الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر ما بعد الأزمة الروسية الأوكرانية درس جديد فى الإصلاح الاقتصادى

مصر ما بعد الأزمة الروسية الأوكرانية درس جديد فى الإصلاح الاقتصادى

‏لا توجد دولة على مستوى العالم ليس لديها سياسات اقتصادية، ولا توجد دولة لا تسعى حكومتها لتطبيق إدارة اقتصادية فعالة تحقق أعلى معدلات النمو الاقتصادى وبما يرفع فى النهاية مستوى رفاهية المجتمع وبما يسهم فى خلق فرص عمل ووظائف ‏للأفراد وللأجيال الحالية والقادمة. ‏ويعتبر التحدى الأكبر هو جذب الاستثمارات وأيضا تفعيل الدور الوطنى فى الاستثمار المحلى وخلق بيئة اقتصادية مناسبة للعمل الاقتصادى. ‏وقد يبدو الكلام سهلا، ‏والأسهل هو الحديث عن أرقام مؤشرات تريد الحكومات فى العالم تحقيقها، ‏ولكن المحك دائما يكون للواقع الاقتصادى الذى وصلت إليه هذه الدولة. ففى وقت يعيش فيه العالم ‏محاولات مستميتة للخروج من الأزمة وتحقيق معدلات استعادة اقتصادية بعد أزمة كورونا، تأتى الحرب بين روسيا وأوكرانيا لتزيد المأساة أيضا ليرتفع التضخم إلى %10 ‏فى الولايات المتحدة وفى بريطانيا بنسب لم يصل إليها منذ أكثر من 40 عاما كما ارتفع على مستوى الاتحاد الأوروبى ليصل هذا الشهر إلى معدل 9 %، وهو الرقم القياسى التاسع على التوالى لارتفاع أسعار المستهلكين فى منطقة اليورو بعد شهر يوليو للعام الحالى 2022.



 

‏وسط كل هذه الحروب الاقتصادية ومحاولة الخروج من الأزمة تشير التقارير الدولية والمؤسسات المالية التى تراجع دوريا قائمة أعمال اقتصاديات دول العالم إلى أن الاقتصاد المصرى حقق نموا كبيرا خلال التسعة شهور الأولى من العام المالى الحالى من يوليو للعام 2021 إلى مارس 2022، مسجلًا معدل نمو بواقع 8 % ‏وتتوقع الأوساط الدولية وكما تشير البيانات الحكومية المصرية أن معدل النمو فى نهاية العام الحالى قد يصل إلى 6 % ‏بل أن يتعدى هذا الرقم قليلا فى نهاية العام المالى 2021/2022، كما يمكن أن تنخفض البطالة إلى 7.2 %، ‏وهو إنجاز بهذه المؤشرات التى أعتقد فى رأيى الشخصى أنها من أهم مؤشرات الأداء الاقتصادى والتى تهتم بها الدول وهى نسبة النمو المطلوب تحقيقه من قبل الحكومات ثم قدرة هذه الحكومات على خلق فرص عمل، لا سيما أن مصر من الدول التى يزيد فيها عدد السكان بشكل كبير وتحتاج الدولة إلى خلق معدلات وظائف بنسب نمو أسرع من نصيب الفرد فى الناتج المحلى وبأسرع من زيادة السكان، وهو تحدٍّ فى اعتقادى أنه من الأصعب الذى تواجهه دول قليلة على مستوى العالم ‏لا يزاحمنا فيه إلا الصين والهند وبعض الدول الإفريقية ذات الكثافة السكانية عالية، ‏ولكن استطاعت مصر خلال سنوات قليلة ومنذ بداية حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى وانتفاضة الشعب فى 30 يونيو رسم مستقبل اقتصادى واجتماعى أفضل لأبناء الوطن، استطاعت الحكومة المصرية الحالية والحكومات المتتابعة أن تخلق 5 ملايين فرصة عمل فى هذه الفترة ولتكون مصر على مستوى القارة الإفريقية من أولى الدول فى جذب للاستثمار الأجنبى المباشر وتحقيق معدلات نمو وفائض فى ميزان المدفوعات ورغم أن فاتورة الواردات المصرية من السلع لارتفعت بنسبة 90 بالمئة شهريا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ‏وهو ما كان له تأثيره على ارتفاع حاد بأسعار السلع الأساسية ‏وانت تقوم ليس فقط على مستوى مصر لكن على مستوى العالم أجمع، فارتفعت فاتورة الواردات المصرية شهريا إلى 9.5 مليار دولار من 5 مليارات دولار قبل الحرب بجانب ارتفاع أسعار السلع الأساسية ومعها أسعار الطاقة والغذاء وتكاليف الشحن والواردات فى الأسواق الدولية وارتفاع سعر برميل البترول إلى مستويات حول 120 دولارا للبرميل، بـتكلفه 7.2 مليار دولار بزيادة مليارى دولار على الموازنة المصرية مع استيراد 12 مليون طن قمح مع العلم أن مصر هى الدولة رقم واحد حول العالم فى استيراد القمح. 

تحديات مصر المالية والاقتصادية كبيرة جدا وقد تقدمت مصر للتعاون مع صندوق النقد الدولى بسبب انخفاض الإيرادات نتيجة الظروف الدولية لتصل الإيرادات إلى 1.518 تريليون جنيه والمصروفات إلى 2.071 تريليون جنيه مما يخلق عجزًا ماليًا قدره 588 مليار جنيه.

‏ولا بد أن يعلم المواطن أن الظروف العالمية التى يمر بها العالم ومنها مصر قد أدت أيضا إلى انخفاض الإيرادات على المستوى المصرى انخفضت عائدات السياحة وتأثرت الصادرات وحركة التجارة الدولية وعوائد قناة السويس والاستثمارات الدولية المباشرة بينما لم تقل فاتورة المصروفات المصرية، بل تزايدت بسبب تزايد السكان وبسبب حاجة الدولة إلى الحفاظ على معدلات النمو وأيضا إلى الاستثمار فى البنية التحتية التى جددتها الدولة تماما خلال السنوات الثمانية الماضية.

ورغم هذه التحديات ‏التى لم تجتمع على دولة خلال الأربعين عاما الماضية، تظل مصر صامدة رغم أنه سوف يزداد عدد السكان ويدخل المزيد من الشباب إلى سوق العمل سنويا حتى 2030 ليصلوا إلى 10 ملايين شباب فى سوق العمل، ‏وهل تعتقد أن الحكومة والدولة غافلة عن ذلك هذا هو التحدى الأكبر لاستيعابهم فى سوق العمل، رغم أننا نرى انها فرصة عظيمة لتوسيع قاعدة القطاع الخاص القوى الذى ‏طالب السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن يدخل فى عملية التنمية بشكل أكبر لتشغيل هذا الجيل من العمالة فى وظائف منتجة، حيث إن الحمل تراكمى أى أنه على مدار عدة عقود سابقة كان القطاع الخاص فى مصر أقل فاعلية ووجود نسبة بسيطة من الشركات المصرية قادرة على المنافسة خارج السوق المحلية. ‏فى ظل هذه التحديات هل نعلم أن الصادرات المصرية قفزت إلى رقم قياسى وصل إلى 32 مليار دولار وأن الحكومة تنوى وبكل شجاعة وقوة ومثابرة أن نصل بهذا الرقم إلى أكثر من 90 مليار دولار خلال السنوات القليلة القادمة.

لقد توسعت مصر بكل شجاعة فى الإصلاحات الهيكلية فى ظل برنامج وطنى مخلص ففتحت جبهة الإصلاحات لرفع كفاءة تخصيص الموارد وحسن استغلال والحفاظ على الأراضى الزراعية وزيادة المنافسة والتقشف فى المشتريات العامة، وزيادة شفافية الجهاز الإدارى وتقليل نسبة المشروعات المملوكة للدولة، والتصدى للفساد وتحديث الاقتصاد وزيادة الدخول للأسواق الأجنبية الرئيسية وزيادة الاستفادة من الإمكانات المادية والبشرية المتاحة لضمان أفضل تخصيص للموارد من أجل توليد نمو أعلى، وإزالة التشوهات ‏التى يعانى منها الاقتصاد المصرى وأهمها ودعم الطاقة وهى من أبرز التشوهات السعرية ‏والتى واجهتها الدولة بمنتهى الشجاعة والقوة، وقد تفهم المواطن وعمل بكثير من الصبر والثبات لعلمه أن ذلك سوف يساعد على تحديد أسعار صحيحة ورفع كفاءة الاقتصاد حتى لا تتجه الاستثمارات إلى القطاعات كثيفة الاستخدام لرأس المال وبدلًا من التركيز على القطاعات الأخرى ذات الأولوية الاقتصادية المنشئة لفرص العمل والمفيدة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تنتفع المواطن وتساعد مصر على الاندماج فى سلاسل العرض العالمية.

‏تحديات كثيرة قامت بها الدولة خلال الأزمات الاقتصادية الماضية وهى تعلم أنها تحارب على جبهتين، الجبهة الاقتصادية لإصلاح ما أفسده الزمن والجبهة الاجتماعية لضمان عدم حدوث أى خلل فى الهيكل الهيكل الاجتماعى مما تتطلب معه إتاحة شبكة أمان اجتماعى حديثة لحماية ‏الفئات الأكثر فقرا، وقام السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى بداية الفترة الرئاسية بطلبه من الحكومة عدم الموافقة على توصيات صندوق النقد الدولى الذى كان يريد إصلاحات عميقة وكثيفة وقاسية على المواطن المصرى وسريعة دون أن تكون هناك شبكة الحماية الاجتماعية وهو ما دفع الدولة لمصرية إلى تبنى وجهة نظر السيد الرئيس وقامت باستحداث برنامج تكافل وكرامة وتحديث القرية المصرية ودعم المصدرين الشباب ودعم المرأة المعيلة، وهى متطلبات يتطلب تنفيذها ‏الإنفاق من الموازنة العامة، ‏والسؤال الملح هو: أى دولة يمكن أن تتحمل تحديات اقتصادية واجتماعية تؤثر بشكل مستمر على إيراداتها فى ظل أزمات اقتصادية إقليمية ودولية متوالية؟ أى دولة يكون لديها هذا الكم من الحاجة المتزايدة إلى زيادة النمو الاقتصادى ومع ذلك تقوم بالإنفاق من الموازنة العامة وزيادة المصروفات وتحقيق نسبة نمو قياسية؟. 

لقد كان هذا هو التحدى والنجاح الذى حققته مصر خلال السنوات الماضية رغم كل الأزمات الاقتصادية والمالية التى يتعرض لها العالم ومنطقة الشرق الأوسط.. وما زال النجاح مستمرًا.