الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية.. (بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ): القرآن الكريم.. ومحاولات تقليده! "32"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.  



منذ نزول القرآن الكريم بدأت محاولات الطعن بأن القرآن تم تأليفه، من خلال تعلم النبى من بشر، اسمه بحيرا وهو راهب من كهَّان الصحراء، أو تعلم من ورقة بن نوفل ابن عم السيدة خديجة.

وعن نزول القرآن باللغة العربية: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِى آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) فصلت 44، ولم ترتبط كلمة عربى فى القرآن لا بلغة ولا بقوم، ولم تأت كلمة عربى فى القرآن للتعبير عن العرب.

وكلمة عربى تعنى أن القرآن واضح ويحمل صفات التمام والخلو من النقص، ولسان عربى بمعنى لسان واضح وكامل ومفصل، وأعجمى معناه غير واضح وناقص: (لِسانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أعْجَمِيٌّ وهَذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل 103.

 تقليد القرآن

يعتقد البعض أن القرآن الكريم ليس بوحى من عند الله، وإنما هو كتاب تم تأليفه، ولذلك يدعى البعض أنهم كتبوا مثل آيات وسور القرآن، وأن الله تعالى يصرف الناس عن محاولة كتابة مثل القرآن.

 آيات التحدى

وتأتى آيات التحدى فى قوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) البقرة 23، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) يونس 38، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) هود 13، (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء 88.

وقد ظن البعض أن المطلوب هو تقليد القرآن من الناحية اللغوية، وهذا غير صحيح لأن القرآن ليس للعرب فقط، فقد تحدى الناس كلهم، والتحدى صار يشمل مواصفات وشروط الموضوع القرآنى، مثل أن تتم كتابة أى موضوع بحيث تكون الصياغة فنية وبلاغية، لا يمكن الحذف أو الإضافة أو التبديل لأى كلمة أو حرف، وأن تكون المعلومات الواردة غير معروفة كلها أو بعض منها، وكلما تقدم الزمن تم معرفتها وفهمها، وأن تتم صياغة الموضوع وعرضه بطريقة يفهمها كل إنسان حسب إدراكه فى كل مكان وزمان، هذه المواصفات والشروط هى التى تعطى للقرآن صفة التشابه أى نسبية الفهم الإنسانى للمطلق القرآنى.

ويأتى التحدى بالسورة الواحدة مرتين، الأولى كما فى قوله تعالى (بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ)، والمطلوب هنا هو صياغة سورة واحدة على نسق الصياغة القرآنية بمواصفاتها وشروطها أى صياغة الموضوع بحيث يتم فهمه حسب الأرضية المعرفية للزمن الذى تتم فيه القراءة، والثانية فى قوله تعالى: (بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ)، وهنا نرى اختلاف عن الآية السابقة حيث قال فى الأولى (بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ) وهنا قال (بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) لأن آية سورة البقرة تبين حقيقة التنزيل فى قوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا) وهنا جاء التحدى للذى يشك أصلا فى التنزيل الذى هو القرآن والمكون من أكثر من سورة لذلك قال تعالى: (بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ)، أما فى آية سورة يونس فالتحدى جاء لمن يعتقد أن القرآن الكريم هو من تأليف النبى، لذلك فما عليه إلا أن يحاول أن يأتى بمثل هذا الذى يشك فى أنه وحى من الله.

ثم كان التحدى الثانى فى قوله تعالى: (فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ) هود 13، والمطلوب هو صياغة عشر سور وأن السورة الواحدة بها موضوع واحد على الأقل، فإذا كان أحد المواضيع عن حادثة تاريخية فتكون الصياغة بشكل مطلق بحيث يجد من يقرأها أنها مطابقة لمعلوماته التاريخية عن الحادثة، وإذا قرأها أى إنسان بعد مائة عام يجدها مطابقة لمعلوماته فى وقتها، وإذا قرأها أى إنسان بعد ألف عام يجدها مطابقة لمعلوماته فى وقتها وهذا من صفات التشابه القرآنى.

والتحدى الثالث فى قوله تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء 88، جاء للإنس والجن معا من أجل الإتيان بمثل هذا القرآن، أى أنه لو تم الاتفاق بين كل علماء ومفكرين وأدباء الإنس والجن على إنجاز هذا العمل فإنهم لن يستطيعوا تحقيقه.

والرأى القائل بأن التحدى بتقليد القرآن الكريم كله جاء للعرب وحدهم فلما عجزوا تحداهم بأن يأتوا بعشر سور فلما عجزوا تحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة، هو رأى غير صحيح، لأن كل آية من آيات التحدى تمثل نوعاً مختلفاً عن الآخر، وأن التحدى فى كل أنواعه لم يكن للعرب فقط وإنما كان للناس جميعاً وهنا نجد أنه ليس من الضرورى على غير العربى أن يتعلم اللغة العربية لكى يشمله التحدى، وإنما عليه أن يكتب موضوعاً واحداً أو أكثر بلغته مع تطبيق مواصفات وشروط الموضوع القرآنى.

 مسيلمة الكذاب

تاريخياً من أوائل من ادعوا النبوة فى الإسلام كان مسيلمة بن ثمامة، وهو من بنى حنيفة، وكان فى قومه يقال عنه رحمان اليمامة، أما صفة الكذاب فهو لقب أطلق عليه بعد ادعائه النبوة، وأكثر من آمن به كان من بنى حنيفة.

ذهب مسيلمة فى السنة التاسعة للهجرة إلى المدينة، وعندما قابل النبى محمد عليه الصلاة والسلام، سأله أن يعطيه النبوة من بعده مقابل إسلامه واتباع دينه، ورفض النبى ذلك لأن النبوة لمن يختاره الله لها، وعندما رجع مسيلمة إلى اليمن ادعى أن النبى أشركه فى نبوته، وقد شهد معه صاحبه الرجال بن عنفوة.

وقام مسيلمة بمحاولة لتقليد آيات وسور القرآن الكريم، بمجموعة كلام يعتمد على السجع، ومن ذلك ما سماه سورة الضفدع: «يا ضفدع بنت الضفدعين، نقى لكم نقين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين، رأسك فى الماء، وذنبك فى الطين»، وسورة الفيل: «الفيل ما الفيل، وما أدراك ما الفيل، له ذنب وثيل، ومشفر طويل، وان ذلك من خلق ربنا لقليل».

 الفرقان الحق

ومن الأمثلة الحديثة محاولة تأليف كتاب يقلد القرآن، بعنوان «الفرقان الحق»، يحتوى على 77 سورة، تم نشره بالإنجليزية فى أمريكا سنة 1999، وفى سنة 2001 ترجمه أنيس شروش، وهو أمريكى من أصل فلسطينى، كانت له مناظرتان أمام الداعية أحمد ديدات.

وفى الكتاب سورة اسمها الفرقان: «فرقان حق لا ريب فيه يهدى للتى هى أقوم فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون»، سرق المؤلف معظم العبارات من آيات القرآن حرفياً ولكن خلطها خلطاً رديئاً.

وكلمة الفرقان تعنى الكتاب الذى يفصل بين الحق والباطل، ولا يوجد فرقان حق ولا فرقان باطل، وهذا التعبير غير صحيح، لأن معنى الفرقان أنه يفرق ويفصل بين الحق والباطل.

وفى القرآن الكريم كلمة الفرقان من دون صفة تلحق بها لأن هذه الكلمة تحمل معنى الحق: (تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) الفرقان 1.

وكل محاولات التقليد التى تمت منذ مسيلمة الكذاب وحتى كتاب الفرقان الحق وما بعده جاءت كلها هزيلة، وفى قوله تعالى: (بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) البقرة 23، لا تعنى كتابة كلام يشبه نفس نظم وتركيب كلمات القرآن مع تغيير الألفاظ، وإلا فإن مسيلمة وغيره يكونوا قد نجحوا فى التحدى حتى ولو كان نظمهم ركيكا ولكنه من مثله على هذا المفهوم.

ولأن القرآن كلام خالق الكون، قال تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) الرحمن 19-20، يلتقى البحر الأحمر والبحر الأبيض فى قناة السويس، وجد علماء البحار أن للبحر الأحمر كثافةً وله مكونات، وله درجة ملوحة تختلف عن البحر الأبيض، ويلتقى البحر الأبيض بالمحيط الأطلسى فى مضيق جبل طارق، ومكونات المحيط الأطلسى وكثافته وملوحته تختلف عن كثافة وملوحة ومكونات البحر الأبيض، ويلتقى البحر الأحمر بالبحر العربى فى مضيق باب المندب، وعن طريق التصوير الفضائى وجدوا خط وهمى بين كل بحرين، هو فرق كثافة، وفرق لون.

وفى قوله تعالى: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) البقرة 23-24، لم، ولن، لم لنفى الماضى، ولن للنفى على التأبيد أى المستقبل، لم تستطيعوا أن تفعلوا فى الماضى، ولن تستطيعوا أن تفعلوا فى المستقبل.

وتكون (بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) تعنى كتابة كلام مختلف نظماً وتركيباً أى أن تتم كتابة نوع رابع جديد معجز فى ذاته غير الأنواع الثلاثة المعروفة للكتابة العربية وهى الشعر والنثر والقرآن، ويبقى قوله تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء 88.