السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لا يزال طريق السلام تعرقله الأزمات محاولات «ليبيا» للتعافى من جائحة الفوضى

«معارك هى الأسوأ منذ نحو عامين».. هكذا وصفت الاشتباكات بين قوات الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان برئاسة «فتحى باشاغا»، والحكومة الليبية المنتهية ولايتها برئاسة «عبدالحميد الدبيبة»، إذ أسفرت الاشتباكات، التى اندلعت منذ ليل الجمعة حتى يوم السبت الماضى فى العاصمة الليبية «طرابلس» عن مقتل 32 شخصًا، وإصابة 159 آخرين، بينهم أطفال.. وعلق ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) لدى «ليبيا»، «ميكيلى سيرفادى»: إن الاشتباكات أسفرت عن مقتل طفل وإصابة أربعة آخرين، أحدهم يبلغ من العمر خمس سنوات فقط.



 

وقد تسبب القتال فى أضرار جسيمة بالعديد من المبانى، بينما احترقت عشرات السيارات، وأصيبت ستة مستشفيات فى إطلاق النار، كما تم تعليق الرحلات الجوية فى مطار «معيتيقة الدولى»، وهو الوحيد الذى يخدم «طرابلس».

من جانبها، أعلنت وزارة التربية والتعليم الليبية، تعليق امتحانات الشهادة الثانوية فى جميع مناطق «ليبيا»، بسبب الاشتباكات التى تشهدها العاصمة «طرابلس»، وذلك حتى استقرار الأوضاع الأمنية، بينما أغلقت جامعة «طرابلس» حتى إشعار آخر.

 التوتر الليبى

بعد عقد من الفوضى التى أصابت الدولة الليبية، أدت عملية السلام إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة برئاسة «عبدالحميد الدبيبة» فى مارس 2021، من أجل الإشراف على الانتخابات الوطنية الليبية، التى كان مقررًا إجراؤها فى ديسمبر 2021، لكن لم يتم الاتفاق على قواعد التصويت، ومن ثم انهارت العملية.

ثم بدأت التوترات بعد إعلان مجلس النواب الليبى، تعيين وزير الداخلية السابق «فتحى باشاغا» رئيسًا للحكومة الليبية؛ مُعتبرًا بذلك أن التفويض الذى حصلت عليه حكومة الوحدة الوطنية، التى يترأسها «الدبيبة» منتهية، ولكن الأخير رفض التخلى عن منصبه، وأصر على التمسك بالحكم، معتبرًا أن البرلمان ليس له حق فى استبداله، وأنه لن يتنحى إلا بعد إجراء انتخابات.

وفيما يخص الاشتباك الأخير، فقد بدأت التوترات بين الحكومتين الأربعاء الماضى، عقب رسالة وجهها «باشاغا» إلى «الدبيبة»، ودعاه فيها إلى: «الالتزام بمبادئ الديمقراطية، التى تحتم عليهم الالتزام بالتداول السلمى». 

ولكن، يبدو أن الرسالة استفزت «الدبيبة» فرد بعد دقائق؛ قائلاً: «إلى وزير الداخلية الأسبق، وفر عليك إرسال الرسائل المتكررة..لو كان لديك حرص على حياة الليبيين، فركز جهدك لدخول الانتخابات»، رافضًا التخلى عن منصبه بصورة سلمية.

وبعد الاشتباكات، بررت حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها وقوع القتال فى العاصمة، بانهيار المفاوضات التى كانت تجرى لتجنب إراقة الدماء.

فى المقابل، نفت الحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة «باشاغا»، ما تردد عن رفضها أى مفاوضات مع حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها. وقال المكتب الإعلامى للحكومة المكلفة من البرلمان، إن «باشاغا» رحب طوال الأشهر الستة الماضية بكل المبادرات المحلية والدولية، من أجل حل أزمة انتقال السلطة سلميًا، دون أى استجابة من الحكومة منتهية الولاية».

ومن جانبه، علق «باشاغا» مساء الأحد الماضى، أن حالة الفوضى الأمنية، وترويع الآمنين فى العاصمة «طرابلس» أحدثتها مجموعات إجرامية خارجة عن القانون تأتمر بأمر رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها «عبدالحميد الدبيبة»؛ مجددًا التأكيد على انتهاء ولايته وشرعيته، وفق (اتفاق جنيف الدولى)، وكذلك بموجب قرارات مجلس النواب الليبى.

كما نبذ «باشاغا» العنف الدائم؛ معلناً تمسكه المطلق بممارسة الحقوق السياسية بالطرق السلمية؛ متهمًا «الدبيبة» باستغلال موارد الدولة ومقدراتها، من أجل تشكيل ودعم مجموعات مسلحة ترسخ حكمه وسلطانه بمنطق القوة والأمر الواقع، والتأسيس لدولة ديكتاتورية مستبدة، تستهدف كل من يعارضها بالقبض، والسجن، والقتل، دون أى رادع من أخلاق، أو قانون.

وبالفعل، كان «الدبيبة» أمر قبلها باعتقال أى شخص متورط فى الاشتباكات، وتحديدًا ضد حكومته المنتهية ولايتها، سواء كان عسكريًا، أو مدنيًا.

 

ردود الفعل الدولية

حذر عدد كبير من القادة الدوليين، والمحللين السياسيين من انزلاق «ليبيا» مجددًا نحو الحرب. وظهرت دعوات من المجتمع الدولى بالاستماع إلى صوت العقل، ووقف التصعيد، وتجنب العنف، حفاظاً على أمن الشعب الليبى»، بينما أدانت دول عربية أحداث العنف التى شهدتها «طرابلس»، داعية إلى وقفها على الفور، ومن بينها «مصر» التى دعت جميع الأطراف، والقوى الوطنية، والمكونات الاجتماعية الليبية إلى وقف التصعيد، وتغليب لغة الحوار، وتجنب العنف، وضبط النفس حقناً للدماء؛ مشددة على ضرورة حماية المدنيين، وتحقيق التهدئة بما يحفظ للشعب الليبى الشقيق أمنه، واستقراره، ومقدراته، ويعلى المصلحة العليا للبلاد».

كما أعرب المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المصرية «أحمد حافظ» عن حرص «مصر» على توصل الأشقاء الليبيين إلى حل (ليبى- ليبى) توافقى، على نحو يلبى تطلعاتهم ورؤيتهم للانطلاق نحو المستقبل ويحقق الاستقرار المنشود فى «ليبيا».

من جانبها، جددت «الإمارات» موقفها الداعى إلى حل الصراع فى «ليبيا»، ودعمها الكامل لما يحفظ أمن، واستقرار، ووحدة البلاد، وفق مخرجات خارطة الطريق، وقرارات مجلس الأمن، واتفاقية وقف إطلاق النار، من أجل ضمان نجاح الانتخابات، وتطلعات الشعب الليبى، نحو التنمية، والاستقرار، والازدهار.

وفى السياق ذاته، عبرت «تونس» عن عميق القلق، وبالغ الانشغال للتطورات الخطيرة فى «ليبيا»؛ داعية إلى ضبط النفس، والتهدئة، والوقف الفورى للعمليات المسلحة حقناً لدماء الليبيين، مؤكدة على أهمية تضافر جهود المجموعة الدولية لمساعدة «ليبيا» على استكمال مسارها السياسى، وإجراء الاستحقاقات الانتخابية فى كنف الوفاق والوئام، لوضع حد للأزمة القائمة.

وبالنسبة لدولة «الجزائر»، فقد جاء فى بيان لوزارة الخارجية أن «الجزائر» تشدد على أهمية الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار؛ مضيفاً أن «الجزائر» تهيب بالمجتمع الدولى، وكل الأطراف الخارجية المعنية، العمل على إنهاء التدخلات فى الشئون الليبية، والانخراط فى الجهود الرامية لإحياء مسار التسوية السياسية السلمية.

ولم يتوقف الأمر عند الدول فحسب، بل وصل الأمر إلى المنظمات الإقليمية والدولية.. فقد قال الأمين العام لجامعة الدول العربية «أحمد أبو الغيط»: «أستشعر قلقاً كبيراً إزاء الأوضاع فى «طرابلس».. وأطالب الجميع بتحمل مسئولياتهم.. أدعو الجميع إلى الحوار وليس استخدام السلاح»،  بينما أكدت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامى متابعتها ببالغ الانشغال للتطورات الأمنية فى «طرابلس»، وحثت الأمانة الأطراف الليبية كافة على وقف العنف، وحماية المدنيين، وتجنب التصعيد؛ داعية إلى التهدئة واللجوء إلى الحوار، من أجل حل الخلافات فى هذه المرحلة الدقيقة، التى تمر بها «ليبيا»، لتجنيب شعبها ويلات العنف، والمزيد من المخاطر.

أما بعثة الأمم المتحدة فى «ليبيا»، فقد دعت إلى الوقف للأعمال العدائية فى العاصمة «طرابلس». وأعربت -فى بيان- عن قلقها العميق إزاء الاشتباكات المسلحة المستمرة، بما فى ذلك القصف العشوائى بالأسلحة المتوسطة والثقيلة فى الأحياء المأهولة بالسكان المدنيين فى «طرابلس، مما تسبب فى وقوع إصابات فى صفوف المدنيين، وإلحاق أضرار بالمرافق المدنية، بما فى ذلك المستشفيات.

 لماذا يقلق الجميع؟

يخشى عدد من المحللين السياسيين أن يدفع القتال إلى حرب شاملة مرة أخرى، وذلك بعد عامين من السلام والهدوء النسبى داخل الأراضى الليبية. 

واتفق المحللون السياسيون، أنه رغم وقوع مناوشات أكثر من مرة بين قوات الحكومة المكلفة من البرلمان، والحكومة المنتهية ولايتها، فإن ما يجرى -الآن- فى «ليبيا» مختلف.. حيث أفاد شهود عيان فى المنطقة -حسبما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بى. بى. سى)- باستمرار عمليات الحشد العسكرى بين الطرفين داخل العاصمة؛ وأشار شهود عيان إلى أن قافلة عسكرية تابعة للحكومة المنتهية ولايتها، توجهت إلى «طرابلس»، قادمة من «زليتن» بالقرب من «مصراتة».

وعليه، أعرب العديد من سكان «ليبيا»، الذين يبلغ عددهم نحو سبعة ملايين نسمة، عن بالغ قلقهم من أن أى عملية مفاوضات قد تجرى خلال الفترة المقبلة، قد يتبعها اندلاع آخر للعنف.

فى النهاية، يبدو أن الأزمة الليبية لا تزال تواجه بعض العثرات العنيفة فى طريق الإصلاح والسلام.. فالوضع الأمنى لا يزال غير مستقر، لا سيما فى «طرابلس». ومع ذلك، تبقى «ليبيا» تحاول النهوض والوقوف على قدميها مرة أخرى، فى رحلة التعافى من وباء الفوضى.