الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بدأت عام 1936.. وتجلت فى الدعم لحرب أكتوبر 73 وثورة الشعب فى 30 يونيو العلاقات «المصرية ــ السعودية».. مسافة السكة

فى العلاقات الدولية؛ خصوصًا العلاقات «المصرية- السعودية» تعكس كثرة الزيارات بين البلدَيْن حالة التقارب والتلاحم التى تسود البلدَيْن قيادةً وشعبًا.



وتكتسب زيارة ولى العهد إلى مصر أهمية كبرَى فى هذا التوقيت الذى يسبق القمة المشتركة المرتقبة، التى دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز منتصف الشهر المقبل مع الرئيس الأمريكى چو بايدن، بحضور عدد من قادة الدول؛ حيث تُعَد استكمالًا للتنسيق العربى والمواقف الموحدة للدول العربية تجاه القضايا المختلفة.

ومنذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى سُدّة الحُكم فى مصر ارتفع حجم التعاون المشترك مع المملكة السعودية وأصبح التعاون والتشاور شبه لا ينقطع بينهما لمواجهة التحديات التى تواجه المنطقة والحرص على استقرار وأمن الوطن العربى.

وتُعَد العلاقات «المصرية- السعودية» ركيزة أساسية من ركائز العمل العربى المشترك، ويمثل البَلدان حَجَر الزاوية بالنسبة لقضية الأمن القومى العربى وأساسًا لاستقرار وأمن المنطقة بأسْرها.

ولعل زيارة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان الأخيرة إلى مصر، ولقاءه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى زيارة مهمة تأتى تعبيرًا عن عمق ورسوخ العلاقات الوثيقة والتاريخية بين البَلدين الشقيقين.

 تنسيق متواصل

منذ نشأة العلاقات «المصرية- السعودية»؛ أصبح التنسيق بين البَلدين حَجَر الأساس فى حماية الأمن القومى العربى، وشكّل البَلدان قاطرة الاعتدال والتحديث فى المنطقة، والحفاظ على هويتها، وكذلك الدفاع عن القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية.

وتعود جذور العلاقات «المصرية- السعودية» لما يقرب من مائة عام؛ حيث شهدت تطورًا قويًا منذ توقيع معاهدة الصداقة بين البَلدَيْن عام 1936.  والعلاقات «المصرية- السعودية» لها تاريخ طويل من التعاون وجذور ضاربة فى عُمق التاريخ، وقد ساهمتا مع خمس دول عربية أخرى فى تأسيس جامعة الدول العربية.

وتعززت العلاقات بين البَلدَيْن خلال التاريخ المعاصر؛ حيث دعمت المملكة العربية السعودية مصرَ ضد العدوان الثلاثى، كما ساهمت الجهودُ المصرية فى تقوية مواقف دول الخليج لتعزيز سيطرتها على ثرواتها النفطية.

ودعمت السعودية وبقية الدول الخليجية والعربية، مصرَ وسوريا بَعد نكسة 1967، وتجلى هذا الدعم فى حرب 1973؛ حيث أسهم قرارُ الدول العربية بحظر تصدير النفط للدول المؤيدة للعدوان الإسرائيلى، الذى لعبت السعودية والإمارات فيه دورًا قياديًا فى تقوية الموقف العربى، ومسارعة الولايات المتحدة للعمل على حل الصراع، كما أدى فى الوقت ذاته إلى ارتفاع أسعار النفط؛ مما أفضى إلى ازدياد الوزن الاقتصادى والسياسى للمنطقة العربية برمتها؛ خصوصًا دول الخليج وإطلاق الطفرة النفطية التى جعلت المنطقة العربية واحدة من أهم مناطق العالم، التى تبحث القوى الدولية عن سبل تقوية العلاقات معها.

وعقب حرب أكتوبر 1973، شهدت العلاقات «المصرية- السعودية» تطورًا كبيرًا كان أحد مَظاهره تأسيس الهيئة العربية للتصنيع كهيئة عربية مكلفة بتطوير الصناعات العسكرية، تقودها مصر وتشارك فيها عدة دولة خليجية من بينها السعودية.

وخلال حقبة الثمانينيات، دعمت مصرُ الأمنَ القومى لدول منطقة الخليج العربية فى مواجهة التحديات، كما حدث خلال الحرب «العراقية- الإيرانية»، ثم ساهمت مصر- بقوة- فى التحالف الدولى الذى نفذ عملية (درع الصحراء) بعد الغزو العراقى للكويت، ثم شاركت مصرُ فى عملية (عاصفة الصحراء)، التى حرّرت الكويت من الاحتلال العراقى فى عام 1991.

وازدادت أواصرُ العلاقات بين البَلدَيْن قوة بعد ذلك، عبر التعاون فى مختلف المجالات، كما دعم البَلدان الشعبَ الفلسطينى فى جهوده لنَيْل حقوقه المشروعة عبر عملية السلام التى أطلقت فى التسعينيات بفضل ضغوط الدول العربية، وفى مقدمتها مصرُ والسعودية على الولايات المتحدة والمجتمع الدولى، كما دعمت المملكة العربية السعودية ثورةَ الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013.

أوج العلاقات فى عهد «السيسى»

بلغت العلاقات «المصرية- السعودية» أوجها فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ حيث تعددت الزيارات المتبادلة بين الجانبين.

وفى يوليو 2015 على سبيل المثال، صدر إعلانُ القاهرة فى ختام مباحثات الرئيس السيسى وولى العهد السعودى، وتضمّن تأكيدَ مصر والسعودية على تطوير التعاون العسكرى والتكامُل الاقتصادى والاستثمارات المتبادَلة بين البَلدَيْن.

وأبرم البَلدان- فى عهد الرئيس السيسى والملك سلمان- عددًا من الاتفاقات المهمة.. ففى عام 2016، وقّع الرئيسُ السيسى والملك سلمان بقصر عابدين، 21 اتفاقية ومُذكرة تفاهُم بين البَلدَيْن.

كما وقّع البَلدان- بعد ذلك- اتفاقيات أخرى مثل اتفاقية التعاون الجمركى بين مصر والسعودية، واتفاقية بشأن استثمارات صندوق الاستثمارات العامة السعودى فى مصر.

وشمل التنسيق والتعاون بين البَلدَيْن مختلف المجالات من الشئون السياسية إلى الاقتصادية، وهو التعاون الذى عزّز حالة الشراكة الكبيرة القائمة أصلًا بين البَلدَيْن، وهو ما ظهر واضحًا فى التبادُل الاقتصادى الكبير بين البَلدَيْن؛ حيث تشير إحصاءات لوزارة التجارة والصناعة المصرية إلى أن السعودية تُعَد أكبرَ شريك تجارى لمصر فى منطقة الشرق الأوسط.. فقد قفز حجمُ التبادل التجارى بين البَلدَيْن خلال عام 2021 مسجلاً 4.3 مليار دولار مقابل 3.2 مليار دولار خلال عام 2020 بنسبة ارتفاع بلغت 34 %، فيما تتصدر المملكةُ، الدولَ العربية المستثمرةَ فى مصر.

 مكافحة الإرهاب

بلغ التنسيقُ بين مصر والسعودية مستوًى كبيرًا؛ حيث ساهمت الدولتان فى مكافحة التطرف؛ حيث يتبوأ البَلدان مكانة فريدة فى المجال الدينى.. فالمملكة العربية السعودية، هى الأرض التى نزلت بها الدعوة النبوية، ومصر هى أرض الكنانة وبلد الأزهر الشريف ومعقل دراسة اللغة العربية والحضارة الإسلامية، والبلد الذى استقبل هجرة السيد المسيح.

وبذل البلدان - خلال السنوات الماضية - جهودًا كبيرة فى دحض الفكر المتطرف، وتقديم نموذج يُعَبر عن حقيقة الإسلام والثقافة العربية اللذين يرفضان العنف والتطرف. وقاد البَلدان حملات للتصدى لمحاولات استغلال الدين سياسيًا ومساعى القوَى المتطرفة والرجعية لادعاء احتكارها التحدث باسم الإسلام.

كما شهد البَلدان تطويرًا للخطاب الدينى، لم يؤدِّ فقط إلى انحسار التطرف؛ لكن ساعد- كذلك- على تعزيز حقوق المرأة عبر تنزيه الإسلام من ادعاءات المتطرفين التى تقلل من هذه الحقوق، كما شكلت هذه الإصلاحات خطوات أساسية لانطلاق عمليات التحديث التى تنفذها قيادات البَلدَيْن.

 الأمن القومى العربى

وفى مواجهة تعرُّض الأمن القومى العربى لمَخاطر كثيرة خلال السنوات الماضية، كان الثقل السياسى لمصر والسعودية عاملًا رئيسيًا فى حفظ الأمن والسِّلم فى المنطقة، وتقليل المَخاطر التى تعرضت لها الشعوبُ العربية والعمل على تطويق نيران الفوضى من الامتداد لمزيد من الدول العربية والعمل فى الوقت ذاته على حل الأزمات التى اشتعلت فى العديد من الدول العربية مثل سوريا وليبيا واليمن، ورفض التدخلات الخارجية فى شئونها الداخلية والحفاظ على سلامة حدودها ووحدتها باعتبار ذلك من ثوابت المبادئ المُنظمة للعمل العربى المشترك.

وسعت مصرُ والسعودية إلى تحقيق السلام فى البِلْدان العربية المضطربة، وإيجاد حلول توافقية بعيدًا عن محاولات بعض القوَى الإقليمية للسيطرة على هذه الدول.

وأكدت مصرُ رفضَها الكامل لاعتداءات الحوثيين على الأراضى السعودية، ودعمت جهودَ المملكة لتحقيق السلام فى اليمن.

من جانبها، أكدت السعودية مرارًا على أن أمنَ مصر والسودان المائى جزءٌ من الأمن القومى العربى، معربة عن رفضها لأى إجراءات أحادية من جانب إثيوبيا تهدد الحقوق التاريخية المصرية والسودانية فى مياه النيل.

وعززت مصرُ والسعودية مستوَى تنسيقهما، عبر جامعة الدول العربية، باعتبارها المنظمة العريقة التى تُعَبر عن مَصالح المنطقة العربية.

وقد نجح البَلدان فى تنفيذ عملية تطوير وتحديث غير مسبوقة داخليًا؛ أدت إلى تعزيز مكانتهما وتقوية عوامل القوة الذاتية فى عالم تزداد فيه المنافسة الاقتصادية والتكنولوچية والسياسية.

وأدى التعاون الوثيق المصحوب بتعزيز عوامل القوة الذاتية فى البَلدَيْن، وحكمة قيادتهما فى التعامُل مع المتغيرات الدولية، إلى تقليل المَخاطر المُحدقة بالمنطقة، والتأكيد على وحدة الدول العربية وسلامة أراضيها، والعمل على حفظ مَصالحها فى مواجهة الأزمات الدولية التى تعصف بالعالم، كما ظهَر فى اتخاذ موقف عربى متجانس ويتسم بالحكمة فى التعامُل مع العديد من الأزمات وآخرها الأزمة الأوكرانية، ما أكد القيم العربية برفض التدخل فى الشئون الداخلية للدول، واحترام القانون الدولى.