الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الحرب المقدسة» الورقة الرابحة لرئيس البيت الأبيض «القاعدة» ولغــــــز الانتخابات الأمريكية

«نحن لا نتراجع أبدًا».. بتلك الجملة أعلن الرئيس الأمريكى، جو بايدن ما وصفه بـ«النصر العظيم»، وهو مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى إثر ضربة أمريكية بأفغانستان مطلع الأسبوع الماضى، وذلك فى أكبر ضربة للتنظيم منذ مقتل مؤسسه أسامة بن لادن فى عام 2011.



هذا الانتصار الأمريكى، كما وصفه بايدن، جاء فى توقيت يعانى فيه سيد البيت الأبيض من تدنٍ قوى فى شعبيته نتيجة العملية الروسية فى أوكرانيا، ومع توقعات أمريكية بأن بايدن لن يستطيع حتى استكمال مدته الرئاسية الحالية، رغم إعلانه خوض الانتخابات فى 2024، بسبب حالته الصحية، وأن نائبته كمالا هاريس قد بدأت بالفعل فى أخذ خطواتها لتولى مهام الرئيس، من جهة أخرى نرى الحزب الديمقراطى فى دائرة تخبط للإعلان عن مرشحين لخلافة بايدن،و خاصة أن انتخابات التجديد النصفى ربما تكون المسمار الأخير، حال فوز الجمهوريين، فى نعش إدارة الحزب الديمقراطى للبيت الأبيض.

لكن وعلى مر سنوات العقد الماضى، نرى أن «مقتل رجال تنظيم القاعدة» هو الورقة الرابحة لجميع رؤساء أمريكا منذ إدراة جورج بوش الابن، وحتى بايدن للعب على الحس الأمنى والوطنى فى الداخل الأمريكى.. فتوقيت العمليات العسكرية الأمريكية فى «حربها المقدسة» على الإرهاب دائمًا ما تأتى قبل الانتخابات الرئاسية، وفى حالة بايدن جاء قبل أقل من 90 يومًا فقط من الانتخابات الأهم فى رئاسته وهى التجديد النصفى للكونجرس.. الأمر الذى يضع علامة استفهام حول هذه المسألة.. فهل تكون الحرب على الإرهاب هى العامل الوحيد لنجاة أى من رؤساء المكتب البيضاوى؟ وإلى متى ستستمر لعبة «القاعدة» أو تنظيمات «الإسلام السياسى»، التى جاءت برعاية أمريكية منذ عهد رونالد ريجان، لتكون هى نقطة الارتكاز لاختيار رئيس الولايات المتحدة؟

انتصار أخير

قال الرئيس جو بايدن: «بغض النظر عن الوقت الذى يستغرقه الأمر، وبغض النظر عن المكان الذى تختبئ فيه، إذا كنت تمثل تهديدًا لشعبنا، فستجدك الولايات المتحدة وتضع يدها عليك».

وفق محللين فإن الرئيس جو بايدن يحاول صنع أى انتصار أو استغلال أى حدث لتلاشى الأزمات الداخلية من تضخم وارتفاع فى أسعار الطاقة، بخلاف الأزمات الخارجية وهى استمرار روسيا فى تحركاتها دون تراجع.

وقالت الباحثة فى الشئون السياسية سمر رضوان، نائب رئيس تحرير مركز رياليست للدراسات ومقره موسكو، فى تصريحات صحفية، أن بايدن فى موقف صعب للغاية فرغم الدعم السخى لأوكرانيا وفرض مزيد من العقوبات على موسكو، لم تحقق كييف أى تقدم ملحوظ ميدانيًا، مضيفة أن واشنطن ستعمل خلال الساعات القادمة فى التسويق لعملية اصطياد الظواهرى من أجل صنع أى حافز للديموقراطيين وبايدن فى ظل التراجع الحاد للشعبية.

وكانت مؤسسة جالوب Gallup، لاستطلاعات الرأى، قد أجرت دراسة، الأسبوع الماضى، أوضحت أن شعبية الرئيس الأمريكى بين مواطنى بلاده، انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ تنصيبه؛ ووفقًا لما جاء فى الدراسة فإن 38 % من الذين تم استطلاع آرائهم، أعلنوا موافقتهم على عمل بايدن فى منصب رئيس الدولة، كما أشارت الدراسة أن شعبية بايدن لا تتجاوز الـ 41 %، ونسبة الرضا فى عمل الكونجرس 18 % فقط.

ومنذ مايو الماضى، رصدت مؤسسة جالوب أن مؤشرات الرأى العام الأمريكى أقل بكثير من المتوسطات التاريخية التى تم قياسها فى سنوات الانتخابات النصفية الماضية، منبهًا إلى أن هذه الأرقام بمفردها تشير إلى خسارة أكبر من المتوسط لمقاعد الحزب الديمقراطى الخريف المقبل.

وتتأهب الولايات المتحدة للمعركة المرتقبة للسيطرة على الكونجرس الأمريكى، خلال انتخابات منتصف المدة أو (التجديد النصفى) بعد أسابيع قليلة، حيث من المقرر أن تشهد انتخابات حاسمة خلال نوفمبر المقبل، وسط توقعات بأن تكون أعنف معركة انتخابية.

 مقتل الظواهرى فى إيران

فى نوفمبر 2020، نقل موقع BBC تقريرًا أوضح خلاله أن ريتا كاتز، مديرة موقع «سايت» الذى يتابع نشاطات التنظيمات المتطرفة، قد نشرت مجموعة من التغريدات تفيد بمقتل زعيم القاعدة فى أكتوبر من العام نفسه، بإيران وذلك نتيجة المرض. مضيفة أن «التنظيم لم يؤكد الأمر بعد».

ونقلت BBC عن خبراء، أوضحوا أن الإدارة الأمريكية وإيران قد اتفقتا على ترتيب موعد إعلان وفاته بالشكل الذى يراعى مصالح الطرفين.

وبالطبع فإن مقتل الظواهرى فى هذا التوقيت تحديدًا يعكس مدى افتقار إدارة بايدن، إذا صح تقرير BBC، لقشة قد تنجيه من أزمة انتخابات التجديد النصفى، التى تعتبر بمثابة استفتاء على إدارة رئيس البيت الأبيض، وحال خسارتها  لن يستطيع بايدن تنفيذ باقى أجندته الانتخابية، وبالتالى سقوط مؤكد فى انتخابات الرئاسة 2024.

 تاريخ اللعبة

الإدارة الأمريكية منذ سبعينيات القرن الماضى، تتخذ مسألة «الحرب على الإرهاب» ذريعة قوية للتأكيد على قوة الولايات المتحدة، فمنذ عهد الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان، استخدمت واشنطن المقاتلين والميليشيات الأفغانية لقتال السوفيت بعد غزوهم أفغانستان، وقد أيد الرئيس الأمريكى حينها برنامجًا لتمويل هذه الميليشيات، وفى 1988، بدأ  السوفيتيون بالانسحاب من أفغانستان، وأعلنت الولايات المتحدة الفوز على السوفيت وقال ريجان حينها «بعد قرابة 9 سنوات طوال من الحرب، سيطرت شجاعة وعزم الشعب الأفغانى ومقاتلى الحرية الأفغان. واليوم، نهاية الاحتلال فى الأفق».

مع خروج السوفيت أخيرًا فى 1989، تضاءل اهتمام أمريكا بأفغانستان، وتمزقت البلاد سريعًا بين الحكومة الشيوعية الضعيفة ومجموعة من قادة الحرب. فى خضم هذه العاصفة، تركت الولايات المتحدة شبكة مسلحة بشكل جيد ومندفعة من الجهاديين الدوليين، من بينهم أسامة بن لادن، بعد الحرب الأهلية فى التسعينيات، ثم تحالفت طالبان مع القاعدة، وسيطروا على أفغانستان.

وفى كارثة 11 سبتمبر 2001، وجه الرئيس بوش تحذيراً إلى طالبان، قائلاً: «أغلقوا على الفور وبشكل تام كل مخيم تدريب إرهابى فى أفغانستان وسلمّوا كل إرهابى»، إلا أن طالبان رفضت ليعلن بوش بعدها «بأوامر منى، بدأ الجيش الأمريكى غارات ضد مخيمات تدريب القاعدة الإرهابية والأنظمة التابعة لنظام طالبان فى أفغانستان».

فى غضون أسابيع، سيطروا على البلاد، ورغم أن الغزو دحر طالبان فى غضون شهرين، فإنه بدا واضحًا أن الحرب لم تنته بعد. ووجهت القوات الأمريكية عددًا من الهجمات لا متناهية على نقاطهم المنتشرة عبر البلاد.

ثم جاء حكم الرئيس باراك أوباما، الذى أعلن فى 2009 بزيادة ضخمة فى عدد القوات الأمريكية فى أفغانستان وصلت لنحو 30 ألف جندى، منتشرين بين المواقع الساخنة فى البلاد، ومسيطرين على أراض بطريقة كانت مستحيلة سابقاً.

وبعد محاولات إدارة أوباما الفاشلة فى تفجير الشرق الأوسط بما يعرف بـ«الخريف العربى» كان نبأ مقتل زعيم القاعدة بن لادن هو مجرد محاولة لتجميل أجندته الخارجية، حيث أعلن فى مايو 2011 عن نجاح عملية عسكرية من خلال قوات سيلز الأمريكية فى باكستان لقتل رئيس تنظيم القاعدة، وقال أوباما حينها جملته الشهيرة «اليوم تحققت العدالة»، وبالفعل نجح أوباما فى الفوز بمدة رئاسية ثانية، رغم أن الظروف حينها فى الداخل الأمريكى كانت تختلف بصورة كبيرة عما هو عليه الوضع الآن.

 ليست الأخيرة

ولم يختلف دونالد ترامب عن سابقيه من حكام البيت الأبيض، فبعد هبوط أسهمه فى استطلاعات الرأى الأمريكى، واتجاه مشاهير وسياسيى أمريكا لرفض سياساته بصورة قوية، جاء وقت إعلان «الحرب المقدسة على الإرهاب» لكن بسيناريو مختلف هذه المرة.

حيث اتخذ ترامب موقفاً آخر فيما يتعلق بأفغانستان مقارنة بأوباما. فبعد انسحاب القوات الإضافية، توجه الرئيس الأمريكى السابق إلى طاولة التفاوض مع طالبان وفى اتفاق تاريخى، وافق ممثلو أمريكا وطالبان على انسحاب كامل محتمل للقوات الأمريكية بحلول 1 مايو 2021. وأعلن ترامب حينها أن طالبان قدمت «تعهداً، قويًا جداً. سوف نرى كيف سيجرى الأمر، ونأمل أن يجرى بشكل جيد جدًا»، لكن المحادثات بين طالبان والحكومة الأفغانية استمرت دون نجاح.

لكن ترامب حاول توجيه بوصلة «الحرب المقدسة» ناحية طرف جديد وهو تنظيم «داعش»، وفى أكتوبر 2019، وقبل بدء السباق الرئاسى الأمريكى فى 2020، أعلن ترامب عن مقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادى فى عملية نفذتها القوات الأمريكية الخاصة «دلتا فورس» بإدلب شمال غرب سوريا، شاكرا عدة دول وجهات ساهمت فى إنجاح تلك العملية.

لكن رغم استخدام ورقة «الحرب على الإرهاب» لرفع شعبية ترامب، فإنه خسر السباق الرئاسى أمام جو بايدن الديمقراطى، فى انتخابات وصفها ترامب بأنها «مزورة» ويمتلك الأدلة على ذلك!

أما جو بايدن، فقد بدأ هو الآخر حربه «المقدسة» بفترة قبل مقتل الظواهرى، ففى فبراير 2022، أعلن البيت الأبيض عن مقتل إبراهيم الهاشمى القريشى، زعيم تنظيم داعش على يد القوات الأمريكية من خلال عملية عسكرية نفذت فى سوريا.

ختامًا، ربما تستمر حرب رؤساء الولايات المتحدة «المقدسة» على الإرهاب، أو جماعات الإسلام السياسى تحديدًا الذين خرجوا من رحم الإدارة الأمريكية على مدار عقود.. ورغم أن جو بايدن كان قد أكد أن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان كان أمرًا حتميًا، فإن الشارع الأمريكى وقادة الحزب الجمهورى لن ينسوا له كارثة الانسحاب الفوضوى للقوات، ورغم أن هذا الخطأ لم يكن الأول فى إدارة بايدن، وتبعه العديد من الأزمات الداخلية وأيضًا الخارجية.. مما يؤكد أن استخدام كارت الحرب على الإرهاب أصبح بلا جدوى.. فربما يكون حان الوقت الآن للبحث عن قشة جديدة للرئيس الأمريكى، سواء بايدن أو غيره، لكسب ثقة المجتمع الأمريكى مرة أخرى، فـ«الحرب المقدسة» أصبحت صورة بلا جدوى خاصة بعد اشتعال العالم شرقًا وغربًا بأزمات طاحنة جديدة.