السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عرض مسرحى يصلح فى كل زمان وأى مكان: (مشاحنات).. الصراع بين انتظار الموت والبحث عن الحياة

مَشهدٌ ربما يتكرّر فى كل عائلة، أحد المُسنين الذى يعانى من أمراض الشيخوخة؛ تشنجاته، فقدانه لبعض الحواس مثل السمع والبصر، وفقدانه القدرة على الحركة.. معاناته مع زيادة الألم، عدم المقدرة على التحدث أو الشكوَى، مجرد صرخات تدوى ما بين الحين والآخر، ومناجاة بنظرات للسماء. وأمام ذلك الشخص ابنة توقفت حياتها دونًا عن أخواتها لتعتنى بذاك المُسن، سنوات تمضى وتعيش تلك الابنة تحت أقدام أمّها حتى تصبح مختلطة المَشاعر، لا هى سوية ولا هى فاقدة لعقلها؛ فقط تفقد القدرة على التحكم فى أعصابها، تتوحد مع حالة أمّها لدرجة أنها تشاطرها التشنجات فى أحيان كثيرة.



 

والابنة الأخرى تهرب بعيدًا قبل مرض الأم لتتزوج برجل كان مرفوضًا من أهلها، ولكنها تحظى بحياة مثالية، أو هكذا يبدو للآخرين، فقد استطاعت أن تحافظ على زوجها وتعيش فى بيت مستقل مع أولادها، لا تعلم شيئًا عن آلام الأم أو معاناة الأخت.

وتُعتبر الساعات الأخيرة فى حياة الإنسان دومًا هى الفارقة، ويقال إن الموت قد يتأخر لحين إبلاغ الإنسان رسالته النهائية وتحقيق أمنياته. وهذا ما حدث فى عرض مسرحية (مشاحنات) الذى نقل تفاصيل اليوم الأخير فى حياة الأم التى تفقد القدرة على كل شىء، أو هكذا تبدو، والابنة الكبرَى التى تعيش فى انتظار النور، فى انتظار وفاة والدتها، فمن ناحية ستكون قدمت رسالتها إلى النهاية.. ومن ناحية أخرى هناك آمال وأحلامٌ تعيش عليها لاستعادة حياتها من جديد.. صراع ما بين الأختين حول الميراث وحول مَحبة الأم، اتهامات متبادلة من منهما الأجدر بحبها ومن منهما التى ضحت من أجلها. قد تتوه للحظات ما بين رغبتهما فى أن تموت حقًا، وما بين رغبتهما فى بقائها على قيد الحياة، وكأنها تعوق استمرار الحياة، بينما يتوقف بَعدها كل شىء.

شارك عرضُ (مشاحنات) بالدورة الخامسة عشرة من المهرجان القومى للمسرح، وحصل على بعض الترشيحات للجوائز ولم ينل أى جائزة، مما تسبب فى ضيق وغضب بعض النقاد؛ خصوصًا أن العمل المأخوذ عن نص مسرحى أجنبى قُدّم فى الثمانينيات وقام بترجمته «د. هانى عبد الفتاح» فى التسعينيات وقدّمه فى عرض مسرحى وقتذاك.. كان مليئًا بالأداء التمثيلى المُبهر ناهيك عن الإخراج والإضاءة والديكورات.. والقصة التى لمست كل مَن شاهده.

الإمتاع الفنى وتحدّى الشخصية «الصامتة»

بدأت إعادة عرض (مشاحنات) فى موسم مسرحى جديد على خشبة مسرح الإبداع يوم الثلاثاء الماضى.. وعن فكرة النص تحدّث مخرج العرض «هانى عفيفى» قائلاً: «قرأت النص الذى ترجمه د.هانى عبدالفتاح ولم أتوقف عن التفكير به طوال سنوات.. وعندما اجتمعت مع د.خالد جلال لتقديم عرض يتناسب مع إمكانيات مركز الإبداع اقترحت عليه هذا النص ليشارك به طلبة وخريجو المركز.. فبدأت بترشيح الفنانات، ثم استغرقنا نحو شهرين فى البروڨات والتدريبات التى كانت صعبة بسبب التفاصيل النفسية للشخصيات وأبعادها المختلفة».

وأضاف «عفيفى» أنه قام بالعمل على النص من أجل تمصيره ليتناسب مع الوضع الحالى.. مؤكدًا أنه كان نَصًا إنجليزيًا ويحمل الأفكار والمعتقدات هناك، مثل تفكير الابنتين بـ«حرق الجثة»، وهو ما لا يتناسب معنا تمامًا.. كما قام بتغيير لغة التمثيل إلى العامية المصرية وتكثيف المَشاعر والأفكار حتى لا يكون الإيقاع بطيئًا فيصاب الجمهور بالمَلل.

وقد أكد أنه حرص على أن يكون النص ممتعًا فنيًا وهذا أحد التحديات فى اختياره لنص حزين، فهو مؤلمٌ ويلمس كل مَن يشاهده لأنه يُعبر عن قضية إنسانية كل منا قد مَرَّ بها. ولذلك كان يجب أن يجعله قصير المدة وأيضًا ممتعًا فنيًا حتى يخرج الجمهور راضيًا عنه.

شارك ببطولة العرض ثلاث فنانات؛ الابنة الكبرَى قدمتها «ريم حجاب» والابنة الصغرَى قدمتها «هند حسام».. بينما قامت بدور الأم «د.سهام عبدالسلام» التى تحدّت نفسَها بالدخول فى دور صعب ربما لا يقدر عليه البعض.. فهى طوال مدة المسرحية تنتفض وتعانى من تشنجات ومُلقاة على فراشها، تارةً تصرخ وتارةً تفتح عينيها، التى اعتمدت فقط عليها وعلى ملامح وجهها فى الأداء التمثيلى.. وقبل انتهاء العرض بدقائق تصرخ ببعض الكلمات القليلة التى تقلب ميزان المسرحية رأسًا على عقب.

تحدثت «د.سهام» مع «روزاليوسف» عن أسباب موافقتها على ذلك العرض قائلة: «عندما عُرض علىَّ الدورُ تخوفت للحظة، ثم أعدتُ التفكيرَ فوجدت أنه اختبار تمثيلى كبير لى، فلو فكرنا أن الفنان «محمود حميدة» قام ببطولة فيلم (جنة الشياطين) الذى يظهر خلال أحداثه كجثة فقط؛ فلماذا أنا لا أضيف لهذه الشخصية.. فبدأتُ فى التفكير بأنها تعتمد على التمثيل بملامح وجهها ونظرات عينيها فقط. فهى تظهر وكأنها فقدت جميع الحواس، بينما يتضح أنها تشعر وتعلم كل ما يدور حولها».

وأضافت إن عملها كطبيبة بشرية ساعدها فى وضع اللمسات الخاصة بالشخصية، التى كانت مكتوبة دون أى تحركات سوى التلفظ بأربع عبارات فى نهاية العرض.. مما جعلها تبدأ بمتابعة أعراض أمراض الشيخوخة والتشنجات والارتعاشات التى قد تحدث للمريض فى لحظاته الأخيرة، فقامت بضم التشنجات الناتجة عن أعراض أمراض عدة فى شخص واحد.

وأضافت إن أدوات الممثل ثلاث هى: جسده ووجهه وصوته، فالصوت يُعتبر قليلاً جدًا بالدور، ووجهها استخدمته بالتعبيرات المختلفة من رفض إلى توسل إلى توهان وغيرها من التعبيرات التى ركز عليها المخرج لإبراز ما تعانيه الشخصية من تخبطات، لذا اضافت تشنجات الجسد ليكون مكملاً لأداء الدور.