الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قضية القرن جفاف الأنهار أزمة جديدة تهدد «حياة» الغرب

لم تترك أزمة التغير المناخى جزءا فى العالم إلا وطالته، وباتت الآن تهدد شرايين المياه فى أوروبا وبعض الولايات الأمريكية ..جفاف حاد فى عدد من الأنهار الرئيسية للبلاد، وذلك بعد أن سجلت دول الغرب ارتفاعًا قياسيًا فى درجات الحرارة، مما تسببت فى تبخر مياه أنهارها الكبيرة، كما تهدد بتبخير نحو 80 مليار دولار من اقتصاد الاتحاد الأوروبى.



مع تواصل اتساع نطاق تأثيرات ظاهرة التغير المناخى العاصفة بأوروبا، التى تئن تحت وطأة الجفاف وحرارة الطقس وشح المياه، لدرجة أن المفوضية الأوروبية دقت ناقوس الخطر معلنة أن ما يقرب من نصف أراضى الاتحاد الأوروبى تندرج الآن تحت بند التأهب الأقصى وهى الأعلى، مما يلقى بظلاله السلبية على مختلف مناحى الحياة والقطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية والاقتصادية والخدماتية فى بلدان أوروبا، كذلك الأمر فى الولايات المتحدة الأمريكية التى شهدت بعض ولايات الغرب والجنوب الأمريكية حالة من الجفاف تنذر بخطورة الوضع على جميع الكائنات الحية وعلى سكان الولايات.

وهو الأمر الذى يضع العالم تحت أهبة الاستعداد والخوف والترقب، فحرب المياه والتغير المناخى لا تقل خطورة من حروب الأسلحة والذخيرة.

 إعلان الخطر

فى 12 أغسطس الجارى، أعلنت الحكومة البريطانية، أن أجزاءً من جنوب ووسط وشرق إنجلترا انتقلت رسميًا إلى حالة الجفاف، بعد فترة طويلة من الطقس الحار الجاف الذى تشهده القارة الأوروبية.

وبلغ معدل جفاف منبع نهر التايمز أعلى مستوياته على الإطلاق، إذ يبدو أن إنجلترا تتجه صوب موجة جفاف يقول بعض الخبراء إن البلاد غير مستعدة لها.

وقال مكتب الأرصاد الجوية فى بريطانيا، إن شهر يوليو الماضى كان الأكثر جفافًا فى إنجلترا منذ عام 1935، إذ بلغ متوسط هطول الأمطار 23.1 ملليمتر أى 35 % فقط من المتوسط لهذا الشهر.

واتخذت الحكومة البريطانية العديد من الإجراءات للحد من استهلاك المياه للمرة الأولى منذ عام 2018، حيث شهد هذا العام موجة حرارة شديدة، ولكنها لا ترتقى لهذه الموجة الحالية، حيث دفعت درجات الحرارة المرتفعة وقلة مياه الأنهار فى بريطانيا وخاصة نهر التايمز على نحو غير مسبوق وقلة هطول الأمطار شركتين للمياه فى جنوب البلاد لإعلان حظر مؤقت على استخدام خراطيم المياه وأنظمة الرش.

وأصدر مكتب الأرصاد الجوية أول تحذير من نوعه الشهر الماضى، عندما تجاوزت درجات الحرارة 40 درجة مئوية لأول مرة فى تاريخ إنجلترا.

 فيضان «الجفاف»

لم تكن إنجلترا هى البلد الوحيد فى القارة العجوز التى تعانى من أزمة التغيرات المناخية وجفاف الأنهار، ولكن الأزمة امتدت للعديد من البلدان الأخرى:

الراين.. (ألمانيا وهولندا وسويسرا)

يعتبر هذا النهر أحد أهم أعمدة الاقتصاد فى ألمانيا وهولندا وسويسرا لعدة قرون، أصابه الجفاف بقوة، مما يعيق حركة نقل البضاع من خلاله حاليًا.

وأفادت صحيفة «ديلى ميل» البريطانية بانخفاض مستوى نهر الراين الذى ينقل 80 % من الشحنات فى ألمانيا إلى مستويات خطيرة لدرجة قد تهدد إبحار المراكب ما ينعكس على الإمدادات الحيوية للبلاد.

وفى عام 2018، عندما عانت أوروبا من آخر موجة جفاف كبيرة، تم إغلاق نهر الراين أمام سفن الشحن لمدة 132 يومًا، مما أدى تقريبًا إلى حدوث ركود فى ألمانيا.

 البو..(إيطاليا)

حالة من الفزع تجتاح إيطاليا بسبب جفاف أهم أنهارها وهو نهر «بو» الذى تراجعت مياهه إلى مستوى منخفض للغاية، وتخشى السلطات أنه سيكون هناك نقص خطير فى مياه الشرب والرى فى شمال إيطاليا، ما لم تكن هناك أمطار قريبًا، حسبما قالت صحيفة «الجورنال» الإيطالية.

وقد انخفضت المياه فى نهر بو الإيطالى الذى ضربه الجفاف انحسرت لدرجة الكشف عن قنبلة من الحرب العالمية الثانية ظلت مغمورة تحت الماء!

 الدانوب (المجر)

انخفض منسوب مياه نهر الدانوب بالقرب من بودابست بمقدار 1.5 متر فى الأسابيع الثلاثة الماضية، ولا يُتوقع هطول أمطار فى أى وقت قريب، وقد أوضحت السلطات المحلية أن انخفاض منسوب المياه فى النهر قد يؤدى إلى انخفاض نسبة الأكسجين ونفوق بعض الكائنات البحرية.

ويمتد نهر الدانوب بمساحة 1800 ميل بين وسط أوروبا والبحر الأسود، ومع انخفاض مستوى المياه أيضًا قد بدأت أزمة إعاقة حركة تجارة البحرية وخاصة فى نقل الحبوب التى تعتمد عليها الدول الأوروبية. (الدول الأوروبية تعتمد على 15 % من تجارتها عبر الأنهار).

 التايمز (إنجلترا)

بلغ معدل جفاف منبع نهر التايمز أعلى مستوياته على الإطلاق، حيث انسحب إلى أكثر من 8 كم من نقطة البداية الرسمية فى كيمبل أقصى شرق بريطانيا، مما يوضح أن إنجلترا ربما تتجه صوب موجة جفاف، هذا الجفاف لم تشهده البلاد منذ أكثر من 85 عاماً.

 سانت لورانس.. (فرنسا)

انخفض معدل المياه فى نهر سانت لورانس بصورة مخيفة، فوفق وسائل الإعلام الفرنسية أصبح النهر الآن يمكن عبوره سيرًا على الأقدام فى أماكن معينة.

 رون وجارون (فرنسا)

كما أن درجات الحرارة المرتفعة أدت أيضًا إلى ارتفاع درجات حرارة مياه الأنهار، وهو ما حدث مع نهرى «رون» و«جارون»، حيث باتت لا تسمح بتبريد مفاعلات فرنسا النووية بشكل فعال، مما دعا شركة الكهرباء الفرنسية «إى. دى. إف» (EDF) إلى تخفيض حجم الطاقة التى ينتجها أحد مفاعلاتها النووية بسبب ارتفاع درجة حرارة الماء الذى يتم استعماله لتبريد المفاعلات، كما أن 100 منطقة فى فرنسا باتت تعانى من غياب تام للمياه الصالحة للشرب، ومن المتوقع أن يستمر الوضع خلال الأشهر المقبلة.

 نهر جواديانا.. (إسبانيا)

جعلت موجة الجفاف الطويلة والموجة الحارة يوليو الماضى أكثر الشهور سخونة فى إسبانيا منذ بدء التسجيل فى عام 1961.

وأظهرت البيانات الرسمية أن هذه الظروف القاسية تركت الخزانات الإسبانية عند 40 % فقط من السعة فى المتوسط فى أوائل أغسطس، وهو أقل بكثير من متوسط العشر سنوات البالغ حوالى 60 %.

وتعانى عشرات البلدات الفرنسية من شح حاد فى مياه الشرب من جراء جفاف وصفه وزير الانتقال البيئى فى فرنسا كريستوف بيشو بـ«التاريخى»، مضيفًا: «كل الرهان يتمثل فى تشديد بعض القيود».

 أمريكا.. معاناة أخرى

وفى الولايات المتحدة، وللمرة الأولى منذ أربعة عقود، جف خامس أطول نهر فى أمريكا الأسبوع الماضى، وهو نهر «ريو غراندى» موطن لسمك ريو غراندى الفضى المهدد بالانقراض والتى هرع العلماء فى ألباكركى (ولاية نيو ميكسيكو) لإنقاذها من الموت مع تحول الجزء الشمالى لنهر ريو غراندى إلى تيار ضحل، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتد برس.

كما أدى الجفاف فى غرب الولايات المتحدة إلى انخفاض مستوى بحيرتى «ميد» فى ولاية نيفادا، و«باول» فى ولاية يوتا إلى مستويات قياسية، مما يهدد قطاع إنتاج الطاقة الكهرومائية. 

وحتى فى الشمال الشرقى من الولايات المتحدة، أفادت التقارير أن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة قد تسببا فى انخفاض مستويات المياه بمقدار ستة أقدام فى بعض أجزاء نهر تشارلز فى ماساتشوستس.

ويواجه ما يقرب من 70 ٪ من غرب الولايات المتحدة والسهول الجنوبية موجات جفاف، وفقًا لتقرير الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوى. هذا مدفوع إلى حد كبير بتغير المناخ، حيث أصبحت موجات الحر أكثر كثافة وأكثر تواترًا، حسبما وجدت وكالة حماية البيئة.

 الأسوأ منذ 500 عام

وقد حذر باحثون فى المفوضية الأوروبية من أن الجفاف الذى يجتاح معظم دول الاتحاد الأوروبى سيكون الأسوأ منذ القرن السادس عشر.

وقال أندريا توريتى، كبير الباحثين فى مجلس البحوث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية: «فى الوقت الحالى، يبدو أن هذا هو العام الأسوأ منذ 500 عام، وهو حتى أسوأ مما كان عليه فى عام 2018»، مبينًا أن «عام 2018 كان شديد الحرارة لدرجة أنه بالنظر إلى القائمة الخاصة بالأعوام الـ500 الماضية، لم تكن هناك أحداث أخرى مماثلة، نظرًا لتفاقم الطقس الحار والجاف منذ أربع سنوات».

كما أوضح أنه: «فى ذلك العام، ترك الطقس الجاف والحار بشكل خاص وسط وشمال أوروبا مع انخفاض غلة المحاصيل الرئيسية بنسبة تصل إلى 50 ٪، لكن الظروف الرطبة فى جنوب أوروبا شهدت ارتفاعًا فى المحاصيل».

وحسب توقعات المصدر نفسه، فإن «الجفاف الحاد» أصاب 47 % من القارة الأوروبية، كما أن ثلثى مساحة القارة باتت مهددة بالجفاف، علمًا بأنه لحدود منتصف يوليو/تموز الماضى كانت 15 % من مساحة أوروبا ضمن تصنيف «الجفاف الحاد».

 ارتفاع الغاز

وقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعى فى أوروبا مع زيادة الجفاف وشدة حر الصيف وانخفاض مستوى الأنهار فى المنطقة، مما يؤدى إلى زيادة الطلب فى السوق التى تعانى بالفعل من أزمة فى المعروض.

وقد أوضحت شبكة « بلومبيرج» الإخبارية أن أسعار العقود الآجلة قد ارتفعت بنسبة 0.7 % الأسبوع الماضى، حيث يؤدى الانخفاض الشديد فى مستويات المياه فى أنهار أوروبا إلى صعوبة نقل الديزل والفحم والسلع الأخرى عبر القارة، وهو ما يدفع المرافق لاستخدام المزيد من الغاز.

كما تتسبب درجات الحرارة العالية وموجات الجفاف فى خسائر كبيرة للاقتصاد الأوروبى، وحسب دراسة لعدد من الخبراء الاقتصاديين الأوروبيين، فإن موجات الحرارة الطويلة ستؤثر على الناتج الداخلى الخام لأوروبا، وتوقعت الدراسة نفسها أن نمو الناتج الداخلى الخام الأوروبى سيتراجع بنسبة 0.5 % مقارنة بالسنوات العشر الماضية.

كما أثرت موجة نقص المياه والتغيير المناخى على الاقتصاد الأوروبى بصورة قوية، إذ تساهم حركة النقل النهرى بنحو 80 مليار دولار فى اقتصاد منطقة اليورو، بحسب بيانات هيئة «يوروستات» وهو مبلغ قد تفتقده ميزانية الاتحاد إذا ما توقفت حركة النقل عبر الأنهار والقنوات المائية بالمنطقة.

وتشير التوقعات، والتى يفترض استمرار الظروف السيئة، إلى أن اقتصاد منطقة اليورو قد يفقد نحو 5 مليارات دولار بسبب الأضرار التى تمنع حركة التجارة عبر نهر الراين حاليًا، وفقًا للاقتصادى المتخصص بقطاع النقل فى بنك «إيه. بى. إن» جان ستيوارت.

وقال ستيوارت: إن قدرة الدول الأوروبية على استخدام النقل النهرى أصبحت محدودة بشكل كبير، خاصة فى ظل قلة الأمطار، ما يتسبب فى زيادة تكلفة بدائل النقل الأخرى بشكل كبير، ففى يوم واحد، ارتفعت أسعار الشحن بنحو 30 %، بحسب ستيوارت.

 قمة فاصلة

ويضع العالم آمالاً واسعة حول قمة المناخ المقبلة فى شرم الشيخ COP 27 لوضع حلول عملية للحد من التغيرات المناخية الخطيرة التى باتت كابوسًا يهدد الكرة الأرضية بأكملها.

وتحظى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخى، التى تنعقد على أساسها القمة المقبلة فى نوفمبر بشرم الشيخ، وهى المعاهدة الأم لاتفاق باريس بشأن التغير المناخى لعام 2015، والتى تهدف إلى الحفاظ على ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية هذا القرن إلى أقل من درجتين مئويتين، ودفع الجهود الرامية للحد من زيادة درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الصناعة.

وقد أوضح د. سمير طنطاوى مدير مشروع التغيرات المناخية ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائى: إن مصر فى إطار تنظيمها للقمة COP 27 أعدت 15 مبادرة تشمل النقل المستدام وتدوير المخلفات والطاقة النظيفة وغيرها للعمل على وضع أسس يتم من خلالها إبرام معاهدات للدول للحد من ظاهرة التغيرات المناخية وآثارها المدمرة للطبيعة.

ويذكر أن مصر قد احتلت المرتبة 21 من مؤشر أداء تغير المناخ 2022، حيث تفوقت مصر على العديد من الدول العظمى وسبقت الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة والصين وإسبانيا وإيطاليا وإستراليا، وذلك بالتزامن مع استعدادها لاستضافة ورئاسة قمة المناخ العالمية فى نوفمبر 2022.