الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مواهب وفنون كاريكاتيرية بالأزهر

حالة تنويرية جديدة يشهدها الأزهرُ الشريف برعايته لفن الكاريكاتير عقب نجاحه فى تنظيم أول ملتقَى دولى للكاريكاتير، وتم إعلان نتيجته الأحد الماضى، وقد بدأت خطوة الأزهر نحو رعاية فن الكاريكاتير لأول مَرّة فى تاريخه عندما أعلن مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب بالأزهر الشريف فى  يونيو 2021؛ إطلاق «مسابقة الأزهر العالمية لفن الكاريكاتير» فى دورتها الأولى، تحت رعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبإشراف عام من الدكتور محمد الضوينى، وكيل الأزهر الشريف.



فيما أعلن الأزهر مع انطلاق تلك المسابقة الأولى من نوعها، أن رعايته لمواهب فن الكاريكاتير تأتى انطلاقًا من رسالة الأزهر العالمية التى تستهدف نشر ثقافة التعايش والسلام ومواجهة الفكر المتطرف والمنحرف عبر تاريخه الطويل الممتد لأكثر من ألف عام، مع التأكيد على أن الإسلام لا يحارب الفنون؛ وإنما يُرشِّدها ويُوجِّهها الوجهة التى ترقى بالذوق والإنسانية وأن الدين والفن مُكوِّنان رئيسيان للثقافة الإنسانية على مَرِّ العصور؛ فالدين يرتقى بالرُّوح، والفن يرتقى بالمَشاعر والأحاسيس.

وقد استهدفتْ مسابقة الأزهر العالمية لفن الكاريكاتير التأكيد على أن دين الإسلام يدعو للسلام والتسامح والإخاء الإنسانى وقبول الآخر، ولا يدعو البَتّة للعنف والتطرف والإرهاب كما تُصوِّره ظاهرة «الإسلاموفوبيا» المصنوعة، واستثمار الفن المُحبَّب لكثير من الناس لتصـحيح الصورة الخاطئة التى رسمها البعضُ ولصقهــا بالإســلام، مع نشْر مبادئ الوثيقة التاريخية (وثيقة الأخوَّة الإنسانية من أجل السلام العالمى والعيش المشترك)، بجانب تنشئة جيل من شتى دول العالم، على اختلاف الثقافات والأيديولوچيات، يدافع عن الفكر الوسطى والقيَم والمبادئ الإنسانية السَّمْحة من خلال رسوم الكاريكاتير والاهتمام والرعاية الكاملة للطلاب الوافدين بالأزهر الشريف؛ وبصفة خاصة المبدعون فى فن الرسم.

ومع انتهاء عام من إعلان المسابقة بلغت المشاركات بمسابقة الأزهر للكاريكاتير الدولية 400 عمل فنّى من 31 دولة، وتم اختيار الأعمال الفنية الفائزة؛ حيث نظم الأزهر احتفالية لتوزيع الجوائز على الفائزين وتكريم المشاركين فى ملتقى الأزهر الدولى الأول لفن الكاريكاتير فى دورته الأولى، وذلك بحضور قيادات أزهرية، والسفراء، والمستشارين الثقافيين الأجانب، والمثقفين والفنانين المهتمين بفن الكاريكاتير. 

وتضمنت الاحتفالية تكريمَ الطلاب الوافدين الموهوبين المشاركين فى ورش العمل التى عَقدها المركز لتعليم الطلاب مبادئ فن رسم الكاريكاتير والبورتريه، وبعض رُوّاد فن الكاريكاتير المصرى، وهم: الفنان الراحل ألكسندر صاروخان، والفنان الراحل محمد عبدالمنعم رخا، والفنان الراحل أحمد طوغان، والفنان الراحل جمعة فرحات، والفنان شريف عليش، والفنان محمد حاكم. 

احتفالية الأزهر شملت معرضًا فنيًا لعرض الأعمال المشاركة فى مسابقة الأزهر الدولية الأولى للكاريكاتير، ومجموعة رسوم كاريكاتيرية أصلية لرُوّاد فن الكاريكاتير المصرى المكرمين على هامش الملتقى، عرفانًا وتقديرًا لما قدّموه لفن الكاريكاتير والصحافة المصرية خلال مسيرتهم، إضافة إلى مجموعة من أفضل الأعمال المتميزة التى شاركت فى المسابقة.

وكانت مسابقة الأزهر قد ضمت عدة أقسام؛ أولها قسم «الرسم الكاريكاتيرى»، ويدور حول عدد من القيم والمبادئ التى تنادى بها «وثيقة الأخوَّة الإنسانية من أجل السلام العالمى والعيش المشترك» ومن أهم مَحاوره الإيمان بالله وعبادته، خطورة التطرف الدينى والقومى، أهمية إيقاظ الحسّ الدينى المعتدل، العدل القائم على الرحمة أساس الحياة الكريمة، حماية دُور العبادة، الإرهاب البغيض ليس نتاجًا للدين.. وغيرها. 

أمّا القسم الثانى من المسابقة فجاء تحت عنوان «رسم البورتريه بورتريه غير كاريكاتيرى»، ويدور هذا القسم من المسابقة حول رسم بورتريه يجمع بين فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان.

وشملت جوائز المسابقة شهادة شُكر وتقدير من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر للفائزين بالمراكز الثلاثة الأولى، ويحصل الفائز بالمركز الأول على 1500 دولار، والثانى على 1000 دولار، والثالث على 750 دولارًا، كما تشمل الجوائز ثلاث جوائز تشجيعية قيمة كل منها 250 دولارًا، ويحصل كل الفائزين على درع الأزهر الشريف.

 رؤية الأزاهرة

علماءُ الأزهر من جانبهم اعتبروا أن خطوة الاهتمام الأزهرى بفن الكاريكاتير تؤصّل عدم رفض الأزهر للفن الهادف، فمن جهته اعتبر الدكتور نظير عياد، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، أن ملتقى الأزهر الدولى للكاريكاتير يأتى تتويجًا لجهود حثيثة بُذلت حول فن من الفنون المهمة وهو فن الكاريكاتير؛ ليؤكد أن الأزهر الشريف هو مؤسَّسة علمية لها تاريخ وحضارة شامخة على مَرّ التاريخ، وهو بيتٌ لجميع العلوم والفنون الهادفة التى تنفع البشرَ. مؤكدًا أن الأزهر وصل لهذه المكانة بوسطيته التى عُرف بها عبر التاريخ.

من جانبه، أشار الدكتور سلامة داوود، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، إلى أن ملتقى الأزهر الدولى للكاريكاتير يؤكد حرص الأزهر ورعايته لكل موهبة صادقة، ولكل فن راقٍ صاحب رسالة نبيلة، ترتقى بالذوق العام للإنسانية كلها. مؤكدًا أن فن الكاريكاتير هو فن إبداعى ساخر يعالج أوجُه القصور فى جميع النواحى المجتمعية، ويلعب دورًا كبيرًا فى تشكيل الوعى العام لدى الشعوب، بما يعود بالمنفعة العامّة على المجتمعات.

من جهته، قال الدكتور يوسف عامر، رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ، ونائب رئيس جامعة الأزهر السابق: «إن فن الكاريكاتير من أعلى مَراتب الحسّ والذوق لتربية النفس والوجدان، وهو من الفنون التى تدعو إلى كل ما ينفع الناس فى كل زمان ومكان، غير أن البعض أساء استخدامه لإثارة الفتن بين البَشر»، مطالبًا مَن يتمتعون بمهارات هذا الفن أن يسخروه فى تصحيح المفاهيم المغلوطة، ونشر قيم التسامح والمودة بين البشر، وتحقيق الانتماء إلى الوطن والحفاظ عليه. مؤكدًا أن «الحفاظ على الوطن وسيلة لتحقيق المَقاصد الشرعية العُليا».

 مواهب فنية أزهرية

إعلان الأزهر لملتقى ومسابقة الكاريكاتير أظهر مَواهب أزهرية فى فن الكاريكاتير لم تظهر على الساحة من قبل، وكان من تلك المواهب الدكتور الأزهرى رضا فضل، وهو فنان تشكيلى بدأت رحلته فى الرسم بالفم والقدم منذ الخامسة من عمره، فرُغْمَ الإعاقة الجسدية؛ فإن إرادته وعزيمته لم تكن سوى دافع له نحو التميز والنجاح، لتبدأ مسيرة كفاحه مع محاولات الإمساك بالقلم فى ظل عدم امتلاكه ليد يمسك ويكتب بها، ومن هنا بدأت المسيرة».

بدأ الدكتور رضا فضل، مدرس التربية الفنية بجامعة الأزهر، قصته مع الرسم منذ صغره، وفى تصريحات قال: «الرسم موهبة من عند الله، وقد أحببتُ الرسمَ والخط العربى وأنا فى سن الخامسة، وكنت أحب المنافسة مع زملائى فى المعهد الأزهرى، وكان المُعلمون بالمعهد يقارنون بين هذه الرسومات ويفضلون طريقتى فى الرسم، حتى إننى كنت أحيانًا أتبادل الرسومات بينى وبين زملائى حتى يحكم المعلمون على الرسم بكل شفافية دون تعاطف معى بسبب إعاقتى».

أضاف أنه بدأ المشاركة فى مسابقات الرسم وهو فى الإعدادية، وكانت هذه نقطة تحوُّل بالنسبة له، فالمسابقات تحتاج إلى مجهود ومهارة أكبر، فبدأ يطلع على رسومات المتسابقين المشاركين ويستفيد ويكتسب مهارات وأفكارًا جديدة، يساعده فى ذلك مشرف فنى بمركز الشباب بقريته شباس الشهداء، وعندما وصلت إلى الصف الرابع الثانوى تم اختيارى مع طالب آخر لتمثيل محافظة كفر الشيخ فى مسابقة على مستوى الجمهورية.

التحق الفنان التشكيلى رضا فضل بفضل نصائح وتوجيهات الدكتورة منى أبوالنصر بقسم التربية الفنية بكلية التربية فى جامعة الأزهر، وصقل موهبته بالدراسة الأكاديمية، فحاز المركز الأول على دفعته فى كل سنوات دراسته الجامعية وتخرَّج فى كلية التربية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ثم التحق بالدراسات العليا وحصل على الماچستير عام 2014 والدكتوراه عام 2019.

ولفت الدكتور فضل إلى أن القانون الذى أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، رقم 10 لسنة 2018م الخاص بحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة كان نقطة تحوُّل لأصحاب الهمم والعزائم للحصول على حقوقهم واهتمام الدولة بهم، وقد مَثّل دفعة معنوية مهمة، مُعبرًا عن شكره للرئيس السيسى على اهتمامه ورعايته لذوى الإعاقة.

ويحكى الفنان التشكيلى عن لقائه مرّتين مع الرئيس السيسى فيقول إنه قابله مرتين؛ الأولى فى معرض «قادرون باختلاف»، والمرّة الثانية كانت فى افتتاح معرض «تراثنا»، وعرض عليه أعماله الفنية، وتُعَد أشهَر لوحاته لوحة رسمها لأيقونة انتفاضة الأقصى الطفل الشهيد محمد الدرة، وقد أهداها إلى قواتنا المسلحة، ولوحة أخرى كذلك لشهداء كرم القواديس.

ويؤكد الدكتور الجامعى الأزهرى أن دعم فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، لذوى الإعاقة وتكريمه لهم يمثل تحفيزًا وتكريمًا وتقديرًا لجهودهم وإيمانًا بمواهبهم وقدراتهم فى تقديم صورة مشرفة للأزهرى المبدع والمبتكر، وأنه حظى بكل الدعم عند تعيينه عضوًا فى هيئة التدريس بكلية التربية جامعة الأزهر، فرُغْمَ أن الأمر كان غريبًا وجديدًا بتعيين شخص لديه إعاقة طرفية علوية فى كلتا يديه، لكن الأزهر يَسَّرَ له الصعابَ حتى أصبح عضوًا بهيئة التدريس بالجامعة، واليوم يحظى بكل الدعم والتقدير.

 فتاة الأزهر الموهوبة

ومن داخل الأزهر كانت هناك فتاة عرفها الأزهر باسم فتاة البورتريه «الهادئ»، الموهوبة بالفطرة؛ حيث استطاعت أن ترسم بريشتها بورتريه «الأخوَّة الإنسانية» وهى الفنانة الشابة خلود أحمد إسماعيل، وهى طالبة بالصف الثالث الثانوى الأزهرى بمعهد فتيات سموحة النموذجى. أحبت الرسم منذ الطفولة وشبّت على ذلك؛ حيث شاركت «خلود» فى العديد من المَعارض، ومنها المَعارض الدولية للكتاب، ومعرض بيت السنارى، ومَعارض منطقة سموحة الأزهرية، ومهرجان الإبداع الأول وحصلت فيه على المركز الثانى على مستوى الجمهورية.

كما قامت بعرض رسوماتها فى جناح الأزهر بمعرض الإسكندرية للكتاب الأخير، مجسدًا الرمزين الكبيرين: فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، ولوحة لفضيلة الإمام بمراحلها منفردة، وأخرى تجسّد ملحمة أكتوبر العظيمة.