الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ما بين أزمة روسيا وأوكرانيا.. ومخاطر تهدد السلم العالمى وأمن الغذاء والطاقة جولات الرئيس شرقًا وغربًا للحفاظ على مصالح مصر

من مملكة البحرين إلى سلطنة عمان ثم قمم مع الرئيس الأمريكى جو بايدن فى جدة ولقاءات مع قادة وملوك ومسئولى دول مجلس التعاون الخليجى والأردن والعراق ثم السفر إلى العاصمة الألمانية برلين ولقاءات مع المستشار الألمانى أولاف شولتس وكبار المسئولين ليكون التحرك نحو العاصمة بلجراد وقمة مع الرئيس الصربى، وتتحرك الوجهة إلى العاصمة باريس ولقاء مع الرئيس الفرنسى والعودة إلى القاهرة واستقبال وزير خارجية روسيا والرئيس الصومالى، وقبل كل ذلك كانت قائمة طويلة من الاستقبالات والمباحثات مع الرئيس البولندى، ملك البحرين، العاهل الأردنى، ولى عهد المملكة العربية السعودية، أمير دولة قطر، رئيس المفوضية الأوروبية، مفوض الاتحاد الأوروبى لسياسة الجوار والتوسع، وزير خارجية لاتفيا..  



 

هذا بعض ما يذكر حول جولات مكوكية ولقاءات محورية قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 45 يوما، مجهود لا يتعلق بمصر ومنطقة الشرق الأوسط فقط، بل امتد إلى حال الأمن العالمى المشتعلة نيرانه فى ظل تداعيات أزمة روسيا وأوكرانيا مؤخرا، وما يتعلق بمشكلة الطاقة العالمية التى ضربت اقتصاديات وأهلكت مجتمعات، والتداعيات السياسية والاقتصادية وما وراء ذلك من حاضر ومستقبل الأمن الغذائى العالمى، ليكون البحث عن حل وإيجاد وساطة من جانب مصر وقيادتها، للوصول إلى انفراجة بعيدة عن «شو» أو «متاجرة» أو تحقيق مكاسب خفية، فى أزمة حائرة فى تقييمها بين كونها «أقوى من الحرب العالمية الثانية» أو «الأسوأ منذ اندلاعها».

التحرك والتباحث وفتح قنوات الاتصال لحل الأزمات، ليست جديدة على القيادة السياسية المصرية فى الـ8 سنوات الأخيرة، ولكن التحرك القائم يكمن فى رسم «خارطة الحل» وتقديم انفراجات فى ملفات معقدة حتى لا يذهب وجه العالم إلى «حائط صد».

وعلى مدار الأسابيع الأخيرة، انشغلت القيادة السياسية المصرية بما يفرضه دورها ومساعيها ومكانتها كـ«رمانة ميزان» ليس فى المنطقة العربية والأوسطية ولكن على مستوى اتساعات دولية أخرى متعددة، فكان الإعداد لقمة جدة التى جمعت الرئيس الأمريكى جو بايدن بحضور دول مجلس التعاون الخليجى فى مقدمتهم المملكة العربية السعودية التى استضافت القمة، الإمارات العربية المتحدة، قطر، سلطنة عمان، مملكة البحرين، الكويت، ودول مصر، العراق، الأردن، حيث وضع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى اعتباره خلال التنسيق التجهيزى ما بين قمم مع قادة دول عربية وجولات فى دول خليجية، أساسيات الأمن القومى العربى والمصالح الاستراتيجية لدول المنطقة فى التعامل مع الغرب فى ظل متغيرات آخرها وربما لا تكون الأخيرة، الأزمة الروسية الأوكرانية اعتبار مصر وقيادتها السياسية «رمانة ميزان» للإعداد لهذه القمة وما بعدها، وهو ما وصف من جانب محللين وساسة استراتيجيين، ليكون بعد ذلك التحرك إلى ألمانيا ثم صربيا ومن ثم التوجه إلى العاصمة الفرنسية باريس، ومع العودة إلى القاهرة، يكون واضحا مساعى مصر وقيادتها السياسية ودورها المؤثر، بتواجد وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف.

أدوار مهمة قام بها الرئيس السيسى والقيادة السياسية ما بين الشرق والغرب، أثبتت قدرات الدولة المصرية فى حل الأزمات وإطفاء حرائق بالمنطقة وذلك باعترافات علنية من جانب الولايات المتحدة ودول أوروبية، وهى ملفات كان من الطبيعى لأى دولة أن تحقق مصالح من تلك القضايا،ولكن ما منع ذلك، أن «القاهرة» لا تعرف فى نظام عملها «المتاجرة» بالملفات والقضايا التى حققت منها دول إقليمية ومازالت تربح مكاسب بعشرات المليارات من الدولارات وفى النهاية لم تقدم تلك الدول أى حل يذكر لتلك الأزمات.

ومن أبرز هذه القضايا التى هى إنسانية بالمقام الأول، الدور الذى قامت به القاهرة فى وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، فهو فى الأساس انطلاقا من الدور الذى توليه مصر بقيادة الرئيس السيسى تجاه القطاع وأهله ورفع المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطينى هناك، وهو الأمر الذى اعترف به «بايدن» علنا أن الرئيس «السيسى» قام بدور وصفه بـ«المذهل» فى هذه الأزمة وأن هذا الدور تطلب الكثير من العمل والمجهود من جانبه هو ومؤسسات الدولة المصرية.

وإضافة إلى ذلك، كان ملف اللاجئين وعدم تحقيق مصر لمكاسب من ورائه أو اللعب به كورقة ضغط على أوروبا لملء خزينة الدولة المصرية بعشرات المليارات من اليوروهات على الرغم من حاجة الدولة من النواحى الاقتصادية والمادية، ولكنها قيادة تعمل بـ«شرف» فى زمن انعدمت فيه المبادئ على المستوى الدولى بشكل كبير، فكان غلق الهجرة غير الشرعية من السواحل المصرية والتى كانت تحمل لاجئين، كانوا فريسة لمافيا الاتجار بالبشر وأيضا لأمواج البحر العاتية التى تلقى بهم فى القاع المالح للموت.

وبحسب أستاذ العلاقات الدولية فى برلين د.عبدالمسيح الشامى، فإن الجولات المكوكية الأخيرة للرئيس «السيسى» التى زار من خلالها عواصم عدة فى العالم وشارك عبرها فى أهم المؤتمرات الدولية التى جرت فى الأونة الأخيرة، فى خضم الأزمة التى تجتاح العالم، أيضا لقائه بأهم الرؤساء والشخصيات العالمية لمناقشة القضايا التى تعتبر اليوم مصيرية على مستوى كل الملفات المطروحة ضمن الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمن الغذائى، تشير إلى عودة كبيرة جدا وبقوة للدولة المصرية للعب دور أساسى ليس على مستوى المنطقة العربية ولكن عالميا، بعد انزواء بعض الشىء فى عقود مضت، لتستعيد القاهرة قوتها بهذا الزخم والقوة، الأمر الذى يعتبر انجازا كبيرا للرئيس السيسى.

ويستكمل «الشامى»، بالقول إن من الواضح أن عقلية الرئيس السيسى تدير الأمور بذكاء وتحمل حنكة سياسية ونظرات بعيدة المدى تستشعر المخاطر، ومن أهم الدلالات أن مصر اليوم تلعب دور «رمانة الميزان» والترمومتر فى أهم الملفات العالمية عبر أداء موفق ومميز، كعامل حل ومنطلق انفراجة فى الكثير من الأزمات التى تجتاح العالم اليوم لاسيما ما يخص أزمة الطاقة والدور الذى تلعبه القاهرة فى خطوط إمدادات الطاقة إلى القارة الاوروبية، وهو الدور العالمى الذى يعتبر مُهمًا للغاية والذى ينم عن حنكة سياسية ورؤية وتعافى للدولة المصرية.

وشدد «الشامى» على أن اللقاءات المهمة من قمة جدة ثم برلين، الأمر الذى له دلالات يتعلق بالأهمية الدولية للرئيس السيسى وأنه قيادة موثوق فيها فى ملفات السياسة العالمية، وسط رهان إقليمى ودولى على دور لمصر ورئيسها، وهذا واضح من الحركة السياسية للتواصل مع أقطاب متعددة، لافتا إلى أن زيارة صربيا فى هذا التوقيت مهم جدا، لا سيما أنها جاءت فى ظل احتمالات عدة تتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية، وهى منطقة تعيش فى إرباك كبير، ولذلك الدور المصرى فى أن يكون شريكا فيما يجرى فى هذه المنطقة بالعالم واستغلال علاقاته المميزة مع كل الأطراف، أمر يعطى لمصر زخم كبير ويعطى لتلك الدول الاستفادة من الدور المصرى القيادى الذى يقوم به الرئيس السيسى، الأمر الذى انعكس فى زيارة وزير خارجية روسيا إلى القاهرة، وسط رهان أيضا من جانب جميع العواصم بما فيها موسكو على الدور المهم الذى تبذله مصر وقيادتها فى تهدئة وحل الصدامات العالمية القائمة فى هذا التوقيت فى ملفات الطاقة، الأمن الغذائى، وما يستجد من نتائج حول استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية.

فيما يقول د.عمرو الديب أستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة لوباتشيفسكى الروسية، إن الوضع الدولى المرتبك فى الوقت الراهن، أدى إلى زيارات وجولات من جانب مصر ذات الوضع الدولى والإقليمى «المتزن» من خلال تحركات القيادة السياسية، لتنطلق من جهود تتعلق بالتجهيز لقمة جدة وما ترتب عليها وما تضمنتها من لقاء جمع الرئيس السيسى والرئيس الأمريكى جو بايدن، وذلك بالتزامن مع تحركات دولية من جانب محاور تحاول استغلال الأوضاع العالمية المرتبطة بالاقتصاد والغذاء والطاقة.

وأكد «الديب»، أن جولة الرئيس السيسى فى أوروبا، حملت ختم «هام للغاية» بالمرور فى دول ليست فقط فاعلة فى الاتحاد الأوروبى ولكنها ذات دور وتأثير دولى، ويجب أن يوضع تحت هذا العنوان الزيارة التاريخية إلى صربيا التى تعتبر بجانب أهميتها زيارة «مباغتة» ومحسوب اعتبارها ونتائجها، وإدراك لما تحمله «صربيا» ذات الخصوصية الكبيرة التى لا يمكن التعامل معها على أنها دولة اوروبية فقط وأيضا لا يمكن اعتبارها دولة تتبع الاتحاد الروسى بشكل أو بأخر، فهى بلد تحاول إقامة توازن لمصالحها مع الدول الغربية والاتحاد الأوروبى بشكل خاص، وأيضا يعتبر الاتحاد الروسى «حليف» لها بشكل كبير فى ظل وجود اعتبارات بين موسكو وبلجراد، وزيارة الرئيس «السيسى» إلى صربيا فى هذا الإطار، لها نتائج اقتصادية كبيرة تتعلق بالأمن الغذائى المصرى والإفريقى بدرجة كبيرة.

وأشار إلى أن الجولة الأوروبية للرئيس السيسى ركزت على أمور عدة تتعلق بمصالح مصر والمنطقة العربية والقارة الإفريقية بجانب ترتيبات يمكن أن تكون متعلقة بالمنطقة وأمن الطاقة والأمن الغذائى سواء المصرى أو العربى أو الإفريقى لأن الرئيس تطرق إلى عملية الأمن الغذائى الإفريقى فى عدة مناسبات، لافتا إلى أن الجولة حملت رسالة فى ظل مجيئها بعد زيارة «بايدن» إلى المنطقة، وهى أن مصر تتمسك بسياستها الخارجية، بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع فى العالم دون أن تسمح بإجبارها على الدخول فى أى تحالفات قد تؤدى بالسلب على اقتصادها أو استقرارها أو سياستها الخارجية أو استقلالها السياسى والاستراتيجى والاقتصادى، موضحا أن تمسك مصر بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع يظهر بشكل أكبر إذا ربطنا بين مجريات قمة جدة ولقاء «بايدن» ثم جولة أوروبية شملت «برلين» و«بلجراد» و«باريس» وصولا إلى زيارة وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف إلى القاهرة ولقائه مع الرئيس السيسى، وهى أحداث تؤكد أن «القاهرة» لا يمكن أن تستخدم علاقاتها الثنائية مع كل دول العالم إلا فى الصالح العام المصرى والمصلحة السياسية العليا للبلاد والأمن القومى العربى وفى سبيل ذلك تتواصل القاهرة مع الروس والصينيين والأوروبيين والولايات المتحدة الأمريكية على مسافة واحدة دون إجبار نفسها فى الوقوف مع صف أحد على حساب آخر.

وفسر «الديب» قوة الدور المصرى زيارة الرئيس الصومالى إلى القاهرة فى ظل كل تلك التحركات وزخمها، على أنها ليست متصلة بالواقع الدولى أكثر من أنها مرتبطة بالواقع الإقليمى فى ظل وقوع الصومال فى منطقة استراتيجية بالقرب من مضيق باب المندب، وهو أمر يتعلق بالأمن القومى العربى بشكل كبير، والوضع السياسى والأمنى فى الصومال يهم القيادة المصرية بشكل بالغ، لأن استتباب الجوانب الأمنية فى منطقة القرن الإفريقى يعتبر استتبابًا مباشرًا للأمور الأمنية فى البحر الأحمر وطرق الملاحة، ومصر تريد من جهة أخرى، الاطمئنان على الأمن الغذائى الإفريقى والصومال من أكثر الدول التى تواجه مشاكل فى الغذاء.