الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد نحو 30 عامًا من محاولات خروجه للنور: قانون مراقبة الأسلحة الأمريكى يثير جدلًا واسعًا

«نعيش فى بَلد غارق فى الأسلحة، ما هو الأساس المنطقى لهذه الأسلحة خارج مناطق الحرب؟».. هكذا تساءَل الرئيس الأمريكى «چو بايدن» فى مؤتمر له، خلال احتفال بمناسبة سَنّ قانون المجتمعات الآمنة، الذى يهدف إلى تقييد حيازة الأسلحة مساء الاثنين الماضى، معترفًا بأن الكثير فى «الولايات المتحدة» عانوا من عنف الأسلحة، وفقدوا أقارب لهم.



وفى كلمته، أوضح «بايدن» أن سَن قانون تقييد حيازة الأسلحة يوفر ملايين الدولارات للمساعدات الطارئة، مشددًا على ضرورة حظر ما يسمى بالأسلحة الهجومية، والأسلحة عالية السعة المكونة من 30 طلقة وأكثر، وسط تصاعُد عمليات إطلاق النار الجماعية فى جميع أنحاء «الولايات المتحدة».

 

وجدّد الرئيسُ الأمريكى دعوته لاتخاذ إجراءات إضافية؛ حيث قال قبل التوقيع على الإجراء: «رُغْمَ أن مشروع القانون لا يفعل كل ما أريده؛ فإنه يشمل الإجراءات التى طالبت بها منذ فترة طويلة، والتى من شأنها إنقاذ الأرواح».

وكان «بايدن» وقّع منذ أيام على أول تشريع لسلامة وحيازة الأسلحة، أقرّه الكونجرس الأمريكى منذ ما يقرب من 30 عامًا. 

وجاء التوقيعُ بَعد أكثر من شهر بقليل من إطلاق النار الجماعى فى مَدرسة ابتدائية فى «تكساس» أسفرت عن مقتل 19 طفلاً وشخصين بالغين، وهو هجوم جاء- أيضًا- بعد هجوم إطلاق نار عنصرى جماعى فى «بافالو» بمدينة «نيويورك»، ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص من السود.

جدير بالذكر؛ أنه لم تكن هاتان الحالتان هما الوحيدتين خلال هذا العام؛ بل كان هناك ما لا يقل عن 281 عملية إطلاق نار جماعى فى «الولايات المتحدة» فى عام 2022، وفقًا لأرشيف العنف المسلح.

وفى حين أن مشروع قانون تقييد حيازة الأسلحة الأمريكى الجديد لم يذهب إلى المدى الذى كان يأمله الكثيرون داخل «الولايات المتحدة»؛ إلا أنه يمثل سابقة فى تاريخها؛ لأنه جاء  بعد فشل عدد كبير من المبادرات من قبَل البرلمانيين الأمريكيين لتشديد القوانين المتعلقة بحيازة الأسلحة فى الكونجرس فى السنوات الأخيرة.

 لماذا لم يخرج القانون من قبل للنور؟

اتهمت أغلب الصحف الأمريكية- إن لم يكن جميعها- لوبّى السلاح الأمريكى طوال السنوات الماضية، بأنه كان أداة ضغط عنيفة على بعض المسئولين الأمريكيين لعدم خروج أى قانون يجيز بتقييد حيازة السلاح. 

كان على رأس قائمة المتهمين «الرابطة الوطنية للبنادق» الأمريكية (NRA)، التى تعد من بين أقوى مجموعات الضغط ذات المصالح الخاصة فى «الولايات المتحدة»، والتى تتمتع بميزانية كبيرة للتأثير على مسئولين أمريكيين بشأن سياسة الأسلحة. 

فقد تأسّست (NRA) فى عام 1871؛ بهدف تعزيز وتشجيع عمليات إطلاق النار بالبنادق، ولكن على أساس علمى. وقد أوضحت (بى.بى.سى) أن المنظمة شكلت ذراع ضغط فى عام 1975؛ من أجل التأثير على سياسة الحكومة الأمريكية، كما أنها شكلت لجنة العمل السياسى الخاصة بها (PAC)؛ لتوجيه الأموال إلى المشرّعين فى عام 1977.

وأضافت إن «الرابطة الوطنية للبنادق» الأمريكية تمارس ضغوطًا شديدة ضد جميع أشكال السيطرة على الأسلحة، وتجادل بأن المزيد من الأسلحة تجعل البلاد أكثر أمانًا، معتمدة على تفسير مثير للجدل للتعديل الثانى لدستور «الولايات المتحدة»، والذى يقر بمنح المواطنين الأمريكيين الحق فى حمل السلاح، دون أى إشراف حكومى. مضيفة إنه من حق المواطنين استخدام السلاح علنًا دفاعًا عن النفس، كما أنها تدعم بقوة التشريعات التى توسع حقوق السلاح، مثل: قوانين (حمل السلاح المفتوح)، التى تسمح لمالكى الأسلحة بحمل أسلحتهم، غير مخبأة، فى معظم الأماكن العامة.

 ماهية القانون الجديد

يتضمن القانون الجديد أحكامًا لمساعدة الدول على إبعاد الأسلحة عن أيدى أولئك الذين يعتبرون خطرًا عليهم، أو على الآخرين؛ كما أنه يحظر بيع الأسلحة لمن أدينوا بإساءة معاملة شركائهم، ويقمع بيع الأسلحة للمشترين المدانين بارتكاب أعمال عنف منزلى.

بصورة أوضح، ذكر موقع «الإذاعة الوطنية العامة» الأمريكى (NPR)، أن التشريع، الذى أقره مجلس النواب الأمريكى رقم (234-193)، بعد موافقة مجلس الشيوخ الأمريكى، يتضمن حوافز للولايات لتمرير ما يسمى بقوانين (العلم الأحمر)، التى تسمح للجماعات بتقديم التماس إلى المحاكم لإزالة الأسلحة من الأشخاص الذين يعتبرون تهديدًا لهم، أو للآخرين.

بالإضافة إلى ذلك، يوسع مشروع القانون الجديد مفهوم (حالات العنف المنزلى)؛ ليمنع الأشخاص المدانين بالعنف المنزلى من امتلاك سلاح ليشمل الشركاء فى المنزل، بدلًا من التعريف السابق الذى كان مقتصرًا فقط على الأزواج، والمطلقين فقط.

كما أنه يوسع عمليات (التحقق من خلفية الأشخاص)، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و21 عامًا، الذين يسعون لشراء سلاح؛ حيث تكون سجلات الأحداث والصحة العقلية على مستوى الولاية جزءًا من فحوصات الخلفية الفيدرالية لمشترى الأسلحة.

وبالنسبة لـ(الاتجار بالأسلحة)، التى تتسبب فى ارتكاب جرائم فيدرالية، فتصل عقوبتها إلى السجن 25 عامًا.

ردود الأفعال

أثار القانون الأمريكى الجديد ضجة واسعة بين المؤيدين والمعارضين، ورُغم الجدل الواسع بين الطرفين؛ فإن كليهما أعرب عن عدم رضاه الكامل؛ حيث يرى المدافعون عن القانون أنه لا بُد من إضافة المزيد من التشديدات والتقييد لوقف جرائم القتل المرتبطة بالأسلحة النارية، والتى أصبحت جزءًا من الحياة اليومية فى «الولايات المتحدة».

بينما أعرب المعارضون، وعلى رأسهم «الرابطة الوطنية للبنادق» الأمريكية، عن اعتراضهم لمشروع القانون، بحجة أنه لن يحجب العنف، معتقدين أنه يمكن إساءة استخدام هذا التشريع لتقييد المشتريات القانونية للأسلحة، وانتهاك حقوق الأمريكيين الملتزمين بالقانون، واستخدام الدولارات الفيدرالية لتمويل إجراءات مراقبة الأسلحة التى يتبناها السياسيون على مستوى الولايات.

 الأسباب وراء صدور القانون

على المستوى الداخلى للولايات المتحدة، فقد أدى الغضب الشعبى العارم للأمريكيين، جراء حوادث القتل فى السنوات القليلة الماضية، إلى تحريك المياه الراكدة، وذلك بعد أن ارتفعت الوفيات المرتبطة بالأسلحة النارية بنسبة %35 بين عامَى (2019-2020)، وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)؛ حيث شهدت «الولايات المتحدة» أعلى معدلات مسجلة منذ عام 1994.

وأوضح تقرير مركز (CDC) أن 79٪ من إجمالى الوفيات الناجمة عن استخدام السلاح كانت جرائم قتل فى عام 2020، كما ذكر التقرير أن نحو ٪77 من جرائم القتل المُبَلغ عنها فى عام 2020 ارتُكبت باستخدام مسدس، ارتفاعًا من ٪74 فى عام 2019.

ومن جانبه، أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI) تسجيل أكبر قفزة سجلتها على الإطلاق بين عامَى (2019-2020)؛ حيث أظهرت بيانات المكتب حدوث زيادة بنسبة ٪29.4 فى جرائم القتل.

أمّا بالنسبة لعدد الوفيات الناجمة عن القتل بسلاح فى «الولايات المتحدة» فى عام 2020 حيث كان آخر عام توافرت عنه بيانات كاملة- فقد بلغ 45 ألفًا و222 شخصًا من الإصابات المتعلقة بالأسلحة النارية، وهو ما يمثل زيادة بنسبة ٪14 عن عام 2019، وزيادة بنسبة ٪43 عن العقد السابق، وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وأكدت تقارير  أن شركات تصنيع الأسلحة النارية الأمريكية أنتجت- خلال تلك الفترة- نحو 140 مليون قطعة سلاح مخصصة للأفراد، بينها 11.3 مليون قطعة أنتجت فى عام 2020. مضيفًا إن السوق الأمريكية لم تكتفِ بإنتاج تلك الأسلحة فحسب؛ بل استوردت «واشنطن»- فى الفترة نفسها- 71 مليون قطعة سلاح نارى، ما يعكس الكم الهائل من الأسلحة النارية المتوافرة فى البلاد، والذى ساهم فى تصاعد أعمال العنف المسلح، وجرائم القتل، وعمليات الانتحار.

أمّا السبب وراء صدور القانون على مستوى الحكومة الأمريكية؛ فقد رأى محللون سياسيون أن أعضاء الحكومة يتطلعون إلى تحسين معدلات التأييد المتدنية قبل انتخابات التجديد النصفى فى 8 نوفمبر المقبل، عبر تحقيق بعض الانتصارات فيما يخص السيطرة على الأسلحة؛ خصوصًا أنه لم تستطع أى إدارة أمريكية سابقة من أن تتخذ خطوة تجاه هذه القضية.

وعَلق موقع «الإذاعة الوطنية العامة» الأمريكى، إن مؤتمر الاحتفال بصدور القانون الأمريكى الجديد، يسلط الضوء على التوترات الأوسع، التى يواجهها «بايدن» من البعض فى حزبه؛ خصوصًا فى انتخابات التجديد النصفى المقبلة، مستشهدة بما كشفه استطلاع لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، الذى صدر منذ ايام، أن نسبة تأييد «بايدن» تبلغ ٪33 فقط. 

على كلٍّ، رُغْمَ أن قانون تقييد حيازة الأسلحة يُعَد سابقة تاريخية فى «الولايات المتحدة»؛ فإن الأسلحة ليست الموضوع الوحيد الذى يواجه الإدارة الأمريكية الحالية، فقائمة التحديات الداخلية والخارجية الأمريكية لا تزال طويلة.