الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى الذكرى السابعة لرحيل رجل من «أهل القمة» نور الشريف.. فنان بدرجة مغامر

فى منتصف الستينيات كانت الإطلالة السينمائية الأولى لـ«نور الشريف» بدور الطالب «كمال عبدالجواد» فى فيلم (قصر الشوق) الجزء الثانى من ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة، ومنذ ذلك الوقت وحتى أدائه شخصية مريض الزهايمر «يحيى شكرى مراد» فى فيلمه الأخير (بتوقيت القاهرة) الذى قام ببطولته قبل رحيله بأقل من عام، امتلك «نور الشريف» رصيدًا فنيًا ضخمًا، قارب على 300 عمل، كان للسينما نصيب الأسد فيها بالطبع، وعلى مدار نصف قرن.



 

 سعى «نور» أن يقدم كل مشاعر النفس البشرية بصدق شديد، فعشق الفن بكل أشكاله، وقدم من خلال أدواره شخصية الثائر، والعاشق، والفاسد، والمنتقم، والرجل البسيط، وفاقد النطق، بقدرة مذهلة على التنوع، فهو لا يضع قناعًا على وجهه يؤدى من خلاله الأدوار، بل يتلبس الشخصية وتتلبسه، فتحفر شخوصه مكانًا فى ذاكرة السينما المصرية، ويحفر هو مكانًا فى وجداننا، لا يغيب عنه أبدًا، لكن القدرة على التقمص، والإتقان، والتنوع فى الأدوار، ليست الأسباب الوحيدة التى حجز من خلالها  «نور الشريف»  مكانًا دائمًا بين (أهل القمة) وفى ذكرى رحيله السابعة نسلط الضوء على بعض تلك الأسباب من خلال حكايات، حكاها هو عن نفسه، أو ذكرها عنها رفقاء رحلته وأصدقاؤه..

المثقف

كان «نور الشريف» مفكرًا  وباحثًا ومفتونًا بالفلسفة، كما أنه كان يمتلك قدرة على الحديث فى شتى مناحى الحياة، وفى الوقت الذى ننصح به بعض الفنانين بأن يمسكوا عليهم ألسنتهم، وأن يلتفتوا فقط إلى فنهم، ويتوقفوا عن أى حديث يخصم من رصيدهم، تظل حوارات «نور الشريف» واحدة من أمتع الحوارات التى تحتفظ بها ذاكرة التليفزيون، وأرشيف الصحافة، ليس فقط  من كم المعلومات التى تحويها تلك الحوارات، والتى تجعلك تستعجب من أن يحتفظ شخص واحد بها، لكن لأنها مزيج من ثقافة، وصدق، وخبرة حياتية واسعة من دون تعالٍ، أو ادعاء مثالية، لذلك تجده يتحدث ببساطة عن أنه قبل أدوارًا حتى تضمن له التواجد فى السوق، وأن فى تاريخه أدوارًا يعتبرها تافهة، ويستعجب أحيانًا من نجاحها، وأنه شعر بالغيرة الفنية من «محمود ياسين» بعد تقديمه لدوره فى فيلم (أين عقلي) ومسرحية (ليلى والمجنون) وتجده يتحدث بحيادية عندما يقول أن «حسين فهمي» هو الأحق منه بجائزة فيلم (العار) وقد تكون ثقافته تلك واحدة من أهم الأسباب التى جعلته قادرًا على قراءة الخريطة الفنية قراءة واقعية، فلم يتحد الواقع بعد ظهور أجيال جديدة من نجوم الشباك، فعمل معهم، وشاركهم بطولاتهم. >الراغب فى التجريب الرغبة فى التجريب المدروس، والمقترن بدراسة متأنية، كانت من أهم سمات الفنان الراحل «نور الشريف» وتلك السمات كانت تجعل منه فى حالة يقظة، وتسجيل دائمين لكل ما يمر عليه فى حياته اليومية، ليعيد إنتاجه مرة أخرى على الشاشة، ولعل أمر الدفتر الصغير الذى كان يحمله فى جيب قميصه بشكل دائم ليدون فيه كل مشاهداته هو أشهر ما عرف عنه، ومن ذلك التدوين استقى اللزمة الشهيرة له فى فيلم (العار) حيث كان «كمال» يقوم بحركة معينة برقبته كانت من ابتكاره أثناء التصوير، وإذا كان الحديث عنه كفنان موهوب يحتاج إلى مجلدات، فإن الحديث عنه كمنتج يحاول فى مغامراته الإنتاجية القليلة أن يقدم شيئًا متميزًا وأن يوفر له عناصر النجاح أمر ضرورى وحتمي، ولا سيما أن «نور الشريف» لم يتعامل يومًا مع الفن كتجارة رابحة، بل كعاشق راغب فى التجريب الذى لا يخلو من المغامرة. > مانح الفرص عرف «نور الشريف» بمساندته للعديد من السينمائيين فى بداية مشوارهم، فعلى مدار مشواره الفنى الطويل انتصر للدماء الجديدة، الشابة، سواء فى التمثيل أو الإخراج، لذلك أسس مدارس تمثيلية وإخراجية مختلفة، فهو من قدم المخرج الكبير الراحل «محمد خان» عام 1980 فى أولى تجاربه من خلال فيلم (ضربة شمس) الذى أنتجه «نور الشريف» من ماله الخاص فى الوقت الذى كان معظم نجوم جيله يتخوفون من خوض تجربة الإنتاج، باعتبارها مخاطرة غير محسوبة، ثم تكررت أعماله الإنتاجية، ليقدم أيضا المخرج الكبير «سمير سيف» فى أولى تجاربه أيضًا من خلال فيلم (دائرة الانتقام)، ليكون نور الشريف الفنان الذى يكتشف المخرجين، وليس المخرج الذى يكتشف الفنانين، ولم تتوقف اكتشافات نور الشريف للمخرجين فى عالم السينما فحسب، بل امتدت أيضا إلى الدراما التليفزيونية حتى فى عقده الأخير عندما قدم مسلسل (الرحايا) للكاتب «عبدالرحيم كمال» استعان بمدير التصوير «حسنى صالح» ليقدم أولى تجاربه الإخراجية، أما فى مسلسل الدالى الذى قدمه على ثلاثة أجزاء، فقد قام بتقديم أكثر من 10 وجوه جديدة أصبحوا اليوم هم نجوم الساحة، ومنهم «عمرو يوسف وحسن الرداد وآيتن عامر ودينا فؤاد وغيرهم». > صاحب صاحبه فى حوار سابق أجريته مع الإذاعى القدير «إمام عمر» صاحب أهم برنامج فنى فى الإذاعة المصرية، والذى يعد شاهدًا على زمن الفن الجميل، حيث كان يجوب الاستديوهات الفنية، حتى تحول برنامجه فى وقت ما إلى وكالة أنباء فنية، وتحول هو اليوم موسوعة حكايات شيقة، سألته عن أهم ما يميز «نور الشريف» من خلال علاقته الممتدة به، فقال إنه يعتبره صنايعى تمثيل، ليس فقط بسبب ما يظهر للناس على الشاشة، بل لأنه كان يهتم بكافة تفاصيل العاملين فى الاستديو، ومقربًا من الجميع، ومشاركًا لهم فى أفراحهم، وأطراحهم، فكانوا يطلقون عليه (صاحب صاحبه) وعندما أنتج فيلمه الأول (دائرة الانتقام) من إخراج «محمد خان» كان يعرضه فى سينما ميامي، فذهبت إليه، وطلبت منه أن أذيع جزءًا من الفيلم فى برنامجي، وهو طلب يرفضه أى منتج، لكنه أجاب دون تفكير (هات النجرة وتعالى وهات معاها سلك طويل علشان أوصلها بماكينة السينما وتاخد المشهد اللى يعجبك) كما أهدانى هدية رائعة أعتز بها كثيرًا أحضرها لى من باريس عبارة عن جهاز راديو على شكل ميكرفون، وما لا يعرفه الناس عن نور أنه كان عاشقًا للتصوير، حتى أن فى فيلته بالشيخ زايد ركنًا خاصًا لصوره، ولولا أنه ممثل عظيم لكان مدير تصوير عبقريًا.