السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

وسط مخاوف من اندلاع انتفاضات أوروبا تستعد للشتاء المقبل بخطط طوارئ لمواجهة أزمة الطاقة

أبرزت الأزمة فى أوكرانيا وما تلاها من هزات اقتصادية لاحقة هشاشة إمدادات الطاقة العالمية، وأصبح خطر حدوث نقص فى الغاز فى الشتاء المقبل أكثرَ وضوحًا منذ أن خفضت شركة الطاقة الروسية غازبروم شحناتها بشكل كبير.



وتحاول دول أوروبا جاهدة وضْعَ خطط طوارئ قبل دخول فصل الشتاء، فبعضُ الدول أخطرت بعضَ المدن عن وجود عجز متوقع فى فصل الشتاء قد يؤدى إلى انقطاع التيار الكهربائى عن بعض الأجزاء، ودول أخرى بدأت برامج توعوية مكثفة لحث المستهلكين على الترشيد خلال فصل الشتاء لشح الإمدادات.

 

هذا الاستنفارُ قبل فصل الصيف هو استنفار متوقع وستزداد وتيرته كلما قرب دخول فصل الشتاء، وقد نرى إجراءات وقائية أكثر قوة.

ووسط تعرُّض عشرات دول الاتحاد الأوروبى بالفعل لانخفاض الإمدادات الروسية؛ حثت بروكسل على الاستعداد بتوفير الغاز وتخزينه لفصل الشتاء خشية أن توقف روسيا التدفقات بالكامل ردًا على العقوبات الغربية بسبب حربها مع أوكرانيا.

ورأت صحيفة «إندبندنت» البريطانية أن أزمة الطاقة لها انعكاسات محتملة تتراوح بين آثار اقتصادية كارتفاع أسعار وإغلاق مصانع، وتبعات سياسية مثل انتفاضات شعبية وعصيان مدنى عبر عدم دفع فواتير الطاقة الباهظة، وصولًا إلى الإخلال بأهداف الحد من تغير المناخ.

 خطط طوارئ

فى الوقت الذى أبدَى فيه سياسيون ألمان قلقَهم من احتمال وقوعِ احتجاجات خلال الشتاء المقبل، تحاول الحكومة الألمانية خفض استخدام الطاقة عبر توفيرها فى فترة الصيف، إلى جانب إجراءات أخرى تم اتخاذها قبل أسبوع مثل إغلاق الطاقة الكهربائية عن المَعالم السياحية.

ويدور فى بعض الأوساط الألمانية أن الحكومة قد تدرس صك قانون يحدد أعداد المبانى الحكومية العامة التى سيتم استخدام الكهرباء بها بنسبة محددة، كما تدرس الحكومة الألمانية عدة خيارات، من بينها اللجوء إلى الطاقة النووية.

وبحسب وسائل إعلام ألمانية؛ بدأ المتقاعدون الألمان بالتحضر للتوجه إلى البلدان الدافئة حتى لا يدفعوا مقابل التدفئة فى الشتاء ببلدهم، «إنهم سيرحلون بعيدًا من أجل قضاء الشتاء لأن ذلك سيكلفهم أقل من البقاء فى ديارهم، والسبب الرئيسى هو الارتفاع الحاد فى أسعار التدفئة ببلدهم».

ويقول منظمو الرحلات إن الوجهات الأكثر شعبية هى تركيا وتونس ومصر وجزر الكنارى. ويشير الخبراء أيضًا إلى الطلب على الرحلات إلى تايلاند والسنغال والرأس الأخضر ومنطقة البحر الكاريبى.

من جهته قال رئيس الوزراء البلچيكى ألكسندر دى كرو «سنواجه أوقاتًا مضطربة للغاية، وربما يكون هذا الشتاء صعبًا للغاية»، مشيرًا إلى الحرب فى أوكرانيا، وأسعار الطاقة التى تستخدمها روسيا سلاحًا.

وأردف دى كرو: «إنها أيضًا حرب اقتصادية ضد أوروبا، ويمكن الشعور بتأثيرها بشدة»، داعيًا الأوروبيين إلى التكاتف. وحذّر من أنه «إذا واجهت ألمانيا مشاكل؛ فسيكون لذلك تأثير كبير على بقية الدول الأوروبية».

كما دعت الدول الـ27 المجلس والمفوضية الأوروبيين إلى اتخاذ إجراءات لتنسيق أوثق بشأن سياسات الطاقة الوطنية. وتتعلق هذه التوصية بشراء الطاقة وتخزينها.

وأشارت فون دير لاين إلى الاستراتيچية الأوروبية التى تم تقديمها فى 18 مايو بقيمة 300 مليار يورو، وتقوم على ثلاث ركائز: توفير الطاقة وتطوير مصادر الطاقة المتجددة وتنويع موردى الغاز والنفط.

كما دعت دول التكتّل المفوضية إلى درس جدوى فرض قيود مؤقتة على الرسوم الجمركية على واردات الطاقة.

وطلبت فرنسا إصلاح سوق الكهرباء الأوروبية التى تحدد أسعارها تبعًا لأسعار الغاز التى ارتفعت بشكل كبير. وتريد إيطاليا تدخلًا لخفض أسعار الغاز بالجملة.

لكن هولندا وألمانيا خاصة تريدان حماية آليات السوق.

وأكدت رئيسة المفوضية «نعمل على نماذج مختلفة، بما فى ذلك ما يتعلق بسير عمل السوق»، موضحة أن النماذج البديلة يمكن أن تشمل خصوصًا فصل رسوم الكهرباء عن تلك الخاصة بالغاز.

كما دعا رئيس وكالة الشبكة الفيدرالية الألمانية (BNA)، كلاوس مولر، الحكومة الألمانية إلى خفض استخدام للغاز فى عموم البلاد بمقدار الخُمس لتجنب نقص شديد فى الغاز الشتاء المقبل؛ حيث تستعد الشركات والأسَر لأكبر أزمة طاقة فى أوروبا منذ جيل على الأقل.

وقال مولر فى لقاء أجراه مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية: «إذا فشلنا فى الوصول إلى هدفنا بتوفير 20 فى المائة من الغاز؛ فسنكون أمام خطر جسيم يتمثل فى عدم توافر كميات كافية من الغاز فى الشتاء المقبل».

وأضاف مولر، الذى سيكون مسئولًا عن تقنين إمدادات الغاز إذا عانى أكبر اقتصاد فى أوروبا من أزمة طاقة شتوية: إن ألمانيا ستحتاج أيضًا إلى نحو 10 جيجاوات من إمدادات الغاز الإضافية من مصادر أخرى لتعويض الكميات المفقودة من روسيا بجانب الغاز الطبيعى المسال إلى حد كبير من دول مثل الولايات المتحدة. ويمثل ذلك نحو 9 فى المائة من استهلاكها الحالى من الغاز.

ووصلت برلين بالفعل إلى المرحلة الثانية من خطة الطوارئ الوطنية للغاز المكونة من ثلاثة أجزاء. وإذا وصلت إلى المرحلة النهائية، والتى من شأنها أن تستلزم تقنين الغاز للعملاء الصناعيين؛ فسيتعين على وكالة الشبكة الفيدرالية الألمانية (BNA) أن تقرر الشركات التى لم يعد بالإمكان تزويدها بالكامل، وفقًا لفاينانشيال تايمز.

 قلق أمريكى

ذكرت شبكة «سى إن إن» الأمريكية، نقلاً عن مصادر، بأن السُّلطات الأمريكية تخشى من أن تؤدى أزمة الطاقة فى أوروبا إلى ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء فى الولايات المتحدة نفسها.

ووفقًا للشبكة الأمريكية، قالت المصادر، إن إدارة الرئيس الأمريكى، چو بايدن، أرسلت كبير مستشارى وزارة الخارجية المختصين بأمن الطاقة، لعقد اجتماعات فى باريس وبروكسل لتحقيق الاستقرار فى سوق الطاقة بأوروبا.

ويخشى البيتُ الأبيض الانقسامَ بين الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى بشأن أزمة الغاز، ويسعى جاهدًا لاحتواء الذعر فى الاتحاد الأوروبى قبل الشتاء المقبل؛ حيث ستكون هناك حاجة إلى كميات أكبر بكثير من الغاز الطبيعى مقارنة إلى القيمة الحالية.

وكبديل للغاز، تناقش الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى إمكانية زيادة قدرة محطات الطاقة النووية الحالية فى أوروبا للتعويض عن الانخفاض فى الوقود الأزرق.

وتحاول واشنطن على وجه الخصوص إقناع ألمانيا بمواصلة خدمة محطات الطاقة النووية على عكس خطط برلين للتخلص التدريجى من مصادر الطاقة هذه بحلول نهاية عام 2022.

 ارتفاع الأسعار

ونشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تحليلاً أجراه بنك «جولدمان ساكس»، يفيد بأنه إذا فعل بوتين «ما لا يمكن تصوره» وقطع إمدادات الغاز بشكل كامل؛ فإن تكاليف الطاقة المنزلية الأوروبية سترتفع بنحو 65 %.

ويحذر البنك فى تحليله من أن صناعات مثل إنتاج الأسمنت والكيماويات فى ألمانيا وإيطاليا سيتعين عليها خفض استخدامها للغاز بنسبة تصل إلى 80 %، لينكمش الناتج المحلى الإجمالى لهاتين الدولتين بنسبة %3 و%4 على التوالى.

 بدائل أكثر تكلفة

ونقلت «اندبندنت» عن ناثان بيبر، محلل شئون النفط والغاز فى مجموعة «إنفيستيك» المصرفية قوله إن «الطريقة الوحيدة التى ستتمكن بها تلك الدول من الاقتراب من الهدف هى دفع أسعار مرتفعة للغاية».

وأضاف: «ترسل الولايات المتحدة الغاز الطبيعى المسال إلى أوروبا عبر آسيا لأن دولًا فى أوروبا تدفع أكثر».

وأضاف: «بما أن روسيا لم تعد موردًا مرغوبًا فيه، أو يمكن الاعتماد عليه فى عهد بوتين، تواجه الدول الأوروبية الاضطرار إلى الحصول على الغاز من أماكن أخرى، إمّا واردات الغاز الطبيعى المسال الأمريكية المكلفة أو توصيل الإمدادات مباشرة من منتجين آخرين مثل النرويج وأذربيجان».

 أهداف المناخ

وأشارت «إندبندنت» إلى أن من شأن ما تقدم أعلاه أن يمثل «انتكاسة أخرى لأهداف المناخ العالمى الطموحة، فى مواجهة نفاد الوقت بسرعة لمعالجة تلك الحالة الطارئة». وأضافت: «كما أن إيجاد بدائل، مثل التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، أو إعادة فتح محطات الطاقة القديمة الملوِّثة للبيئة، أو بناء محطات جديدة، يستغرق دائمًا وقتًا، وهو ما لا تملكه أوروبا ببساطة».

وأشارت «إندبندنت» إلى أن «تبعات ذلك من الناحية النظرية بدأت تظهر فى تخفيف الإضاءة الإلزامى لأضواء الشوارع كجهد للحفاظ على البيئة أو حتى توفير الطاقة، ما يتطلب من الشركات الترفيهية إغلاق أبوابها مبكرًا لتوفير الطاقة».

ورأت إن مثل هذه الخطوات ستكون جذرية، وذكّرت بتحذير وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، بالفعل من أن التدابير المماثلة «يمكن أن تشعل شرارة الانتفاضات الشعبية»، وهو احتمال حقيقى عندما يفكر الناس بالفعل فى التخلى عن دفع فواتير الطاقة الخاصة بهم كعمل من أعمال العصيان المدنى احتجاجًا على الفواتير المتصاعدة.