الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

السيسى: سياسة مصر الخارجية لها ثوابت وتقوم على دعم السلام والاستقرار الإقليمى والدولى رئيس التحرير يحاور خبراء السياسة حول موقف مصر ودورها الفاعل فى الأزمات السياسية إقليميًا وعالميًا

أزمات سياسية عديدة  فى الفترة الأخيرة  باتت تهدد أمن واستقرار العالم؛ بدءًا من الأزمة «الروسية - الأوكرانية» ومرورًا  بالاحتقان القائم بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بسبب النزاع السياسى حول تايوان وما سبَّبته زيارة رئيسة الكونجرس الأمريكى نانسى بيلوسى إلى تايوان ونهاية بتصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية فى قطاع غزة قبل أن تنجح الجهود المصرية المضنية -كما وصفها «الطاهرى» - فى التهدئة بين الطرفين والاتفاق على وقف إطلاق النار.



 

كل ما سبق دعا إلى فتح حلقة نقاش موسعة داخل برنامج «كلام فى السياسة»، الذى يديره أحمد الطاهرى رئيس تحرير مجلة روزاليوسف،  حيث بدأ البرنامج بعرض خبر نجاح الجهود المصرية فى وقف التصعيد العسكرى الإسرائيلى داخل قطاع غزة والموافقة على التهدئة ووقف إطلاق النار وتثبيت هذا الوقف بعد تدخل مصر والذى أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلى فيما بعد بهذا الدور؛  بل ووجَّه الشكر لمصر على جهودها الحثيثة فى وقف التصعيد وعبَّر عن بالغ تقديره  لدور الوساطة الناجحة التى قامت بها مصر بقيادة الرئيس السيسى وهو ما يرسِّخ دور مصر  كركيزة أساسية لاستقرار المنطقة.

وقبل العودة إلى مقدمة البرنامج وتقديم الضيوف المشاركين فى النقاش تم عرض تفقد السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى للكلية الحربية وعقد لقاء مع الطلبة شرح فيه سيادته دور مصر فى السياسة الخارجية وأكد حرص مصر الدائم على دعم الأمن والاستقرار لكل دول العالم وأن هذه ثوابت فى السياسة الخارجية المصرية لا تتغير أبدًا.

ومع العودة للبدء فى الحوار والنقاش الموسع حول كل هذه النقاط طرح «الطاهرى» عدة أسئلة قبل تقديم ضيوفه وكانت هذه الأسئلة هى المحاور الأساسية للنقاش وهى:

1 – كيف أنقذت الجهود المصرية المنطقة من صراع شامل وذلك بوقف التصعيد فى غزة؟

2 – ما هى خطورة دفع ملف تايوان إلى ساحة الصراع العالمى الآن؟

3 – هل أصبح الأمان النووى «كارت جديد» فى الأزمة «الروسية - الأوكرانية» ؟

وضمت جلسة النقاش السفير حسين هريدى مساعد وزير الخارجية الأسبق والكاتب الصحفى عزت إبراهيم رئيس تحرير «الأهرام  ويكلى»  والكاتب الصحفى أشرف العشرى مدير تحرير الأهرام  والدكتورة نورهان الشيخ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والدكتور محمد فايز فرحات مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كما انضم فى الجزء الأخير من النقاش عبر تقنية «السكايب» الدكتور أشرف سنجر خبير السياسات الدولية لقناة إكسترا نيوز كما تابع وشارك فى الحوار والنقاش من داخل استديوهات البرنامج بعض من طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

البداية كانت بسؤال السفير حسين هريدى حول رؤيته للسياق الشامل فى معالجة مصر لأزمة التصعيد فى قطاع غزة؟  حيث أكد السفير حسين هريدى أنه يرى أن الاتصال الذى دار بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ورئيس وزراء إسرائيل يائير لابيد كانت فحواه أن مصر تبعث برسالة قوية إلى الجانب الإسرائيلى فى كل مرة تتدخل فيها لوقف التصعيد فى المنطقة، لا سيما أن مصر أكدت فى مايو 2021 حينما تدخلت أيضًا لوقف التصعيد وقتها على ضرورة الاتفاق على هدنة مطولة ودائمة بين الجانبين بما يضمن هدوء واستقرار المنطقة  والانطلاق من وقف إطلاق النار إلى الاتفاق على تسوية وحل القضية استنادًا إلى المرجعيات الدولية والتى لن تتم إلا عن طريق حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو عام 1967،  وأن هذا ما تهدف له مصر وليس فقط تدخلها فى كل مرة للتهدئة ووقف التصعيد فقط؛ ولكن مصر تريد ضمانًا من الجانب الإسرائيلى بحل جذرى للقضية الفلسطينية استنادًا إلى قرارت مجلس الأمن.

إذن هناك اتجاه مصرى لاتباع سياسة إنهاء الصراع وليس إدارة الصراع؟

- الاستراتيجية الإسرائيلية بغض النظر عن اسم رئيس الحكومة الإسرائيلية دائمًا هى الحرب داخل الحرب بمعنى استهداف حركات المقاومة الفلسطينية وبث الفرقة داخل الصف الفلسطينى فى قطاع غزة، وهذا ما ظهر جليًا فى تصريحات الجانب الإسرائيلى فى تحييد دخول حماس على خط المواجهات بجانب حركة الجهاد وأنهم نجحوا فى إيقاف هذا التحالف بشنهم غارات استباقية على قطاع غزة.

وبسؤال الكاتب الصحفى عزت إبراهيم عن تفسيره للموقف الأمريكى الصامت والذى يتكرر فى كل مرة تجاه هذا الصراع؟

- قال إن بوادر الأزمة الحالية كانت بعد زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن الأخيرة إلى المنطقة والتى وضح بعدها أن هناك حالة من الصمت الأمريكى على العديد من الممارسات الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة وعدم ذكر حل الدولتين إلا سريعًا وفى الاجتماعات الثنائية التى حدثت سواء فى إسرائيل أو فى جدة على حد تعبيره، وبالتالى فإنه يرى أن الصمت الأمريكى كان مبررًا  وأنه يوجد ضوء أخضر للحكومة الإسرائيلية من الجانب الأمريكى فى إتمام عمليات عسكرية محدودة؛ سواء فى قطاع غزة أو فى الضفة وأن أخطر ما صدر من الجانب الإسرائيلى كان على لسان وزير الدفاع الإسرائيلى عندما صرح بأن إسرائيل ستبدأ القيام بسلسلة من الضربات الوقائية من الآن فصاعدًا وأن العملية ضد حركة الجهاد الإسلامى كانت البداية وهذا ما يعنى أننا أمام خطة جديدة من الجانب الإسرائيلى للتصعيد مستقبلًا واستهداف الفصائل الفلسطينية سواء داخل قطاع غزة أو داخل الضفة وهذا التصريح كان الدافع الأكبر الذى دعا مصر إلى التحرك سريعًا فى هذه الأزمة لإيقاف هذا المخطط الكارثى، وبناء على هذا التحرك المصرى تراجعت الولايات المتحدة عن موقفها الصامت تراجعًا بسيطًا وخرج  وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، مشيرًا إلى رفض الولايات المتحدة استهداف المدنيين والمنشآت المدنية أثناء العمليات العسكرية الإسرائيلية، وهذا بالفعل ما جاء ضمن مطالب مصر الأربعة التى طالبت بها أثناء انعقاد جلسة مجلس الأمن إبان هذه الأزمة، وبالتالى فإن الرؤية المصرية فيما يخص وقف التصعيد والوصول إلى تهدئة يرتبط بفكرة طرح الأمور أمام المجتمع الدولى وتحمله مسئوليته وكانت هذه الرؤية واضحة تمامًا مؤخرا،  بداية من كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر جدة عندما أشار إلى أولوية القضية الفلسطينية وضرورة حل الدولتين والعودة إلى أصل القضية وهى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وما تبع ذلك من خطوات الدبلوماسية المصرية فى هذا الإطار.

وأوضح «الطاهرى» تأكيدًا على كلام الكاتب الصحفى عزت إبراهيم أن كلمة مصر فى جلسة مجلس الأمن تضمنت أربعة مطالب بالفعل وهذه المطالب هى : 

1 - وقف التوسع الاستيطانى.

2 - رفع الحصار عن قطاع غزة والذى لا يزال تحت الاحتلال وفقًا للتوصيف القانونى الدولى.

3 - تيسير دخول السلع والخدمات إلى قطاع غزة.

4 - احترام الوضع القانونى والتاريخى للقدس الشرقية.

إضافة إلى تحقيق يعتمد على الشفافية الكاملة من جانب مجلس الأمن الدولى فى كل ما جرى من عنف أثناء التصعيد الإسرائيلى داخل قطاع غزة.

ما رأيك فى تأكيد مصر خلال المباحثات الهاتفية الأخيرة بين الرئيس السيسى ورئيس وزراء إسرائيل على مصطلح جديد اختلقته مصر فى الحوار حول الأزمة  ألا وهو مصطلح تجديد الأمل لدى الشعب الفلسطينى؟

- الخطاب السياسى المصرى تضمن ذلك من خلال الرئيس السيسى أثناء مؤتمر جدة حين قال إننا لن نستطيع المضى قدمًا إلى المستقبل دون العودة إلى حل القضايا الكبرى فى الماضى والمقصود هنا الحديث عن ضرورة العودة إلى جذور الأزمات فى المنطقة، والقضية الكبرى فى الشرق الأوسط وهى القضية الفلسطينية وبالتالى إعطاء الأمل ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى، وهذا ما تقوم به مصر من التدخل فى فرض التهدئة ووقف التصعيد إلى قيام مصر بالمشاركة فى إعادة قطاع غزة واستشعار مصر بخطورة الوضع على الأرض وهذا ما وضح جليًا خلال العملية العسكرية الأخيرة التى أسفرت عن هدم أكثر من ألف منزل واستشهاد أكثر من 40 شهيدًا وتشريد آلاف الأسر واستهداف العديد من المستشفيات والمرافق الحيوية داخل القطاع، وهذا ما أدى إلى التحرك المصرى السريع وعدم النظر إلى اللحظة الراهنة؛ بل إن السياسة المصرية تتحرك فى إطار عدم إغفال القضية الفلسطينية دوليًا وأنه لن تكون هناك علاقات اقتصادية طبيعية فى المنطقة بين إسرائيل ودول المنطقة دون التوصل إلى حل شامل وعادل فى القضية الفلسطينية.

الكاتب الصحفى أشرف العشرى ماذا عن قراءتك للعملية العسكرية الأخيرة، وماذا عن الوضع الداخلى فى إسرائيل وهل هذه العمليات ترتبط بالشأن الداخلى الإسرائيلى؟

- الدبلوماسية المصرية على مدار السنوات السبع الأخيرة وبقيادة من الرئيس السيسى شخصيًا قامت بالعديد من التحركات والاتصالات مع الجانبين سواء على مستوى الفصائل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية أو على مستوى تل أبيب وعادت مصر بقوة لإدارة هذا الملف فى الآونة الأخيرة واحتضان الجانب الفلسطينى ومحاولة توفير الغطاء والضمان ومحاولة وضع حلول مستدامة وعاجلة لهذه الأزمة والعمل على عدم قيام هذه العمليات أو على الأقل تحجيمها وعدم توسيع رقعتها، وبالتالى تقليل الخسائر قدر الإمكان وهذا ما وضح جليا فى العملية الأخيرة والتى لم تستغرق مصر أكثر من عدة ساعات على مستوى التحرك الدبلوماسى حتى قامت بإجهاض هذه العملية وإجبار الجانب الإسرائيلى على وقف التصعيد وفرض التهدئة داخل قطاع غزة.

ما هى خطورة انفجار هذا الصراع لو لم تقم مصر بنزع فتيل هذه الأزمة الأخيرة؛ خصوصًا أن الخطر ما زال قائمًا؟

- المجتمع الدولى لديه القناعة الكافية بأن الدور المصرى هو الدور المحورى والركيزة الأساسية فى ضبط إيقاع الأوضاع داخل الأراضى الفلسطينية وداخل إسرائيل وبالتالى من دون تواجد المفاوض المصرى ستكون هناك سيناريوهات كثيرة تدفع فيها المنطقة بأكملها فواتير باهظة لما سيحدث، وبالتالى فإن ما يقوم به المجتمع الدولى من الإشادة بالدور المصرى يرجع إلى هذه الرؤية حيث قام العالم أجمع بالإشادة بالدور المصرى فى تهدئة الأوضاع فى العملية الأخيرة، وأشار إلى أن مصر تمتلك المفتاح الرئيسى فى فك العديد من الشفرات المرتبطة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى فى هذا الصراع وهذا ما يدل على تعاظم الدور الدبلوماسى المصرى بقيادة الدبلوماسية الرئاسية فى المنطقة؛ بل وفى العالم أجمع فى الآونة الأخيرة.

وبالإشارة إلى الحديث عن مدى تأثر الجانب الإسرائيلى بالوضع الداخلى ومدى تأثير هذا على قيام هذه العمليات العسكرية يرجع هذا إلى ضبابية المشهد الداخلى الإسرائيلى والاستحقاقات الخاصة بالانتخابات الإسرائيلية واللوم الذى يوجه للحكومة الإسرائيلية بأنها حكومة ضعيفة وأنها لا تحمل الرؤى المستقبلية، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلى لا يتمتع بالخبرة العسكرية  والسياسية وأن الحكومة فى مهب الريح وأن الجميع ينتظر ساعة الحسم فى انتخابات نوفمبر المقبل كل هذا ما دفع حكومة لابيد بالاتفاق مع وزير الدفاع بشن بعض الهجمات على قطاع غزة لإحراج المعارضة الإسرائيلية وتغيير وجهة نظر المجتمع الإسرائيلى تجاه الحكومة؛ خصوصًا أن هـذه العمليات تضيف إلى الحكومة الإسرائيلية وترفع من أسهمها وتعزز من فرص نجاحها فى الانتخابات المقبلة ولكن خبرة الدبلوماسية المصرية والمفاوض المصرى والذى شكك فيها البعض أخيرًا استطاعت إنهاء الأزمة بأسرع ما يمكن وإجبار الجانبين؛ خصوصًا الجانب الإسرائيلى على القبول بوقف التصعيد والتهدئة داخل قطاع غزة، مما يدل على قوة الجانب المصرى وإضافة نجاح جديد لنجاحاته أخيرًا فى هذا الملف الشائك؛ خصوصًا أن مصر تمتلك مصداقية الدور وتمتلك الجهد الكافى لإدارة هذا الملف.

كل ما أشار إليه الضيوف سابقًا وضح جليًا فى التقرير الذى تم عرضه خلال البرنامج من داخل قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار وفرض أجواء التهدئة وعودة الحياة إلى طبيعتها، وكم الإشادات من الجانب الفلسطينى والشعب الفلسطينى بدور مصر التاريخى والدعم المصرى الذى لم ولن يقف أبدًا تجاههم؛ خصوصًا فى هذه العملية الأخيرة والذى بدا واضحًا منذ اللحظة الأولى أن مصر تقف دائمًا داعمة ومساندة للشعب الفلسطينى بجميع أطيافه وفصائله وستظل دائما هكذا.

الانتقال من ملف القضية الفلسطينية إلى ملف الأزمة «الروسية-الأوكرانية» كان عن طريق توجيه السؤال للدكتورة نورهان الشيخ عن مدى خطورة دخول ملف الأمن النووى فى الأزمة؟

دخول ملف الأمن النووى فى الأزمة هو تصعيد من الجانب الأوكرانى يرجع إلى التطورات التى حدثت فى ملف الشرق بشكل عام، ومن أهم هذه التطورات توقيع رئيس منطقة زابورجييه إقرارًا بالتقدم باستفتاء بالانضمام إلى روسيا وهذا ما أثار الجانب الأوكرانى بشكل كبير ناهيك عن وجود العديد من الاتهامات المتبادلة بين الجانبين الروسى والأوكرانى، ولكن هذا التصعيد من الجانب الأوكرانى كان بهدف إحباط الخطوة التى اتخذها رئيس منطقة زابورجييه بالاتجاه إلى الانضمام إلى الجانب الروسى والتحذير الأوكرانى من أن العبث من الجانب الروسى بملف الأمن النووى سيعود بالضرر على أوروبا كلها كما حدث من قبل فى أزمة مفاعل تشرنوبل والتسريب الذى حدث وقتها، فى الوقت ذاته نفت روسيا تمامًا هذه الاتهامات مبررة ذلك بأنها ستكون أول المتضررين من العبث بملف الأمن النووى وأن هذا سيعود بالضرر على الشرق والجنوب الروسى بالإضافة إلى أن محطة زابورجييه النووية هى التى تغذى الشرق والجنوب الروسى بالكهرباء وهذا ما يؤدى بنا إلى عدم تصديق ما تحاول أوكرانيا إيهام العالم به وتصديق الجانب الروسى فى هذه القضية وأن كل ما يحدث هو مجرد تصعيد من الجانب الأوكرانى كخطوة استباقية لإحباط انضمام منطقة زابورجييه إلى الجانب الروسى.

ما رؤيتك فى تصنيف الأزمة «الروسية- الأوكرانية» بأنها أصبحت المعادل الموضوعى للأمن الغذائى العالمى؟

- هذا أمر طبيعى بالنظر إلى إمكانات روسيا وأوكرانيا؛ حيث نجد أن لهما دورًا محوريًا كبيرًا فى الأمن الغذائى العالمى وإن كانت الإمكانات الروسية أكبر وأكثر تأثيرًا؛ ولكن حسابيًا ورقميًا تعد الدولتان ذاتا أهمية كبيرة فى معادلة الأمن الغذائى العالمى وهذا لا يقتصر فقط على الحبوب ولكن يشمل العديد من المواد الغذائية الأساسية والضرورية، وبالتالى لا يمكن تصور ضمان الأمن الغذائى العالمى على الأقل فى المرحلة الراهنة دون مشاركة روسيا وأوكرانيا فى الإمدادات بهذه المواد الغذائية؛ خصوصًا أنهما تنتجان كميات هائلة من المواد الغذائية والعمل على تفعيل اتفاق اسطنبول مهم جدًا فى الفترة الحالية؛ خصوصًا أنه إلى الآن لم يتم تفعيل الجزء الثانى من الاتفاق وهو خروج الحبوب الروسية وفتح الموانئ والمطارات وإزالة العقوبات المفروضة على الموانئ والمطارات الروسية المنوط بها التصدير؛ خصوصًا أن روسيا قادرة على تصدير أكثر من 50 مليون طن من الحبوب هذا العام مما سيكون له تأثير إيجابى كبير جدا على معادلة الأمن الغذائى العالمى وكما قامت أوروبا بتفعيل الجزء الأول من اتفاق اسطنبول والخاص بأوكرانيا يجب تفعيل الجزء الثانى وهو ما تطالب به روسيا حاليًا ويجب السماح لها بذلك من أجل ضمان الأمن الغذائى العالمى.

وبالانتقال إلى الملف الثالث فى النقاش وهو أزمة الصين والولايات المتحدة والنزاع السياسى الدبلوماسى حول تايوان؛ خصوصًا بعد زيارة رئيسة الكونجرس الأمريكى نانسى بيلوسى إلى تايوان والتى كانت مرفوضة تمامًا من الجانب الصينى وبسؤال الدكتور محمد فايز فرحات، ما مدى خطورة إقحام ملف تايوان فى الصراع العالمى الآن، وما رؤيتك لموقف مصر والذى أعلنه الرئيس السيسى بوضوح من كل تلك الأزمات؟

- هذا الملف يعد جزءًا فى سياق وتفاعلات الصراع السياسى الدبلوماسى الطويل ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وبالتالى من الطبيعى أن يتم توظيف بعض الأوراق بينهما وبدا فى البداية أن الداخل الأمريكى رافض زيارة نانسى بيلوسى إلى تايوان وتم إعلان ذلك بكل وضوح، ولكن ما أن قررت نانسى بيلوسى زيارة تايوان تحول الموقف الأمريكى إلى نوع من التفاهم والدعم الواضح لهذه الزيارة وأن الولايات المتحدة الأمريكية على استعداد تام للتعامل مع أى تداعيات لرد فعل الصين تجاه هذه الزيارة، وبالتالى فإن هذه الأزمة هى فى سياق الصراع السياسى ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وهو جزء أيضًا من توظيف الولايات المتحدة لأوراق مختلفة ومنها ورقة تايوان وهناك أهداف عديدة من وراء ذلك بعد أن أصبحت الصين قوة عالمية ذات نفوذ ولها دور فاعل وأساسى فى النظام العالمى، بعد أن كانت منكفئة طويلًا على الشئون الداخلية وعملية التنمية الاقتصادية فقط لا غير وبعد ذلك أصبحت لاعبًا إقليميًا ثم دوليًا أساسيًا وفاعلًا وقامت بالعديد من التغييرات العالمية عن طريق التعاون الاقتصادى وليس المشروطية السياسية، وذلك عن طريق العديد من الخطوات التى اتخذتها الصين فى هذا الاتجاه، ومنها تحويل العملة الصينية إلى عملة دولية واعتراف صندوق النقد الدولى بهذا والعديد من المشروعات الضخمة الأخرى عالميًا مثل مشروع الحزام والطريق وبالتالى ربما يكون إشعال هذا الملف من جانب الولايات المتحدة الأمريكية فى هذا التوقيت هو جر الصين مرة أخرى إلى الانكفاء على المحيط الإقليمى أو قضايا الأمن المباشر للصين وبالتالى تتراجع أهمية أن تتحول الصين إلى فاعل دولى والاهتمام بالقضايا الدولية وربما يكون هناك هدف آخر وهو مقايضة الصين على ملفات أكبر فى النظام العالمى.

هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها تهديد الصين الواحدة على الملأ ما رأيك ؟ 

- لأسباب كثيرة منها طرح مفهوم الغموض الاستراتيجى الصينى فيما يتعلق بتايوان والإصرار على حق الولايات المتحدة الأمريكية فى زيارات مسئولين أمريكيين إلى تايوان وإجراء اتصالات هاتفية متبادلة ما بين الرئيس الأمريكى ورئيسة تايوان وهذا من وجهة النظر الصينية يعتبر مرفوضًا على اعتبار أنه انتهاك للسيادة الصينية حسب الرؤية الصينية وأيضا زيادة صفقات السلاح بين الجانبين الأمريكى والتايوانى وأيضا طرح ضم تايوان إلى التحالفات الجديدة فى منطقة المحيط الهادى والمحيط الهندى وبالتالى هناك تراجع عملى وتدريجى ممنهج من جانب الولايات المتحدة الأمريكية من وجهة نظر الصين عن مبدأ الصين الواحدة هذا من الناحية العملية، أما من الناحية النظرية فالولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بمبدأ الصين الواحدة وبمجرد إشعال وإقحام ملف تايوان فى الصراع السياسى القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعد زيارة نانسى بيلوسى إلى تايوان قامت الصين بإجراء العديد من المناورات الحربية فى المنطقة وتجميد التواصل المباشر بين الصين والولايات المتحدة على المستوى العسكرى، ووقف التعامل فى العديد من الملفات التى تخص المنطقة منها الأمن البحرى وتغيُّر المناخ والحرب على الإرهاب، كل هذا سيؤدى إلى تراجع الحد الأدنى اللازم للتفاهم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وهذا التفاهم هو الذى قد يمنع دخول الطرفين فى صراع عسكرى مباشر.

ماذا عن إعلان مصر أنها مع مبدأ الصين الواحدة بوضوح ؟

- التفسير الواضح والبسيط هو أن هناك علاقات «مصرية - صينية» وبالتالى من الطبيعى أن تدعم وتلتزم مصر بمبدأ الصين الواحدة باعتباره مبدأ متوافقًا عليه من معظم دول العالم وهذا هو التفسير البسيط؛ ولكن الموضوع أعمق من هذا بكثير وهو الانفتاح المصرى على الشرق الآسيوى وإجراء شراكة استراتيجية «مصرية - صينية» عام 2015 وإدراك مصر لأهمية هذه المنطقة التى أصبحت مركز التفاعلات الدولية فى التجارة والاستثمار والسياسة والأمن والملاحة الدولية وأيضا وضع مصر الآن فى النظام العالمى وأن هناك تيارًا وكتلة دولية بدأت تتضح فى النظام العالمى وهذه الكتلة أصبحت لديها مصلحة فى الحفاظ على الاستقرار والسلام العالمى والحفاظ على المبادئ الأساسية الحاكمة للنظام العالمى، وبالتالى من الطبيعى أن يكون لهذه القوى خطاب بشأن القضايا الدولية الرئيسية وقضية تايوان تمثل إحدى هذه القضايا المهمة فى هذا التوقيت وبالتالى وضع مصر داخل النظام العالمى كقوى وسطى وكجزء من تيار عالمى لا بُد أن يكون لديها موقف فيما يتعلق بالقضايا الدولية الرئيسية، وفيما يتعلق بقضايا الأمن والسلم الإقليمى والدولى وبالتالى الأمر أكبر بكثير من مجرد شراكة «مصرية- صينية» استراتيجية ولكنها رؤية مصرية للوضع العالمى.

وبسؤال الدكتور أشرف سنجر عن رؤيته للأحداث فى قطاع غزة عقب زيارة الرئيس الأمريكى للمنطقة مباشرة على الرغم من توقع العكس تمامًا؟

- الوضع داخل الولايات المتحدة الأمريكية بدأ يتغير من التأييد الشامل للإسرائيليين بالنسبة للقضية الفلسطينية إلى الميل ناحية الفلسطينيين فى الآونة الأخيرة، والكل كان يتمنى من الرئيس الأمريكى جو بايدن أن يقوم بحلول جذرية للأزمة والرجوع إلى جذورها عن طريق طرح حل الدولتين واستغلال الجهود المصرية المضنية والتى تحقق نتائج مبهرة فى حل القضية والتوافق بين الطرفين ووقف التصعيد وتهدئة الموقف تمامًا خصوصا أنه يوجد بالفعل مشهد ضبابى داخل إسرائيل بسبب الانتخابات المقبلة وحول موضوع القضية الفلسطينية وأن هناك عدم توافق بين الرأى العام الأمريكى والإسرائيلى، حيث يرى الأمريكيون أنه يجب على الإدارة الأمريكية الضغط على الحكومة الإسرائيلية لحل القضية وليس على الفلسطينيين والمصريين والعرب بشكل عام وعدم انتظار مفاوضات لا طائل منها، والتيقُّن بأن الموقف الدولى الآن مختلف عما سبق؛ حيث إن هناك العديد من القضايا الدولية حاليًا من الممكن أن ينعكس تأثيرها بشكل مباشر على منطقة الشرق الأوسط عن طريق تدخل قوى أخرى فى المشهد مثل إيران باستغلال الموقف أو زيادة الجماعات المتشددة فى المنطقة وداخل فلسطين بالتحديد وبالتالى يبدأ الموقف فى الخروج عن إدارة المشهد ويجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تفهم أنه لولا الجهود المصرية الشاقة فى السيطرة على الأمور فى المنطقة ونزع فتيل الأزمة منذ البداية لكانت هناك عواقب وخيمة للأزمة، وبالتالى يجب الضغط على صناع القرار داخل إسرائيل لإيجاد حلول جذرية للقضية الفلسطينية لا سيما حل الدولتين حتى لا يحدث ما لا تُحمد عقباه فى المستقبل؛ خصوصًا أن العالم الآن مليء بالأزمات والصراعات السياسية التى يمكن أن تغير خريطة العالم السياسية والاقتصادية.