الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد 24 ساعة من التوتر المفاجئ العراق ينتصر على الأزمة

دون سابق إنذار، انفجرت الأوضاع داخل الأراضى العراقية فى غضون دقائق يوم الاثنين الماضى، تزامنًا مع إعلان زعيم «التيار الصدرى»، «مقتدى الصدر»، الاعتزال النهائى للعمل السياسى فى البلاد، وغلق جميع المؤسسات التابعة له، ما أدى إلى انطلاق تظاهرات غاضبة، واشتباكات عنيفة، خلفت 23 قتيلًا، و380 مصابًا.



وقال «مقتدى الصدر» على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»: «إننى كنت قد قررت عدم التدخل فى الشئون السياسية، فإننى الآن أعلن الاعتزال النهائى، وغلق جميع المؤسسات، إلا المرقد الشريف، والمتحف الشريف، وهيئة تراث آل الصدر».

وما لبث أن كتب «الصدر» تصريحه حتى اشتعلت الأوضاع العراقية الداخلية، المتأججة –بالفعل- منذ شهور.

 خلفية الأزمة

تنقسم الأحزاب السياسية فى «العراق» بين عدة أقطاب، أبرزها «التيار الصدرى»، و«الإطار التنسيقى»، بالإضافة إلى «الأكراد».

وكانت جميع التيارات حذرت من اشتعال الأزمة، إذا لم يتم تشكيل حكومة عراقية جديدة، بعد انتخاب البرلمان فى أكتوبر الماضى، والتى فاز فيها «التيار الصدرى» بأكبر كتلة فى الانتخابات، بعد أن حصل على 74 مقعدًا، ما يجعله أكبر فصيل فى البرلمان المؤلف من 329 مقعدًا. 

ومن ثم، شكل «الصدر» تحالفًا مع ائتلاف سنى والحزب الديمقراطى الكردستانى. لكنه، لم يتمكن من تشكيل حكومة، لأن الأسماء التى اقترحها لمنصب الرئيس واجهت اعتراضات من قبل ائتلاف «الإطار التنسيقى» الشيعى. 

وبعد عدم استطاعة «التيار الصدرى» فى تشكيل الحكومة العراقية، طالب زعيم التيار «مقتدى الصدر» جميع النواب، البالغ عددهم 73 عضوًا، بتقديم استقالتهم لرئيس البرلمان، الذى قبلها بدوره. 

ودعا «الصدر» أعضاء «الإطار التنسيقى» الذى يضم كتلًا شيعية، أبرزها «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء العراقى الأسبق «نورى المالكى»، وكتلة «الفتح» الممثلة لفصائل «الحشد الشعبى»، إلى تشكيل حكومة «العراق»، وهو ما لم يحدث أيضًا.

 ساعات من التوتر

استمر الوضع السياسى للعراق يتأزم، حتى وصل الأمر إلى نقطة الغليان، أدت -فى نهاية الأمر- إلى اعتزال «الصدر» العمل السياسى. ومن بعدها، أغلق «صالح محمد العراقى» المعروف بـ(وزير الصدر)، جميع حساباته بمواقع التواصل الاجتماعى، بنفس اليوم. 

وعليه، اقتحم عدد من أنصار «التيار الصدرى» القصر الرئاسى بالعاصمة العراقية «بغداد»، احتجاجًا على إعتزال زعيمهم.

وقد أعلنت قيادة العمليات المشتركة بالعراق فى الساعات الأولى من توافد المحتجين حظر التجول فى «بغداد». ولكنه، لم يلق أى التزام من قبل المتظاهرين، الذين واصلوا الاحتجاج بمحيط «المنطقة الخضراء»، التى شهدت توافدًا كبيرًا من المحتجين، تزامن معه تحرك مماثل فى محافظات الجنوب، اقتحم بموجبه أتباع «التيار الصدرى» مقار حكومية، وحاصروا بعضها، من بينها مبنى محافظة «البصرة، وذى قار، والديوانية، والمثنى».

ولم تشهد شوارع «بغداد» استقرارًا خلال هذا اليوم، رغم مناشدة الرئيس العراقى «برهم صالح» للعراقيين بإخلاء المؤسسات الحكومية، والابتعاد عن العنف، واللجوء إلى السلمية. 

من جانبه، أكد رئيس الوزراء العراقى «مصطفى الكاظمى» أن التطورات الخطيرة، التى جرت فى «العراق» من اقتحام المتظاهرين للمنطقة الخضراء، ودخول مؤسسات حكومية، تؤشر إلى خطورة النتائج المترتبة على استمرار الخلافات السياسية، وتراكمها؛ داعيًا «مقتدى الصدر» إلى المساعدة فى دعوة المتظاهرين للانسحاب من المؤسسات الحكومية. 

وأوضح رئيس الوزراء العراقى أن تمادى الخلاف السياسى ليصل إلى لحظة الإضرار بكل مؤسسات الدولة، لا يخدم مقدرات الشعب العراقى، وتطلعاته، ومستقبله، ووحدة أراضيه؛ مجددًا الدعوة لضبط النفس من الجميع.

ثم وجه «الكاظمى» بتعليق مجلس الوزراء لجلساته إلى إشعار آخر. وذلك، بسبب دخول مجموعة من المتظاهرين لمقر مجلس الوزراء المتمثل بالقصر الحكومى.

 الهدوء يعود للشوارع العراقية

فى اليوم التالى للأزمة العراقية، بدا - فى بدايته - وكأنه سيكون أصعب من اليوم السابق له، خاصة بعد إعلان خلية الإعلام الأمنى فى «العراق» سقوط 4 صواريخ صباح الثلاثاء الماضى، فى مجمع سكنى بالمنطقة الخضراء فى «بغداد». 

ولكن، عددًا من الأحداث المتتالية، ساعدت على تهدئة الأوضاع، مثلما اشتعلت الأحداث فجأة، خمدت بوتيرة ثابتة. فقد طالب «الإطار التنسيقى»، «التيار الصدرى» بالعودة إلى طاولة الحوار، والعمل للوصول لتفاهمات مشتركة تضع خارطة طريق واضحة، تعتمد القانون والدستور، من أجل تحقيق مصالح الشعب. كما دعا جميع الفعاليات الدينية، والسياسية، والاجتماعية إلى التدخل، والمبادرة، من أجل درء الفتنة، وتغليب لغة العقل والحوار، وتجنيب العراق مزيدًا من الفوضى وإراقة الدماء.

وبالفعل، استجاب «مقتدى الصدر» لمطالب وطنه، من أجل استقرار «العراق» الذى شهد 19 عامًا من سياسات العنف والخصام. فقد أعرب عن حزنه العميق لما آلت إليه الأحداث فى «العراق»؛ قائلًا: «أطأطئ الرأس، وأعتذر من الشعب العراقى، لأنه المتضرر الوحيد لما يحدث»؛ داعيًا أنصاره للانسحاب من محيط «المنطقة الخضراء»، ومبنى البرلمان، فى خطوة كانت الأهم لتعود الدولة العراقية لطريق الاستقرار. 

ومن جانبه، كشف المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة فى «العراق»، اللواء «تحسين الخفاجى» عن انسحاب كل المتظاهرين، وانتهاء جميع المظاهر المسلحة فى محيط «المنطقة الخضراء»؛ مؤكدًا أن الأمور عادت إلى طبيعتها، وتم فتح الشوارع؛ مشددًا على أن واجب القوات المشتركة الأساسى، هو حفظ الأمن فى البلاد. 

وبعدها، أصدر الرئيس العراقى بيانًا، قال فيه:  إن «انتهاء أحداث العنف، والصدامات، وإطلاق الرصاص، أمر ضرورى ومهم لحقن دماء العراقيين. لكنه، لا يعنى انتهاء الأزمة السياسية فى البلد منذ أشهر». 

كما أعرب عن امتنانه لموقف «مقتدى الصدر» لوقف أحداث العنف؛ مشددًا على ضرورة استثماره لصالح خروج العراق من الأزمة السياسية الراهنة، عبر حلول مسئولة ضامنة؛ موضحًا أن إجراء انتخابات جديدة مبكرة وفق تفاهم وطنى، يُمثل مخرجًا للازمة الخانقة فى البلاد، وتضمن الاستقرار السياسى، والاجتماعى، وتستجيب لتطلعات العراقيين.

من جانبه، حذر رئيس الوزراء العراقى من الاستمرار فى إثارة الفوضى، والتناحر، وعدم الاستماع لصوت العقل قائلًا: «إنه سيقوم بإعلان خلو منصبه، حسب الدستور، وتحميلهم المسئولية أمام العراقيين والتاريخ».

ولكنه، شدد فى الوقت ذاته للشعب العراقى أنه لن يتخلى عن مسئوليته أمام شعبه؛ معلنًا عن تشكيل لجنة تحقيق، من أجل تحديد المسئولين عن وضع السلاح بيد من فتحوا النار على المتظاهرين.

وتوالت ردود الفعل الدولية إزاء توتر الأوضاع فى «العراق»، بينما انهال الترحيب -بعدها- لعودة الهدوء النسبى مرة أخرى.

فى النهاية، يبدو أن الدولة العراقية استطاعت هذه المرة –أيضًا- تجاوز أزمة، ربما كانت تغير مسار طريق الاستقرار، الذى أشادت به دول العالم خلال الفترة الماضية.. ولكن، يبقى أمام درب «العراق» تحديات تحتاج لأقصى درجات ضبط النفس، من أجل استكمال العملية السلمية الديمقراطية.