الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ): القرآن الكريم.. وأشعار الجاهلية! "33"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



لا يزال القرآن الكريم مثيرًا للجدل؛ لأنه فريد فى أسلوبه، ومميز عن كلام البشر، ومع ذلك يتهم البعضُ القرآنَ الكريم بأنه ليس وحيًا إلهيًا؛ وإنما هو تأليف اعتمد على الشعر، قام به النبى عليه الصلاة والسلام.

 

وعن الشعر يأتى القول المشهور «أعذب الشعر أكذبه»، إشارة إلى وجود الكذب فى الشعر، وفى العصر الأموى قال زياد بن أبيه: «الشعر كذب وهزل، وأحقه بالتفضيل أكذبه»، فالشعر يتصف بالكذب من خلال قدرة الشاعر على الخيال، ومثل ذلك قول الخليفة العباسى هارون الرشيد للأصمعى: «إن كنت صادقًا فقد أتيت عجبًا، وإن كنت كاذبًا فقد أتيتَ أدبًا»، فقد وصف الروايات الكاذبة بصفة الأدب.

ولذلك قال تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِى لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ)، يس 69، فالشعر فيه حقائق قليلة، والنبوة لا يليق بها الشعر، فالشعر فيه كذب ومبالغة، فيه هجاء، وفيه غزل غير عفيف.

جاء القرآن مُعجزًا متحدى به، وقد نزل وقت كان العرب أهل لغة وفصاحة وهم أقدر من يعارضه، ويدعى البعض أن القرآن الكريم مقتبس من أشعار الجاهلية؛ خصوصًا أشعار «امرؤ القيس»، وأميّة بن أبى الصلت.

 امرؤ القيس

موضوع يثيره البعض بأن النبى اقتبس بعض الأفكار والألفاظ من شعراء فى الجاهلية ووضعها فى آيات القرآن، ويعتمد هؤلاء على ما جاء بكتب التاريخ والتى سجلت أبياتًا لشاعر الجاهلية «امرؤ القيس» تتشابه مع آيات قرآنية، مثل أن «امرؤ القيس» قال «دنت الساعة وانشق القمر»، وفى القرآن: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)، القمر1، وقيل إن «امرؤ القيس» الشاعر الجاهلى تكلم بالقرآن قبل أن ينزل‏. ومن الأبيات المنسوبة إلى «امرئ القيس»:

مر يوم العيــد فى زيـنته.. فرمانى فتعاطى فعقر،

بسهامٍ من لِحاظٍ فاتــكِ.. فتركنى كهشيم المحتظر، 

وإذا ما غــاب عنى ساعةً.. كانت الساعة أدهى وأمَرّ.

ويرى بعض دارسى الشعر أن هذا الشعر ليس من شعر «امرؤ القيس»؛ وإنما هو مختلق عليه، ولو كانت تلك الأبيات له لأعلنت قريش أن القرآن نقل من تلك الأبيات.

 أمية بن أبى الصلت

شاعر من قبيلة ثقيف فى الطائف، وهو من الحنفاء الذين ثاروا على عبادة الأصنام وآمنوا بالله الواحد واليوم الآخر، ومن شعره:

وأُبْـرِزوا بصعيـدٍ مستـوٍ جُـرُز.. وأُنْزِل العـرش والميـزان والزُّبُـرُ،

وحوسبوا بالذى لم يُحْصِـه أحـدٌ منهم.. وفى مثل ذاك اليـوم مُعْتبَـرُ،

فمنهم فَــرِحُ راضٍ بمبعـثـه.. وآخرون عَصَوْا مأواهـم السَّقَـرُ.

ويدّعى البعض أن القرآن مأخوذ من شعر «أمية بن أبى الصلت»، ولكن البعض من دارسى الأدب الجاهلى من المستشرقين ومن العرب قالوا إن هذه الأشعار التى تنسب لأمية عن خَلق السماوات والأرض وعن العالم الآخر وعن الأنبياء السابقين؛ هى أشعار ليست له، كما أن أمية قد مدح النبى عليه الصلاة والسلام.

وأخت أمية وأبناؤه دخلوا مع قبيلة ثقيف فى الإسلام، كما كان أبناؤه يقولون الشعر، ولم يثبت عنهم أن القرآن قد نقل من شعر أمية. 

والأشعار التى بها ملامح دينية للشاعرين قد ثبت لبعض الباحثين تأليفها فى عصر لاحق لظهور الإسلام ونسبتها لهما، ولو كان القرآن الكريم مأخوذًا من الشعر المتداوَل قبل نزول القرآن لفضح عرب قريش هذا الأمر لمعرفتهم بالأشعار.

لقد جاء القرآن الكريم بما تعهده العرب فى كلامها من استعارات وبلاغة، لكنّ هناك فارقًا كبيرًا بين بعض الأبيات التى وردت فى الشعر الجاهلى من ذكر ألفاظ التوحيد والدين والأنبياء، والتى لم يكن لها أى فكرة واضحة عندهم، وبين ما جاء فى القرآن من منهج متكامل عقيدة وشريعة.

ولم يصل إلينا أن مشركى وكفار قريش- وهم نقلة الشعر ورواته وهم من أشد الناس عداوة وأكثرهم حرصًا على العثور على ما يشكك فى صدق الرسالة- أنهم قد ادّعوا بأن القرآن الكريم قد قلد أشعارهم بل أقروا بالعجز عن الإتيان بسورة من مثله وليس تقليد نظمه مع تحدى القرآن الكريم لهم.

 القرآن والشعر:

ادّعى كفار قريش أن النبى شاعر، وقد أشار تعالى إلى هذه التُّهمة: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ)، الحاقة 40-41.

وكان الرد؛ إن الشعراء يتبعهم الغاوون، والأنبياء ليسوا كذلك: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُم يَقُولُونَ مَا لَا يَفعَلُونَ)، الشعراء 224-226، الشعر يحرك المشاعر، والبلاغة والقدرة التعبيرية شىء ثمين إذا وظف للحق، لذلك الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، الإسلام ليس ضد الشعر لذاته بل لمضمونه. 

والنبى عليه الصلاة والسلام اختار حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة ليردوا بالشعر على خصوم الإسلام؛ انطلاقًا من قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا)، الشعراء 227، وهذا من حسنات الشعراء المؤمنين. 

 قصة الغرانيق

بدأ التشكيك فى القرآن بالادّعاء بتلك القصة، والغرانيق جمع غرنوق وهو طير أبيض طويل العُنق مثل الكركى، وقصة الغرانيق التى تشكك فى القرآن الكريم، عبارة عن إضافة جملة بعد الآية 20 من سورة النجم وهى: «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى»، وهى رواية جاءت فى بعض كتب التاريخ والتفسير، أنكرها العديد من العلماء والمفسّرين وأجمعوا على عدم صحتها.

وقصة الغرانيق جاءت فى بعض التفاسير للآيتين: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ)، الحج 52-53.

مثل ما جاء فى تفسير الجلالين: «فى قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ) هو نبى أمر بالتبليغ، (وَلاَ نَبِيٍّ) أى لم يؤمَر بالتبليغ، (إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى) قرأ، (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ) وضع الشيطان فى قراءته ما ليس من القرآن، وقد قرأ النبى صلى الله عليه وسلم فى سورة النجم بمجلس من قريش، بعد (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخرى)، النجم 19-20، بإلقاء الشيطان على لسانه من غير علمه صلى الله عليه وسلم، «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى»؛ ففرح المشركون بذلك.

ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك فحزن، فنزلت الآية (فَيَنسَخُ اللهُ) يبطل، (مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ) يثبتها، (وَاللهُ عَلِيمٌ) بإلقاء الشيطان ما ذكر، (حَكِيمٌ) فى تمكينه منه. 

(لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً) محنة، (لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) شك ونفاق، (وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) أى المشركين عن قبول الحق، (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) الكافرين، (لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ) خلاف طويل مع النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ حيث جرى على لسانه ذكر آلهتهم بما يرضيهم، ثم أبطل ذلك»، انتهى تفسير الجلالين. 

والتدبر فى قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ)، بمعنى حدث هذا مع كل الرسل والأنبياء، (إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى) فكلما تمنى الرسول أو النبى أن تتحقق أمنيته فى هداية قومه، (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ) وضع الشيطان العقبات فى طريق تحقيق أمنيته. 

وفى قوله تعالى: (فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ)، بمعنى فيكتب الله ويثبت فى القرآن الكريم ما يلقى الشيطان من حجج يوحيها إلى أوليائه مثل: (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ)، الصافات 36، (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)، الذاريات 52، وقد سَجّل تعالى أقوالهم فى القرآن الكريم.

وفى قوله تعالى: (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، بمعنى يقر تعالى آياته بالحق، ويرد على أقوالهم: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ)، يس 69.

وفى قوله تعالى: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ)، الحج 53، فقد أثبت تعالى فى القرآن ما أوحى به الشيطان لأتباعه، وجعله فتنة لغير المؤمنين. 

لو كان القرآن الكريم من تأليف النبى عليه الصلاة والسلام كان سيجيب عندما يسألوه، مثل السؤال عن الأهلة: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ)، البقرة 189، وكان ينتظر حتى يأتيه الوحى بالإجابة.

ولو كان القرآن الكريم من تأليف النبى عليه الصلاة والسلام؛ ما كان ليراجع نفسه، مثل ما حدث فى قبوله لأعذار المنافقين وإذنه لهم بالتخلف عن غزوة تبوك: (عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)، التوبة43، ونختم بقوله تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)، النساء 82.