الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فارس الضباط الأحرار ومؤسس حزب التجمع: مئة عام على ميلاد «خالد محيى الدين»

كان الموعد الأول لثورة الضباط الأحرار هو نوفمبر من عام 1952، حيث كانت الشائعات تسرى بأن نواب الوفد سيقومون باقتحام البرلمان فى شهر نوفمبر لعقد جلساته بالقوة بعدما علق الملك فاروق جلساته، لكن حل نادى الضباط فى يوليو، ثم اكتشاف عناصر الضباط الأحرار، دفع الضباط الأحرار لتقديم موعد الثورة.



وكانت الاجتماعات كلها تدور فى منزل خالد محيى الدين فى 21 شارع فوزى المطيعى بمصر الجديدة، وكانت المجموعة تسابق الزمن بعد اكتشافها من قبل الملك فاروق وعناصر الأمن، وللمصادفة فإن ساعة واحدة فقط كانت تفصل الثورة عن النجاح والفشل، فقد تحرك الضابط يوسف صديق بالخطأ مبكرًا ساعة واحدة، واستطاع اقتحام مبنى قيادة الجيش، فى الوقت الذى كانت مجموعات أخرى تحاول عرقلة الأسلحة وتصدر أوامر بعدم التحرك.

كانت اجتماعات الثورة تتم فى بيت الصاغ الأحمر وفارس الديمقراطية كما سماه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وتمر هذه الأيام 100 عام على مولد مؤسس حزب التجمع وأحد أقطاب التيار اليسارى الاشتراكى خالد محيى الدين الذى وُلد فى 17 أغسطس 1922م فى كفر شكر بالقليوبية، من عائلة ميسورة، فوالده وجده من أصحاب المزارع وتجار القطن، وجده لأمه هو الشيخ عثمان خالد شيخ الطريقة النقشبندية.

نشأ محيى الدين فى القاهرة وأمضى الصيف فى قريته، درس بالمدرسة الابتدائية ومنها إلى المدرسة الإبراهيمية الثانوية لعامين، ثم انتقل إلى مدرسة فؤاد الأول وشارك مع الطلاب فى العديد من المظاهرات، ثم التحق بمدرسة فاروق الأول بالعباسية، وحصل على شهادة الثقافة عام 1938م، ثم التحق بالكلية الحربية حصل على التوجيهية العسكرية، وأكمل دراسته فيها حتى تخرجه فيها برتبة ملازم ثان عام 1940م، وعمل فى الآلاى الأول دبابات «سلاح الفرسان»، كما تمكّن من الالتحاق بكلية التجارة جامعة القاهرة وحصل على البكالوريوس عام 1951م.

أول مشاركة سياسية والانضمام إلى الضباط الأحرار

فى عمر السادسة عشرة تقدم خالد محيى الدين إلى الكلية الحربية، رغم أن آمال والده كانت سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الزراعة والاستمرار فيها حتى الحصول على الدكتوراه، لكن الانضمام إلى الكلية الحربية وتوسيع قاعدة الجيش الوطنى بعد توقيع معاهدة الاستقلال فى عام 1936 كانت تلهب حماسه، ودخلها مصرًا رغم رفض والده.

تخرج خالد محيى الدين فى الجامعة بعد عامين، وانضم إلى «سلاح الفرسان»، وفى ديسمبر 1944 خالد محيى الدين يلتقى جمال عبدالناصر، أما فى نهاية عام 1944 وعن طريق الضابط عبدالمنعم عبدالرءوف فالتقى خالد محيى الدين بالصاغ محمود لبيب الضابط الإخوانى، والذى حاول استمالة خالد محيى الدين وضباط آخرين إلى الجماعة، عبر عدد من اللقاءات انعقدت فى بيت الفنان أحمد مظهر والذى كان ضابطًا بسلاح الفرسان فى هذا الوقت، وهناك التقى جمال عبدالناصر، وكمال الدين حسين، وعبداللطيف بغدادى، وحسين الشافعى، وهى العناصر التى ستشكل فيما بعد الضباط الأحرار.

فيما بعد التقى خالد محيى الدين وجمال عبدالناصر وآخرين بحسن البنا، الذى حاول أن يضمهم إلى الجماعة، ورغم أنهم بايعوا الجماعة حسب مذكراته، فإن علاقتهم لم تكن سوى علاقة باهتة لم تستمر طويلاً.

انضم لتنظيم «الضباط الأحرار» عام 1944م، وكان أحد مؤسسيه، وشارك فى حرب 1948م، ثم عضوًا فى مجلس قيادة الثورة مع نجاح ثورة 23 يوليو 1952م، ولكن لحدوث اختلاف قوى بين آرائه وباقى أعضاء المجلس قرر أن يقدم استقالته فى مارس 1954م، وتم إبعاده إلى سويسرا وإحالته إلى المعاش، ثم عاد ثانية إلى مصر عام 1957م، وانغمس فى الحياة العامة وترشح لمجلس الأمة عن قريته، وفاز بها وترأس اللجنة الخاصة التى شكلها مجلس الأمة فى بداية الستينيات لحل مشاكل أهالى النوبة أثناء التهجير، أسس جريدة المساء، وتولى رئاسة مجلس إدارة وتحرير دار أخبار اليوم خلال عامى 1964و1965م، ورئيسًا لمجلس إدارة جريدة الأهالى، تفاوض باسم مصر مع دول شرق آسيا الاشتراكية بتكليف من الرئيس جمال عبدالناصر، أسس حزب التجمع العربى الوحدوى فى إبريل عام 1976م، وظل رئيسه حتى اعتزاله السياسة لمرضه فى عام 2002م، وكان قائد منبر اليسار فى عهد السادات، وعضو اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى، وهو أحد مؤسسى مجلس السلام العالمى، ورئيس منطقة الشرق الأوسط، ورئيس اللجنة المصرية للسلام ونزع السلاح، وفاز بعضوية البرلمان ما بين عامى 1990 وحتى 2005م.

حصل على العديد من الأوسمة والنياشين منها جائزة لينين للسلام عام 1970م، وقلادة النيل أرفع وسام مصرى من الرئيس السابق عدلى منصور فى العام 2013م، وله الكثير من المقالات والدراسات فى الصحف والمجلات العربية والأجنبية، وله عدة مؤلفات منها حركة السلام، الفكر والمنهج والتكوين، الدين والاشتراكية، انفراج لا وفاق، الآن أتكلم، ويسرد فيه قصة حياته وأحداثًا كثيرة عن ثورة يوليو.

لكن مشاركته السياسية الأولى كانت فى عمر الـ14، حين انتظم فى مدرسة فؤاد الأول، والتى كانت أكثر المدارس إسهامًا فى التحركات الطلابية والمظاهرات، وكانت مصر فى هذا الوقت تشهد مرحلة ما بعد تفجر انتفاضة عام 1935 والمطالبة بعودة الدستور، فى هذا الوقت بدأ خالد محيى الدين إعجابه بحزب «مصر الفتاة» وكان حزبًا قوميًا على الطراز الفاشى، وكان حريصا على قراءة مجلة الحزب «الصرخة».

أزمة مارس الشهيرة

بعد أزمة مارس الشهيرة عام 1954 ازداد الخلاف الشهير بين خالد محيى الدين ومجلس قيادة الثورة، وعندها قرر أن يستقيل من المجلس، وبالفعل فى 2 إبريل 1954 زار خالد محيى الدين عبدالناصر فى بيته، وقدم له استقالته، وبحسب مذكرات خالد محيى الدين «الآن اتكلم» فإن الرئيس جمال عبدالناصر قال له: «اسمع يا خالد احنا أصدقاء لكن المصلحة العامة حاجة تانية، وانت عارف إنك زى العسل وسوف يتجمع حولك كل الذباب وتبقى مشكلة ونتصادم، وأنا لا أحب أن أتصادم معك وأفضل أن تسافر للخارج». 

طلب خالد محيى الدين السفر إلى باريس، لكن عبدالناصر قال إن باريس بها حركة سياسية يسارية نشيطة سوف تدفعه للانغماس فيها، واقترح بدلاً منها جينيف، وطلب منه ألا يخبر أحدًا غير زوجته بأنه مسافر حتى لا يثير أى قلاقل وألا يهاجم النظام من الخارج، ووافق خالد محيى الدين على الطلبين مشترطًا فى الطلب الثانى ألا يهاجموه هم أيضًا وهو فى الخارج.

وفى أثناء وجوده فى الخارج بدأ أنور السادات فى شن حملة صحفية ضد خالد محيى الدين فى جريدة الجمهورية، ومطلقًا عليه لقب «الصاغ الأحمر» فاتصل بالقاهرة منبهًا إلى أن هذا خروج على الاتفاق، وبالفعل أبلغوه بأن قرارًا صدر بإيقاف هذه المقالات.

فى عام 1956 وبعد عامين فى المنفى الاختيارى فى سويسرا، عاد خالد محيى الدين من جديد إلى مصر، بعد أن عانى كثيرًا بسبب الإقامة فى سويسرا التى لم يحب طقسها وبرودته، وبعد عودته ساهم فى تحرير أول صحيفة مسائية فى مصر وهى «المساء» والتى رأس تحريرها، ثم ترشح فى أول برلمان للثورة عام 1957 عن مقعد كفر شكر، وبالفعل دخل إلى مجلس الأمة الذى تم حله عند الوحدة فى عام 1958، وفى عام 1964 رأس خالد محيى الدين جريدة أخبار اليوم لمدة عام واحد فقط.

فى مارس من عام 1976 قرر الرئيس أنور السادات السماح بعودة الحياة السياسية إلى مصر، بحيث يتم تأسيس 3 منابر فى مصر هى اليمين واليسار والوسط الذى ترأسه السادات، وترأس خالد محيى الدين منبر اليسار، والذى خاض أول انتخابات تعددية فى مصر بعد ثورة 23 يوليو لينعقد البرلمان 22 نوفمبر 1976.

قصة تأسيس حزب التجمع

فى أولى جلسات برلمان عام 1976 أعلن السادات تحويل المنابر إلى أحزاب، وقرر خالد محيى الدين تأسيس حزب التجمع باعتباره امتدادًا لمنبر اليسار، على أن يكون مظلة واسعة لكل التيارات اليسارية بداية من التيارات اليسارية الماركسية، وانتهاء بالتيارات اليسارية المتحفظة أو المتدينة.

بداية من عام 1990 بدأ خالد محيى الدين الترشح فى انتخابات مجلس الشعب على مقعد دائرة كفر شكر، وظل محتفظًا بالمقعد حتى عام 2005 حين خسر أمام مرشح جماعة الإخوان تيمور عبدالحميد.

بعد 26 عامًا من قيادة حزب التجمع، تراجع خالد محيى الدين خطوة إلى الخلف تاركًا رئاسة حزب التجمع إلى خليفته الدكتور رفعت السعيد، مكتفيًا بما قدمه خلال السنوات الماضية.

صاحب أهم مذكرات سياسية

فى عام 1992 أصدر خالد محيى الدين مذكراته تحت عنوان: «الآن أتكلم» وهى المذكرات التى وصفت بالوثيقة الأهم لما دار فى العامين الأولين للثورة، واختار خالد محيى الدين أن يتكلم بعد 10 أعوام كاملة من رحيل السادات، الذى لم يكن هناك «تفاعل» أو «كيمياء» بينهما، كما تصف عائلته، حيث إن السادات فى أواخر أيامه وصف خالد محيى الدين بـ «العميل لموسكو».