الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

خريطة الوظائف الحالية والمستقبلية الأعلى أجرًا فى العالم التى هددت عرش تخصصات الطب والهندسة والصيدلة هل ولَّى الزمن على كليات القمة؟!

مع انطلاق الموسم السنوى لإرهاق أعصاب طلاب الثانوية العامة وأسرهم المرتبط بإعلان النتيجة والدخول إلى مرحلة التنسيق الجامعى، وسط ارتباط التراث المجتمعى منذ عقود بأن من لا يستطيع اللحاق بكليات المتفوقين ما بين الطب، الهندسة، الصيدلة، الألسن، اقتصاد وعلوم سياسية، يكون مستقبله المهنى مجهولًا، تصاعدت الأصوات المرتبطة بتغيير خريطة سوق العمل فى مصر والعالم المرتبط بعالم التكنولوجيا والاتصالات والذكاء الاصطناعى، وأن المستقبل الوظيفى بات مع متغيراته مرتبطًا بهذه المجالات وأفرعها، ليطل سؤال ملح وهو:  «هل ولى الزمن على كليات القمة؟!».



 

فرضت التكنولوجيا وعالم الذكاء الاجتماعى نفسها على سوق العمل فى العقود الأخيرة، ولكنها باتت الآن أمرًا واقعًا، ويبدو أن انتشار وباء «كورونا» وتبعاته الاقتصادية وما طرأ على سوق العمل، رسم خريطة واضحة لمساحات الوظائف وتدرجها المالى، حتى وصل الأمر إلى أن هناك مديرًا لم يتجاوز عتبة الثلاثين عامًا من العمر، يجلس فى منزله فى بلد آسيوى أو شرق أوسطى، يدير شركة رأس مالها عشرات المليارات ويعمل فيها موظفون بالآلاف، ينتشر سوقها واستثماراتها فى أوروبا وأمريكا، ويكون ذلك من غرفة بمنزله لا تتعدى مساحتها 5 أمتار وجهاز كمبيوتر، ويحصل على راتب يتجاوز الـ100 ألف دولار شهريًا.

«روزاليوسف» فتحت هذا الملف، وما يتعلق بحقيقة استمرار حلم «كليات القمة» لطلاب الثانوية العامة، وذلك مع رؤساء جامعات ومتخصصين فى مجال الذكاء الاصطناعى، لنقف على خريطة الوظائف المطلوبة حاليًا ومستقبليًا ذات الأجر العالى سواء فى مصر أو العالم، والتى بات يتصدرها وظائف: مطورو برامج، محللو بيانات، خبير أمن معلومات، خبير ذكاء اصطناعى، خبير تكنولوجيا البلوك تشين، مدير تسويق إلكترونى، مدير إلكترونى، مؤكدين أن تلك الأعمال ليست متعلقة بأصحاب ميول الشعبة العلمية ولكن الأدبية أيضًا، مشددين على أن مهن كليات القمة سيظل الاحتياج لها قائمًا ولكن مع حتمية التسلح بمجالات «الذكاء الاصطناعى».

وقد أيقنت الدولة بضرورة ارتباط خريجى المستقبل بفروع عالم «الذكاء الاصطناعى» للتماشى مع سوق العمل الجديد بالعالم الذى نجد فيه دولة مثل الهند تقوم بتجهيز أكثر من مليار عامل لتصدير التكنولوجيا، وهى البلد المعروف عنها بأن فى كل منزل فيها «مبرمج واحد» على الأقل.

ويؤكد رئيس الجامعة المصرية للتعلم الإلكترونى الأهلية، د.هشام عبدالسلام، أن مسمى «كليات القمة» انتهى نظرًا لتغير متطلبات سوق العمل، حيث إن فرص التوظيف لم تصبح متوقفة فقط على الشهادة التى يحصل عليها الطالب، خلال الـ15 عامًا الماضية رأينا تغيرًا ملحوظًا فى العالم بسبب تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات،مما انعكس على كل مناحى الحياة وقطاعات الاقتصاد وبالتبعية على سوق العمل، وأصبح هناك ما يعرف بوظائف المستقبل ومعظمها التى يتدخل فيها بشكل مباشر أو غير مباشر الحاسب الآلى، وحتى يجد الطالب بعد التخرج فرص عمل فى الداخل والخارج، مطلوب منه أن يتسلح بإمكانيات وقدرات تتعلق بالتعامل مع الكمبيوتر واستخداماته بالإضافة إلى اللغة ومجموعة من المهارات الشخصية وانعكس ذلك فيما انتبهت إليه الدولة التى راعت تلك المواصفات، وأشار الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى هذا التوجه فيما يتعلق بكليات الذكاء الاصطناعى وتكنولوجيا المعلومات وكليات الحاسب بوجه عام بالإضافة إلى التقاطعات البينية ما بين مختلف القطاعات والتخصصات العلمية وتخصصات الحاسب الآلى.

ولفت «عبدالسلام» إلى أنه خلال الأعوام الأخيرة كان هناك مضاعفة لأعداد الجامعات الحكومية والتركيز على تلك التخصصات، فضلًا عن قطاع جديد من الجامعات وهى «الأهلية»، مما وفر مساحات للطلاب فى اختيار التخصصات الملائمة مع إمكانياتهم الأمر الذى يوفر لهم فرصًا جيدة فى سوق العمل المستقبلى، ووضحت بناء على توجيهات الرئيس التركيز على تلك التخصصات المستقبلية وخطة وزارة التعليم العالى تسير فى ذلك فضلًا عن التخصصات البينية التى تجمع بين الوظائف المعروفة لدى الجميع والمتعلقة بجميع مناحى الحياة مثل الطب، الهندسة،الصيدلة، إدارة الأعمال وتقاطعاتها مع تكنولوجيا المعلومات بشكل عام واستخداماتها المتطورة، متمنيًا أن يكون الاختيار من جانب الطلاب بدون ضغوط أسرية تتعلق بأفكار متوارثة، إذ يجب أن يختار الطالب التخصص الذى يميل إليه هو ومهاراته وطموحاته وليس التخصص الذى يناسب مجموع درجاته.

واستكمل: «إذا توقفنا على وظائف المستقبل سنجد مطوري برامج، محللي بيانات، خبير أمن معلومات، خبير ذكاء اصطناعى، خبير تكنولوجيا البلوك تشين، مدير تسويق إلكترونى، مدير إلكترونى، وهكذا، والتزايد مستمر من خلال الطلب العالمى وأيضًا المحلى، بل لدينا نقص فى تلك الاحتياجات وهذا النوع من الوظائف، إذن العمل فى هذه التخصصات واجادتها يرفع فرص إيجاد عمل داخلى وعلى المستوى الدولى، وطبيعة العمل تختلف فى ظل العمل عن بعد، وليس بالضرورة أن ينتقل من بلد إلى بلد أو من مكان إلى آخر، حيث يستطيع العمل من المنزل بهذه التخصصات».

وسط هذا العالم الجديد من تخصصات التعليم المرتبطة بسوق العمل القائم على التكنولوجيا وما وراء الحاسب الآلى، يطرح سؤال مهم للغاية، أن معظم المجالات المطلوبة تتجه إلى من لهم ميول علمية، ولكن ماذا سيفعل من لهم ميول «أدبية» وهل سيكون لهم مكان بسوق العمل المستقبلية ذي المواصفات المطروحة والمهن الجديدة؟

ويرد «عبدالسلام» قائلًا: إن العلوم الإنسانية ما زالت تمثل إحدى الدعامات الرئيسية للتطور الإنسانى، وتعتمد عليه كثير من علوم الحاسب الآلى والذكاء الاصطناعى، وهنا لابد أن نشير إلى أن من لهم ميول أدبية وفنية سيكون لهم مكان بسوق العمل المستقبلية، ولكن مع الدمج بالحاسب الآلى، فمن تصميم ألعاب الفيديو والواقع الافتراضى إلى تصميم المنتجات والأزياء والإعلان على سبيل المثال ومجالات أخرى ستظهر بالتبعية، ستكون الموهبة الفنية بالتأكيد مطلوبة فى نطاق واسع من الوظائف.

ويتفق أيضًا فى سياق المخاوف المتعلقة بعدم وجود مكان فى أسواق العمل المرتبطة بالتطور التكنولوجى والذكاء الاصطناعى من لهم ميول «أدبية»، أحد كبار المتخصصين فى الذكاء الأصطناعى، أشرف شكرى، الذى يشدد على أن الإبداع الفنى والأدبى البشرى مطلوب وسيبقى دائمًا مع أى تطور، ولا صحة لمخاوف الخريجين من الكليات الأدبية، ولكن يجب أن يكون هؤلاء الخريجين متطورين مع ما استحدث من تكنولوجيا «الميتافرس» والذكاء الاصطناعى وسيكون لذلك مساحات كبيرة فى عدة مجالات منها المحاسبة والتدريس، مبرهنًا على ذلك بمثال يتعلق بخريج كليات الألسن، المطلوب منه أن يطور قدراته ببرامج ودورات فى مجال الذكاء الاصطناعى فى ظل وجود ما يعرف بـ«الترجمة الفورية» على محركات البحث، لأن دوره المهنى المستقبلى لن يقتصر على الترجمة بشكلها التقليدى ولكن هناك استحداثات واحتياجات سيتم إدخالها.

ويقول «شكرى»، إن تسمية أو توصيف «كليات القمة» جاءت فى عقود سابقة على أساس أن الخريجين من تلك الكليات مثل «الطبيب»، «المهندس»، «الصيدلى» وآخرين كانوا أصحاب الدخل العالى، ويحتاجهم سوق العمل بشدة ويتم توظيفهم سريعًا، ويكون لهم مركز اجتماعى ذو قيمة، أما حاليًا وفى المستقبل القريب، فإن أصحاب تلك المهن، مع كامل الاحترام لهم، لم يصبحوا كما كانوا سابقًا، بنفس تلك المزايا المتعلقة بالدخل العالى أو تصدر احتياجات سوق العمل فى الداخل أو الخارج، وفى النهاية لا يتم الاستغناء عنهم ولكن يجب تطوير إمكانياتهم فى سياق دلل عليه بالقول إن التصميم المعمارى الذى كان يخرج من تحت يد «المهندس» أصبح يتم الآن من خلال أجهزة حواسب عليها برامج تجهز تصاميم معمارية متعددة بكل متطلباتها، ونفس الحال فيما يتعلق بالتشخيص المبدئى فى بعض الأحيان للكثير من الأمراض، حيث أصبح هناك برامج ذكاء اصطناعى تقوم بهذا الدور.

وأوضح «شكرى» أن العالم يحتاج حاليًا تخصصات بعيدة عن ما كانت تنصب حوله الثقافات الموروثة للأسر المصرية تجاه طلاب الثانوية العامة فيما يتعلق بكليات القمة، وأصبح المهنى الذى يمتلك مهارة وكفاءة مطلوبًا فى المجال التكنولوجى والذكاء الاصطناعى بأهمية «المهندس» أو «الطبيب» فى أوقات سابقة، وبالتالى يجب أن نعيد التفكير من حيث ثقافة العائلات والأسر فيما يتعلق بمستقبل أبنائهم الدراسى والمهنى فيما يتعلق بموروث كليات القمة، لأن الكفاءات والمهارات باتت أهم من الشهادات، فمن الممكن أن تكون صاحب شهادة عظيمة وتقدير رائع وتقدم على وظيفة يكون لها متطلبات أخرى مرتبطة فى أساسياتها بالذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا، فتكون هنا الشهادة مكانها «حائط» المنزل.

وفيما يتعلق بتغيير خريطة العمل فى المستقبل القريب فى العالم وانعكاس ذلك على الداخل المصرى، فأجاب «شكرى» عبر تصريحات وزير التعليم العالى د.خالد عبدالغفار فى إحدى الندوات مؤخرًا، حيث أكد أنه من المتوقع اختفاء 85 مليون وظيفة بحلول 2025، ولفت «شكرى» فى هذا الصدد، أن وظيفة المحاسب العادى الذى يسجل المصروفات والإيرادات اليومية أصبحت منتهية، والمصانع بشكل عام ستعمل بذراعات «روبوتكس» آلى، وطبيعة العامل الذى يمارس مهنته على هذا الذراع الألى مختلفة عن طبيعة العامل التقليدى، لذلك هناك متطلبات فى التطوير والتحديث للعمالة، ويجب أن يكون هناك تفكير فيها من جانب كل شخص حتى يطور نفسه مع الاحتياجات المهنية فى المستقبل القريب، مشيرًا إلى أن من يعملون فى مجالات الصناعات الحديثة والمستقبلية مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى جميع المجالات و«الروبوتكس» و«البلوك تشين» و«البيج داتا»، هم من أصبحوا المجالات الأكثر طلبًا ويكون أجر من يعملون بها هو الأعلى بجانب مجالات أخرى تخص التكنولوجيا فى مجالات الزراعة والصناعة والصحة، ومن الممكن أن تكون خريج «تجارة» ولكن تستطيع إنجاز تطبيق يستخدم على الهاتف المحمول، تحليل بيانات، لأن ليس من الضرورى أن يكون معك شهادة متخصصة، والآن هناك دورات تدريبية منتشرة فى جميع تلك المجالات ومنها دورات أون لاين ولها شهادات معتمدة وتكون مجدية فى تعلم التخصصات، ومنها دورات أيضًا مجانية.