الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الزيادة السكانية فى مصر.. بين المنع والتنظيم

على مدار عقود عاشتها مصر.. دخلت فى العديد من الحروب والثورات والتحولات الراديكالية بشكل عام، والتى كان لها بالغ الأثر على استقرار الأوضاع فيها خاصة الاقتصادية، ومع كل هذه المتغيرات التى عانى منها الشعب المصرى، ظل المصريون فى مرحلة عنق الزجاجة، ومن زجاجة إلى أخرى، ومع تراكم كل هذه الأعباء والمشكلات تزايدت أعدادهم بشكل يمثل ضغطًا على موارد الدولة ويحد من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين.



وفى ظل كل المعطيات السابقة كان لدينا اختلاط فى المفاهيم الخاصة بالإنجاب سواء الدينية أو التقليدية والموروثة بين عموم الناس، ومن هذه المفاهيم (العيل بييجى برزقه) أو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (تكاثروا فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة) والذى لم يوضحه أهل الدين أن المقصود ليس العدد فقط؛ بل العدد المؤهل والقادر على التأثير والذى يمثل إضافة حقيقية بين الأمم، حيث وصل معدل المواليد فى مصر إلى 3.4 طفل لكل سيدة حتى عام 2052. 

وبعيدا عن توضيح القصور الذى شاب كل تلك الفترة، كانت هناك أسباب عملية لكثرة الإنجاب فى مصر من بينها تشغيل الأطفال لدى الفئات الأقل تعليمًا باعتبارهم مورد دخل لهذه الأسر.

ومع كل ذلك ظلت تعانى الدولة المصرية والمصريون جميعًا من الزيادة السكانية بسبب ضغط ذلك على الموارد؛ سواء من تزايد نسبة الأمية بين الناس أو حتى ارتفاع أعداد الطلاب فى المدارس أو المرضى فى المستشفيات، أو حتى فى تخليص المعاملات الحكومية، بالإضافة لارتفاع أسعار العقارات نتيجة زيادة الطلب وظهور العشوائيات نتيجة عدم قدرة العائلات على توفير المساكن لذويهم حتى مع محاولة تقديم مشروعات سكنية حكومية لكل القطاعات، ما أدى دائمًا وعلى مختلف الحكومات المتعاقبة لالتهام عوائد التنمية وعدم شعور المواطن بأثر يذكر لجهود التنمية فى بلاده.

ومع وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى للحكم قى عام 2014 ظل الرئيس السيسى يحذر المصريين من الزيادة السكانية، التى يترتب عليها عدم قدرة الدولة أو الأسر على تقديم الدعم للمولودين الجدد، أو تحسين حياة الأجيال الحالية، وصرح الرئيس بأن المصريين لن يشعروا بالنمو الاقتصادى فى ظل الزيادة المطردة فى أعداد السكان، والتى تعد مفتاحًا لكل الأزمات، كما لم يترك الرئيس أى فرصة إعلامية إلا وحذر من أن ذلك يعطل مسيرة التنمية، فى كل القطاعات مثل التعليم والصحة وتقلص مساحة الأرض الزراعية وندرة المياه.

ولا شك أن الزيادة فى أعداد السكان خاصة مع تراجع نسبة التعليم، تهدد مستقبل التنمية فى مصر على المديين المتوسط والبعيد؛ ومن هنا أدركت الدولة ضرورة التحرك على الأرض، وأطلقت مشروعات تنمية ودعم الريف المصرى (حياة كريمة) بهدف رفع مستوى معيشة المواطن الريفى بشكل خاص، حيث ترتفع نسبة الإنجاب فى الريف عن المدن، وبالتالى يسعى المشروع لرفع مستوى وعيهم وهى استراتيجية تنطلق من أدنى لأعلى، تبدأ من قاعدة الهرم وصولًا لقمته وليست استراتيجية فوقية كما كان فى السابق.

كما سعت الحكومة والبرلمان خلال الـ5 سنوات الأخيرة لسن  تشريعات لتقييد الإنجاب، أو وضع ضوابط له مثل قانون عمالة الأطفال، والإعلان عن تطبيق صارم لقوانين منع تشغيل الأطفال، حتى لا ينظر إليهم كمصدر للدخل وتطبيق الحوافز الإيجابية أو ربط الدعم بالإنجاب، بمعنى إعطاء دعم فى التعليم والغداء والصحة لكل أسرة، تنجب طفلين فقط، كعامل تحفيزى لتنظيم النسل بحرمان الطفل الثالث أو ربط الدعم التموينى بالإنجاب، فلا يتم منح بطاقة تموينية لأكثر من فردين، وكلها أفكار مطروحة لترشيد الإنجاب وأيضا خفض الخصوبة لتقليل عدد السكان.

وعلى الرغم من كل المحاولات التى اتخذتها الدولة حتى الآن للحد من الزيادة السكانية، فإننا ما زلنا بحاجة إلى وضع استراتيجية مجتمعية متكاملة لهذا الهدف تشمل كل الأبعاد حتى الدينية والثقافية، ويكون الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى والمؤسسات الدينية (الأزهر والكنيسة) لهما دور أكبر فى مواجهة الزيادة السكانية من خلال حملات التوعية، خاصة فى المحافظات الأكثر إنجابًا فى الصعيد وفى أرياف المدن فى الوجه البحري؛ والتى أصبحت المركز الرئيسى للزيادة السكانية فى مصر،  كما يجب أن تكون الاستراتيجية محددة بمدة لتحقيق المستهدف منها وهو الشعور بالتنمية والعمل على رفاهة الشعب المصرى،  خاصة فى ظل وصول تعداد السكان فى مصر فى الداخل إلى 103 ملايين نسمة، وفق إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى فبراير الماضى، ومع استمرار معدل الإنجاب الحالى عند 3.4 طفل لكل سيدة حتى عام 2052 سيصل عدد سكان مصر إلى 192 مليون نسمة، وهو مؤشر كارثى بكل تأكيد على الاقتصاد المصرى وعبء كبير على ميزانية الدولة. 

أما فى حال تراجع معدل الإنجاب إلى 2.1 طفل لكل سيدة حتى عام 2052 سيصل عدد السكان إلى 143 مليون نسمة، سيكون عدد السكان أكثر توازنًا وقادرين للتعامل معه.

ولوضع استراتيجية مصرية للحد من الزيادة السكانية، هناك تجارب دولية ملهمة يمكن أن تسترشد بها مصر، مثل الاستراتيجية الصينية على سبيل المثال،  فمنذ الخمسينيات بدأت بكين تطبيق هذه السياسة بعد أن رأت أن الزيادة السكانية أصبحت مشكلة أمام أى محاولة للتقدم الاقتصادى والاجتماعى، نظرًا للنمو السريع فى عدد السكان مقارنة بالنمو الاقتصادى، وأيقنت بكين حينها أن التنمية الاقتصادية وحدها، لن تكفى لتحقيق التقدم، فلا بد من حل المشكلة السكانية، وتقييد الإنجاب من أجل تنظيم الوضع لديها، حيث ووصولا لعام 2000 اتبعت استراتيجية الطفل الواحد.

كما أن هناك التجربة الإيرانية التى انطلقت فى الستينيات وطبقت بفاعلية أكبر فى التسعينيات بدعم من المؤسسة الدينية فى إيران، وكان معدل الإنجاب الكلى فى إيران 5.62 فى عام 1990، وفى عام 2000 انخفض المعدل إلى 2 فقط، أما فى الريف فقد انخفض المعدل فى نفس الفترة من 8.1 إلى 2.4، وطبقا لآخر بيانات الأمم المتحدة، فإن معدل الإنجاب عام 2015 - 2016 انخفض إلى 1.7، وأيضا التجربة الإندونيسية والتى تتشابه كثيرا مع التجربة الإيرانية، وكلاهما بلد مسلم مثل مصر لديهما تعداد سكانى كبير، ونجحا فى تجنب الانفجار السكانى.

أخيرًا: تسعى الدولة المصرية حاليا لبناء جمهورية جديدة ومحاولة تعويض كل ما فات، وذلك فى كل الملفات وفى ظل الأزمات التى يعيشها العالم من وباء كورونا ثم الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث حققت الحكومة معدلات تنمية مرتفعة رغم كل تلك الظروف، إلا أن المواطن لم يشعر بها فى ظل هذه الزيادة الكبيرة فى أعداد المواليد، ومع تحمل أعباء سنوات من إهمال هذا الملف، فالدول التى ذكرناها أطلقت استراتيجية مواجهة الزيادة السكانية فى الستينيات ووصلت لنتيجة فى النهاية، أما مصر فلم تطبق استراتيجية صارمة ومتكاملة لتحقيق هذا الهدف.

كما لا يفوتنا أن نؤكد أن اتباع هذه الاستراتيجية سيكون محددًا بمدة حتى تتحقق رفاهة المواطن وتستطيع الدولة زيادة الإنتاج من خلال أجيال على مستوى عالٍ من التعليم والتأهيل يمكن أن تساهم فى زيادة الناتج القومى للبلاد.