الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بين الدعوات للتظاهر.. ومناشدات للحوار.. أمَا حان الوقت لاستقرار العراق؟

جاءت دعوة قُوَى «الإطار التنسيقى» للخروج فى مظاهرات ردًا على مظاهرات «التيار الصدرى» لتزيد لهيب الوضع الساخن فى العراق، وتجعل البلاد مفتوحة على جميع السيناريوهات.



ووسط استمرار الانسداد السياسى الذى يعيشه العراق، يواصل أتباع التيار الصدرى اعتصامَهم داخل مجلس النواب العراقى فى اعتصام مفتوح منذ 30 يونيو الماضى حتى الوقت الراهن، رُغْمَ محاولات الحكومة العراقية لتهدئة الموقف المشتعل والعمل على التوصل لحل يُرضى الأطرافَ السياسية؛ فإن الوضع لا يزال يزداد اشتعالًا.. بين مناصرى التيار التنسيقى، وإصرارهم على ترشيح محمد شياع السودانى لمنصب رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، وبين رفض التيار الصدرى بقيادة مقتدى الصدر لهذا الترشيح؛ بهدف «الرفض السياسى» لمرشح محسوب على حزب «الدعوة» الذى يرأسه نورى المالكى العدو اللدود لمقتدى الصدر.

 

وبين رفض الصدر، وتمسُّك «التنسيقى» تدخُل العراق مرّة أخرى فى طريق مسدود رُغْمَ ما تم إنجازه من تقدُّم لحَل أزمات العراق الداخلية والخارجية، ومع انعقاد الأزمة لهذه الدرجة يأتى السؤال الأهم: أمَا حان الوقت لاستقرار العراق؟

 الاشتعال «سيد الموقف»

فى خطوة لتصعيد الوضع، أعلن أتباع التيار الصدرى نقل اعتصامهم من البرلمان إلى ساحة الاحتفالات الكبرى داخل المنطقة الخضراء، بعد دعوة لإقامة صلاة مليونية فى الساحة. ودعا مقتدى الصدر المحتجين، إلى «إخلاء مَبنى البرلمان وتحوّل الاعتصام أمام وحول البرلمان. مضيفًا: «إن كانت هناك أماكن أخرى ينبغى الاعتصام أمامها فستأتيكم التعليمات تباعًا».

وتعود جذور الأزمة السياسية بين التيار الصدرى والقوَى الشيعية الأخرى المتواجدة تحت لواء «الإطار التنسيقى» إلى الخلاف الذى نشب بين الجانبين منذ الانتخابات التى جرت فى أكتوبر الماضى وتصدرت نتائجها الكتلة الصدرية باحتلالها المرتبة الأولى بـ 73 نائبًا من أصل 329، وبعد فشل الصدر فى تشكيل حكومة موحدة  وليست ائتلافية، سحب نوابُ كتلته من مقاعدهم البرلمانية فى 12 يونيو الماضى، وحل محلهم 64 نائبًا جديدًا ينتمى معظمهم لقوى «الإطار التنسيقى» أو من مقربين منها وأهمهم «ائتلاف دولة القانون» بقيادة نورى المالكى، وبذلك ضمن «الإطار التنسيقى» النصابَ البرلمانى المطلوب لتشكيل الحكومة.

ورُغْمَ انسحاب «الصدر» من المشهد التشريعى؛ فإنه أكد «فصيله وقاعدته الشعبية التى تضم الملايين لن يقفوا صامتين فى حال حاول الإطار التنسيقى تشكيل حكومة لا تنال ثقته أو اختيار رئيس وزراء لا يوافق عليه».

وهكذا وصل خلاف الطرفين الرئيسيين فى الشارع السياسى العراقى إلى طريق مسدود. فمنذ إجراء انتخابات فى أكتوبر الماضى سقطت البلاد فى فراغ سياسى تعد فترته قياسية (290 يومًا) وباتت الأطول منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003. ويعود السببُ فى ذلك إلى الصراعات الداخلية ضمن التكتلات الشيعية والكردية كلٌّ على حدة، مما حال دون تعيين رئيس للوزراء وتشكيل حكومة جديدة واختيار رئيس للدولة. وترتب عن هذا الوضع شلل سياسى واقتصادى شامل.

سلاح الصدر

مع تفاقم الأزمة السياسية لتشكيل الحكومة، بدأ التطور السريع والمتلاحق للأوضاع الراهنة، فمقتدى الصدر اتجه لاستخدام السلاح الذى أجاد استخدامه منذ حراك أكتوبر 2019، وهى «المعارضة الشعبية» وامتلاك الشارع السياسى وتحريك الجماهير، ليس فقط اعتراضًا على سياسات قوى الإطار الشيعى التى تعمدت تعطيل مسار تشكيل تيار الصدر وحلفائه للحكومة؛ ولكن أيضًا اعتراضًا على مجمل ما أنتجته «المحاصصة الطائفية»- التى أرادت قوى الإطار تشكيل الحكومة الجديدة على أساسها- من سلبيات دامت عقودًا طويلة أدت إلى شيوع الفساد بكل أنواعه، وزادت من حدة الصراع على النفوذ والسُّلطة، ودعمت من شوكة الميليشيات المسلحة التى أضاعت هيبة الدولة ومؤسَّساتها الأمنية، هذا كله بخلاف ما أنتجته من طبقة سياسية حاكمة لم تهتم بمعالجة المشاكل التى يواجهها المواطن العراقى من بنية تحتية منهارة، وفساد مالى وإدارى يتحصّن بمؤسَّسات الدولة، وهى الأسباب نفسُها التى حرّكت الجماهير فى عام 2019، دون أن يسفر هذا الحراك حتى اللحظة عن تغيُّر فعلى وهيكلى فى نوع وحجم المشاكل التى لا يزال يواجهها العراقيون. 

وقد تباينت مواقف وردود فعل القوى السياسية والمسئولين فى العراق على اقتحام التيار الصدرى للبرلمان والإعلان عن بدء اعتصام مفتوح اعتراضًا على سياسات «الإطار التنسيقى» بشأن المُضى قدُمًا فى ترشيح «السودانى» واستكمال مسار تشكيل الحكومة؛ خصوصًا بعد أن تواردت أنباء تفيد بسَحب «الإطار» لمرشحه «السودانى» استيعابًا لحالة الغضب العارمة التى أبداها التيار الصدرى، لكن سرعان ما نفى «الإطار» هذه الأنباء، فى محاولة منه لعدم الانصياع لضغط التيار الصدرى، فى الوقت الذى اجتمعت فيه قوى الإطار بقائد «فيلق القدس» بالحرس الثورى الإيرانى إسماعيل قاآنى خلال زيارة شمل بها قوى الإطار عقب الإعلان عن ترشيح السودانى، ما اعتبره تيار الصدر مزيدًا من الدعم والمساندة الإيرانية المباشرة لسياسات «التنسيقى» وتصعيدًا مباشرًا فى مواجهة الصدر.

 وقد اعتبر المهتمون بالشأن العراقى أن هذه الزيارة تحديدًا كانت سببًا رئيسيًا فى الاقتحام الثانى من قِبَل أنصار تيار الصدر للبرلمان وإعلانهم الدخول فى اعتصام مفتوح. فيما طالبت الأمم المتحدة الفرقاء السياسيين فى العراق بتغليب العقل والحكمة، والجنوح إلى التهدئة منعًا لانزلاق الدولة نحو العنف، كما دعت الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمى، وعدة شخصيات سياسية بارزة إلى تغليب لغة الحوار كآلية لحل الإشكاليات العالقة بشأن تشكيل الحكومة بين التيار الصدرى والإطار التنسيقى.

رسائل الاعتراض

اعتراضات تيار الصدر بهذه الكيفية على مرشح الإطار التنسيقى محمد شياع السودانى، حملت عدة رسائل تدور فى مجملها حول صعوبة وربما استحالة (تمرير) عملية تشكيل الحكومة الجديدة دون موافقة ورضاء تيار الصدر حتى وهو خارج الإطار التشريعى الرسمى التى تمكنه من وقف هذا التمرير.

كما تؤكد عدم قبول التيار بشخصية كانت لها مرجعية حزبية، ناهيك عن كونها مرتبطة بمرجعية نورى المالكى زعيم حزب الدعوة. فضلًا عن أنها توحى بأن تيار الصدر يحبذ ويُفضّل أن تكون الشخصية المرشحة لرئاسة الحكومة (مستقلة) وغير محسوبة على سياسيى «الصف الأول» من الشخصيات السياسية أو الحزبية، فى إشارة إلى تفضيل شخصية، مثل الكاظمى رئيس الوزراء المنتهية فترة ولايته، لتشكيل الحكومة.

وبالتوازى مع ذلك؛ فإن دخول سرايا السلام- الذراع العسكرية للتيار الصدرى- على خَط «حرب التصريحات» عبر تحذير قائدها من المساس بأنصار التيار خلال اعتصامهم من قِبَل الأذرُع المسلحة لقوى الإطار التنسيقى، قد يؤشر إلى احتمالية دخول الأزمة بين «التيار والإطار» مرحلة من المواجهات المسلحة التى سيكون لها بالضرورة انعكاساتها السلبية على حالة الأمن والاستقرار فى العراق.  

سيناريوهات الحل

وفْقَ محللين للشأن السياسى العراقى، يرون أن احتمال الصدام المباشر بات واردًا، فى حال لم تقم القوات الأمنية بفرض هيبة القانون.

وأوضح الباحث العراقى نبيل جبار، فى تصريحات صحفية، أن دعوات التهدئة لم يعد لها دور، ما يزيد فرصة الصدام، نظرًا لغياب الوساطات المؤثرة، ووصول الخصام بين بعض الأطراف لمَرحلة يصعب التراجع عنها.

من جهه أخرى، يرى محللون عددًا من السيناريوهات المتوقعة لفض احتدام الموقف فى العراق، ومنها:

السيناريو 1: سَحب «الإطار التنسيقى» لمرشحه لرئاسة الحكومة شياع السودانى،  واستبداله بشخصية «مستقلة» من خارج قيادات «الصف الأول» للقوى السياسية الحزبية، شريطة أن تحظى بقبول فرقاء العملية السياسية وفى مقدمتهم تيار الصدر. هذا السيناريو وإن كان يبدو الأقرب للتحقق بالنظر إلى حجم الاعتراض على الأرض؛ إلا أنه يظل مرهونًا بحالة «التعنت» التى قد تنتهجها قوى الإطار، ورغبتها فى عدم الظهور بمظهر الخضوع والانكسار أمام تيار الصدر، ويشار هنا إلى الأنباء المتواردة بشأن «تأجيل» الإطار لعملية تشكيل الحكومة إلى حين تبلور الظروف المواتية لإتمامها، وهو ما يزيد من حظوظ هذا السيناريو.

السيناريو 2: الإبقاء على مصطفى الكاظمى، رئيس حكومة تسيير الأعمال، فى منصبه لمدة محددة يتم تحديد بدايتها وفقًا لحوار سياسى يشمل أطراف الأزمة، وتتم الدعوة إليه من قِبَل رئيس الدولة أو رئيس البرلمان، على ألّا يقتصر الهدف من الحوار الوطنى على معالجة الأزمة الراهنة على مرشح رئاسة الحكومة وتشكيلها؛ وإنما تجاوز ذلك الهدف إلى أهداف أخرى تتمثل فى وضع حلول شاملة للمشاكل السياسية المتعلقة بمعالجة «بنية النظام السياسى العراقى» نفسه ومعالجة الإشكاليات الناتجة عن هذه البنية، وما أدت إليه من تداعيات أزَّمت وعمّقت من حدة الصراع السياسى فى الدولة.

السيناريو 3: حل البرلمان، والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة. هذا السيناريو يظل محفوفًا بإشكاليات تعديل قانون الانتخابات، وهو الشرط الذى تضعه قوى الإطار التنسيقى حال الإقدام على هذا السيناريو؛ خصوصًا بعد تراجُع قوتها الانتخابية خلال أكتوبر 2021

ووفق هذه السناريوهات؛ فقد أصبح من الواضح أن أفُق الحل السياسى فى العراق محدودة لعدة أسباب؛ أبرزها صعوبة توافق المكونات الشيعية والسُّنّيّة والكردية على تشكيل حكومة مؤقتة وكتابة دستور جديد، ومن ثم فإن الأمل الأخير قد يكون فى إجراء انتخابات ترسم نظامًا سياسيًا جديدًا يختلف جذريًا عن النظام الحالى.