الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى الآداب والمسرح والعلوم الاجتماعية: كيف استقبل المبدعون جوائز الدولة؟

أعلن المجلس الأعلى للثقافة برئاسة د.إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة، جوائز الدولة التقديرية التشجيعية، جوائز النيل والتفوق فى مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، الاقتصادية والقانونية لعامَى 2021-2022، وذلك بعد الاجتماع الـ67 للمجلس الأعلى للثقافة بأمانة د.هشام عزمى، وجاءت هذه الجوائز تتويجًا لأقلام مبدعيها، وتشجيعًا لجهودهم، وتقديرًا لمسيرتهم، وفى لقاء مجلة «روزاليوسف» مع عدد من الأدباء والمؤرخين الفائزين بجوائز الدولة أعربوا عن سعادتهم بتكريم المجلس الأعلى للثقافة لهم، وأكدوا أن «تكريم المؤلف من بلده له نكهة خاصة، ويمثل أعلى درجات التقدير وأعظم تتويج لقلمه وإبداعه».



 

 محل تقدير

يقول الأديب إبراهيم عبدالمجيد: «الفوز بجائزة النيل فى مجال الآداب يمثل لى تقديرًا جميلًا لمسيرتى الأدبية، مؤكد أن قيمتها المالية تساعد قليلًا على هذه الحياة، وما شاهدته على الميديا من فرحة القراء، سعادة الأصدقاء من الكتّاب من جميع الأجيال، يعنى أننى عشت حياة طيبة مع الناس، ذكرياتى مع الكتابة وكيف أخلصت لها، فهم حشود السعادة الحقيقية، وما يميز هذه الجائزة أنها عن مجمل الأعمال، أى عن المسيرة بأكملها، وأنها أعلى جائزة مصرية، لقد حصلت من قبل على جائزة التفوق عام 2003 وعلى جائزة الدولة التقديرية عام 2007 وكانت أيضًا عن مجمل الأعمال وقتها، ظللت أكتب وأصدرت أعمالًا لا تقل عن خمس عشرة كتابًا بين رواية ودراسات وترجمات من اللغة الإنجليزية ومقالات بالمئات فى أهم الصحف، وجاءت جائزة النيل لتقول إن كل ذلك محفوظ ومحل تقدير كبير».

وعن التحديات التى واجهها خلال مسيرته الأدبية يوضّح: «لم أدخل حروبًا إلا فى مقال أو اثنين فى بداية التسعينيات أردت أن أبعد عنّى بعض الذين يعوقون تقدمى الأدبى لأنهم فى غيرة من رواياتى، مقالتان تقريبًا ولم أعد إلى ذلك، استرحت ولم يتوقفوا عن الحرب، كانت الحرب فى أكل العيش وهذه أسوأ الحروب، لكنى لا أحب أن أذكر اسم أحد، وحين كتبت كتابى «الأيام الحلوة فقط» تسللت إليه بعض الأيام السيئة، لكنى لم أسئ إلى أحد ونادرًا ما ذكرت اسمًا منهم، كل منصب توليته كانت تقوم الحرب سرًا لأتركه فكنت أضحك وأقول يامجانين كتر ألف خيركم أنا أريد التفرغ للكتابة، وأترك المنصب ضاحكًا وأتفرغ لرواية جديدة تثير حقدهم، وكل مجلة كتبت فيها استطاعوا أن يجعلوا بعضها وليس كلها يتوقف عن النشر لى، فكنت أذهب إلى مجلة أخرى وأضحك فالعالم واسع، جعلت الكتابة فقط هدفى لا الدخول فى الصراعات مع أحد، وفى النهاية يئسوا من الحرب علىّ فقدراتى كانت تتجلى فى كتابة الرواية والقصة القصيرة والترجمة والمقالات، فلا يستطيعون حصار كل شىء».

ويفسر: «الإخلاص للكتابة والمغامرة فى شكلها ومضمونها من شأنه يحفر مكانًا للكاتب فى الحياة الأدبية، بالإضافة إلى تأثيره فيمن حوله من الكتّاب الشباب ومن القراء، وهذا هو أجمل أثر يتركه الكاتب، كما تتطلب الكتابة معرفة بتاريخ الأدب والمذاهب الأدبية ليعرف الكاتب أين يضع قدميه فلا يكرر ما سبق من طرق الكتابة، والأهم دائمًا كيف نكتب، فموضوعات الكتابة من الممكن أن تتكرر فهى معروفة للجميع كالحب والكره والرحلات والمنافى والحروب والسجون.. إلخ، لكن كيف تكتب ذلك، فهذا هو السؤال الذى يفرّق بين كاتب وآخر».

وعن طقوس الكتابة لديه يضيف: «بعد أن ينتصف الليل أكتب القصة، الرواية مستمعًا إلى الموسيقى الكلاسيكية، تحملنى إلى الفضاء أثناء الكتابة وضوء أبيض فى الغرفة، فقط لا غير، أصبح وحدى فى الدنيا، أمّا المقالات فأكتبها بالنهار لأنها بنت العقل لا الروح».

تتويجًا للمسيرة 

ويعلق د.عمرو دوارة المخرج والمؤرخ المسرحى بعد حصوله على جائزة التفوق فى مجال الآداب: «الجائزة تمثل تتويجًا لمسيرتى الفنية؛ خصوصًا أنها قد منحت لى بالإجماع عن مجموعة أعمالى الأدبية الكاملة فى النقد والـتاريخ والتأليف، مع الإشارة إلى مجموعة إسهاماتى الأخرى؛ خصوصًا بمجالى الإعداد والإخراج المسرحى وليس عن عمل واحد أو مجموعة أعمال، وتمثل لى استفتاءً شعبيًا كبيرًا على مجموعة إسهاماتى من خلال فرحة وتهنئة المسرحيين بمختلف تخصصاتهم وأجيالهم المختلفة وليس بمصر وحدها بل بعدد كبير من الأقطار العربية أيضًا، يكفينى فخرًا مباركة وتهنئة بعض الرموز المسرحية الكبيرة وفى مقدمتهم: سيدة المسرح العربى سميحة أيوب، والمؤلفون د.كمال عيد، أبو العلا السلامونى، وعبدالغنى داود والسيد حافظ والنجوم محمد صبحى، رجاء حسين، أشرف عبدالغفور، مديحة حمدى، سميرة عبدالعزيز، سهير المرشدى، آمال رمزى، والحقيقة أن قائمة المهنئين طويلة فعلًا، وأسعدنى جدًا حصولى عليها مع اعتراف عدد كبير من أعضاء اللجنة أننى أستحق أيضًا جائزة الدولة التقديرية فى الفنون».

ويضيف: «جائزة الدولة للتفوق تُعد من أهم الجوائز التى حصلت عليها فى مسيرتى الأدبية والفنية، فرُغْمَ تكريمى وحصولى على عدد من الجوائز المتميزة ببعض المهرجانات العربية والعالمية، وتكريمى من بعض الحكام ووزراء الثقافة العرب؛ فإن التكريم الرسمى فى بلدى له مكانة خاصة ونكهة أخرى، وما أسعدنى جدًا فى هذا التكريم وحصولى على هذه الجائزة هو أننى لم أسعَ إليها بل رشحت لها بالإجماع من قبَل مجلس إدارة النقابة العامة لاتحاد الكتّاب؛ حيث تتيح شروط الجائزة التقدم لها بشكل شخصى أو من خلال ترشيح إحدى الهيئات والمؤسّسات الثقافية أو الجامعات، ونظام التصويت بجوائز الدولة بصفة عامة نظام مُحكم ويمر بعدة مراحل». 

ويؤكد: «التحدى الأكبر خلال مسيرتى المسرحية يتمثل فى التزامى بتنفيذ نصيحة العائلة بعدم احتراف الفن والاعتماد عليه كمَصدر أساسى للدخل، وبالتالى فقد اخترت دراسة الهندسة، وبالفعل حصلت على بكالوريوس الهندسة عام 1978، وبعد ذلك شهادات الدراسات العليا بمجال هندسة النظم فى جامعة القاهرة، ونظرًا لالتزامى بالجدية والدأب والاجتهاد وصلت إلى درجة وكيل أول وزارة النقل لعدة سنوات قبل الوصول إلى سن التقاعد، كانت الرحلة شاقة حتى أنجح فى تحقيق النجاح بمجال الهندسة وفى خط موازٍ أوفق فى الحصول على أعلى الشهادات الفنية ودرجة الدكتوراه فى فلسفة الفنون من أكاديمية الفنون مع بداية الألفية الجديدة، وأن أحقق النجاح أيضًا كمخرج وناقد وخلال السنوات الأخيرة كمؤرخ».

ويفسر: «دفعت إلى المجال المسرحى بالحب والشغف من خلال كثرة مشاهداتى للعروض المسرحية منذ طفولتى بصحبة العائلة، كان الوالد يصحبنا مساء الخميس لعروض المسرح، وصباح الجمعة لسينما مترو لمشاهدة أفلام «والت ديزنى»، جذبتنى العروض المسرحية والنجوم المشاركون أكثر بكثير من الأفلام السينمائية، وعندما اكتسبت الخبرات أدركت أن المسرح بطبيعته فن والسينما بالدرجة الأولى صناعة، وأن اللقاء المباشر بين الفنان وجمهوره بعيدًا عن الوسيط التكنولوچى والعدسات والشاشات لا يمكن مقارنته بأى متعة أخرى تتحقق بجميع الأشكال الفنية الأخرى، كما أدركت بعد ذلك سحر اللعبة المسرحية بمدارسها ومناهجها المختلفة وقدرتها على إثارة الخيال، وسواء تم تقديم العرض فى احتفالية شعبية بالهواء الطلق أو بمسرح تقليدى بالعلبة الإيطالية، فالمسرح قادر أن يحلق بك بعيدًا عن الواقع لعالم آخر تتأثر بمعطياتها الفنية بعدما تشعر بنبضات قلب مجموعة الممثلين وبحبات العرَق على جبينهم، بدأت هواية المسرح فى فترة مبكرة جدًا من حياتى وبالتحديد منذ طفولتى من خلال المسرح المدرسى بالمرحلة الابتدائية (مدرسة قصر الدوبارة)، ثم بدأت اكتساب الخبرات وصقل موهبتى بشكل علمى خلال المرحلة الثانوية (بمدرسة الإبراهيمية الثانوية)، وشرفت بإخراجى لأول نص من تأليفى لمنتخب الجامعات عام 1972 بعنوان «شباب على الطريق»، وقد عرض على «مسرح معهد الموسيقى العربية». أمّا على مستوى الاحتراف الفعلى فقد بدأت عام 1984 من خلال فرقة «المسرح المتجول» بإخراجى لمسرحية «الزعيم لومومبا» للكاتب رؤوف مسعد، وفى العام نفسه أخرجت مونودراما «شيبوب» للفنان ياسر ماهر وهو أول نص للمبدع عصام الشماع، ويمثل المسرح حياتى ومجال سعادتى بممارستى لأجمل وأرقى هواياتى، هو منبع ومصدر أجمل ذكرياتى، ومن خلاله اكتسبت كثيرًا من الخبرات الحياتية، وتزودت بثقافتى الثقافية والفنية وأصقلت موهبتى، وأيضًا كسبت كثيرًا من الصداقات الحقيقية على جميع المستويات من كبار النجوم وحتى الهواة المبتدئين، فى المسرح شعرت بنجاحاتى وتفوقى على كل المستويات المحلية والعربية والعالمية، وشرفت بتمثيل «مصر» بعدد كبير من المهرجانات الدولية شرقًا وغربًا سواء كمُكرَّم أو عضوًا بلجان التحكيم أو مشاركًا بالندوات والدراسات أو مشرفًا على الورش الفنية.. باختصار شديد وبمنتهى الصدق المسرح حياتى وهو الذى منحنى الكثير من الألقاب من بينها: عاشق المسرح، المسرحى الراهب، الهاوى الأول ونقيب هواة المسرح بمصر، جبرتى المسرح العربى وحارس ذاكرة المسرح المصرى، المسرح أتاح لى فرصة الحصول على جوائز دولية والتكريم بعدد كبير من المهرجانات العربية والدولية وأخيرًا الحصول على جائزة الدول للتفوق».

وينصح المخرجين المبتدئيين أن يدركوا أن المسرح فن جماعى ولا يمكن تحقيق النجاح من خلاله إلا بالتعاون وتضافر جميع الجهود، وأن العرض المسرحى يجب أن يحقق أولًا المتعة السمعية والبصرية، وذلك بعيدًا عن محاولات المراهقة الفنية لإثبات القدرات والمهارات لإبراز العضلات الفنية بالإغراق فى التغريب والتجريب، ولكى يترك المسرحى أثرًا عليه أن يعشق عمله ويخلص له، أن يحرص دائمًا على الاطلاع على كل جديد من خلال القراءة والمشاهدات والتجوال، ألا يحاول التعالى على جمهوره؛ بل يبذل كل جهده فى تحقيق التواصل المنشود معهم، ألا يركز جهوده فى كيفية الحصول على الجوائز؛ بل يجب عليه أن يستمتع أولًا بعمله، وأن يضع فى قائمة اهتماماته كيفية إسعاد الجمهور.

 تقدير عالٍ 

وتتحدث د.إيمان عامر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة القاهرة والحائزة على جائزة التفوق فى العلوم الاجتماعية، قائلة: «الفوز بجائزة من الدولة يمثل أعلى درجات التقدير، فقد كرمت من مؤسّسات وهيئات عديدة بما فيها جامعتى التى أعتز بها «جامعة القاهرة»، ولكن حصولى على جائزتين من الدولة، التشجيعية ثم التفوق لهذا العام، أعتبره نوعًا من التقدير العالى الذى يُشعرنى بأنى يجب أن أظل فى موقع المحاولة والنجاح».

وتضيف: «أتصور أننى أكملت مسيرة هؤلاء الذين تأثرت بهم فى كتاباتى، ففى مجال دراستى للخليج العربى تأثرت بالعديد من الرموز فى التخصصات المختلفة، مثل: د.جمال زكريا قاسم، وفى دراسة التاريخ الاجتماعى د.عبدالرحيم عبدالرحمن، وفى مجال القضايا الفلسطينية تأثرت بكتابات د.محمد بديع شريف، وعلى الدين هلال، كما تنوعت كتاباتى بعد الحصول على الدكتوراه، كما كان الماچستير يتناول سياسة بريطانيا فى الخليج العربى، وكان تاريخًا سياسيًا يعتمد على الوثائق بالدرجة الأولى، بينما اتجهت إلى التاريخ الاجتماعى فى مرحلة الدكتوراه، كما أن حياة الأكاديمى لا تنتهى بانتهاء الدكتوراه؛ بل يستمر البحث العلمى، فقد تنوعت الأبحاث لاحقًا، واهتممت بدراسة تاريخ المرأة وذلك نتيجة التحاقى بكلية الآداب، وشعرت بفضل الأميرة فاطمة إسماعيل على إنشاء الكلية والجامعة، ثم تتابعت خُطى رموز الحركة النسائية فى مصر فأصدرت عدة كتابات عنها، وكان هناك قسم كبير من الأبحاث عن القضية الفلسطينية، كما استمتعت بدراسة تاريخ ليبيا، وعمر المختار، والجهاد الليبى، والمشاركة المصرية تجاه ذلك، حتى المشاركة الأدبية فليست بالضرورة تكون المشاركة جهدية فعلية، وماذا كتب عبدالعزيز البشرى عن عمر المختار».

حافز لما هو قادم 

ويعرب المستشار حسام العادلى عن سعادته بالفوز بجائزة الدولة التشجيعية فى مجال الآداب قائلًا: «الفوز بالتشجيعية له مردود معنوى كبير لى، فهو شهادة من الدولة ومن لجنة التحكيم بقوة قلمى هدفًا وإبداعًا، والتشجيعية بالأخص تُعد جائزة مهمة للشباب ودفعة قوية لى فى مسيرتى القصيرة، فهى تقدير لاجتهادى السنوات الماضية وحافز لما هو قادم، فالكاتب لا يستطيع أن يكمل طريقه بحماس دون مردود أو تقدير ملموس من المحيطين، تقدمت للجائزة بنفسى فى أواخر ديسمبر، ربما ما شجعنى مردودها لدى القارئ منذ صدورها فى يونيو 2021، وهنا لا نغفل تأثير السوشيال ميديا فى إطلاع الكاتب على جودة إنتاجه، فلقد تلقيت استحسانًا كبيرًا من قرائى على اختلاف ذائقتهم، وعلى المستوى الأعلى فقد تلقيت العديد من الدراسات النقدية لروايتى من قامات النقد فى مصر، كانت تحمل بين طياتها تحليلات وتأويلات مختلفة بالإضافة للعديد من المقالات التى تناولت روايتى، مما أعطانى الثقة فى إنتاجى وشجعنى للتقديم للجائزة، كما أن هذه الجائزة يحتاجها أى كاتب فى بدايات حياته فهى تعنى قوة القلم وتأثيره، كما تعنى اهتمام الدولة كأكبر كيان تقديرى لإبداع شاب دُشِن له عمله الثانى، وهى دافع وحافز فى حاجة إليه أى مبدع من أجل الاستمرار فى مسيرته».

وعن روايته الفائزة يضيف: «نجع بريطانيا العظمى تتناول مشكلة الهوية، ذلك التساؤل الذى يفرض نفسه على الساحة ليومنا هذا من خلال المتغيرات التى تعترى رجل الصعيد عندما تطأ قدماه القاهرة، ومن خلال مشاعر ضابط الجيش الذى يميل قلبه لفتاة إنجليزية تنتمى لعقلية المحتل المتعجرف، تناولت هذا فى حقبة مهمة من تاريخ الوطن، هى حقبة الاستعمار متنقلًا بالقارئ بين أمكنة ثلاثة؛ الصعيد والقاهرة ولندن، من خلال تشريح نفسى للشخوص، تاركًا القارئ نفسه يجيب عن تساؤلاتى، كما أن الكاتب يحمل فى كتاباته رسائل عدة، وأنا لا أومن بالتخصص فى القلم وبالتالى الهدف، فلم أستهدف التاريخ البحت فى (نجع بريطانيا العظمى) ولم أختزل قلمى فى الشق السياسى فقط فى روايتى الأولى (أيام الخريف)؛ بل العبرة بتوظيف التاريخ والسياسة لخدمة العمل الدرامى، وإذا ما حددت رسالتى من خلال كتاباتى فمن الممكن أن أقول إننى أستهدف الحس والعنصر الإنسانى، وأُخْدم عليه بعناصر أخرى دون مباشرة تحول العمل لتقريرى».

ويوضح: «الكاتب لا بُدّ أن يرافقه خيال، ولا بُدّ من أن يوظفه لخدمة قضية بعينها، فالعمل الأدبى وإن لم يحمل مضمونًا وهدفًا فلا فائدة منه، وتستطيع أن تترك الأثر إذا ما استطاعت روايتك أن تحصل على تحليلات وتأويلات مختلفة، فإعمال القارئ لعقله وتعدد تفسيراته للنص يُعَد أثرًا كبيرًا لقلم الكاتب، كما كانت القراءة رفيقتى منذ طفولتى، اطلعت على الأدب العالمى المُلهم لى فيما يخص الحس الإنسانى، كتابات (بالزاك، سارتر، ديكينز، دى بوڤوار، هوجو، ڤولتير، روسو........)، أمّا فى الشرق فقرأت لابن حزم الأندلسى وللجاحظ وتأثرت بكتابات (نجيب محفوظ، يوسف إدريس، يوسف السباعى وتوفيق الحكيم)، وعشقت قلم وطرح وتحليل محمد حسنين هيكل».

 أعلى قيمة ثقافية

ويفسر الروائى محمد عبدالعاطى الحائز على جائزة الدولة التشجيعية فى مجال الآداب عن روايته «حارة عليوة سابقًا» أن العمل يتناول مجموعة من المحطات التى تدور فى حارة قديمة بصورتها التقليدية، ثم تشهد هذه الحارة دخول التكنولوچيا الحديثة مع ألفية جديدة، تؤثر هذه التكنولوچيا على أهالى الحارة وتغير من طبيعتهم، ثقافاتهم، علاقاتهم ببعض، وتفاعلهم، وتتمثل هذه التقنيات الحديثة فى البريد الإلكترونى وجهاز الكمبيوتر وشبكة الإنترنت، الهواتف الذكية، والتطبيقات، لتبدأ الحارة تطلع على العالم الخارجى، وتتأثر معالم حارة عليوة الجغرافية بكل محطة بالرواية، لتصبح بعد دخول التكنولوچيا حارة عليوة سابقًا.

ويضيف: «الفوز يمثل شرفًا عظيمًا وهى وسام أعتز به وأكبر تكريم ممكن يحلو لأى كاتب فى حياته وبشكل شخصى هو دفعة قوية كنت أحتاج إليها وستساعدنى بالتأكيد فى الاستمرار فى مشوار الكتابة والإبداع تحديدًا هذه الجائزة، وقيمتها أكبر مما يمكن وصفه لأنها تكريم من الدولة وبلدى ووزارة الثقافة، أعلى قيمة ثقافية بالوسط الثقافى، فالجائزة تكفى الكاتب فى مشوار كتابته بأكمله، فهى بمثابة التقدير والشهادة وعلامة الجودة على أدب الكاتب، دور الجائزة والدولة فى رعاية الفن والإبداع يكمن فى أنهما يقربان كاتبًا شابًا فى بداية مشواره من القارئ، وذلك يمثل قيمة عظيمة».

ويتابع: «القارئ يعيش مع الفن والأدب مستمتعًا به، وتختلف الرسالة التى يتلقاها كل قارئ، كما أن العمل الجيد العميق يجعل القارئ يُعيد قراءاته أكثر من مرّة، بما يثير تساؤلات على مستويات جديدة فى كل مرّة، وكل مبدع يحاول يثير تساؤلات ويضع إشارات، ويتجلى ذلك بوضوح فى روايتى الأولى التى تحمل عنوان «تريند»، وروايتى الثانية التى تتناول تطورات وتقنيات تكنولوچية تغزو حياتنا، كما أننى أحب الخيال العلمى والواقعية، واتجهت لتناوُل الواقع العلمى أو التكنولوچى فى حياتنا بالجزء الأول من الرواية، كما أن الهاجس الذى كان يسيطر على فكرى أثناء كتابة «حارة عليوة» يكمن فى أن الخيال العلمى بعد أن كان يصور الحياة فى المستقبل كيف ستكون فى ظل التقنيات الحديثة ويتناول أفكارًا غاية فى الغرابة أصبح بشكل ما موجودًا فى حياتنا، وعند استشراق المستقبل نجد أن الأمر لم يعد غريبًا لكنه تصارُع واستمرار، والذى يحدث هو نمط يتكرر وتقنيات جديدة تدخل حياتنا وتتحكم فيها، ونحن نتبناها ونتكيف معها لأنها تُسَهّل حياتنا، ثم نتأثر بها سلبًا وإيجابًا، ولا نقف نتأمل ذلك، ولكننى حاولت أن أتأمل الموضوع من أبعاد وجوانب إنسانية لأتساءل كيف غيّر تفكيرنا وعلاقتنا ببعض وثقافتنا، وكيف سيؤثر على مستقبلنا وهل ذلك صحيح أمْ خاطئ؟؟».

ويشير: «أول من تبنت الرواية وآمنت بفكرتها كانت الكاتبة نشوى الحوفى مديرة النشر بدار نهضة مصر، بالإضافة إلى اهتمام وتشجيع الروائى أحمد مدحت سليم، بينما الروائى طارق إمام هو من لفت نظرى للجائزة ونصحنى بالتقديم فيها».

ويوضح: «الكاتب لكى يصبح كاتبًا لا بُدّ أن يكون واسع الاطلاع وبالتالى لم تقتصر قراءاتى على مؤلف دون غيره، منذ طفولتى وأنا أحيا مع الكتابة والأدب، قرأت فى التراث، والشعر القديم والحديث، والأدب الأجنبى والمترجم، أدب المنفلوطى والعقاد وأحببت المازنى ويحيى حقى ومحمود تيمور ومحمد عفيفى، ودخلت عالم أحمد خالد توفيق، محمود السعدنى، توفيق الحكيم، ويوسف إدريس، وعلى رأسهم الأديب العالمى نجيب محفوظ الذى أثر فى اتجاه الأدب العربى والعالمى بأكمله».

 قيمة كبيرة

ويقول د.كمال رحيم الكاتب الروائى الحائز على جائزة الدولة التقديرية فى مجال الآداب: «الفوز يعنى سعادة ونجاحًا ويرفع الروح المعنوية، وجائزة الدولة أعلى من أى جائزة أخرى، وقيمة يعتز بها المؤلف، وجائزة بلده لها طابع خاص، فالكاتب مَهما كُرِّم من جهات أجنبية لا أظن أن فرحته ستتشابه مع تكريمه من بلده ووطنه الذى يمثل حاضره وماضيه ومستقبله، فهو يُعد تكريمًا ما بعده تكريم».

ويضيف: «الكاتب يترك أثرًا من خلال أعماله لأنه يرقق وجدان القارئ، ويتجلى ذلك فى أعمال إحسان عبدالقدوس الذى جعلنا نميل إلى الحب، ومحفوظ الذى حببنا فى الحارة الشعبية بعرض مبادئها وقيمها وعيوبها، إذن الكاتب عندما يكون لسان جموع كثيرة من الناس يستطيع أن يترك أثرًا فيهم بلا شك بالإيجاب أو السلب وفق ما يكتبه، فالكاتب يخاطب الوجدان من الداخل ومن دون ما يشعر يؤثر على القارئ، وينطبق ذلك على أى شكل من أشكال الأدب أو أى مبدع سواء كان موسيقارًا فنانًا تشكيليًا روائيًا شاعرًا، كما ينبغى على كل كاتب أن يكون نفسه وذاته، لا يعجب بكاتب ويحاول تقليده وإنما يعجب بأعماله، يكتب ليعبر عن ذاته، ليكون أكثر نجاحًا بدلًا من أن يصبح صورة مقلدة من شخص آخر، بالإضافة إلى عدم الاستسهال، والسير وراء ما يكتبه الجميع، ولكن عليه أن يختار موضوعات ندر الحديث عنها، بالإضافة للتدقيق الجيد والمراجعة المحكمة، فالفصل الذى أكتبه أعيد مراجعته عشرين أو ثلاثين مرّة، ثم أتركه لأعود لتدقيقه ثانية بعد مرور أسبوعين عندما يفرغ عقلى منه؛ لإدراك ما ينقصه وما يزيد على حاجته».

ويشير إلى طقوس الكتابة لديه فيقول: «أحب أن أستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية، وأغانى أم كلثوم وعبدالوهاب عندما أكتب، فهى تصل بى لحالة من النشوة أستطيع أن أكتب فيها، وهذه الأشياء الجميلة لها أثر علىَّ، وتساعدنى أن أنتج أفضل مما سبق وترقق وجدانى وذلك يوضح ترابط الفنون واتساقها معًا».