الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دروس فى القضاء على الفقر من قرى صغيرة فى بلاد التنين!

إن نجاح الصين فى انتشال الملايين من مواطنيها من مستنقعات الفقر المدقع أمر مهم للعالم كله. بل ويمكن للبلدان النامية الأخرى أن تستفيد من تلك التجربة الناجحة  لأكبر دولة نامية فى العالم. وتستطيع أن تستلهم الكثير لإحداث تحول كبير فى حياة مواطنيها - مثلما حدث فى حياة الملايين من مواطنى القرى الريفية المعدمة فى الصين والتى تحولت حياتهم إلى الرفاهية والثراء بفضل التركيز على نشاط معين والتميز فيه ولن نستطيع أن نرى عالما من دون فقر مدقع - ونحن ما زلنا على قيد الحياة - إلا إذا ساعدنا فى نشر وتكرار  مثل هذه القصص.



 

ففى رحلة مع عدة صحفيين قدموا من أكثر من 40 بلدًا من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى مقاطعة شانشى وسط الصين، نظمها المركز الصينى الدولى  للتبادل الإعلامي، التابع لوزارة الخارجية الصينية، زارت مجلة «روزاليوسف» أخيرًا عددًا من القرى والأحياء فى ثلاث مدن بتلك المقاطعة الطموحة التى كانت بداية طريق الحرير فى القدم حيث كانت تنطلق القوافل محملة بالحرير والأقمشة والأمتعة لتباع فى عدة مدن متواجدة على طول الطريق الممتد من الشرق الأقصى وحتى أوروبا، قبل أن تنقطع تلك الرحلة خلال العهد العثماني. 

واليوم الصين الجديدة، أعادت إطلاق هذا الطريق من جديد، بمبادرة طموحة أطلقها الرئيس الصينى شى جين بينغ فى 2013، هى  «الحزام والطريق» التى تضم مجموعة ضخمة من مشروعات البنية التحتية، وتعكس رؤية  جمهورية الصين الشعبية من أجل تحقيق التعاون والتنمية المستدامة مع باقى الدول التى تتعاون معها فى اتفاقات للشراكة وأبرزها مصر. 

وقد أتيحت لنا الفرصة خلال البرنامج للتعرف على تجارب الكثير  من القرى الريفية التى كانت تعانى فى السنوات الماضية من الفقر المدقع والبطالة والكثير من الأزمات الاجتماعية ولكن تم إدراجها فى مخطط الدولة للنهوض وتطوير الصناعات التى تشتهر وتتميز بها مع توفير جميع الإمكانيات المادية لرفع كميات المنتج وضمان جودته. 

 النهوض بصناعة الشاى 

بدأت جولتنا من إحدى مزارع الشاى الجبلية فى قرية جيانغ جيا بينغ فى محافظة بينغلى بمدينة آنكانغ وهى مزرعة ضمن العديد من المزارع التى تمت إعادة تنظيم العمل بها بشكل عصري، وقد سمح للمزارعين الذين كانوا تحت خط الفقر برفع دخلهم ليقترب من 10 آلاف يوان صيني، أى ما يعادل 28 ألف جنيه مصرى.

حيث تم إدراج تلك المزارع فى مخطط الدولة للنهوض وتطوير صناعة الشاى عموما، وذلك بتخصيص مساحات كبيرة لزراعة الشاى مع توفير جميع الإمكانيات المادية لرفع كمية المنتج مع ضمان الجودة الفاخرة للشاى الصيني. 

هذه القرية التى تضم 337 أسرة ويبلغ عدد سكانها 1193 نسمة؛ كانت قبل عام 2019  فقيرة جدًا ولكن تخلصت من شدة الفقر وأصبح الشاى صناعة رائدة فيها. 

وكما يقول المسئولون فى القرية فإنه خلال العامين الماضيين استقبلت القرية دفعات كثيرة من الزوار بل وأصبحت القرية المقصد السياحى الأشهر داخل الصين ودخلت فى قائمة القرى النموذجية.حدث ذلك بعد أن  اكتملت إمدادات الماء، والطرق والكهرباء والتخضير والبنى التحتية الأخرى، مع توافر الخدمات الطبية والصحية والثقافية وغيرها من الخدمات العامة  بشكل كامل،  مما أدى إلى  توسيع قنوات التوظيف فى القرية وزيادة دخول المزارعين باستمرار. 

وأهم ما يلفت الانتباه لهذه القرية هو  الدمج بين الترويج السياحى للقرية وزراعة الشاى.

فبالإضافة إلى إنشاء المنطقة النموذجية الحديثة لصناعة الشاي «مزرعة الشاى الجبلية فنغهوانغ» على مستوى المدينة ومزارع الشاى الجبلية التى تبلغ مساحتها 2750 كم  وثلاث شركات وأربع تعاونيات مهنية لخدمة الشاى، وإنشاء مصنعين للشاى كمعركة صارمة ضد الفقر. 

قامت القرية  فى الوقت نفسه بتطوير ثمانية مطاعم ريفية للترفيه  إلى جانب الأماكن السياحية المتمثلة فى مزرعة الشاى الجبلية وقصر السلام ذى ألف سنة وأشجار الشاى ذات ألف عام؛ والتى تستقطب الكثير من السياح. 

وفى حقول الشاى تلك، يلفت انتباهك أيضا الموسيقى الصينية التقليدية الهادئة التى كانت تسود أنحاء المزرعة.  حيث وضعت مكبرات الصوت فى كل مكان يبث من خلالها تلك الموسيقى، فتجعل عمل المزارعين هادئًا ومتناغمًا. 

كما تتيج لك الفرصة أن ترى كيف يتم تحضير الشاى بالطريقة الصينية. فهناك طقوس خاصة فى كيفية إعداده. وبالمناسبة هناك دروس جامعية فى مجال تحضير الشاى وكل ما يتعلق بزراعته وتحضيره.

ومن النهوض بصناعة الشاى إلى صناعة أخرى مهمة بتلك المدينة وهى صناعة الدمى الصوف.

الدمى الصوف

لجأت إحدى القرى الفقيرة فى الصين أيضا إلى صناعة اللعبة الصوفية لتصبح حرفة أساسية لها بهدف التخلص من الفقر الذى عانت منه لسنوات. 

فقد أصبحت الدمى من الصوف صناعة مهمة جديدة لمدينة آنكانغ فى السنوات الأخيرة؛ فتلك المنطقة التى كانت فقيرة جدًا، وكان القرويون المحليون لا يملكون طريقة لكسب الرزق إلا عن طريق الزراعة، التى كانت غير كافية أدخلوا تلك الصناعة وأصبح يوجد 112 شركة مهتمة بتصنيع اللعبة الصوفية فى تلك المنطقة. 

وبلغت قيمتها الإنتاجية 720 مليون يوان خلال العام الماضى وفى الوقت نفسه تم توظيف ما يقرب من 4000 شخص ليرتفع دخل الفرد إلى ما يقرب 30 ألف يوان.

فى هذا السياق تقول إحدى العاملات وتبلغ من العمر 34 عاما «لم أكن أظن أبدا أنه بإمكانى تعلم تلك الصناعة، ففى البداية شعرت أنه كان أمرًا صعبًا جدًا، لكن أخريات قمن بتشجيعى على مواصلة ممارسة تلك الصناعة، حتى أصبحت قادرة على إتقانها بعد عام واحد فقط».  

وبالفعل فى أقل من خمس سنوات تحولت تلك المنطقة الفقيرة إلى أخرى مزدهرة يأتى إليها السياح من كل مكان، حيث تم إنشاء خمسة مراكز لخدمة صناعة اللعبة الصوف وهى مركز للتصميم وإصدار المنتجات من الدمى ومركز للتجارة الإلكتروني وتبادل الخدمات إضافة إلى الخدمات اللوجستية. 

وأصبح متوسط دخل الفرد فى القرية ما يقرب من  30 ألف يوان سنويًا.

كما أصبحت تساهم بقوة فى الإنتاج المحلى الإجمالى  وتُصدَّر منتجاتها من اللعب الصوف إلى دول العالم المختلفة؛ أبرزها إلى السوق الأمريكية و الأوروبية.

وعلقت إحدى العاملات فى هذه الصناعة قائلة:  «لا تتمتع قريتنا بمزايا طبيعية كثيرة، ولكننا الآن قد قمنا بابتكار هذه الميزة الثقافية عن طريق صناعة الدمى، وآمل أن تساعد صناعة الدمى الصوف فى تعزيز السياحة هنا، وجذب المزيد من الزوار إلى قريتنا».

كما أشارت الى أن أغلب الدول يفضلون الدمى الصينية، لأن أسعارها مناسبة وألوانها جميلة، وهناك تنوع فى النماذج والألوان يعطى التاجر العديد من الخيارات وفقا للأسعار والنوعيات، كما أن هناك فى كل يوم نماذج جديدة من هذه اللعب التى تجذب الأطفال وتبث الفرح فى نفوسهم.

وأوضحت أن «معظم الدول تستورد اللعب الصينية التى تتواجد فى معظم بلدان العالم وليس اللعب الأخرى بسبب سعرها المناسب وألوانها الجميلة واستخدامها البسيط، وهى دائما تخضع لعمليات تجديد».

صناعة الحرير

لسمائها جمال، ولأرضها حيوية، ولمواردها وفرة، وللعمل فيها إبداع، إنها  ريف النجم فى محافظة شى تشيوان والتى تبلغ مساحتها 11.6 كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها أكثر من ألف نسمة وبها 3448 أسرة.

تلك المنطقة تكتسب فيها الحرف اليدوية والصناعات التقليدية شهرة غير مسبوقة توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل لتبرز جوانب الهوية الوطنية لدولة قوية أدركت أهمية استثمار تراثها الحرفى وغزت بمنتجاتها كل شبر فى أرض المعمورة. 

فى تلك المحافظة  والتى تعتبر محطة مهمة على طريق الحرير التاريخي، ولها تاريخ طويل فى إنتاج الحرير، حيث تتمتع المحافظة بموارد وافرة من شجر التوت ودودة القز، ازدهرت ثقافة غنية من الحرف اليدوية والصناعات التقليدية التى تحتفظ بجمالية خاصة، تعكس براعة صانعيها رغم تطور الآلات ومنافستها.

هذا ما يمكن اكتشافه بسهولة داخل  تلك القرية الصينية الصغيرة التى لا تزال تحتفظ بالعملية القديمة لصناعة الحرير.

إيقاع الحياة فى هذه القرية يسير وفقا لمقولة صينية شهيرة «العمل مع شروق الشمس والراحة مع غروبها»، ولهذا يعمل أهالى القرية لساعات طويلة دون كلل فى تلك الصناعة التى تحتاج صبرًا وجهدًا كبيرًا.

وقد قمنا بزيارة للقرية والتعرف على مراحل المهنة القديمة التى اشتهرت بها لقرون وهى صناعة الحرير.

علمنا أيضا أن القرية عملت  على تنمية السياحة الريفية وتحويلها إلى تدابير موجهة للحد من الفقر وتوفير فرص عمل للمزارعين. 

ويقول أحد مسئولى المحافظة إن قرية ريف النجم قد مارست بأكملها الأفكار التنموية المتمثلة فى الدعم الصناعى، وتطوير الصناعات الأربعة الرئيسية أى تربية دودة الحرير والخنازير والدجاج وتنمية السياحة الريفية؛  ووصل الدخل الشامل للسياحة حوالى 30 مليون يوان، فيما بلغت قيمة الإنتاج الإجمالى 200 مليون يوان، وواصل الاقتصاد الجماعى فى النمو و التوسع.

ولتصبح قرية ريف النجم أكبر قرية فى شمال غرب الصين من حيث تربية دودة الحرير. 

هذا وقد أعلنت حكومة مقاطعة شانشى شمالى الصين أن 41 محافظة فى المقاطعة قد تخلصت من الفقر حتى الآن. 

من بينها تسع محافظات، بما فى ذلك ليشى وجياوتشنغ ووانرونغ، قد تم حذفها أخيرًا من قائمة المحافظات الفقيرة.  وتم حذف المحافظات من القائمة بعد تقديمها طلبات بنفسها والتى تمت الموافقة عليها بعد تقييمات من سلطات المقاطعة والطرف الثالث. 

وتعد شانشى مقاطعة رئيسية فى حملة الصين لمكافحة الفقر، حيث بيّن إحصاء أجرى فى عام 2014 أن المقاطعة تتضمن 7993 قرية فقيرة و3.29 مليون نسمة من فقراء الريف. 

وتخطط  شانشى لإخراج  جميع المحافظات الفقيرة البالغ عددها 17 محافظة من براثن الفقر بحلول نهاية هذا العام. 

وتهدف الصين إلى القضاء على الفقر بحلول هذا العام، وهو العام المستهدف لاستكمال بناء مجتمع مزدهر على نحو معتدل من جميع النواحي.