الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الدبلوماسية المشتركة وحدة الصف العربى أمام القضايا الإقليمية المتشابكة

جاء اللقاء الخماسى لقمة العلمين  باستضافة مصر، لوضع أهم الملفات الإقليمية والعالمية على طاولة الحوار ومناقشة تأثير التغيرات السياسية العالمية على مستقبل الدول العربية وشعوبها.



وجاء لقاء الأشقاء (مصر والأردن والإمارات العربية والبحرين والعراق) امتدادًا للقاءات وقمم أخرى استضافتها مدينتا شرم الشيخ المصرية والعقبة الأردنية، والعراق وغيرها من اللقاءات المشتركة فى المحافل الدولية بالإضافة إلى لقاءات الوزراء رفيعة المستوى لرفع الشراكة العربية بين هذه الدول على جميع النواحى الاقتصادى، والاجتماعية، والسياسية والأمنية.

وتندرج اللقاءات المتكررة ضمن هدف تنشيط الدبلوماسية العربية وتكثيف التفاهمات البينية وإعادة ترتيب الأوراق والأولويات للتعامل مع المعطيات التى فرضتها المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة، وتنسيق الرؤى والجهود لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية الجديدة المرتبطة بموضوعات مثل إعادة ضبط العلاقة بين الشرق الأوسط والقوى الكبرى المهيمنة على النظام الدولى، وتداعيات الحرب الأوكرانية على الملفات العربية المفتوحة وتأثيراتها الاقتصادية المتعلقة بقضايا الغذاء والطاقة، فضلًا عن المتغيرات المرتبطة بالترتيبات الإقليمية الجديدة وتعزيز مسارات التعاون الثنائى فى كل المجالات والقطاعات.

ملفات على طاولة القمة

تتعدد الملفات المتشابكة والمتداخلة التى ناقشها القادة العرب خلال قمة العلمين التى أقيمت الأسبوع الماضى، سواء خلال اللقاء الخماسى أو على مستوى المباحثات الثنائية أو الثلاثية المرتبطة بدول تحالف المشرق العربى.

ووفق البيان الختامى للقاء الأشقاء، صرح المتحدث الرسمى باسم الرئاسة المصرية بأن «السيسى رحب بزيارة ضيوف مصر فى لقاء أخوى خاص»، معربا عن «التقدير والمودة التى تكنها مصر قيادة وشعبا للأواصر التاريخية الوثيقة التى تجمعها بأشقائها من الدول العربية».

وأفاد بأن «اللقاء شهد تبادل وجهات النظر بين الزعماء بشأن تعزيز مختلف جوانب العلاقات الثنائية والاستغلال الأمثل لجميع المجالات المتاحة لتعزيز التعاون بينهم».

ووفق معطيات الأحداث العالمية والإقليمية الراهنة يمكن قراءة المشهد لتوضيح أهم الملفات التى تناولتها القمة المصغرة أو اللقاء الأخوى بين الزعماء العرب، والتى طغت عليها وفق خبراء مناقشة جميع القضايا والمحاور المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والأزمة اليمنية والليبية، كذلك الوضع فى سوريا، والتهديات التى تواجهها المنطقة وخاصة الخليج العربى من قبل إيران، فضلًا عن الملفات المتعلقة بالتعاون المشترك الاقتصادى والأمنى بين دول الحضور.

وفى هذا السياق يمكن أن نعكس توقيت دعوة القمة المصغرة، حيث جاءت استعدادًا للقمة العربية المقبلة فى الجزائر، نوفمبر المقبل، وذلك بعد توقف دام ثلاث سنوات متتالية شهدت خلالها الساحتان العالمية والإقليمية تطورات عديدة فرضت تحديات أمنية واقتصادية وسياسية على المنطقة بما فى ذلك تراجع الأمن الغذائى، وإنهاك ميزانيات الدول نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، واستمرار الاضطرابات فى العراق وسوريا وليبيا واليمن، وتطورات القضية الفلسطينية، وتداعيات الملء الثالث لسد النهضة. 

وبالتالى ربما تحظى ترتيبات القمة العربية المقبلة بمساحة على أجندة اللقاء الخماسى الذى يعكس مرحلة تمهيدية وتنسيقية للإعداد والتجهيز لقمة نوفمبر؛ لضمان نجاحها والخروج برؤى مشتركة تستجيب بفاعلية للمتغيرات والتحديات الجديدة. ويشمل ذلك بحث السياسات التكاملية لمعالجة قضيتى الغذاء والطاقة، وبحث التنسيق بشأن الملف الليبى لا سيّما فى أعقاب التقارب الإماراتى - التركى واحتمالات الوصول لنتيجة مماثلة مع مصر خلال المرحلة المقبلة، فضلًا عن إعادة دمشق إلى الحضن العربى عبر استعادة موقعها داخل الجامعة العربية وهو هدف مصرى إماراتى مشترك.

 تحالف المشرق الجديد

كما اعتبرت القمة الخماسية استئنافا لاجتماعات تحالف المشرق الجديد، حيث شكل حضور الأردن والعراق امتدادًا لآلية التعاون الثلاثى التى انطلقت بالقاهرة فى مارس 2019، وشهدت أربعة اجتماعات سابقة، لكنه يكتسب أهمية إضافية هذه المرة بالنظر إلى اشتعال الأوضاع السياسية العراقية واستمرار التدخلات الخارجية فى القرار السياسى، لا سيّما أن أحد الأهداف الرئيسة للآلية الثلاثية هو إخراج العراق من فلك المشاريع الإقليمية وإعادة دمجه ضمن محيطة العربى.

 ويساعد الحفاظ على دورية الانعقاد رغم التحديات والمعوقات الكثيرة التى تعترض طريق تنفيذ مشاريع الشراكة الاقتصادية الثلاثية على ضمان بقائها حية ومطروحة، وإحراز بعض التقدم بشأنها لا سيّما الخاصة بمشاريع الربط الكهربائى ومشروع خط النفط البصرة - العقبة - السويس، وإنشاء منطقة جمركية خالصة بين العراق والأردن.

كما أن الملف الاقتصادى يعتبر من أبرز الملفات التى تفرض نفسها على لقاءات القمة الخماسية، خاصة بعد تطور الأوضاع فى الأزمة الروسية - الأوكرانية وارتباط هذا بملفى اضطرابات سلاسل الإمدادات وارتفاع أسعار السلع الأساسية، لتكتسب معها مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية بين مصر والأردن والعراق والبحرين والإمارات أهمية قصوى لبحث تحقيق شراكة تكاملية فيما يخص ملفات الطاقة والغذاء، وتوطين الصناعات، وزيادة الاستثمارات ومعدلات التبادل التجارى، واستكمال مشروعات  الربط الكهربائى لتخفيف الاضطرابات الاقتصادية. 

ويتفق هذا الهدف مع تبنى السياسة الخارجية المصرية مقاربة جديدة نحو محيطها العربى لتطوير نمط من العلاقات الإقليمية قائم على الانخراط فى مشروعات تنموية اقتصادية وتجارية تحقق المنفعة المشتركة لجميع أطرافهاـ وتمهد الطريق لتجاوز أى خلافات سياسية.

دلالات وانعكاسات

كانت للقاءات العربية السابقة دلالات توضح أهمية لقاء القادة العرب بصورة دورية خصوصا بعد توقف انعقاد قمة جامعة الدول العربية منذ مارس 2019 (قمة تونس)، فكان الحراك المشترك والتعاون العربى ضرورة ملحة تجمع بين الدول الأكثر احتكاكًا وتأثرًا وتأثيرًا بالقضايا الإقليمية لتكون محل التباحث والمناقشة، وفى كل الأحوال ينطوى هذا التعاون على عدة دلالات أهمها إدراك الدول العربية ضرورة بناء تحالفات إقليمية لمعالجة التحديات الرئيسية خاصة التعاون الأمنى والاقتصادى بين دول الشرق الأوسط، لا سيما بعد إدراك الدول العربية للكلفة السياسية والاقتصادية الباهظة الناجمة عن حقبة الانقسامات، واستمرار التهديدات الإقليمية، وتباين أولويات الإدارة الأمريكية الحالية عن المصالح العربية لبعض الدول التى تشعر بالقلق من تحركات إيران وبرنامجها النووى.

ومن جهة أخرى،  يمكن أن نتأكد أن التعاون العربى الناتج عن هذه اللقاءات عمل على استعادة الدول العربية زمام المبادرة بشأن تحديد أولويات ووجهات سياستها الخارجية، وتبنى نهج أكثر استقلالية يراعى المصالح المشتركة ويرمى إلى الوصول لدرجة معينة من التوازن فى إدارة العلاقات مع القوى الكبرى، خاصة بعدما أكدته الحرب الأوكرانية من الأهمية الجيوسياسية للشرق الأوسط خلال مراحل إعادة تشكيل النظام الدولى.

ولعل مبادرة الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة بين مصر والأردن والإمارات والبحرين، وتأسيس صندوق استثمارى بقيمة 10 مليارات دولار بين مصر والإمارات والأردن، وصندوق استثمارى آخر مشترك بين الأردن والإمارات بقيمة 100 مليون دولار للاستثمار فى مجال المشاريع الريادية، وتوقيع 14 اتفاقية اقتصادية بقيمة 8 مليارات دولار، وضخ استثمارات بقيمة 30 مليار دولار خلال زيارة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان إلى مصر، وتوقيع اتفاقيات تعاون اقتصادى فى مجالات الطاقة والنقل والعقارات والتكنولوجيا خلال زيارة أمير قطر تميم بن حمد؛ خير دليل على آفاق التعاون الاقتصادى الممكنة والتى تجعل الدول العربية تنحى خلافاتها السياسية ولو مرحليًا.

وختامًا، يمثل اللقاء الخماسى الأخوى فى العلمين بين قادة مصر والإمارات والبحرين والعراق والأردن خطوة جديدة نحو تعزيز العمل العربى المشترك على مختلف المستويات، بوصفه ركيزة أساسية للأمن والاستقرار فى المنطقة.