للتجسُّس على المكالمات والرسائل، ويستخدم مكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI) تكنولوچيا مراقبة مشابهة من خلال برنامج «Stingray» الخاص بضباط الشرطة.

وقال «كريستوفر كريبس»، المسئول فى وزارة الأمن الوطنى، إن الوكالة لاحظت نشاطًا غير طبيعى فى العاصمة الأمريكية باستخدام أجهزة (IMSI)، وقالت وزارة الأمن الوطنى أنه لم يتضح مَن الذى كان وراء عملية التجسُّس حتى الآن.

وأشار إلى أنها بحاجة إلى المزيد من التمويل لتحسين اكتشاف هذه الأجهزة؛ لأن استخدامها من قبَل الحكومات الأجنبية قد يهدد الأمن الوطنى والاقتصاد الأمريكى.

تطور المراقبة

ورُغْمَ ذلك؛ لا تقتصر عمليات المراقبة على الهواتف فقط، فهناك عدة طرُق انتهجتها الولايات المتحدة فى التجسُّس على مواطنيها، فقد حولت السُّلطات الأمريكية التلفاز الذكى «Smart TV»، من مجرد أداة تسلية وثقافة إلى أجهزة لسماع الأصوات والتقاط الصور، فإن الحكومة قادرة على فعل ذلك بالتعاون مع الشركات المصنعة.

استخدمته وكالات الأمن الأمريكى كأحد أكثر الطرُق لاختراق خصوصيات الآخرين، وهى نقطة أخرى يفترض المَصدر بأن الأمن القومى الأمريكى يسعى وراءها لمتابعة المواطنين وما يدور فى منازلهم.

كما تزخم مواقف الباصات فى أمريكا بأنظمة فيديو للمراقبة، وهو أمر طبيعى، ولكنه فى الوقت نفسه يُعتبر مَصدرًا مُهمًا للتجسُّس على الناس وعلى تحركاتهم.

هى الطريقة التى انتفعت منها جميع وكالات الأمن القومى والداخلى حول العالم، فيتم اللجوء لنشر برامج للحاسوب أو للهواتف الذكية فى مواقع غير المتاجر الرسمية، بعد تلغيمها بأوامر وأسطر برمجية للتجسُّس على بيانات الضحية، لذلك ينصح دائمًا بالاكتفاء بتحميل البرامج من المتاجر الرسمية.

 الانشغال بالصين

تخلى الرؤساء الأمريكيون الآن ربما عن «أملهم الساذج» فى إرساء الديمقراطية فى دول استبدادية تمزقها النزاعات؛ فكل الرؤساء منذ چورج بوش الابن حاولوا وضع حد لتلك الحروب، والانسحاب من الشرق الأوسط، والانشغال بصعود الصين بدل ذلك.

وبانسحابه من أفغانستان، يكون چو بايدن أول رئيس أمريكى ينجح فى ذلك، لكن انسحابه ذاك- وفقًا لأنشال فوهرا- تحول إلى كارثة إنسانية فادحة جعلت المحللين يتساءلون عما إذا كان احتفاظ الولايات المتحدة بوجود محدود يخدم بشكل أفضل الشعب الأفغانى والمصالح الأمريكية على حد سواء.

وفى تقديرها أن الحرب- كأداة للتغيير فى وقت فشلت فيه كل الوسائل- قد فقدت بريقها فى النظام العالمى لما بعد 11 سبتمبر، لكن على العالم الحُر أن يدرس إمكانية استبدال القوة العسكرية لمنع طاغية مستبد من استخدام أسلحة كيميائية، أو ردع «القتلة المتدينين» من حَز رؤوس النساء، أو حماية الأقليات من المذابح.

وتابع: إن الغزو الأمريكى لأفغانستان والعراق أدى إلى الاهتمام مجددًا بدراسة مكافحة ظاهرة الإرهاب وطرُق مواجهتها وتمويلها من قبَل المؤسَّسات الخاصة وحكومة الولايات المتحدة.

 النظام العالمى

من وجهة نظر ستيفن ويرثيم، الباحث فى برنامج فن الحكم والإدارة بمؤسَّسة كارنيغى للسلام الدولى، فإن 11 سبتمبر أحدثت تغييرًا فى طريقة فهم الولايات المتحدة لدورها فى العالم، لكن ليس بما كان يصبو إليه قادتها.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى- كما يقول ويرثيم- آثرت الولايات المتحدة عدم تقليص قوتها القهرية حول العالم؛ بل سعت لإضفاء معنى لهذه القوة الهائلة.

ونقل الكاتب عن وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك مادلين أولبرايت القول عام 1998: «إذا اضطررنا لاستخدام القوة؛ فلأننا أمريكا، فنحن دولة لا غنى عنها».

ويعلق «ويرثيم» على ذلك التصريح بأنه فى غياب أى تهديد كبير، وفى أوقات الرخاء، لم يكن من الواضح حينذاك مقدار العبء الذى يستطيع المواطنون الأمريكيون تحمُّله لكى يجعل بلدهم لا يمكن الاستغناء عنه فى أنحاء العالم.

وبدا للوهلة الأولى أن هجمات 11 سبتمبر حلت تلك المعضلة بإضفاء صبغة دلالية على القوة الأمريكية تستند إلى هدف غير قابل للنقاش.

وإذا كان مصطلح «دولة لا غنى عنها» يعنى فى ذلك الوقت شن حرب عديمة الجدوى ولا نهاية لها؛ فإن الولايات المتحدة كانت بحاجة إلى طريقة جديدة للتواصل مع العالم.

لقد نبذ الرئيس السابق دونالد ترامب المفهومَ القائل إن الولايات المتحدة تتحمل مسئولية حراسة النظام العالمى بالقوة، رُغْمَ أنه واصل انتهاج سياسة الهيمنة العسكرية «المغلفة بنزعة قومية مظلومة».

والآن؛ فقد سحب خليفته چو بايدن القوات الأمريكية من أفغانستان، متعهدًا بوضع حد «لحقبة من العمليات العسكرية الكبيرة الرامية إلى إعادة تشكيل الدول الأخرى».

وطبقًا لستيفن ويرثيم؛ فإن قيادة أمريكا للعالم بالكاد تقترب من نهايتها «بل على العكس فمن المرجّح أن تزداد منعة ونفوذًا بعد أن تتحرّر من الصراعات باهظة التكلفة».

وقال إن الولايات المتحدة ستصبح بعد عقدين من الآن دولة من بين الدول، لن تعود تستأسد بقوتها على الآخرين للحصول على ما تريد.