السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد مرور 6 أشهر «حرب الاستنزاف» بين روسيا وأوكرانيا

بعد أكثر من 6 أشهر من الحرب، يبدو أن الحرب الروسية - الأوكرانية أبعد ما تكون عن الحسم، كما يبدو أن موسكو وكييف مصممتان على الاستمرار فى القتال إلى مدى غير معروف، كذلك فتح جبهات جديدة سواء فى جزيرة القرم أو من خلال الأقاليم الانفصالية فى أوكرانيا.. لتبدأ معها مرحلة جديدة من الحرب يكون مخططها هو «استنزاف» العدو فى أكثر من جبهة لكسب المزيد من الوقت والدعم الدولى.



 تغيير المعادلة

فى ذكرى إحياء انفصال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتى 24 أغسطس، أوضح الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى فى خطابه لشعبه والقوى الدولية أن بلاده لن تسقط فريسة لأغراض روسيا التوسعية، وأن الشعب الأوكرانى لن يقبل بأى تنازلات أو تسوية على أرضه. وقال: «كل يوم جديد يعطينا سببًا لعدم الاستسلام، وبعد رحلة طويلة كهذه، لا يحق لنا بأن لا نستمر حتى النهاية»، مؤكدًا: «لن نحاول التوصل إلى تفاهم مع إرهابيين (..) وبالنسبة لنا، أوكرانيا تعنى أوكرانيا كاملة بجميع مناطقها الـ25 من دون أى تنازل أو مساومة».

وعلى مدار الحرب الروسية فى أوكرانيا كانت المعادلة العسكرية تؤكد سقوط كييف فى غضون أيام، ومع ذلك جاء الدعم الخارجى وتعزّزت الروح المعنوية لتبطئ الوصول لنقطة الحسم.

وفسر الجانب الروسى هذا التباطؤ بحجة تقليل الخسائر فى صفوف المدنيين، غير أنَّ أوكرانيا وحلفاءها يعولون على إطالة أمد الحرب بهدف إنهاك روسيا. ولم تنف موسكو هذا التكتيك المتعمد والذى جاء بتخطيط من الحليف الأمريكى، حيث إنَّ خطة الحرب وتكتيكاتها تصنع أيضًا فى مكاتب قادة البنتاجون، وفق ما أكده عدد من الخبراء.

ويعلق وزير الدفاع الروسى، سيرجى شويجو، على هذا التغيير فى التكتيك بأن «هدف واشنطن فى أوكرانيا هو إنهاك روسيا استراتيجيًا للقضاء على المنافسة وتحذير الدول الأخرى». وأضاف خلال اجتماع لوزراء دفاع منظمة شنجهاى للتعاون أن «البرنامج البيولوجى العسكرى الأمريكى الذى تم الكشف عن تفاصيله خلال العملية الخاصة فى أوكرانيا يشكل تهديدًا مباشرًا، ليس لروسيا فقط، وإنما لدول منظمة شنجهاى للتعاون».

بالتزامن مع ذلك، جاء إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا فاقت ثلاثة مليارات دولار، وهو ما يعكس تعديل خطة الحرب يتجه إلى إطالتها لشهور أو ربما لسنوات. وأضاف بايدن، عشية احتفال أوكرانيا بالذكرى الحادية والثلاثين لاستقلالها عن الاتحاد السوفيتى، أن الهدف من المساعدات التى تجاوزت فى مجموعها 13 مليار دولار طوال الشهور الستة الماضية هو ضمان استمرار أوكرانيا فى الدفاع عن نفسها لفترة طويلة. وسوف تسهم المساعدات النوعية فى تعزيز أنظمة الدفاع الجوى والمدفعية والذخيرة والرادار، وهو ما يشكل تعديلاً استراتيجيًا فى ميزان القوى لتعزيز القدرات الأوكرانية فى مواجهة روسيا التى تفوقها بشكل كبير، خاصة فى السلاح الجوى وعدد القوات.

وهكذا، فإن الحرب ضد أوكرانيا التى بدأت 24 فبراير الماضى كعملية عسكرية خاصة ومحدودة لحماية إقليم دونباس، ووقف مخاطر تمدد حلف شمال الأطلسى «ناتو» نحو حدودها عبر أوكرانيا، لم تقف عند هذا الحد، وساهم اندفاع الدول الغربية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة لتسليح أوكرانيا فى صمود القوات الأوكرانية، وهو الأمر الذى يثير حفيظة موسكو باستمرار وتعتبره استفزازًا هدفه إطالة أمد الحرب أو تحويله إلى «حرب استنزاف» طاحنة بين الطرفين.

 جبهات جديدة

«إن الحرب الدائرة فى بلده بدأت فى شبه جزيرة القرم ويجب أن تنتهى بتحريرها» بهذه الكلمات أعلن الرئيس فولوديمير زيلينسكى عن فتح جبهات جديدة من الحرب الروسية الأوكرانية، وهذا يعنى أن هدف أوكرانيا الآن أصبح استرجاع جميع أراضيها، بما فى ذلك شبه الجزيرة التى ضمتها روسيا إليها عام 2014.

وجاءت تصريحات زيلينسكى بعد ساعات فقط من وقوع سلسلة انفجارات فى قاعدة جوية روسية فى شبه الجزيرة، ومن الملاحظ أن موجة الانفجارات فى القرم قد رفعت الروح المعنوية والمزاج العام فى أوكرانيا، خاصة بعد تدمير 9 طائرات حربية روسية فى قاعدة ساكى الجوية فى شبه الجزيرة، كذلك عدة تفجيرات أخرى طالت قاعدة «بيلبيك» الجوية، فضلاً عن حريق فى مستودع ذخيرة داخل روسيا؛ لكن روسيا نسبتها إلى «مخربين».

ورغم أنه منذ بداية اندلاع الحرب كانت أوكرانيا وحلفاؤها فى الغرب حريصين على عدم تجاوز بعض الخطوط الحمراء، إلا أنه من الواضح أن هذه الاستراتيجية قد تبدلت، وقرروا الآن تجاوز تلك الخطوط، فكانت البداية بإغراق قطعة بحرية روسية مهمة فى البحر الأسود، تلا ذلك هجوم على قاعدة جوية روسية، وتبعها انفجار كبير فى مناطق تعبئة الذخائر. وتم بذلك اختراق حواجز الأمان التى كانت روسيا تفرضها فى شبه جزيرة القرم، وكان الرد الروسى على هذه التجاوزات الغربية بقصف الميناء الأوكرانى الوحيد على البحر الأسود، وهو ميناء أوديا، لتصبح الحرب فى القرم أحدث فصول هذا الصراع.

 «كسر العظام»

من المؤكد أن الجبهات التى انتقلت إليها الحرب، ليست فقط على الأراضى الأوكرانية، ولكنها اتخذت صورة نوعية أخرى، فى محاولة لـ «كسر عظام» ومنها حرب الأجهزة الاستخباراتية لإلحاق العار بعضها بعضًا، وهو ما حدث بالفعل فى عملية اغتيال الصحفية داريا دوجين ابنة المفكر الروسى الملقب بـ «عقل بوتين» أو «راسبوتين بوتين» حيث تم اغتيالها بتفجير سيارتها المفخخة، فى عملية نوعية خططت لها ونفذتها الأجهزة الاستخباراتية الأوكرانية، بحسب ما ذكرته أجهزة الأمن الفيدرالى الروسى.

وقد نشرت وسائل إعلام روسية صور وبطاقة هوية منفذة الجريمة، وهى الأوكرانية ناتاليا شابان «فوفك» التى وصلت إلى موسكو قبل شهر من العملية برفقة ابنتها، واستأجرت شقة فى المبنى الذى تعيش فيه داريا من أجل جمع معلومات حولها ومراقبتها. وبعد العملية فرت فوفك عبر منطقة بسكوف إلى أستونيا بحسب معلومات الأمن الروسى، قبل أن تتمكن موسكو من القبض عليها، وفى المقابل، سخر المسئولون الأوكرانيون من هذه النظرية، ونفوا أى صلة لهم بالهجوم، كما وصف المستشار الرئاسى ميخايلو بودولياك رواية جهاز الأمن الروسى بأنها «دعاية روسية من عالم خيالى».

وكانت داريا دوجين، التى نعاها والدها، صاحب الأيديولوجية القومية المناهضة للغرب، أنها «ماتت من أجل روسيا على خط المواجهة»، حيث كانت داريا ذات حضور كبير فى وسائل الإعلام، منذ بدء الحرب على أوكرانيا، وتروج دائمًا إلى دور روسيا الجيوسياسى فى «كسر شوكة» نفوذ الولايات المتحدة فى أرجاء العالم، وتدعو دائمًا إلى أهمية العمل مع الصين وإيران وحلفاء آخرين للوقوف أمام فكر الاتحاد الأوروبى والعالم ذات القطب الواحد.

وكانت داريا تستخدم الاسم المستعار «بلاتونوفا»، وقد تحدثت لعدد من القنوات التليفزيونية عن استعادة الموقع والمكانة العظيمين لروسيا من خلال ظهيرها الشرقى: أوكرانيا وبيلاروسيا اللذين تعتبرهما حدودًا طبيعية لروسيا مع الغرب، وقد أيدت الحرب الروسية ضد أوكرانيا واعتبرتها تحقيقاً لفكرة الإمبراطورية الروسية. وقبل مقتلها وضعتها بريطانيا على قائمة عقوباتها باعتبارها من المساهمين فى التضليل الإعلامى بشأن الحرب على أوكرانيا، وكانت تستعد لنشر كتاب «The Book of Z» الذى يضم مجموعة من الشهادات حول الحرب على أوكرانيا». ويرمزُ حرف «Z» باللاتينية للعملية الروسية ضد أوكرانيا، حيث حملت المركبات العسكرية وأفراد القوات الروسية هذا الحرف طوال الأشهر الستة الماضية. 

ونظراً لهذا التاريخ المناهض للغرب، فإن العديد من المراقبين لا يستبعدون أن تكون عدة أجهزة مخابرات غربية قد تعاونت فى تصفية داريا، كما أنهم لا يستبعدون أيضاً أن تكون المعارضة الروسية نفسها قد استهدفتها، أو استهدفت- فى الأصل- والدها.

ختامًا، يرى العديد من المحللين الغربيين أن التغير النوعى والاستراتيجى فى سير الحرب الروسية - الأوكرانية يهدف فى الأساس إلى إطالة وتنوع جبهات الصراع، وقد أوضح مارك كاتز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج ميسون الأمريكية، فى مقال نشره بمجلة ناشونال إنترست (National Interest) الأمريكية، أن خطة كييف الجديدة تهدف إلى تحفيز محاربيها للاستمرار فى الحرب، كذلك تحفيز القوى الدولية للاستمرار فى تقديم الدعم المادى والأسلحة وابتلاع الضغوط التى تؤدي إلى العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة فى جميع الدول الغربية، لذلك تحتاج كييف الآن، وفقاً لهذه القراءة، إلى زعزعة ثقة موسكو وخفض الروح المعنوية للقوات الروسية. ولعله من بين الدروس أيضًا فى هذه الحروب أن الخسائر المتتالية الموجعة تجعل الخاسر يقدم على المغامرة- بل المقامرة- فى اتجاهات عدة، وهو ما حدث فى أوكرانيا بعد خسائر جسيمة فى مدينة بعد أخرى وقوات بعد أخرى.. ثم اغتيالات تلو الأخرى.