الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مع اتساع مجال الكتابة للجميع فى عصر السوشيال ميديا كيف يصبح التأليف آمنًا والكاتب مبدعًا ؟

فى الكتابة فن وإبداع، ترسمه الحروف والكلمات، وفى القراءة تثقيف وتهذيب تبرزه الصفحات لتضيف رصيدًا ثقافيًا وفكريًا لدى القراء، وتتنوع الفنون الكتابية ما بين الرواية والقصة القصيرة والشعر، وتركز هدفها فى إثراء الجانب المعرفى الثقافى لدى القراء، كما أن الاتجاه إلى القراءة يثمر فكر القارئ بالمعارف والعلوم، بينما الرغبة فى الكتابة والتأليف تحدده شروط وتنظمه قواعد، حيث تتطلب الألوان الأدبية المتنوعة دراية وإلمامًا بقواعد كتابتها، وتطوير أدوات كاتبها، فضلًا عن توافر الموهبة والتذوق الفنى، والحصيلة الثقافية واللغوية، وتكامل هذه العناصر وترابطها من شأنه أن يُنتج عملًا أدبيا محكمًا فى بنائه، ومثلما تمثل القراءة نجاة، فإن فى الكتابة بدون قراءة هلاكًا.



> ظهور السوشيال ميديا 

يرى الكاتب الصحفى خيرى حسن أن القراءة للجميع قاعدة أساسية لدى المجتمعات والشعوب، أى أن الجميع يجب أن يقرأ، ففى ثلاثينيات القرن الماضى وحتى الألفية كان هناك مواطن يقرأ، كما أن هذا المصطلح سيظل على مدار تاريخ مصر ليخدم الشعوب التى ينبغى أن تمثل القراءة بالنسبة لها أسلوب حياة، بينما تحول هذا المصطلح أو الفكرة أو الشعار إلى الكتابة للجميع من شأنه أن يُحدث نوعًا من السيولة، فالجميع لا يصلح للتمثيل أو التلحين أو الغناء، وكذلك لا يصلح للكتابة، فالقراءة للجميع لكى تنتج من يكتب، كما شاع فى فترة الأربعينيات والخمسينيات القارئ الذى لا يكتب، ومن أبرزهم مجموعة الحرافيش الذين كانوا يجلسون مع الأديب نجيب محفوظ لكنهم لا يكتبون لأنهم قراء وليسوا كُتّابًا.

ويفسر أن القراءة تهدف إلى خلق إنسان لتخدم فكرة الإنسانية، أى أن تكون إنسانًا يحب الخير والعدل والجمال، صالحًا فى مجتمعه، زمنه، مكانه، كما تخلق مجتمعًا ومواطنًا سليمًا، عاقلًا، مدركًا ومثقفًا له رؤية متحضرة، فالقراءة للجميع مصطلح صحى، بينما الكتابة للجميع مصطلح مضر، فليست ميزة أن تكون كاتبًا، فمن يدرك ماهية الكتابة يهرب منها، أما تدوين الشخص لخواطره ليل نهار فى أى مكان لا تعنى كتابة، ولكنها تسمى فضفضة بالحروف، بينما الكتابة الحقيقية لا تدخل تحت نطاق الكتابة للجميع، وذلك ما جعلنا نرى مبدعين مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وليس عيبًا أن تكون قارئًا ولكن العيب كله أن تكون كاتبًا وأنت لست كذلك».

ويوضح أن سبب تحول المصطلح لقيمة أقل ليتمثل فى الكتابة للجميع نتج من ظهور مواقع التواصل الاجتماعى التى كانت لها جانب إيجابى مستثنى من سلبياتها، ويكمن فى إظهار المواهب الكتابية، إلا أن هذا الاستثناء تحول لقاعدة، فأصبحنا نجد ربة البيت تكتب، وتؤلف عن كيف فسخ الخطوبة بعد أسبوعين، وكيف تصطادين عريسًا، وهذا النوع من التأليف لا يضيف رصيدًا للكتابة، أو يصنع مؤلفًا، كما أن التغيرات التى شهدتها الرواية فى السنوات الأخيرة أدت إلى ظهور ما يعرف بالروايات الخفيفة أو الركيكة، فهى ليست بالعمق الذى يجب أن تكون عليه الرواية، فنجاح الرواية يعتمد على الأصالة وعلى البيئة التى نشأت منها الرواية، وذلك ما أدى إلى نجاح روايات نجيب محفوظ وأعمال الطيب صالح فى السودان، وروايات ماركليز، ودراما أسامة أنور عكاشة ومحمد صفاء عامر، ومحمد جلال عبدالقوى، فهذه الأقلام صنعت اسمًا لها، لأنها كتبت من البيئة التى تحيا فيها، كما أن الرواية التى تخرج عن بيئتها تسمى حكاية وليست رواية، ومعظم الروايات الحديثة بعيدة لحد ما عن البيئة المجتمعية التى نحيا بها مما أدى إلى حدوث غربة وفجوة بين القارئ وهذه الروايات، كما أن فن الرواية جاء ليحاكى المجتمع وهمومه وأحلامه ومشاكله وتاريخه ونضاله وحاضره ومستقبله، وتتنوع البيئة بين الصحراوية، الشعبية، الزراعية، الريفية، البدوية لتعطى للقارئ ثقافة جديدة وتزيد من إقباله على هذه الأعمال، فضلًا عن أن الرواية ليست بناءً هندسيًا ليتم عمل دورات لها تحت مسمى كيف تكتب رواية، فهى تجمع بين الفن والخيال لتقدم وجبة فكرية عقلية، ويبنغى أن تعتمد على الإبداع فى المقام الأول، وعنصر الإبداع هو الفارق بين الكاتب والشخص العادى، بينما الكتابة الجديدة التى تعتمد على الثقافات الغربية أو تعريب فيلم وتحويله لرواية ليست لها علاقة بفن الرواية.

> سهولة النشر

بينما يرى الشاعر أحمد الشهاوى أن من حق كل إنسان أن يكتب ما يشاء، فلا أحد يستطيع أن يمنع أحدًا من الكتابة، وفى الأخير هناك فرز وانتخاب طبيعى لما تطرحه الأقلام فى المشهد الأدبى أو إن شئت سوق الكتابة، كما أن الكتابة الجيدة تفرض ذاتها، ويعتنى بها من القراء والنقاد معًا، وليس عيبًا فى أن يكون هناك كتاب كثيرون، بينما العيب هو الاحتفاء بالنصوص الأدبية التى لا ترقى إلى مستوى النشر من الأساس، كما أن زيادة عدد من يكتبون ويحاولون شىء طبيعى، ويرجع ذلك إلى أن أغلبهم لا يكمل الطريق لأن عددًا كبيرًا منهم ليس مهيئًا للكتابة من حيث الموهبة والثقافة، بالإضافة إلى أن عدد الكتاب فى مصر ليس كبيرًا ولكن مقارنة بالأجيال السابقة بات أكبر نتيجة لتطور الحياة وإقبال الناس على وسائل التواصل الاجتماعى التى أتاحت لمن يدخلها أن يكتب أى شىء على صفحته، بالإضافة إلى أن وجود الكثير من الكتب التى ماتت فور صدورها وكانت فى الأصل منشورات على فيس بوك كتبتها شخصيات خالية من الموهبة الأدبية، فطبعت ما نشرت فى زمن بات النشر فيه أسهل من شرب الماء، كما أن نجاح أى نص يعتمد على النص ذاته ومدى جودته ودرجة تفرده، وحجم الجديد الذى أتى به من حيث اللغة والبناء الفنى والفكرة المختلفة غير النمطية أو المكررة، كما أن هناك عوامل مضافة من خارج النص مثل اختيار دار النشر، واختيار الغلاف، وكيفية التسويق، وموقف النقاد ووسائل الإعلام من النص، فلم يعد النص وحده قادرًا فى زماننا هذا على المجابهة وحده والتصدى أمام زحام النص، واختلاط الجيد بالغث، فضلًا عن أن حجم الموهبة هو الذى يحدد نوع النص وتنوعه وغناه، ومادام هناك كتاب موهوبون فنحن أمام نصوص مختلفة ومغايرة وجديدة فى تناولها للأفكار، فالنص هو النص، والكاتب هو الكاتب، كما أن النصوص الجديدة تستلهم عصرها، وتستفيد من وسائله ولغاته فى الحياة من دون أن تنسى أن تعتمد على إرثها الحضارى والثقافى، أو تتجاهل المكون الإبداعى السابق كما أن من يجتهد فى نصه سيصل إلى كل القراء بسهولة ويسر.

> موضة عابرة

ويوضح الروائى فريد عبدالعظيم أن مصطلح القراءة للجميع انتشر بمصر فى أوائل الألفية بفعل مشروع مكتبة الأسرة وطرح آلاف العناوين بأسعار مدعمة، مما شجع الكثير على اقتناء الكتب وممارسة عادة القراءة ومنذ سنوات قليلة ظهرت موضة القراءة بين أوساط الشباب، وتمثل كتب منتقاة تتميز بالسهولة والمحتوى البسيط الذى يصلح للمبتدئين، كما تعد خطوة على الطريق يتبعها خطوات أكثر صعوبة، فضلًا عن أن محبى هذه الموضة لا يفضلون الكتب، يريدون شيئًا مسليًا ليس أكثر، حيث إن الكتاب بالنسبة لهم ليس أكثر من اكسسوار، انتشرت الموضة لبعض الوقت ثم اختفت، ومع مرور الوقت تحولت الموضة من قراءة الكتب التجارية الخالية من المضمون إلى كتابة مثل تلك الكتب.

ويضيف: «مثلما كانت القراءة للجميع، ليس هناك مشكلة أن يكتب الجميع أيضًا، كما أن الأشخاص الذين تصفحوا عشرات الأعمال السطحية قرروا الكتابة فجأة، أعجبت الكثير من دور النشر بتلك الموضة المربحة ورحبت بها، فهى لم تواجه مشكلة بهذا الشأن، فالورق متوافر والمطابع على أهبة الاستعداد، اطبع كتابك وادفع كامل التكاليف، يوم لطيف وعشرات من الصور الرائعة فى انتظارك، لا يهم المحتوى يكفى الغلاف الملون الذى يتصدره اسمك، حفل توقيع بديع ستقضيه بين أصدقائك وبين أيديكم كتابك المميز، موضة عابرة ومثل أى موضة ستنحسر مع مرور الوقت، قد نتذكرها بعد سنوات ونضحك من قلوبنا، كما أن نجاح أى عمل أدبى يعتمد على الكثير من الأمور أهمها اسم الكتاب وشهرته ونجاح أعماله السابقة، يرتبط الأمر أيضًا بحجم دور النشر وشبكة توزيعها وانتشار أعمالها فى العديد من المكتبات، لا نغفل أيضًا عنوان الرواية الجاذب والموضوع والأفكار التى تتناولها، لا ننكر أيضًا دور الحظ، فهناك روايات متوسطة لكتاب مغمورين نشرت عبر دور نشر صغيرة وبالرغم من ذلك حققت مبيعات ضخمة ومقروئية عالية».

ويؤكد: أن كل ما جرى فى الماضى هو الأروع، الحنين يدفعنا إلى ذلك طوال الوقت وبشتى المجالات، أختلف مع هذا الرأى، أمس والآن وفى المستقبل هناك الجيد والسيئ، لا فرق مطلقًا بين اليوم والأمس، فى كل عصر هناك روايات فارقة وملهمة وأخرى متوسطة وأخرى رديئة، ربما كتاب الماضى كانوا أكثر شهرة، بحكم تحويل العديد من أعمالهم الأدبية إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية ناجحة».

> أسس ومبادئ

ويشير الروائى عمرو العادلى إلى أن سهولة النشر جعلت الجميع يكتبون، كما أنه ليس دليلًا على زيادة عدد المؤلفين ويرجع ذلك إلى وجود فارق كبير بين الكتابة الجادة والكتابة دون قواعد، كما يمكن القول بأن عدد المدونين أخذ فى التزايد وليس عدد المؤلفين، فغير صحيح أن يتعامل القارئ مع أى مؤلف كتاب على أنه كاتب، وليس هناك ما يسمى بروايات قديمة وحديثة، حيث إن الكتابة فى كل زمان ومكان تتطلب الجهد والبحث، نجاح الرواية يعتمد على أن الموهبة التى يتمتع بها المؤلف، واللغة الموضوعية فى طرح قضيته، وألا تكون الكتابة مجرد يوميات أو انفعالات شعورية مؤقتة، وأن يكون لدى الكاتب هدف ومغزى يريد إيصاله إلى القراء من الكتابة.>