السكتة العاطفية..
عاصم حنفى
روميو تزوج جولييت.. بعد قصة حب ملتهبة.. من النوع الرومانتيكى الفاقع.. وقد تجاوز جميع الصعاب.. وضربا مثالًا للعشق فى عصر الماديات.. عصر الجشع والقسوة والغدر والخيانة.. عصر التكالب والأقنعة.
تخلص روميو وجولييت من جميع ضغوط الأهل والأصدقاء والأقارب.. وقررا العيش للحب بالحب.. والاعتصام من جميع تفاصيل الحياة المادية بالرومانسية والعواطف.. وقد أكدا للناصحين أن الصعاب لا يمكن أن تهزم رغبتهما فى بناء حياة زوجية مستقرة.
وكما فى قصص الحب الرومانتيكى.. سافر روميو وجولييت فى رحلة شهر عسل خيالية.. تفرغا خلالها للفسح والرحرحة فى الفنادق والشواطئ والعزومات.. سهر وشموع وضحك ولعب ورقص وحب..!
عادا من رحلة شهر العسل الموعودة.. واستقرا فى عش الزوجية المنتقى بعناية والمرسوم بدقة بمعرفة أشهر مصممى الديكور.
و.. وفور هبوطهما إلى أرض الواقع.. ومواجهتهما بعضهما البعض دون تزويق أو تكلف أو مكياج أو أقنعة للعطف والتعاطف.. وحين اكتشفا بعضهما، البعض عن قرب.. دون الاستعانة بنظارات ملونة.. شعرا أنهما غريبان لا يعرفان بعضهما..!
سأل روميو نفسه فى لحظة صفاء: لماذا كان التسرع والارتباط.. والتى كنت أعيش معها الحب الرومانتيكى.. وأتلهف منها على نظرة حب أو لمسة حنان.. صارت ملكا خالصا.. أراها صبحا وظهرا وعصرا وفى المساء والسهرة!
لم تعد كحبيبة زمان.. حكاياتها مكررة.. انفعالاتها معروفة.. والخيبة أنها لا تجيد أعمال المطبخ.. وشغل البيت.. وصار طعامنا «تيك أواى» وسهراتنا فى المطاعم.. حيث أفتقد المسبك والمحمر والمشمر الذى تفننت فيه الست الوالدة فى بيتى القديم زمان..!
سألت جولييت نفسها: لماذا كان الحب والزواج والسهر والدموع.. وحبيبى يرقد بجوارى كغريب لا أعرفه.. ذقن طويل.. وشعر منكوش ومزاج متبلد.. ومن القائل الحب أعمى؟ والحب الحقيقى مرهف الحس.. لا يمكن أن يكون أعمى وهو يرصد جميع التفاصيل ويلتقط كعدسة مكبرة جميع سلبيات حضرة الزوج.. ويحضرها ويطبعها فى النافوخ والذاكرة!
وتخيلوا.. روميو يطالب جولييت بالطعام والشراب والغسيل والكنس والمسح.. وغدا يطالبها بتربية الأطفال ورعايتهم والوقوف أمام الست المدرسة للاستفسار عن دروسهم ومذكراتهم فى حين كانت جولييت فى بيت الوالد معززة مكرمة.. دلوعة تطلب فتطاع.
وروميو الذى كان ينفث شعرا ويفيض عاطفة ولا ينام الليل قبل نظرة عطف من جولييت الجميلة.. يتمشى فى الصالة بالشبشب والبيجامة.. وبدايات الكرش تكاد تبرز للناظرين..!
اتفقا على الطلاق..
وانفصلا بهدوء.. دون أن يغضب أحدهما من الآخر.. من دون أن يشكو ويتذمر.
خسارة.. مات الحب بالسكتة العاطفية..!!