الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«صراع الدببة» القطب الشمالى.. صراع ثلاثى يشتعل على «صفيح بارد»

تنافس بدأ يشدد بين القوى الدولية الكبرى فى منطقة القطب الشمالى بهدف السيطرة على ثروات تقدّر بآلاف المليارات مِن الدولارات، منافسة شرسة قد تذيب درجة حرارتها الجليد بقدر ما يذيبه الاحتباس الحرارى.



وما بين عدة خطوات بدأت أن تتخذ من قبل روسيا والصين من جهة، والناتو والولايات المتحدة من جهة أخرى، من خلال بعثات علمية ومناورات عسكرية وتحركات دبلوماسية، كثرت من خلالها المحاولات الغربية لإقامة مناطق استيطان أو توسع لاكتناز المخزونات تحت الجليد، فيما توالت التحذيرات والدعوات إلى تجنب «عسكرة» القطب الشمالى.

بسبب الاحتباس الحرارى الذى يشهده العالم أجمع، أصيب القطب الشمالى أيضًا جراء هذه التغيرات المناخية الفاقمة، الأمر الذى يزيد من احتمال فتح مزيد من الممرات المائية التى كان يستحيل عبورها أمام السفن التجارية والعسكرية.

وتعمل روسيا على تعزيز تواجدها العسكرى فى المنطقة القطبية سواء من خلال نشر غواصات أو طائرات حربية، بينما تبنى الصين محطات أبحاث فى القطب الشمالى يُنظر إليها على أنها مقدمة لوجود أكبر.

وفيما ينشغل العالم العالم بدخول الحرب الأوكرانية شهرها السابع، كان الغرب ينقب عن «السياسة» فى ثلوج القطب الشمالى، إذ أعلنت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضى، عن استحداث منصب سفير لمنطقة القطب الشمالى.

وتهدف الخطوة إلى تكثيف الدبلوماسية الأمريكية هناك وسط تعزيز روسيا والصين لوجودهما فى المنطقة القطبية مع ظهور ممرات مائية جراء التغيّر المناخى تسهل الوصول إليها. 

وقال فيدانت باتل، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، إن وزير الخارجية أنطونى بلينكن سيعيّن قريبا سفيرا متجولا مهمته التعامل مع دول القطب الشمالى ومجموعات السكان الأصليين وأصحاب المصلحة الآخرين.

وأضاف باتيل أن «منطقة القطب الشمالى التى يعمها السلام والاستقرار والازدهار وتتمتع بالتعاون تشكل أهمية استراتيجية أساسية للولايات المتحدة وأولوية للوزير بلينكن».

وجاءت الخطوة الأمريكية بعد ساعات من إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسى (الناتو)، ينس ستولتنبرج، خلال زيارة لكندا، أن القدرات الروسية فى الدائرة القطبية الشمالية تمثل تحديا استراتيجيا للحلف، وأن الناتو يحتاج إلى وجود قوى له فى منطقة القطب الشمالى، وفق ما نقلته «رويترز».

وقال ستولتنبرج: «تتزايد أهمية الدائرة القطبية الشمالية لحلف شمال الأطلسى ولكندا لأننا نرى تعزيزا عسكريا روسيا كبيرا (هناك) يتمثل فى قواعد جديدة ومنظومة أسلحة جديدة».

ومن جانبه، رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو «حدث تحول فى الوضع الجيوسياسى خلال الشهور الماضية هو السبب فى أن تفهم أن روسيا مثار قلق متزايد لنا جميعا».

وأضاف ترودو «بالنسبة لنا أن نطلع الأمين العام وحلف شمال الأطلسى على جميع الأشياء التى تفعلها كندا من خلال نوراد» مشيرا إلى المنظمة الأمريكية الكندية للدفاع عن أمريكا الشمالية.

 بداية التوتر

بدأت التطورات فى المنطقة الشمالية تتسارع بصورة قوية، خاصة من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو، ويمكن القول أن التطورات ظهرت منذ يونيو الماضى، بعد أزمة نشبت بين موسكو والنيرويج بسبب عرقلة الأخيرة عبور معدات ومواد غذائية إلى الروس المقيمين فى أرخبيل «سفالبارد»، تحت سيطرة النرويج فى القطب الشمالى، وهددت أوسلو بأعمال انتقامية.

وقالت وزارة الخارجية الروسية فى بيان «طلبنا من الجانب النرويجى تسوية هذه المسألة فى أسرع وقت ممكن» معلنة استدعاء القائم بالأعمال النرويجى فى موسكو إلى الوزارة.

وأضافت «لقد قلنا إن التصرفات غير الودية تجاه روسيا ستؤدى إلى إجراءات انتقامية».

ووفق مراقبين، فإن هذه الأزمة أعادت إبراز أهمية منطقة القطب الشمالى، ومهدت لتطوير التنافس الثلاثى بين أمريكا والصين وروسيا على مواردها، وبشكل أكبر على السيطرة عليها.

وتشير التقديرات إلى وجود 30 تريليون دولار (26.6 تريليون جنيه إسترلينى) من الموارد أسفل تضاريس القطب الشمالى، وفق صحيفة ديلى أكسبرس البريطانية.

وبالتزامن مع أزمة النرويج وروسيا، أعلنت سبع دول تحيط بالقطب الشمالى مؤخرًا أنها ستعلق التعاون مع روسيا فى مجلس القطب الشمالى، الذى تترأسه روسيا حاليًا، ردا على العملية الروسية ضد كييف.

الخطوة التى اتخذتها كندا والدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد والولايات المتحدة (أعضاء فى مجلس القطب الشمالى) غير مسبوقة فى تاريخ المجلس، وعكست وضعية التنافس الحالية على المنطقة.

 العقيدة الجديدة للدب الروسى

بعد أزمة النرويج بشهر، أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، عن اتباع عقيدة عسكرية جديدة فى القطب الشمالى، حيث أوضح فى، يوليو الماضى، عن تعزيزات عسكرية واقتصادية لتعزيز مواقع روسيا فى منطقة القطب الشمالى.

وتنص العقيدة الجديدة على أن القطب الشمالى «يتحوّل إلى منطقة منافسة دولية، ليس فقط من وجهة نظر اقتصادية، ولكن أيضًا من وجهة نظر عسكرية». 

كما تنص على أن روسيا تعتزم تعزيز «مواقعها الرئيسية فى غزو القطب الشمالى واستكشافه»، وتحقق «الاستقرار الاستراتيجى» فى المنطقة من خلال تعزيز الإمكانات العسكرية لأسطولى روسيا فى الشمال والمحيط الهادئ.

وبالإضافة إلى تعزيز إمكانات الأسطولين لتعزيز القدرات الروسية فى القطب الشمالى، قامت موسكو فى السنوات الماضية ببناء 13 قاعدة جوية عسكرية جديدة فى المنطقة، بعضها فى مواقع تعود إلى الحقبة السوفيتية.

ووفق موقع «إكسبرس» الإخبارى، فإن موسكو قد زادت من الدوريات التى تجريها مقاتلات الميج التى تحمل صواريخ اعتراضية، وقاذفات «Tu-22M3» التى تنطلق من القواعد الجوية فى القطب الشمالى.

كما طورت السلطات الروسية أيضا، أنظمة دفاع جوى طويلة المدى من طراز S-400 ومتوسطة المدى SA-17، بهدف الدفاع عن قواعدها فى المنطقة.

 صراع القوى

من جهة أخرى أنفقت كندا (ثانى أكبر دولة إطلالة على المنطقة) 7 مليارات دولار لبناء أسطول للدفاع عن مصالحها.

كما عملت الولايات المتحدة على زيادة بعثاتها العلمية والعسكرية وتعزيز علاقاتها مع دول الشمال الأوروبى وسعت لشراء جزيرة «جرينلاند».

أما الصين فقد عملت على بناء أول كاسحة جليدية تعمل بالطاقة النووية ووقعت اتفاقيات مع روسيا للتنقيب عن النفط والغاز، فى محاولةٍ لخلق تحالف بين الجانبين لمواجهة أى تحالف غربى.

وفى مارس 2022، أجرى حلف الناتو أكبر تدريبات عسكرية «الاستجابة الباردة».، وفى يونيو الماضى، تم تعليق عضوية روسيا بمجلس القطب لشمالى جراء حرب أوكرانيا.

 ثروات مدفونة

واتخذت منطقة القطب الشمالى حيزا كبيرا من الأهمية الاستراتيجية للدول بسبب ما نتج عن ذوبان الجليد بسبب الاحتباس الحرارى (يتوقع العلماء بأن يصبح المحيط الشمالى خاليًا من الجليد قبل 2050 أو قبلها بقليل) وما كشف عنه من ثروات طبيعية تقدر بمليارات الدولارات.

فوفق دراسة صدرت عن جامعة «ستانفورد» الأمريكية عام 2015، كشفت من خلالها احتواء منطقة القطب الشمالى عن:

 • 90 مليار برميل من النفط (ما يوازى %15 من حجم احتياطات العالم).

 • 17 تريليون قدم مكعب من الغاز (%30 من الاحتياطى العالمى).

 • 44 مليار برميل من الغاز المسال (%26 من الاحتياطى العالمى).

 • كميات هائلة من النيكل والماس والزنك إضافة إلى ما يعرف بالعناصر الطبيعية النادرة، وهى المواد التى تستخدم فى صناعات مختلفة بينها الصناعات العسكرية.

وتقدر مساحة القطب الشمالى 14 مليون كيلو متر مربع، وتتلامس معه 3 قارات آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. وتطل عليه 5 دول هى: روسيا والنرويج والدنمارك والولايات المتحدة وكندا، وتعتبر روسيا هى صاحبة الإطلالة الأكبر بما يتجاوز 50 % من سواحل القطب الشمالى.

عمل الاحتباس الحرارى فى المنطقة على مدار الأربع عقود الماضية على تقليص مساحة وحجم الجليد بنسبة 35 % مما نتج عنه مساحات شاسعة من المياه وبدأت معها إمكانية التنقيب والملاحة عبر تلك الممرات فى منطقة كان مستحيلا قبيل ذوبان الجليد التوجه إليها.