الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تحذيرات من حدوث فجوة غذائية كبيرة خلال الفترة المقبلة سيول السودان... السيناريو الأسوأ لكوارث الغرق

يعيش السودان كابوسًا بسبب اجتياح السيول والفيضانات مناطق عديدة أدت بين عشية وضحاها إلى مقتل المئات وتشريد الآلاف. وتشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إلى أن 460 ألف شخص قد يتأثرون بالفيضانات هذا العام فى البلاد، وأن 146 ألفًا تأثروا حتى الآن، و31 ألف منزل دُمّرت أو تضررت.



وقبل أن تجف  أوجاع السيول  بولايات السودان المنكوبة، وتتمكن من تجاوز الأوضاع الإنسانية المتدنية، التى تعيشها حتى الآن، طرق فيضان النيل الأزرق أبواب العاصمة الخرطوم وكثيرًا من المناطق ليضاعف القلق والهموم، ويضعها مجددًا فى مرمى خطر الغرق. ومع بلوغ مرحلة الفيضان، وزيادة معدلات الأمطار المتوقعة، يصبح كل شيء على حافة الخطر، ويبقى أمل تفاديها فى قدرة صمود خزان الروصيرص على استيعاب مزيد من تدفقات المياه بعد عبورها الممر الأوسط لسد النهضة.

وتجد العاصمة السودانية نفسها من جديد أمام قدر مجابهة نيران الأمطار والسيول والفيضانات معًا، وهو ما يصفه متخصصون فى المياه بالسيناريو الأسواء لكوارث الغرق.

ومع تزايد أعداد الضحايا والخسائر تتنامى أيضًا المخاوف من مآلات تمدد المحنة وانتظار الأسوأ المقبل فى ظل توقعات بهطول مزيد من الأمطار فى معظم ولايات السودان.

 أضرار جسيمة

وارتفع عدد القرى المتضررة بمحلية المناقل بولاية الجزيرة وسط السودان، حيث تتجسد المحنة والمأساة بكامل وجعها ونزفها الإنسانى، من 54 إلى 128 قرية، وانهار فيها أكثر من 31 ألف منزل وتهدمت 66 مدرسة، وأغرقت السيول 12230 فدانًا زراعيًا مرويًا و102 فدان مطرى، بحسب غرفة الطوارئ المحلية.

كما غمرت المياه 17 ألف فدان من المساحات المروية والمزروعة بالخضروات والفواكه والبقوليات والبصل، إضافة إلى 65 ألف فدان من المساحات المزروعة مطريًا بمحاصيل السمسم والفول والذرة، وجرفت مياه السيول حوالى 11 ألف رأس من المواشى والأبقار.

كما ازدادت أعداد الأسر المشردة، التى تنتشر على امتداد العراء فى الروابى الجافة، تستظل بالراكوبة، وهى عبارة عن مظلة من حطب الأشجار مسقوفة ببقايا أقمشة أو مشمعات قديمة، وعيونهم صوب السماء تضرعًا ودعاء، يرعبهم تراكم السحب ويلفحهم هجير الشمس ولا تزال المياه تحاصرهم من كل جانب.

القرى المنكوبة لا تزال غارقة فى وحل السيول، التى تلتهم كل يوم مزيدًا من المنازل والمبانى، التى استسلمت بعد أن تعذر تصريف المياه التى لا تجد حتى الآن منفذًا بسبب امتلاء كل المجارى المائية بالجوار حتى سعتها القصوى ولم يعد هناك مخرج سوى التبخر.

وأشار مدير مياه النيل بوزارة الرى والموارد المائية إلى أنه لا يزال هناك متسع للتخزين ببحيرة خزان الروصيرص وأن وضعه مستقر، لافتًا إلى أن نهر النيل الأبيض يشهد أيضًا ارتفاعًا تاريخيًا غير مسبوق فى مناسيبه هذا العام، على غير عادته فى السنوات الماضية.

وحذر مدير الدفاع المدنى السودانى، عثمان عطا مصطفى، من فيضان متوقع للنيل نسبة إلى الارتفاع الكبير فى مناسيبه، وقال إنهم لاحظوا ظهور تماسيح فى النيل.

ودعا مصطفى المواطنين إلى أخذ الحيطة والحذر من التماسيح التى قد بدأت فى الظهور بمحلية جبل أولياء، مناشدًا المواطنين بالتبليغ الفورى لنقاط ارتكاز الدفاع المدنى المنتشرة على المناطق النيلية للمراقبة والتدخل السريع حال ظهور أى حيوانات مفترسة.

 الطوارئ الإنسانية

بدورها، عقدت اللجنة العليا للطوارئ الإنسانية اجتماعًا ركز على مآلات الظروف الاستثنائية المرتبطة بالسيول   والفيضانات، وجهود أجهزة الدولة للتصدى لها.

من جانبها، حذرت لجنة أطباء السودان المركزية من كارثة ومخاطر بيئية  وصحية جراء المياه الراكدة فى الولايات المتأثرة، ما يهدد بانتشار الأوبئة كالإسهال والحمى والنزلات المعوية، وبعض الأمراض المعدية المنقولة عبر المياه، فضلًا عن المخاطر على الحوامل وتعرض كثير من المواطنين الذين فقدوا منازلهم للدغات العقارب والثعابين والحشرات السامة، مطالبة بسرعة التحرك لتصريف مياه السيول والأمطار تفاديًا لتلك المخاطر.

وطالبت اللجنة بالاعتراف بوجود كارثة صحية وبيئية وإعلان حالة الطوارئ وتوجيه كل ميزانيات الولايات لمعالجة الوضع الصحى والإنسانى فى المناطق المنكوبة، وفتح الباب واسعًا للمنظمات العالمية والإقليمية والمحلية لتقديم المساعدة.

تعاطف دولي

أوجدت المأساة تعاطفًا إقليميًا ودوليًا مع السودان، بخاصة من الدول العربية على رأسها السعودية والإمارات وقطر ومصر التى سارعت بإرسال مساعدات للمتضررين شملت مواد غذائية ومواد إيواء، وصل بعض من تلك المعونات فعليًا إلى الخرطوم، هذا فضلًا عن التعاطف المحلى من القوات المسلحة والشرطة وقوات الدعم السريع وجهاز الأمن والاستخبارات وديوان الزكاة ورجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدنى الوطنية، التى سارعت بإرسال قوافل مساعدات إلى الولايات المتضررة.

وأرسلت مصر  للخرطوم قافلة مساعدات إنسانية مصرية عبر جسر برى يضم 90 شاحنة، بناء على توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى  وتحتوى على أكثر من ألف طن من مواد الإغاثة المختلفة (مواد غذائية ودوائية وخيام ومراتب وبطاطين)، حيث تسلمتها السلطات السودانية المعنية بهدف توزيعها على المتضررين من السيول والفيضانات فى أنحاء السودان كافة.

وأعرب اللواء عباس محمد اللبيب رئيس اللجنة العليا بجهاز المخابرات العامة بالسودان عن عظيم شكره وتقديره لجمهورية مصر العربية حكومةً وشعبًا، وخص بالشكر المخابرات العامة المصرية لدعمه،  ووقوفه مع الشعب السودانى.

 وتسببت السيول والأمطار التى ضربت عددًا من ولايات السودان مطلع أغسطس فى غرق مساحات واسعة من المشاريع الزراعية وتلف معظم محاصيلها خصوصًا مشاريع ولاية الجزيرة التى تقع بين النيلين الأزرق والأبيض فى المنطقة الشرقية الوسطى من البلاد، والتى تعد أكبر مصدر غذائى واقتصادى فى السودان، ما يهدد بحدوث فجوة غذائية كبيرة خلال الفترة المقبلة.

وارتفعت حصيلة ضحايا السيول والفيضانات فى السودان والتى اجتاحت عدة مناطق إلى مصرع وإصابة المئات، وما زال آخرون مهددين بنفس المصير مع تواصل ارتفاع مناسيب المياه فى نهر النيل وروافده، وتواصل هطول الأمطار الغزيرة فى بعض المناطق الأكثر تضررًا ومنها الخرطوم.

 أضرار مادية

إلى جانب الخسائر البشرية، قالت الخرطوم، إن الفيضانات ألحقت أضرارًا مادية كبيرة، إذ دمرت بشكل كامل ما يزيد على 32 ألف منزل فى جميع أنحاء البلاد، بينما تضرر ما لا يقل عن 44 ألف منزل بشكل جزئى، وارتفعت انهيارات المرافق من مخازن ومتاجر إلى حوالى 243، وذلك بحسب أحدث تقرير للمجلس القومى للدفاع المدنى السودانى.

وتفوق الحصيلة الجديدة عدد الضحايا الذين لقوا مصرعهم فى الفيضانات التى ضربت البلاد العام الماضى، فيما تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى تضرر أكثر من 146 ألف شخص جراء الفيضانات.

وضاعفت كارثة السيول والأمطار التى تعد الأسوأ بالنظر إلى الأعوام السابقة معاناة القطاع الزراعى الذى يشهد أزمات كبيرة من تفاقم النقص الحاد فى الغذاء وزيادة عدد الجوعى، فى ظل تزايد مشكلات انعدام التمويل وارتفاع كلفة الإنتاج وزيادة أسعار المحروقات، الأمر الذى من شأنه أن يؤدى إلى تراجع مساحات وإنتاج المحاصيل.

دمار هذه المشاريع ستكون له انعكاسات اجتماعية واقتصادية، فالمزارع بعد هذه السيول لن يخاطر بزراعة محاصيل خوفًا من تكرار ما حدث، فضلًا عن هجرة كثيرين من المزارعين إلى المدن، لذلك من المهم إيجاد مشروع لتجميع حصاد المياه فى تلك المناطق ما سيحمى منطقة الجزيرة من أى ضرر يتوقع من سد النهضة الإثيوبى، أو من خزانى الروصيرص  وسنار السودانيين.